الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني في سنن السجود الفعلية
المسألة الأولى في صفة الهوي للسجود
المدخل إلى المسألة:
• الإسناد ولو كان من ابتدائه إلى منتهاه ثقة عن ثقة، فلا يعتبر به إذا كان شاذًّا، لأنه من قبيل الوهم، فكيف إذا كان الإسناد منكرًا، كرواية شريك، عن عاصم، عن أبيه، عن وائل بن حجر.
• لا يصح حديث في صفة الهوي إلى السجود، وقلة الأحاديث الواردة في الباب مع ضعفها دليل على أن الأمر واسع، وأن المصلي يعمل ما هو أهون عليه، فالكبير والثقيل يحتاج إلى تقديم اليدين، والشاب عكسه.
• أصح أثر ورد في الباب أثر عمر، وقد اختلف في وصله وإرساله، وإرساله أقوى.
• على افتراض صحة أثر عمر فإنه حكاية فعل، لا ندري أكان فعله تعبدًا، أم لكونها أهون عليه؛ لأن المصلي لا بد له في هويه إما أن يقدم يديه أو يقدم ركبتيه، بخلاف القول فهو أصرح في الدلالة على قصد الصفة ونفي الاستحباب عن غيرها.
• الهوي يتعلق بأحكام الصلاة، والصحابة لهم عناية بأحكامها، فإذا لم توجد سنة صحيحة مرفوعة، ولا آثار عن الصحابة إلا عن عمر، وهو حكاية فعل مختلف في وصلها وإرسالها، وعن ابنه ولا يثبت، فالاحتياط للعبادة ألا نجزم باستحباب صفة معينة إلا بدليل صريح.
[م-666] اختلف العلماء في صفة الهوي للسجود،
فقيل: يقدم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، وهذا مذهب الجمهور من
الحنفية، والشافعية، والحنابلة، ورواية عن مالك
(1)
.
قال الترمذي والخطابي وبهذا قال أكثر العلماء، وحكاه أيضًا القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء
(2)
.
وقيل: يقدم يديه، ثم ركبتيه، وهو المعتمد في مذهب المالكية، قال ابن رشد: هو أولى الأقوال بالصواب، وهو رواية عن أحمد، وبه قال الأوزاعي، ونقله الشوكاني عن العترة
(3)
.
وقال الأوزاعي: «أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم»
(4)
.
وقيل: تقديم اليدين على الركبتين فرض، وهو قول شاذ
(5)
.
وروى ابن عبد الحكم، عن مالك: يقدم أيهما شاء، وروى ابن حبيب:
(1)
. المبسوط (1/ 32)، البحر الرائق (1/ 335)، تحفة الفقهاء (1/ 134)، بدائع الصنائع (1/ 210)، العناية شرح الهداية (1/ 302)، تبيين الحقائق (1/ 116)، ملتقى الأبحر (ص: 146)، حاشية ابن عابدين (1/ 497)، مواهب الجليل (1/ 541)، الشامل في فقه الإمام مالك (1/ 108)، الأم (1/ 136)، الحاوي الكبير (2/ 125)، المجموع (3/ 421)، روضة الطالبين (1/ 258)، تحفة المحتاج (2/ 75)، مغني المحتاج (1/ 374)، نهاية المحتاج (1/ 515)، مختصر الخرقي (ص: 22)، الهداية لأبي الخطاب (ص: 83)، الفروع (2/ 200)، المبدع (1/ 399)، الإقناع (1/ 121)، شرح منتهى الإرادات (1/ 197).
(2)
. قال الترمذي في السنن (2/ 57): «والعمل عليه عند أكثر أهل العلم» .
وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 208): «اختلف الناس في هذا، فذهب أكثر العلماء إلى وضع الركبتين قبل اليدين» . وانظر: المجموع للنووي (3/ 421).
(3)
. مختصر خليل (ص: 33)، جامع الأمهات (ص: 97)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 250)، مواهب الجليل (1/ 541)، التوضيح لخليل (1/ 358)، منح الجليل (1/ 263)، شرح زروق على الرسالة (1/ 232)، الفروع (2/ 200)،.
وانظر قول الأوزاعي: في الحاوي الكبير (2/ 125)، المهذب (1/ 144)، حلية العلماء للقفال (2/ 120).
(4)
. قال حرب الكرماني في مسائله (423): حدثنا محمد بن المصفى، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، قال: أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم.
(5)
. قال ابن حزم في المحلى، مسألة (456):«وفرض على كل مُصَلٍّ أن يضع -إذا سجد- يديه على الأرض قبل ركبتيه ولا بد» .
لا تحديد
(1)
.
وأما الجبهة والأنف:
فقيل: يضعهما دفعة واحدة، وهو قول في مذهب الحنفية، وبه صرح الرافعي في المحرر، ونقله في المجموع عن الْبَنْدَنِيجِي، وهو ظاهر مذهب الحنابلة
(2)
.
وقيل: يقدم الجبهة على الأنف وهو مذهب الحنفية، ووجه في مذهب الشافعية
(3)
.
قال في البدائع: «ومنها أن يضع جبهته ثم أنفه، وقال بعضهم: أنفه ثم جبهته»
(4)
.
وقيل: يقدم أيهما شاء، اختاره أبو حامد من الشافعية
(5)
.
وقيل: يقدم أنفه، ثم جبهته، اختاره بعض الحنفية
(6)
.
ولا ترتيب بينهما؛ لأنه عضو واحد.
• دليل من قال: يقدم ركبتيه، ثم يديه.
الدليل الأول:
(ح-1840) ما رواه أبو داود من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه،
عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه
(7)
.
(1)
. مواهب الجليل (1/ 541)، التاج والإكليل (2/ 247)، لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 142)، الذخيرة للقرافي (2/ 195)،.
(2)
. المجموع (3/ 424)، تحرير الفتاوى للعراقي (1/ 257)، بحر المذهب للروياني (2/ 47)، غاية البيان شرح زبد ابن رسلان (ص: 97).
(3)
. تبيين الحقائق (1/ 116)، مجمع الأنهر (1/ 97)، حاشية ابن عابدين (1/ 498)، بدائع الصنائع (1/ 210).
(4)
. بدائع الصنائع (1/ 210).
(5)
. تحرير الفتاوى للعراقي (1/ 257)، الغرر البهية شرح البهجة الوردية (1/ 332)، غاية البيان شرح زبد ابن رسلان (ص: 97).
(6)
. الدر المختار (ص: 68)، حاشية ابن عابدين (1/ 498).
(7)
. سنن أبي داود (838).
[منكر، تفرد به شريك، عن عاصم، وقد رواه عشرون نفسًا فلم يقل أحد منهم ما قاله شريك، وقد اضطرب في إسناده، وفي متنه، وشريك ليس له عن عاصم غير هذا الحديث، فجمع في حديثه بين النكارة والاضطراب والتفرد]
(1)
.
(1)
. الحديث مداره على عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل، رواه ما يقارب العشرين نفسًا عن عاصم، فلم يقل واحد منهم: كان يضع يديه قبل ركبتيه.
ورواه شريك، وهو سيئ الحفظ، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه قبل ركبتيه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه.
ولو كان شريك ثقة لم يقبل منه تفرده بما لم يتابعه عليه أحد من أصحاب عاصم، فكيف وهو سيئ الحفظ، فالنكارة ظاهرة على روايته، والمنكر لا يمكن الاعتبار به، ولا تقويته، وأعجب ممن يحاول أن يقويه بمرسل من هنا أو موقوف من هناك، فإذا كان الشاذ، وهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه لا يعتبر به، فكيف يعتبر بالمنكر.
وإذا أضيف على ذلك اضطراب شريك في حديثه عن عاصم، سندًا ومتنًا ازداد ظلمة على ظلمته، واستوحشت النفس من قبول روايته، فالحديث انطوى على أربع أو خمس علل:
الأولى: تفرد شريك بهذا اللفظ عن عاصم.
العلة الثانية: مخالفته لكل أصحاب عاصم، ممن روى هذا الحديث، مثل الثوري، وشعبة، وزائدة بن قدامة، وعبد الله بن إدريس، وابن عيينة، وأبي الأحوص، وابن فضيل، وزهير بن معاوية، وخالد بن عبد الله الواسطي، وأبي عوانة الضحاك بن عبد الله اليشكري، وجرير بن عبد الحميد وغيرهم كثير حتى قاربوا العشرين راويًا، فلو كان هذا الحرف من حديث عاصم كيف غاب عنهم، وحفظه شريك، مع سوء حفظه.
العلة الثالثة: شريك لا يعرف بالرواية عن عاصم، وليس له إلا هذا الحديث، وأثر موقوف على عليٍّ، فتفرده، ومخالفته لأصحاب عاصم، مع قلة روايته مما يزيد من نكارته وغرابته.
قال يزيد بن هارون كما في سنن الترمذي (2/ 56): «لم يروِ شريك عن عاصم بن كليب غير هذا الحديث الواحد» . يقصد مرفوعًا، وقد تحققتُ من صحة كلامه عن طريق البحث الحاسوبي.
ولهذا ضعفه الترمذي واستغربه، فقال في السنن (2/ 56): «هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا غير شريك، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم
…
».
وكونه قول أكثر أهل العلم لا يجعل الحديث المنكر صالحًا للاحتجاج، بل لو أجمع العلماء على سنية وضع الركبتين قبل اليدين كان الاحتجاج بالإجماع وليس بالحديث المنكر، ولهذا حكم بضعفه وغرابته الإمام الترمذي، فالحسن عند الترمذي هو الحديث الضعيف، وكونك تذهب بالفقه إلى ترجيح تقديم الركبتين يجب أن يكون هذا بمعزل عن الحكم على الحديث من حيث الصنعة الحديثية، فالعمل عند أكثر أهل العلم لا يرفع حديثًا معلولًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال ابن أبي داود نقلًا من سنن الدارقطني (2/ 150): «تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك: ليس بالقوي فيما يتفرد به، والله أعلم» . وأقره الدارقطني، ولم يتعقبه.
العلة الرابعة: اضطراب شريك في إسناده،
فقال مرة: عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل.
وقال في أخرى: عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله.
وقال في إسناد ثالث: عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل، عن أبيه.
وقال في إسناد رابع: عن أبي إسحاق، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه.
وقال في إسناد خامس: شريك، عن سماك، عن علقمة، عن أبيه،
فإذا لم تكن رواية شريك مضطربة، فلا يُعْرَفُ في الأحاديث حديث مضطرب.
واضطرب في متنه، ولفظه، فمرة يذكر رفع اليدين للسجود، وهو مخالف لحديث ابن عمر المتفق عليه أنه كان لا يرفع يديه إذا سجد، فلا أدري كيف على هذا الاختلاف من التفرد، والمخالفة، والاضطراب يمكن للباحث أن يقبل حديث شريك، ويحتج به، أو يقويه بغيره.
العلة الخامسة: قال الترمذي في السنن (2/ 56): وروى همام عن عاصم مرسلًا، ولم يذكر فيه وائل بن حجر.
يقصد رواية همام عن شقيق أبي الليث، عن عاصم، وقال الترمذي في العلل الكبير (ص: 69)،:«وروى همام بن يحيى عن شقيق عن عاصم بن كليب شيئًا من هذا مرسلًا، لم يذكر فيه: عن وائل بن حجر، وشريك بن عبد الله: كثير الغلط والوهم» .
ورواه أبو داود في السنن (736، 839)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 142) من طريق حجاج (يعني ابن منهال):
ورواه أبو داود في المراسيل (42)، والبيهقي في المعرفة (3/ 17) من طريق عفان،
والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 255)، والطبراني في الأوسط (5911) من طريق أبي عمر الحوضي، ومن طريق حبان بن هلال،
وعن همام: عن شقيق أبي الليث، حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه، قال: وكان إذا نهض في فصل الركعتين، نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه. هكذا مرسلًا، قال البيهقي في المعرفة (3/ 17): وهو المحفوظ.
وشقيق أبو الليث فيه جهالة، لا يعرف بغير رواية همام.
والغريب أن بعضهم يحاول تقوية رواية شريك بهذا المرسل، والمخرج واحد، فكل هذه العلل تبين عوار رواية شريك، عن عاصم، هذا الكلام في الحديث من حيث الجملة وإليك التخريج على وجه التفصيل: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الأول: رواية يزيد بن هارون، عن شريك، عن عاصم.
رواه أبو داود (838)، والترمذي (268)، والنسائي في المجتبى (1089، 1154)، وفي الكبرى (680، 744)، وابن ماجه (882)، والدارمي (1359)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 39) ح 97، والبزار في مسنده (4483)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 255)، والطوسي في مستخرجه (251)، وابن خزيمة (626، 629)، وابن حبان (1912)، والدارقطني (1307)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 142)، من طرق عن يزيد ابن هارون، عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه.
هذه رواية يزيد بن هارون، عن شريك، عن عاصم، ورواه غيره، عن شريك، فلم يذكر صفة الهوي في السجود.
الثاني: عثمان بن أبي شيبة، عن شريك.
رواه عثمان بن أبي شيبة، عن شريك بلفظ: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه، قال: ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة وعليهم برانس وأكسية.
رواه أبو داود (728) ومن طريقه الخطيب في الفصل للوصل (1/ 441، 442)، والبغوي في شرح السنة (3/ 27).
ورواه الخطيب في الفصل للوصل (1/ 442) من طريق المعمري، كلاهما (أبو داود والمعمري) عن عثمان بن أبي شيبة، عن شريك به.
الثالث، والرابع: محمد بن سعيد الأصبهاني، ويحيى الحماني.
رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 196) من طريق محمد بن سعيد الأصبهاني.
والطبراني في الكبير (22/ 39) ح 96، من طريق يحيى الحماني (حافظ متهم بسرقة الأحاديث)، كلاهما عن شريك به، ولفظ الطحاوي: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يرفع يديه حذاء أذنيه، إذا كبر، وإذا رفع، وإذا سجد، فذكر من هذا ما شاء الله، قال: ثم أتيته من العام المقبل، وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم فيها، وأشار شريك إلى صدره.
واقتصر الطبراني على رفع الأيدي حذاء الأذنين حين افتتح الصلاة.
الخامس: يحيى بن آدم، عن شريك.
رواه أحمد (4/ 318)، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا شريك، به، بلفظ:(أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة آمين).
السادس: يحيى بن أبي بكير، عن شريك.
رواه الطبراني في الكبير (22/ 41) ح 102، بلفظ:(أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بآمين).
هكذا رواه عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن سعيد الأصبهاني، والحماني، ويحيى بن آدم، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ويحيى بن أبي بكير، خمستهم رووه عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل، فاتفقوا مع يزيد بن هارون في إسناده، وخالفوه في لفظه، ولم يقل أحد منهم ما ذكره يزيد بن هارون، عن شريك.
فإن قيل: إن ابن حبان قد ذكر في الثقات (6/ 444): سماعُ المتقدمين منه، الذين سمعوا منه بواسط، ليس فيه تخليط، مثل يزيد بن هارون، وإسحاق الأزرق؛ وسماع المتأخرين منه بالكوفة، فيه أوهام كثيرة».
فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أننا لو فرضنا أن شريكًا ثقة، وخالف عشرين نفسًا رووه عن عاصم، واضطرب في إسناده لم يقبل منه، كيف، وهو أحسن أحواله، أن يكون صدوقًا، وليس معروفًا بالرواية عن عاصم، فليس له إلا هذا الحديث، فكيف يقدم على أصحاب عاصم؟.
الوجه الثاني: أن ما ذكره ابن حبان ليس دقيقًا، فقد قال يزيد بن هارون كما في حلية الأولياء (7/ 213):«قدمت الكوفة، فما رأيتُ بها أحدًا إلا يُدَلِّسُ ما خلا مِسْعَرًا وشريكًا» . فدل على سماعه منه بالكوفة، وانظر: الكفاية في علم الرواية (ص 361)، وجامع التحصيل (ص: 114).
فهذا يدل على أن يزيد بن هارون سمع منه بالكوفة أيضًا، وبعد ما ساء حفظه.
وخالف هؤلاء كل من:
زكريا بن يحيى زحمويه كما في المعجم الكبير للطبراني رواه (18/ 336) ح 861.
وسعيد (هو ابن منصور)، كما في الأوسط لابن المنذر (3/ 73).
وإبراهيم بن عبد الله الهروي كما في طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ (3/ 567)، وتاريخ أصبهان لأبي نعيم (2/ 131).
والوركاني (محمد بن جعفر) ومحرز بن عون، كما في معجم الصحابة لابن قانع (2/ 330)، خمستهم رووه عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله، بلفظ: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء، فوجدتهم يصلون في البرانس والأكسية، وأيديهم فيها. والحمل في هذا التخليط على شريك.
وخالف كل هؤلاء وكيع، فرواه أحمد (4/ 316)، وأبو داود (729) عن وكيع، عن شريك عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه، بلفظ: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء، قال: فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم.
فهنا جعل الحديث من رواية عاصم، عن علقمة بدلًا من عاصم بن كليب، وهو شاهد على اضطراب شريك في إسناده ..
هذه وجوه الاختلاف على شريك في روايته عن عاصم بن كليب.
ورواه شريك من غير طريق عاصم بن كليب:
فقيل: عن شريك، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه. =
الدليل الثاني:
(ح-1841) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا همام، حدثنا محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل،
عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديث الصلاة، قال: فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه
(1)
.
[إسناده منقطع عبد الجبار لم يسمع من أبيه، وقد رواه عفان وعبد الوارث عن همام، عن عبد الجبار، عن علقمة، عن وائل فوصلاه، وليس فيه قوله: (فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض)، وهو المعروف]
(2)
.
= رواه الطبراني في الكبير (22/ 13) ح 11، من طريق عمر بن محمد بن الحسن الأسدي، عن شريك به، بلفظ:(أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: ولا الضالين، قال: آمين).
…
ورواه الأسود بن عامر، واختلف عليه فيه:
فرواه أحمد (4/ 318)،
ومحمد بن إسحاق الصغاني كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 84) عن أسود بن عامر، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه، بلفظ:(سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بآمين).
وخالفهما أبو كريب، فرواه مسلم في التمييز (38) عنه، قال: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شريك، عن سماك، عن علقمة، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله يجهر بآمين.
والمحفوظ من رواية أبي إسحاق، أنه يرويه عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، وسبق تخريجه.
فواضح أن شريك بن عبد الله النخعي قد اضطرب في إسناده، ولفظه، فمرة يرويه عن عاصم ابن كليب، ومرة يقول عن أبيه عن وائل بن حجر، ومرة يقول عن أبيه عن خاله، وثالثة يقول عن عاصم بن كليب عن علقمة بن وائل عن أبيه.
وأحيانًا يرويه عن غير عاصم بن كليب، فيرويه عن أبي إسحاق، عن علقمة،
ومرة عن سماك عن علقمة، فواضح شدة اضطراب شريك في إسناده، كما لم يسلم لفظه من زيادات شاذة.
وقد رواه ما يقارب من عشرين نفسًا، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل، جلهم أوثق من شريك، وأكثر رواية منه عن عاصم، فلم يذكروا صفة الهوي من لفظ الحديث، وقد خرجت طرقهم وسقت ألفاظهم في بحث سابق، انظر تخريجها في (ح 1247)، فأغنى ذلك عن تكرارها، ولله الحمد.
(1)
. سنن أبي داود (839).
(2)
. اختلف على عبد الجبار بن وائل في إسناده ولفظه، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فرواه همام، عن عبد الجبار، واختلف على همام فيه:
فرواه عفان وعبد الوارث، عن همام، عن عبد الجبار بن وائل، عن أخيه علقمة بن وائل، عن أبيه وائل بن حجر، وليس فيه (ذكر صفة الهوي للسجود).
أخرجه مسلم (54 - 401)، وأحمد (4/ 317، 318)، وأبو عوانة في مستخرجه (1596)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 188)، وابن خزيمة مختصرًا (906)، وأبو نعيم في مستخرجه (889)، والبيهقي في السنن، من طريق عفان، عن همام، حدثنا محمد بن جحادة، حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم، عن أبيه، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر -وصف همام حيال أذنيه- ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر فركع، فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما، سجد سجد بين كفيه.
وهذا هو المحفوظ من حديث همام، وعفان من أثبت أصحاب همام، وكل من خالفه في هذا الحديث في إسناده أو لفظه، فالقول قول عفان.
ولم ينفرد به عفان، فقد تابعه عبد الوارث بن سعيد (ثقة).
أخرجه أبو داود في السنن (723) حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي (ثقة ثبت)،
والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 257)، وفي أحكام القرآن (338)، والطبراني في الكبير (22/ 28) ح 61 من طريق أبي معمر المقعد: عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج (ثقة)،
وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2619)، والطبراني في الكبير (22/ 28)، ح 61، عن محمد بن عبيد بن حساب (ثقة).
وابن خزيمة (905)، وأبو نعيم في مستخرجه مقرونًا بغيره (889) عن عمران بن موسى القزاز (صدوق)،
وابن حبان (1862) من طريق إبراهيم بن الحجاج السامي (ثقة)،
خمستهم (عبيد الله، وأبو معمر، ومحمد بن عبيد، وعمران وابراهيم بن الحجاج السامي) رووه عن عبد الوارث، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، قال:: كنت غلامًا لا أعقِلُ صلاةَ أبي، قال: فحدثني وائل بن علقمة، عن أبي: وائل بن حجر، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كبر رفع يديه، قال: ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه، وأدخل يديه في ثوبه قال: فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود أيضا رفع يديه حتى فرغ من صلاته
…
قال أبو داود: روى هذا الحديث همام، عن ابن جحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود.
وليس فيه صفة الهوي للسجود.
وخالفهما حجاج بن منهال، وأبو عمر الحوضي في إسناده، ولفظه: =
وإذا كانت رواية شريك، لا تصلح للاعتبار، فكذلك رواية حجاج بن منهال، وأبي عمر الحوضي، عن همام، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، لا تصلح للاعتبار؛ ليس لأنها فقط منقطعة، فالضعيف غير مدفوع عن الاعتبار، وإنما لأنها خالفت رواية عفان بن مسلم، وعبد الوارث، عن همام، وهي رواية موصولة، وفي صحيح مسلم، والمنكر والشاذ لا يصلحان للاعتبار.
الدليل الثالث:
(ح-1842) ما رواه البيهقي من طريق أبي كريب، حدثنا محمد بن حجر، ثنا
= أما المخالفة في إسناده، فروياه عن همام، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه بإسقاط علقمة، فصار الإسناد منقطعًا.
وأما لفظه: فزادا فيها صفة الهوي للسجود.
رواه الطبراني في المعجم الكبير (22/ 60) ح 60، حدثنا علي بن عبد العزيز.
وأبو جعفر البختري كما في مجموع مصنفات أبي جعفر (36 - 705) قال: حدثنا حنبل: كلاهما عن حجاج بن منهال: حدثنا همام: حدثنا محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل ابن حجر، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه وكبر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع قال هكذا بثوبه، وأخرج يديه، ثم رفعهما، وكبر وركع فلما أراد أن يسجد، وقعت ركبتاه على الأرض قبل كفيه، فلما سجد وضع جبهته بين كفيه، وجافى عن إبطيه»، قال: همام: وأكبر علمي أن في حديث محمد بن جحادة، فإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه.
ورواه أبو داود (736، 839)، حدثنا محمد بن معمر.
والقطيعي في جزء الألف دينار (182)، وأبو نعيم في مستخرجه (889)، عن إبراهيم بن عبد الله بن مسلم (الْكَشِّيِّ)، كلاهما عن حجاج بن منهال به، مختصرًا.
وتابع أبو عمر الحوضي حجاجًا في إسناده، فرواه الطبراني في الكبير (22/ 27) ح 60، وأبو نعيم في مستخرجه (889) مقرونًا برواية حجاج بن منهال.
والمحفوظ رواية عفان وعبد الوارث عن همام بذكر علقمة بن وائل، وليس فيه ذكر صفة الهوي للسجود.
فهذان اختلافان على همام، وفيه اختلاف ثالث:
قيل: عن همام: عن شقيق أبي الليث، حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه، قال: وكان إذا نهض في فصل الركعتين، نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه. هكذا مرسلًا، ليس فيه وائل بن حجر.
وقد سبق تخريجه في أثناء الكلام على الدليل الأول.
سعيد بن عبد الجبار، عن عبد الجبار بن وائل، عن أمه،
عن وائل بن حجر قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سجد وكان أول ما وصل إلى الأرض ركبتاه
(1)
.
[ضعيف جدًّا]
(2)
.
الدليل الرابع:
(ح-1843) ما رواه ابن خزيمة، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى ابن سلمة بن كهيل، حدثني أبي، عن أبيه، عن سلمة، عن مصعب بن سعد،
عن سعد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين
(3)
.
[منكر]
(4)
.
• ونوقش هذا:
قال البيهقي: «هذا إن كان محفوظًا دل على النسخ، غير أن المحفوظ عن
(1)
. السنن الكبرى للبيهقي (2/ 143).
(2)
. قال ابن التركماني في الجوهر النقي: «محمد بن حجر قال الذهبي: له مناكير، وأم عبد الجبار هي أم يحيى لم أعرف حالها ولا اسمها» .
قال البزار: «وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن وائل بن حجر بهذا الإسناد» .
ومحمد بن حجر بن عبد الجبار: قال البخاري: «فيه نظر» ، وهذا جرح شديد، وقال أبو أحمد الحاكم في الكنى: ليس بالقوي عندهم. وقال أبو حاتم: «كوفي شيخ» .
هكذا رواه أبو كريب محمد بن العلاء (وهو ثقة حافظ) وقد خالفه كل من:
بشر بن موسى كما في المعجم الكبير للطبراني (22/ 49) ح 118،
وإبراهيم بن سعد كما في مسند البزار (448)، كلاهما عن محمد بن حجر بن عبد الجبار ابن وائل الحضرمي، حدثني عمي سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه، عن أمه أم يحيى، عن وائل ابن حجر قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أُتِي بإناء فيه ماء .... فذكر في حديث طويل صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وصفة صلاته مفصلة، فروايتهما أتم من رواية أبي كريب، وليس فيه صفة الهوي للسجود، والحمل في هذا الاختلاف على محمد بن حجر بن عبد الجبار.
(3)
. صحيح ابن خزيمة (628).
(4)
. ومن طريق ابن خزيمة أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 144).
وفي إسناده إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو متروك، وفيه أيضًا: ابنه إبراهيم، وهو ضعيف.
قال ابن حجر في الفتح (2/ 291): «وهذا لو صح لكان قاطعًا للنزاع، لكنه من أفراد إبراهيم ابن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، وهما ضعيفان» .
مصعب، عن أبيه: حديث نسخ التطبيق»
(1)
.
وقال الحازمي وابن القيم بمثل ما قال البيهقي
(2)
.
(ح-1844) يريد البيهقي الإشارة إلى ما رواه البخاري في صحيحه من طريق شعبة، عن أبي يعفور، قال:
سمعت مصعب بن سعد، يقول: صليت إلى جنب أبي، فطبقت بين كفي، ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني أبي، وقال: كنا نفعله، فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب
(3)
.
الدليل الخامس:
(ح-1845) ما رواه الدارقطني من طريق العلاء بن إسماعيل العطار، حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم الأحول،
عن أنس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر حتى حاذى بإبهاميه أذنيه، ثم ركع حتى استقر كل مفصل منه في موضعه، ثم رفع رأسه حتى استقر كل مفصل منه في موضعه، ثم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه
(4)
.
[منكر]
(5)
.
(1)
. معرفة السنن (3/ 19).
(2)
. الاعتبار (ص: 160)، زاد المعاد (1/ 227).
(3)
. صحيح البخاري (790).
(4)
. سنن الدارقطني (1308)، ومن طريقه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (2310).
(5)
. الحديث رواه الحاكم (822)، وعنه البيهقي في السنن الكبرى (2632)، من طريق العباس بن محمد الدوري، حدثنا العلاء بن إسماعيل العطار به.
وسئل أبو حاتم عن الحديث الذي رواه فقال: منكر، انظر لسان الميزان (5/ 462).
والحديث فيه علتان، الأولى: تفرد العلاء بن إسماعيل العطار، قال ابن القيم: مجهول، كما في حاشية ابن القيم على السنن مع عون المعبود (3/ 50).
ونقل ابن حجر في التلخيص (1/ 617) عن البيهقي أنه قال: تفرد به العلاء بن العطار، والعلاء مجهول. اهـ ولعل كلمة: وهو مجهول من كلام الحافظ، لا من كلام البيهقي، لأن الموجود في السنن الكبرى قوله: تفرد به العلاء بن إسماعيل.
العلة الثانية: المخالفة، فقد خالفه عمر بن حفص بن غياث، وهو من أثبت الناس في أبيه =
الدليل السادس:
(ث-442) ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا يعلى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، أن عمر، كان يقع على ركبتيه
(1)
.
[اختلف في وصله وإرساله، وإرساله أقوى]
(2)
.
ويناقش:
هذا أصح أثر نقل في المسألة، مع الاختلاف في وصله وإرساله، وهو حكاية فعل، لا ندري أكان عمر رضي الله عنه فعله تعبدًا أم لكونه أهون عليه؛ لأن المصلي لابد له إما أن يقدم يديه، أو يقدم ركبتيه إذا هوى للسجود، بخلاف القول فهو أصرح في الدلالة على قصد الصفة ونفي الاستحباب عن غيرها.
= فرواه، عن أبيه، عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، وغيره عن عمر موقوفًا عليه. وهذا هو المعروف، وسوف يأتي تخريج أثر عمر رضي الله عنه في مسألة مستقلة إن شاء الله تعالى.
(1)
. المصنف (2704).
(2)
. الأعمش مكثر عن النخعي، فلا تضر عنعنته عند من يعتبر العنعنة علة، انظر الميزان (2/ 224).
وقد اختلف فيه على الأعمش:
فرواه يعلى بن عبيد الطنافسي (ثقة إلا في حديثه عن الثوري) كما في منصف ابن أبي شيبة (2704)، والأوسط لابن المنذر (3/ 165)، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر رضي الله عنه موصولًا.
تابعه حفص بن غياث، كما في شرح معاني الآثار (1/ 256) عن الأعمش قال: حدثني إبراهيم، عن أصحاب عبد الله علقمة والأسود، فقالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير ووضع ركبتيه قبل يديه.
وخالفهما الثوري ومعمر كما في مصنف عبد الرزاق (2955)،
ووكيع كما في مصنف ابن أبي شيبة (2703)،
وأبو معاوية كما في تهذيب الآثار للطبري، مسند ابن عباس (650).
أربعتهم، الثوري، ومعمر، ووكيع، وأبو معاوية، رووه عن الأعمش، عن إبراهيم، أن عمر كان إذا ركع يقع كما يقع البعير، ركبتاه قبل يديه، ويكبر، ويهوي.
وهذا منقطع، إبراهيم لم يدرك عمر رضي الله عنه، وليس له رواية عن أحد من الصحابة، وأبو معاوية من أثبت أصحاب الأعمش، وكذا الثوري ووكيع، فأخشى أن يكون إرسال هؤلاء علة في الرواية الموصولة، والله أعلم.
الدليل السابع:
(ث-443) روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن ابن أبي ليلى، عن نافع،
عن ابن عمر أنه كان يضع ركبتيه إذا سجد قبل يديه، ويرفع يديه إذا رفع قبل ركبتيه
(1)
.
[منكر، وروي عن ابن عمر خلافه، وهو المعروف]
(2)
.
الدليل الثامن:
(ث-444) ما رواه الطحاوي من طريق الحجاج بن أرطاة، أخبرهم، قال:
قال إبراهيم النخعي: حفظ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن ركبتيه كانتا تقعان إلى الأرض قبل يديه
(3)
.
[ضعيف، لانقطاعه، ولضعف حجاج]
(4)
.
الدليل التاسع:
استدل الطحاوي من جهة النظر، فقال:«العلماء متفقون على أنه إذا سجد، فإن الرأس يضعها بعد الركبتين واليدين، لا قبلهما، وفي الرفع من السجود يقدم الرأس، ثم اليدين، ثم الركبتين، فما كان الرأس مؤخرًا عند السجود، مقدمًا في الرفع، فالنظر أن تكون اليدان في السجود مؤخرتين كذلك؛ لأنهما مقدمتان في الرفع»
(5)
.
وقال نحوه ابن القيم، ولكن بلفظ آخر، فقال: «المصلي في انحطاطه ينحط منه إلى الأرض الأقرب إليها أولًا، ثم الذي من فوقه، ثم الذي من فوقه حتى ينتهي
(1)
. المصنف (2705).
(2)
. محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيئ الحفظ، وقد روى البخاري معلقًا بصيغة الجزم عقب ح (802)، قال البخاري: قال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه. اهـ وسوف يأتي تخريجه إن شاء الله في أدلة القول الثاني.
(3)
. شرح معاني الآثار (1/ 256).
(4)
. في إسناده الحجاج بن أرطاة، ضعيف، ومدلس، وقد قال: قال إبراهيم، كما أن إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود.
(5)
. شرح معاني الآثار (1/ 256).
إلى أعلى ما فيه، وهو وجهه، فإذا رفع رأسه من السجود ارتفع أعلى ما فيه أولًا، ثم الذي دونه حتى يكون آخر ما يرتفع منه ركبتاه»
(1)
.
• دليل من قال: يضع يديه قبل ركبتيه:
الدليل الأول:
(ح-1846) ما رواه أحمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل، وليضع يديه، ثم ركبتيه
(2)
.
[معلول، تفرد به محمد بن عبد الله بن الحسن وليس له رواية عن أبي الزناد إلا هذا الحديث]
(3)
.
(1)
. كتاب الصلاة لابن القيم (ص: 166).
(2)
. المسند (2/ 381).
(3)
. الحديث رواه محمد بن عبيد الله (ثقة) كما في التاريخ الكبير (1/ 139)، وسنن الدارقطني (1305)،
ومروان بن محمد (ثقة) كما في المجتبى من سنن النسائي (1091)، والسنن الكبرى له (682)، وسنن الدارقطني (1304).
ويحيى بن حسان (ثقة) كما في سنن الدارمي (1360)، ثلاثتهم رووه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن محمد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ورواه سعيد بن منصور، واختلف عليه:
فرواه أحمد بن حنبل كما في المسند (2/ 381)،
وأبو داود في السنن (840)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 143).
وصالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث المصري (صدوق)، كما في شرح معاني الآثار (1/ 254)، ومشكل الآثار (182).
وعبد الرحمن بن معدان كما في فوائد تمام (720)،
وخلف بن عمرو العكبري (ثقة) كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 143)،
ومحمد بن علي (هو الصائغ ثقة) كما في الدلائل في غريب الحديث (539)، ستتهم رووه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
…
عن سعيد بن منصور، حدثنا عبد العزيز بن محمد به، وقالوا:(وليضع يديه قبل ركبتيه) وفي رواية: (ثم ركبتيه).
وخالفهم: الحسن بن علي بن زياد، فرواه عن سعيد بن منصور به، كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 143)، بلفظ:(وليضع يديه على ركبتيه).
والحسن بن علي بن زياد السري ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام (6/ 932)، والسمعاني في الأنساب (7/ 136) فلم يذكرا فيه شيئًا، فالرواية هذه خطأ قطعًا، ولا ينبغي أن يحكم على لفظ الحديث بالاضطراب بسبب هذه الرواية لنكارتها، فقد خالف فيها الحسن بن علي بن زياد الإمام أحمد والإمام أبا داود ومحمد بن علي الصائغ، وخلف بن عمرو، وهم ثقات، فلو كان ثقة لم يقبل منه مخالفة الإمام أحمد، كيف وهو فيه جهالة.
وتابع عبد الله بن نافع الصائغ الدراوردي في رواية الحديث من هذا الوجه، إلا أنه لم يذكر فيه (وليضع يديه قبل ركبتيه).
رواه أبو داود (841)، والترمذي في السنن (269)، والنسائي في المجتبى (1090)، وفي الكبرى (681)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 144) من طريق قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد الله بن نافع به، بلفظ: يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل.
وليس فيه (وليضع يديه قبل ركبيته).
وخالف هؤلاء في لفظه، عبد الله بن سعيد المقبري، فرواه عن جده، عن أبي هريرة إذا سجد أحدكم فليبتدئ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2702)، وأبو يعلى في المسند (6540)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 255)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 143) من طريق محمد بن فضيل، عن عبد الله بن سعيد به.
وعبد الله بن سعيد متروك، قال فيه أحمد: منكر الحديث متروك.
وقال البخاري: عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن جده، قال يحيى القطان: استبان لي كذبه في مجلس، ويقال له: أبو عباد. التاريخ الكبير (5/ 105).
قال البيهقي: عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف.
الحديث أعل بأكثر من علة:
العلة الأولى: الاضطراب في لفظه، فمنهم من يقول:(وليضع يديه قبل ركبتيه)، ومنهم من يقول:(وليضع ركبتيه قبل يديه)، ومنهم من يقول:(وليضع يديه على ركبتيه)، ومنهم من يحذف هذه الجملة رأسًا.
ويجاب عن هذه العلة:
بأن من شروط الاضطراب استواء وجوه الاختلاف، وقد تبين أن لفظ:(وليضع يديه على ركبتيه)، تفرد به الحسن بن علي بن زياد، عن سعيد بن منصور، وأصحاب سعيد كالإمام أحمد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأبي داود، وغيرهم رووه عن سعيد بن منصور كرواية الجماعة، فهي من قبيل الوهم.
وأما لفظ: (فليضع يديه على ركبتيه) فهذا اللفظ تفرد به عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو متروك، فلا يعارض بها رواية الدراوردي.
ويبقى النظر في حذف جملة (وليضع يديه قبل ركبتيه) زادها الدراوردي، ولم يذكرها عبد الله بن نافع الصائغ، وسوف أفرد الكلام على هذه العلة على وجه الاستقلال، إنما أوردت هاهنا مناقشة دعوى الاضطراب في لفظه.
العلة الثانية: تفرد محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية عن أبي الزناد بهذا الحديث، ولم يعرف بالرواية عن أبي الزناد، وليس له عن أبي الزناد في كتب السنة إلا هذا الحديث، فمثله لا يحتمل تفرده، وقد قال ابن سعد: كان قليل الحديث، وكان يلزم البادية ويحب الخلوة، وأبو الزناد له أصحاب يعتنون بحديثه، فأين أصحاب أبي الزناد مالك والثوري وابن عيينة، وابنه عبد الرحمن، والليث وشعيب، وغيرهم من أصحابه المكثرين عنه، أين هم من هذا الحديث الذي يتعلق بالصلاة، فلو كان هذا من حديث أبي الزناد، لما انفرد عنهم راو بهذا الحديث الذي هو أصل في الباب، فلا يرويه إلا رجل لا يعرف بالرواية عنه إلا بهذا الحديث.
ولهذا استغربه الترمذي، فقال في السنن (2/ 75):«حديث أبي هريرة حديث غريب، لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه» .
وحق للإمام أبي عبد الله البخاري أن يشكك في سماع النفس الزكية من أبي الزناد، فقال كما في التاريخ الكبير (1/ 139):«ولا يتابع عليه، ولا أدري سمع من أبي الزناد، أم لا؟» .
فأشار بهذه العبارة المختصرة إلى علتين: الأولى تفرده، بقوله: لم يتابع عليه.
والثانية: كونه لا يعرف بالرواية عنه، فقال: ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟.
وبعضهم يرد على الإمام البخاري بأن هذا بناء على علو شرطه في اشتراط العلم بالسماع، وهذا ليس دقيقًا، فالبخاري يصحح أحاديث كثيرة في أجوبته للترمذي، وقد يقال: علو شرطه خَصَّ به ما يرويه في كتابه الجامع الصحيح، وهذا ليس منها.
وقال البيهقي في السنن الكبرى (2/ 143): «ينفرد به محمد بن عبد الله بن الحسن، وعنه الدراوردي، وقد رواه عبد الله بن نافع مختصرًا»
العلة الثالثة: تفرد الدراوردي عن النفس الزكية، بقوله:(وليضع يديه قبل ركبتيه)،
فقد رواه عبد الله بن نافع الصائغ (صدوق فيه لين)، عن النفس الزكية، دون هذا الحرف، ولفظه:(يعمِدُ أحدُكم في صلاته، فيبرُك كما يبرُك الجمل).
فعبد الله بن نافع والدراوردي يتفقان في الرواية عن النفس الزكية بالنهي عن التشبه ببروك البعير، وينفرد الدراوردي بلفظ:(وليضع يديه قبل ركبتيه)، ولا يعرف الدراوردي بالرواية عن النفس الزكية، وليس للدراوردي من الرواية عنه إلا هذا الحديث.
قال الدارقطني في الأفراد: «تفرد به الدراوردي، عن محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن أبي الزناد».
وقال البيهقي: «يتفرد به: محمد بن عبد الله بن الحسن، وعنه الدراوردي» .
والدراوردي وعبد الله بن نافع حالهما متقاربة، فكل واحد منهما في حفظه شيء، وكتابه صحيح، وابن نافع فقيه، وثقة فيما يرويه عن مالك، وإذا روى عن غيره تعرف وتنكر.
والدراوردي أشهر من ابن نافع، وأكثر رواية منه، وخرج له مسلم، فالنظر والاجتهاد بين هذين الطريقين، أيكون عبد الله بن نافع اختصره كما يراه البيهقي (2/ 144)، أو يكون الدراوردي زاد في الحديث ما ليس منه، فوهم.
فيطلب مرجح من خارج روايتهما؛ لأن حالهما متقاربة، وإن كان الدراوردي في الرواية أكثر وأشهر، وذاك في الفقه أكبر،
فقد رواه أبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب، عن أبي هريرة أنه قال:(لا يبركن أحدكم بروك البعير الشارد ولا يفترش ذارعيه افتراش السبع) وهذا موقوف، وإسناده صحيح.
وليس فيه (وليضع يديه قبل ركبتيه) صحيح أن مخرجه مختلف، ولكن لا يمنع من ترجيح كفة عبد الله بن نافع بهذه الرواية، وسوف أتكلم على هذا الطريق في العلة التالية.
العلة الرابعة: أعله بعضهم بأنه قد روي عن أبي هريرة موقوفًا، فقد رواه أبو القاسم السُرَّقَسْطِيُّ في (غريب الحديث)(538)، من طريق محمد بن علي، أخبرنا سعيد بن منصور، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، أن بكير بن عبد الله بن الأشج حدثه، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، عن أبي هريرة أنه قال:(لا يبركن أحدكم بروك البعير الشارد ولا يفترش ذارعيه افتراش السبع) وهذا موقوف، وإسناده صحيح.
وهذا اللفظ قريب من لفظ عبد الله بن نافع، عن محمد بن عبد الله بن الحسن.
إلا أن الحكم بإعلال المرفوع بالموقوف يعكر عليه أمران:
أحدهما: أن هذا الأثر الموقوف مخرجه مختلف، عن حديث الدراوردي.
الثاني: أن محمد بن علي قد رواه عن سعيد بن منصور بالطريقين جميعًا، الموقوف والمرفوع انظر الدلائل في غريب الحديث (538، 539)، مما يدل على أن كلا الطريقين محفوظان عن سعيد بن منصور، والله أعلم.
قال السُرَّقَسْطِيُّ: لا يرم بنفسه معًا كما يفعل البعير الشارد غير المطمئن المواتر، ولكن لينحط مطمئنًا يضع يديه، ثم ركبتيه. اهـ
فكان الأثر لا ينهى عن مطلق البروك، وإنما ينهى عن بروك البعير الشارد، الذي لا يستقر ويطمئن في بروكه فلا يصل إلى الأرض حتى يثور مرة أخرى، إشارة إلى الاستعجال وعدم الاطمئنان في الصلاة، وليس الأمر يتعلق بصفة الهوي بالركبتين أو باليدين.
العلة الخامسة: إعلال الحديث بانقلاب لفظه على الراوي.
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأظهر أن الحديث منقلب على الراوي، لأن قوله: (وليضع يديه =
الدليل الثاني:
(ث-445) روى البخاري معلقًا بصيغة الجزم، قال أبو عبد الله: وقال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه
(1)
.
[روي مرفوعًا وموقوفًا، ولا يصح أي منهما]
(2)
.
....................................................
= قبل ركبتيه) يخالف صدر الحديث (فلا يبرك كما يبرك البعير)، فقد يكون لفظ الحديث:(ولا يضع يديه قبل ركبتيه) حتى يتفق آخر الحديث مع أوله، ويتفق مع حديث وائل بن حجر، وقد جزم ابن القيم بقلب الحديث، وهو أول من أعله بذلك، انظر زاد المعاد (1/ 223).
وجه كونه منقلبًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبرك كما يبرك البعير)، ولم يقل:(لا يبرك على ما يبرك عليه البعير)، والفرق بين التعبيرين واضح، فالحديث نهى عن الكيفية، ولم ينه عن العضو الذي يبرك عليه البعير، فإذا تأملنا كيفية بروك البعير فإنه ينحني مقدم جسمه قبل مؤخره كما هو مشاهد، فإذا سجد الإنسان، وقدم يديه صار مشابهًا للبعير في انحناء المقدم قبل المؤخر، إذا علمنا ذلك، كان قوله:(وليضع يديه قبل ركبتيه) مناقضًا لقوله: (فلا يبرك كما يبرك البعير)، فلا يبعد أن يكون الراوي قلب الحديث، فبدلًا من قوله:(ولا يضع يديه قبل ركبتيه) قال: (وليضع يديه قبل ركبتيه). انتهى بتصرف من كلام شيخنا ابن عثيمين رحمه الله.
وإذا علمنا أن هذه اللفظة لم ترد في لفظ عبد الله بن نافع، وإنما تفرد بها الدراوردي، وهو سيئ الحفظ، فربما كان الحمل عليه في هذا اللفظ.
وقد يقال: إن التشبه بالكيفية يستلزم أن يبرك على الركب، فهذا علقمة والأسود قالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير، فوصفا نزول عمر على ركبتيه أنه خر كما يخر البعير. فإذا كانت (ما) مصدرية كان اللفظ كخرور البعير، فوصفوا الخرور على الركب كخرور البعير، ويلزم منه أن الخرور على اليدين لا يوصف بذلك، والله أعلم، وسبق تخريج أثر عمر رضي الله عنه، وإذا كان عمر يخر كما يخر البعير كان ذلك دليلًا على أن النهي ليس عن مطلق بروك البعير، وإنما عن بروك الجمل الشارد، ولأن الأصل عدم انقلاب لفظ الحديث على الراوي.
لهذه العلل أو بعضها ضعفه الإمام البخاري بالانقطاع، والدارقطني والبيهقي بالتفرد، واستغربه الترمذي، وقال حمزة الكناني نقلًا من فتح الباري لابن رجب (7/ 218): هو منكر.
وقال المناوي في الفيض (1/ 373): «أعله البخاري والترمذي والدارقطني بمحمد بن عبد الله بن حسن وغيره» .
(1)
. صحيح البخاري (1/ 159).
(2)
. الحديث مداره على عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
أخرجه أبو داود في الصلاة من رواية ابن العبد، ولم يذكره أبو القاسم كما في التحفة (8030)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن إسحاق أبي يعقوب شيخ ثقة، وعن محمد بن يحيى، عن أصبغ، كلاهما عن الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن ابن عمر كان يضع يديه قبل ركبتيه، زاد ابن يحيى في حديثه: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.
قال المزي: قال أبو داود: روى عبد العزيز عن عبيد الله أحاديث مناكير.
فالأثر معلول بأكثر من علة:
العلة الأولى: أن هذا الأثر تفرد به الدراوردي، وهو متكلم في حفظه.
العلة الثانية: أنه من حديثه عن عبيد الله بن عمر، وقد قال النسائي: حديثه عن عبيد الله بن عمر منكر. وقال أحمد: ربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله بن عمر. اهـ وعبد الله ضعيف، بخلاف أخيه عبيد الله فهو ثقة.
العلة الثالثة: الاختلاف على الدراوردي في وقفه ورفعه.
فرواه إسحاق ابن أبي إسرائيل كما في سنن أبي داود رواية ابن العبد كما في التحفة (8030)،
وأبو نعيم الحلبي عبيد بن هشام (في التقريب: صدوق تغير في آخر عمره فتلقن) كما علل الدارقطني (13/ 24)، كلاهما عن الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا. قال الدارقطني: وهو الصواب.
وخالفهم أصبغ بن الفرج، كما في شرح معاني الآثار (1/ 254)، وصحيح ابن خزيمة (627)، والأوسط لابن المنذر (3/ 165)، وسنن الدارقطني (1303).
ومحرز بن سلمة كما في مستدرك الحاكم (821)، وعنه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 144).
وعبد الله بن وهب كما في الاعتبار للحازمي (ص: 77)، وعلل الدارقطني (13/ 24)، ثلاثتهم رووه عن الدراوردي به، مرفوعًا، وهذا التخليط من قبل الدراوردي، فإنه سيئ الحفظ.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. اهـ ومسلم ينتقي من حديث عبد العزيز بن محمد، فلا يقال لأحاديثه إذا كانت خارج الصحيح إنها على شرط مسلم، وقد ذكر بعد هذا في معرض الترجيح بين أثر ابن عمر وحديث وائل، فقال: فأما القلب في هذا فإنه إلى حديث ابن عمر أميل لروايات في ذلك كثيرة عن الصحابة والتابعين. اهـ
ولم أقف في الآثار عن الصحابة إلا عن عمر وابنه رضي الله عنهما.
العلة الرابعة: أن حديث ابن عمر هو في وضع اليدين في السجود، وليس في تقديم اليدين في الهوي للسجود.
قال البيهقي في السنن الكبرى (2/ 144): والمشهور عن عبد الله بن عمر ثم ساق بإسناده إلى أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه». اهـ
…
فوقع وهم من الدراوردي في هذا الحديث، فظن أن قوله: (فليضع يديه
…
) أنه في الهوي للسجود، وليس كذلك. =
• دليل من قال: الأمر واسع:
لا يصح في الباب سنة مرفوعة، والأصل عدم الاستحباب احتياطًا للعبادة، ولو كان هناك سنة في صفة الهوي لحفظها الله سبحانه وتعالى لنا، ولسخر من الصحابة من يعتني بنقل هذه الصفة بما يحفظ لنا سنة نبينا،
قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل: 12].
وقال سبحانه: {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9].
فالله قد تكفل بحفظ شريعته، فإذا لم يوجد في السنة المرفوعة إلا حديثان:
أحدهما: حديث شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل.
وهذا الحديث قد جمع أربع علل كل واحدة تسقط حديثه، منها:
الأولى: أن شريكًا لا يعرف بالرواية عن عاصم، وليس له إلا هذا الحديث.
والثاني: أنه سيئ الحفظ.
والثالث: أن حديث عاصم قد رواه عشرون نفسًا، منهم أئمة وثقات، كسفيان ابن عيينة، والثوري، وزائدة، وقد ذكرتهم في التخريج، وخرجت ألفاظهم، فلا يذكر أحد منهم ما ذكره شريك، وأي نكارة أشنع من هذا، أن يخالف الضعيف أئمة الحديث، فينفرد عنهم وهو لا يعرف بالرواية عن عاصم، وليس له إلا هذا الحديث.
والرابع: أن شريكًا قد اضطرب في حديث عاصم اضطرابًا كثيرًا، لا في لفظه، ولا في إسناده ما لو اضطرب فيه الإمام مالك لرد حديثه، كيف وهذا الاضطراب جاء من رجل سيئ الحفظ، ثم تجد بعد ذلك من يقول: حديث وائل أرجح من حديث أبي هريرة، أو يحاول أن يعتبر به.
= وقال البيهقي في المعرفة (3/ 18): «والمحفوظ عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما» . اهـ
رواه إسماعيل بن علية كما في مسند أحمد (2/ 6) وسنن أبي داود (892)، والمجتبى من سنن النسائي (1092)، وفي الكبرى (683)، ومسند أبي العباس السراج (339)، وصحيح ابن خزيمة (630)، ومستدرك الحاكم (823)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 145).
ووهيب بن خالد كما في المنتقى لابن الجارود (201)،، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 147)، والأوسط لابن المنذر (3/ 167)، كلاهما عن أيوب، عن نافع به.
والحديث الثاني: حديث أبي هريرة، وهو حديث غريب تفرد به محمد بن عبد الله بن حسن النفس الزكية، عن أبي الزناد، ولا يعرف بالرواية عنه، وليس له عنه إلا هذا الحديث، فكيف يكون لأبي الزناد عبد الله بن ذكوان حديث في الصلاة، محل عناية الرواة، ثم لا يعرف ذلك أصحابه المكثرون عنه، والمهتمون بجمع حديثه، وينفرد عنهم رجل لا يعرف بالرواية عنه، ولو كان الحديث في الآداب لقيل ربما قاله أبو الزناد مرة، ثم لم يحدث به، أما أن يكون الحديث في الصلاة، محل عناية العلماء، وفي مسألة ليس فيها كثير أحاديث لو علم بها أحد من الأئمة لسافر يقطع الأرض ليسمع هذا الحديث، فلقد كانوا يضربون أكباد الإبل في طلب ما هو أقل أهمية من هذا الحديث، وكل أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مهمة، ثم لا يحدث به أبو الزناد أصحابه، ولا يعرفون هذا من حديثه، حتى ابنه عبد الرحمن ابن أبي الزناد، ومن أهل بيته لا يعرف هذا عنه، ويرويه رجل يحب العزلة والبادية، ولا يعرف بطلب الحديث، وليس له عن أبي الزناد إلا هذا الحديث اليتيم، فلا يمكن قبول مثل ذلك، ولا تصور وقوعه.
هذا من جهة السنة المرفوعة، وقل مثل ذلك من جهة الآثار، كيف لم يَعْتَن الصحابة بحكم المسألة، ولا يوجد أثر واحد قولي، يهدينا إلى سنة نبينا في الهُوِيِّ، وكل الموجود حكاية فعل عن عمر رضي الله عنه، وقد اختلف في وصله وإرساله، وإرساله أقوى وأكثر، وعلى افتراض صحته لا ندري أكان عمر فعل هذا لكونه أهون عليه؛ لأن المصلي لابد له في هويه: إما أن يقدم يديه أو يقدم ركبتيه، بخلاف القول فهو أصرح في الدلالة على تعيين الصفة، ونفي الاستحباب عن غيرها.
وأما أثر ابن عمر فمداره على الدراوردي، وقد اختلف عليه فيه في رفعه ووقفه، واختلط عليه من حديث نافع في سجود اليدين مع الوجه، فظنه في تقديم اليدين على الركبتين.
أتظن أن صفة الهوي من أحكام الصلاة، ويقصر الصحابة في نقل هذه السنة مع عنايتهم الشديدة بأحكام الصلاة، فهل الاحتياط أن نجزم بالاستحباب، أو الاحتياط في العبادة ألا نجزم به إلا بدليل صريح، ونقول: الأمر واسع، اعمل
ما هو أسهل عليك، دون أن تعتقد أن هناك صفة مستحبة للهوي، والله أعلم.
• الراجح:
هذه المسألة مثلها مثل بعض المسائل في الصلاة وغيرها، تجد أن النصوص فيها قليلة ضعيفة، والآثار ليست حاسمة، وتجد أقوال الفقهاء فيها متكاثرة، كالمسح على الجبيرة، وقد مرت معنا في الطهارة.
فالجمهور على تقديم الركبتين، خلافًا لمالك، وبعض أهل الحديث، والعترة، فإن كنت تريد في الترجيح أن تتشدد وتطلب دليلًا صحيحًا صريحًا ستجد أقوى الأقوال بأن الأمر واسع هو الأحظ، لكون النصوص ليست كاشفة عن حكم المسألة.
وإن كنت تريد أقوال الفقهاء فستجد أن قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية على تقديم الركبتين فإنه يسعك ما وسع القوم، وأَكْرِمْ بهم سلفًا وفقهًا، ومن اقتدى بهم فقد اقتدى بأهل هدى، وليست كل مسألة خلافية يتكشف بعد البحث خيطها الأبيض من خيطها الأسود، وحسبك أنك بذلت وسعك، وأثرت نقاطًا يتأملها القارئ من بعدك فقد ترزق المسألة بشخص يسد الثغرات، ويتجاوز العثرات، وما التوفيق إلا من الله العليم الحكيم.
* * *