الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة في حكم رفع الذراعين عن الأرض في السجود
المدخل إلى المسألة:
• نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بسط الذراعين انبساط الكلب، والأصل في النهي التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة.
• ليس لنا مثل السوء، فالتشبيه بالحيوان لا يأتي إلا ويقصد به الذم الشديد. • أغلب نصوص الشريعة تشبه الكافر بالحيوان، وقد يشبه المسلم بالحيوان كما شبه الشارع العائد في هبته بالكلب، وهو يدل على تحريم الرجوع بالهبة بعد لزومها.
[م-660] اختلف العلماء في رفع الذراعين عن الأرض إذا سجد:
فقيل: يكره أن يفترش ذارعيه في السجود، وحمله ابن نجيم على كراهة التحريم، ونقله ابن عابدين ولم يتعقبه، ولم أجده لغيره، وكل كتب الحنفية أطلقت الكراهة دون تفسير
(1)
.
وقال ابن حزم: لا يحل للمصلي أن يفترش ذراعيه في السجود
(2)
.
وقيل: يستحب رفع ذراعيه، ويكره تنزيهًا افتراشهما حال السجود، وهو
(1)
. الحنفية يفرقون بين المكروه تحريمًا، وبين المحرم، فالأول ما ثبت النهي عنه من غير صارف بدليل ظني، والثاني: ما ثبت النهي عنه بدليل قطعي.
وأما الكراهة التنزيهية: فهو في حق ما ثبت النهي عنه مع وجود صارف يصرفه عن التحريم. انظر: البحر الرائق (2/ 25)، حاشية ابن عابدين (1/ 644)، ونص على الكراهة: الأصل (1/ 6)، المبسوط (1/ 22)، الحجة على أهل المدينة (1/ 269)، فتح القدير (1/ 410)، تحفة الفقهاء (1/ 141)، الهداية (1/ 64)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 52)، تبيين الحقائق (1/ 163).
(2)
. المحلى، مسألة:(390).
مذهب الجمهور، من المالكية، والشافعية، والحنابلة
(1)
.
قال ابن القاسم كما في المدونة: «قال مالك: كره أن يفترش الرجل ذراعيه في السجود»
(2)
.
• دليل من قال بالتحريم:
الدليل الأول:
(ح-1828) روى البخاري ومسلم من طريق شعبة، قال: سمعت قتادة،
عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب
(3)
.
قال ابن رجب: «قوله: (اعتدلوا في السجود) يريد به: اعتدال الظهر فيه، وذلك لا يكون مع افتراش الذراعين، إنما يكون مع التجافي
(4)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بسط الذراعين انبساط الكلب، ودلالته على التحريم من وجهين:
الأول: أن الأصل في النهي التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة.
الثاني: ليس لنا مثل السوء، فالتشبيه بالحيوان لا يأتي إلا ويحمل على الذم الشديد، ولم يشبه في الحيوان في كتاب الله إلا في الأمور المحرمة،
قال تعالى عن الكفار: {إِنْ هُمْ إِلَاّ كَالأَنْعَامِ} [الفرقان: 44].
(1)
. الرسالة للقيرواني (ص: 28)، حاشية الدسوقي (1/ 249)، الفواكه الدواني (1/ 182)، حاشية العدوي على كفاية الطالب (1/ 270)، الثمر الداني (ص: 112)، شرح زروق (1/ 230)، القوانين الفقهية (ص: 46)، المجموع (3/ 431)، مغني المحتاج (1/ 375)، التهذيب في فقه الإمام الشافعي (2/ 148)، الحاوي الكبير (2/ 129)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (2/ 76)، نهاية المحتاج (1/ 516)، المغني (1/ 373)، المبدع (1/ 424)، الإقناع (1/ 127)، شرح منتهى الإرادات (1/ 207)، كشاف القناع (1/ 371)، مطالب أولي النهى (1/ 475).
(2)
. المدونة (1/ 169).
(3)
. صحيح البخاري (822)، ومسلم (233 - 493).
(4)
. فتح الباري لابن رجب (7/ 280).
وقال تعالى عن العالم الذي انسلخ من آيات الله، {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} [الأعراف: 176].
وقال عن علماء بني إسرائيل {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5].
ومرتكب المكروه لا يستحق الذم حتى يشبه بالحيوان، وإن استحق تارك المكروه الثواب.
الدليل الثاني:
(ح-1829) ما رواه البخاري من طريق محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء،
أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظَكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
…
فذكر الحديث بطوله، وفيه: فإذا سجد وضع يديه غيرَ مُفترِشٍ ولا قابِضِهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة
…
الحديث
(1)
.
الدليل الثالث:
(ح-1830) ما رواه مسلم من طريق حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء،
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة، {بالحمد لله رب العالمين} ،
…
فذكر الحديث بطوله، وفيه: وكان ينهى عن عقبة الشيطان. وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم
(2)
.
الدليل الرابع:
(ح-1831) ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا أبو معاوية، ووكيع، قالا: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان،
عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش
(1)
. صحيح البخاري (828).
(2)
. صحيح مسلم (240 - 498).
ذراعيه افتراش الكلب
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
الدليل الخامس:
(ح-1832) ما رواه مسلم من طريق عبيد الله بن إياد، عن إياد، عن
البراء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك
(3)
.
(1)
. المسند (3/ 315).
(2)
. الحديث رواه أبو معاوية كما في مسند أحمد (3/ 315)، ومصنف ابن أبي شيبة (2651)، وسنن الترمذي (275)،
ووكيع كما في مسند أحمد (3/ 315)، وسنن ابن ماجه (891)، وصحيح ابن خزيمة (644)،
والثوري كما في مصنف عبد الرزاق (2930، 4623)، وعنه أحمد (3/ 389)،
ومحمد بن فضيل كما في مسند أحمد (3/ 305)، وصحيح ابن خزيمة (644)،
وحفص بن غياث كما في مصنف ابن أبي شيبة (2651)،
وأبو خالد الأحمر كما في مصنف ابن أبي شيبة (2651)، وصحيح ابن خزيمة (644)،
وزائدة بن قدامة كما في مصنف ابن أبي شيبة (2656).
وجرير بن عبد الحميد كما في مسند أبي يعلى (2008)، وصحيح ابن خزيمة (644)،
وعبد الله بن نمير كما في مسند أبي يعلى (2285)، وصحيح ابن خزيمة (644).
وأبو جعفر الرازي كما في الجعديات لأبي القاسم البغوي (2988).
وعمار بن رزيق كما في معجم ابن الأعرابي (800)،
وداود الطائي كما في المعجم الأوسط (1731)، والحلية لأبي نعيم (7/ 365).
أخرجه الترمذي (275). وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 137 - 138/ 262). وابن ماجه (891). وابن خزيمة (1/ 325/644). وابن حبان في الصلاة (3/ 182/2781 - إتحاف المهرة). وأحمد (3/ 305 و 315 و 389). وعبد الرزاق (2/ 171/2930) و (3/ 16/4623). وابن أبي شيبة (1/ 231/2651) و (1/ 232/2656)(2/ 475/2671 - ط عوامة)(2/ 104/2668 - ط الرشد). وأبو يعلى (4/ 10/2008) و (4/ 191/2285). وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2988). وابن المنذر في الأوسط (3/ 170/1441). وابن الأعرابي في المعجم (800). والطبراني في الأوسط (2/ 165/1591) و (2/ 203/1731) و (4/ 379/4483).
(3)
. صحيح مسلم (234 - 494).
وفي الباب أحاديث أخرى، وأكتفي بما ذكرت اقتصارًا واختصارًا.
•دليل من قال: يستحب رفع الذراعين ويكره تنزيهًا بسطهما:
حملوا أحاديث النهي على الكراهة، والصارف لهم ما يلي، أن القول بالكراهة هو قول عامة أهل العلم، بما فيهم أهل الحديث.
قال الترمذي بعد أن ساق حديث جابر السابق: «حديث جابر حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم: يختارون الاعتدال في السجود، ويكرهون الافتراش كافتراش السبع»
(1)
.
إلا أن ابن نجيم في البحر الرائق قد حمل الكراهة في المذهب على التحريم، فإن كان قد سبق إلى هذا في المذهب، فالخلاف في النهي يكون قديمًا، وظاهر الأدلة على التحريم، وإلا فكتب الحنفية ابتداءً من كتاب الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني إلى آخر كتب الشروح في المذهب يطلقون الكراهة بلا تفسير.
وإن كان تفسير ابن نجيم انفرد به، ولم يوافق عليه في المذهب لم يقبل منه؛ لتأخره، وكان التحريم من مفردات ابن حزم، ولا عبرة بما يتفرد به؛ لا لكونه من أهل الظاهر، ولكن لتأخره، فيكون محجوجًا باتفاق العلماء قبله، حتى ولو عُدَّ هذا الاتفاق من الإجماع السكوتي، والله أعلم.
* * *
(1)
. سنن الترمذي (2/ 65).