الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في ألفاظ التشهد
المدخل إلى المسألة:
• جواز التشهد بكل ما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
• يكفي اختيار نوع واحد من أنواع التشهد الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم للقيام بسنة التشهد.
• التفضيل بين هذه الألفاظ مع ثبوتها كلها ليس مبنيًّا على تفضيل شرعي اقتضاه تقديم الرسول صلى الله عليه وسلم لبعضها على بعض، فكلها صدرت من الرسول صلى الله عليه وسلم، والتسوية بينها من العدل المأمور به، وليس شيء من السنة مهجورًا.
• تفاوت الصحة في الإسناد أو في العمل إنما يكون مرجحًا عند التعارض، أما إذا لم تتعارض السنن فيكفي صحة الحديث للقول بصحة التشهد.
• يلزم من التزام نوع واحد هجر للسنن الباقية، وذريعة لاندراس بعض السنن المتنوعة كتنوع الأذان والاستفتاحات، بخلاف التنوع فإن فيه إحياء لجميع السنن الواردة في العبادة، وإصابة للسنة من جميع وجوهها.
[م-673] اختلف الفقهاء في الأفضل من ألفاظ التشهد على أقوال منها:
القول الأول:
اختار الحنفية والحنابلة تشهد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
(1)
.
قال الزركشي في شرح الخرقي: «ولو تشهد بغيره مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، كتشهد
(1)
. فتح القدير لابن الهمام (1/ 315)، العناية شرح الهداية (1/ 312)، الجوهرة النيرة (1/ 55)، البحر الرائق (1/ 342)، مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (227)، الإنصاف (2/ 77)، المغني (1/ 384)، الفروع (2/ 207)، شرح الزركشي (1/ 582)، المبدع (1/ 411)، الممتع في شرح المقنع للتنوخي (1/ 371)، الإقناع (1/ 122)، كشاف القناع (1/ 357).
ابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى الأشعري وغيرهم جاز، نص عليه»
(1)
.
• واستدلوا لذلك:
(ح-1960) بما رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش، حدثني شقيق،
عن عبد الله، قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو. هذا لفظ البخاري وأحال مسلم في لفظه على رواية سابقة
(2)
.
وقد فضل الحنفية والحنابلة تشهده لما يلي:
الأول: أنه أصح حديث ورد في التشهد، حيث رواه الشيخان في الصحيحين.
قال ابن رجب في الفتح: لم يخرج البخاري في التشهد غير تشهد ابن مسعود، وقد أجمع العلماء على أنه أصح أحاديث التشهد»
(3)
.
قال البزار لما سئل عن أصح حديث في التشهد، قال:«هو عندي حديث ابن مسعود، روي من نيف وعشرين طريقًا، ثم سرد أكثرها، وقال: ولا أعلم في التشهد أصح أسانيد، ولا أشهر رجالًا»
(4)
.
الثاني: أن أكثر العلماء قدموه على غيره، قال الترمذي:«حديث ابن مسعود قد روي من غير وجه، وهو أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين»
(5)
.
(1)
. شرح الزركشي (1/ 582).
(2)
. صحيح البخاري (835)، وصحيح مسلم (58 - 402).
(3)
. فتح الباري لابن رجب (7/ 331).
(4)
. فتح الباري لابن حجر (2/ 315).
(5)
. سنن الترمذي (2/ 81).
(1)
.
الثالث: أنه ورد فيه صيغة الأمر، (قولوا التحيات
…
)، وهو أوكد من صيغة الفعل المجردة.
الرابع: أن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه، بخلاف غيره.
الخامس: أن ابن مسعود تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم تلقينًا من فِيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة كلمة، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه وكفه بين كفيه
(2)
.
القول الثاني:
اختار المالكية تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(3)
.
(ث-475) لما رواه مالك في الموطأ، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري،
أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد، يقول: قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
(4)
.
[صحيح، وهو موقوف على عمر رضي الله عنه]
(5)
.
(1)
. شرح السنة للبغوي (3/ 183).
(2)
. انظر فتح الباري لابن حجر (2/ 315).
(3)
. المدونة (1/ 226)، التهذيب في اختصار المدونة (1/ 307)، التلقين (1/ 43)، بداية المجتهد (1/ 138)، الذخيرة (2/ 213)، مواهب الجليل (1/ 543)، شرح التلقين (2/ 541)، الإشراف على مسائل الخلاف (1/ 252).
(4)
. موطأ مالك (1/ 90).
(5)
. رواه مالك بن أنس كما في الموطأ رواية يحيى (1/ 90)، ورواية أبي مصعب الزهري (499)، ورواية محمد بن الحسن الشيباني (146)، والجامع لابن وهب (411)، والشافعي في المسند (ص: 237)، والطحاوي في مشكل الآثار (3804، 3805)، وفي شرح معاني =
قال ابن العربي عن تشهد عمر: «وهو أولى؛ لأن عمر كان يعلمه الناس على المنبر، فصار كهيئة الإجماع»
(1)
.
قال أبو الوليد الباجي في شرح الموطأ: «والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك: أن تشهد عمر بن الخطاب يجري مجرى الخبر المتواتر؛ لأن عمر بن الخطاب علمه للناس على المنبر بحضرة جماعة الصحابة وأئمة المسلمين، ولم ينكره عليه أحد، ولا خالفه فيه، ولا قال له: إن غيره من التشهد يجري مجراه، فثبت بذلك إقرارهم عليه، وموافقتهم إياه على تعيينه، ولو كان غيره من ألفاظ التشهد يجري مجراه لقال له الصحابة أوأكثرهم: إنك قد ضيقت على الناس واسعًا، وقصرتهم على ما هم مخيرون بينه وبين غيره، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن القراءة بما تيسر علينا من الحروف السبعة المنزلة، فكيف بالتشهد، وليست له درجة القرآن أن يقصر الناس فيه على لفظ واحد، ويمنع ما تيسر مما سواه، ولما لم يعترض عليه أحد بذلك، ولا بغيره، علم أنه التشهد المشروع، هذا الذي ذهب إليه شيوخنا العراقيون في التشهد.
وقال الداودي إن ذلك من مالك رحمه الله على وجه الاستحسان وكيفما تشهد المصلي عنده جائز، وليس في تعليم عمر الناس هذا التشهد منع من غيره»
(2)
.
وقد فضل الحنابلة في دعاء الاستفتاح ما جهر به عمر موقوفًا عليه، وقدموه على ما ثبت في الصحيحين مرفوعًا، فهذا نظيره.
= الآثار (1/ 261)، ومستدرك الحاكم مقرونًا بيونس بن يزيد، وعمرو بن الحارث (979)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 205).
وابن جريج، عن الزهري، كما في مصنف عبد الرزاق (3068)، وسقط من الإسناد الزهري.
ومعمر كما في مصنف عبد الرزاق (3067)، ومصنف ابن أبي شيبة (2992)،
وعمرو بن الحارث مقرونًا بمالك كما في مشكل الآثار (3804)، وشرح معاني الآثار (1/ 261)، ومستدرك الحاكم (979).
ويونس بن يزيد كما في مستدرك الحاكم (979).
وابن إسحاق كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 205)، كلهم عن ابن شهاب الزهري به.
(1)
. عارضة الأحوذي (2/ 84).
(2)
. المنتقى للباجي (1/ 167).
• ويناقش كلام الباجي وابن العربي من وجهين:
الوجه الأول:
لم يثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصر الناس على هذا التشهد، ومنعهم من غيره حتى يقال: لولا أنه متعين لما قبل ذلك الناس منه، ولما ضيق على الناس واسعًا، وقبول الناس ذلك من عمر؛ لأنه لم يفعل منكرًا، فالأمر واسع، فالسنن الواردة على وجوه متعددة يجوز للمصلي أن يلتزم صفة منها، ويجوز أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة حتى يأتي على جميع ما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأفضل.
الوجه الثاني:
لا يصح القول بأن فعله على المنبر يجري مجرى التواتر؛ لأن الذين حضروا عمر رضي الله عنهم بعض الصحابة وليس كلهم، وسكوتهم لا يعد إجماعًا على تعين هذا التشهد، وإلغاء غيره مما ثبت وصح.
القول الثالث:
اختار الشافعية تشهد ابن عباس رضي الله عنه
(1)
.
(ح-1961) لما رواه مسلم من طريق الليث، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، وعن طاوس،
عن ابن عباس، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول: التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله
(2)
.
قال الشافعي في الرسالة: صرت إلى اختيار حديث ابن عباس عن النبي في التشهد دون غيره
…
لما رأيته واسعًا، وسمعته عن ابن عباس صحيحًا، كان عندي أجمع، وأكثر لفظًا من غيره، فأخذت به، غير معنف لمن أخذ بغيره مما ثبت عن
(1)
. مختصر المزني مطبوع مع الأم (1/ 108)، المجموع (3/ 457)، تحفة المحتاج (2/ 81)، نهاية المحتاج (1/ 525)، مغني المحتاج (1/ 380).
(2)
. صحيح مسلم (60 - 403).
رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
ومن وجوه الترجح التي ذكرها أصحاب الشافعي،
أن تشهد ابن عباس كان متأخرًا عن تشهد ابن مسعود، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ابن عباس هذا التشهد، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس غلام لم يحتلم بعد، بخلاف ابن مسعود رضي الله عنه فإنه متقدم إسلامه رضي الله عنه، والمتأخر أولى بالاتباع.
• الراجح:
كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فإنه يجوز أن يذكر الله به في الصلاة، فلا يكره شيء صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه التعبدات، والاقتصار على بعضها جائز، وإن فعل هذا مرة، وهذا مرة كان أولى، وليس شيء من السنة مهجورًا، والله أعلم.
* * *
(1)
. الرسالة (1/ 275).