الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في مجافاة المرأة
المدخل إلى المسألة:
• خطاب الرجل في الأحكام تدخل فيه المرأة إما بشمول الخطاب أو بمقتضى القياس إلا بدليل.
• النساء دخلن في أكثر الأوامر المطلقة في الشرع كالأمر بالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك فدل أن دخولهن إما بمقتضى الشرع، أو بمقتضى اللغة.
• وضعت اللغة ضميرًا مذكرًا خاصًّا بالذكور، وضميرًا مؤنثًا خاصًّا بالإناث، ولم تضع ضميرًا له دلالة على الجمع بين الذكور والإناث، فإذا كانت العبادات لا تخص الذكور وحدهم ولا الإناث وحدهم كان الضمير المذكر يعم الجميع إلا بدليل.
• المرأة كالرجل في الصلاة إلا ما استُثْنِيَ، وقد صح استثناء التجافي من عموم خطاب: صلوا كما رأيتموني أصلي.
• المرأة خالفت الرجل في بعض العبادات، فلا ترمل في الطواف والسعي، ولا تصعد على الصفا والمروة، وتصفق إذا سها الإمام في الصلاة، ولا يشرع لها الأذان لصلاتها، فالقول بمفارقة المرأة الرجل في التجافي ليس بعيدًا عن الأثر ومقتضى القياس.
[م-673] اختلف الفقهاء في المرأة أتجافي يديها عن جنبيها، وبطنها عن فخذيها كالرجل أم أن حكمها يختلف عن حكم الرجل؟
فقيل: لا تستحب المجافاة للمرأة، بل يشرع لها أن تلزق بطنها بفخذيها؛ وعضديها بجنبيها، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، والحنابلة،
زاد السمرقندي الحنفي في التحفة والكاساني في البدائع وابن عابدين في
حاشيته: وأن تفترش ذراعيها
(1)
.
قال السمرقندي: «أما المرأة فينبغي أن تفترش ذراعيها وتنخفض ولا تنتصب كانتصاب الرجل وتلزق بطنها بفخذيها لأن هذا أستر لها»
(2)
.
وقال ابن جزي في آداب السجود: «وهي ثمانية: أن يجافي بين ركبتيه، وبين مرفقيه وجنبيه، وبين بطنه وفخذيه، وهو التفريج، ولا تفرج المرأة»
(3)
.
وقال الشافعي في الأم: «وأحب للمرأة في السجود أن تضم بعضها إلى بعض وتلصق بطنها بفخذيها وتسجد كأستر ما يكون لها»
(4)
.
وقيل: هي كالرجل، وهو قول في مذهب المالكية، ومذهب الظاهرية
(5)
.
جاء في شرح ابن ناجي التنوخي نقلًا من المختصر: «جلوسها، وكل شأنها في صلاتها كالرجل إلا في اللباس»
(6)
.
(1)
. تحفة الفقهاء (1/ 135)، بدائع الصنائع (1/ 210)، حاشية ابن عابدين (1/ 504)، البحر الرائق (1/ 339)، تبيين الحقائق (1/ 118)، الثمر الداني على شرح الرسالة (ص: 112)، القوانين الفقهية لابن جزي (ص: 46)، التاج والإكليل (2/ 215)، الفواكه الدواني (1/ 199)، الثمر الداني على شرح الرسالة (ص: 112)، القوانين الفقهية لابن جزي (ص: 46)، التاج والإكليل (2/ 215)، الفواكه الدواني (1/ 199)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 291)، الشرح الكبير للدردير (1/ 249)، الأم (1/ 138)، مختصر المزني (ص: 109)، الحاوي الكبير (2/ 161)، نهاية المطلب (2/ 169)، فتح العزيز (3/ 473)، المجموع شرح المهذب (3/ 409، 526)، تحفة المحتاج (2/ 76)، نهاية المحتاج (1/ 516)، مغني المحتاج (1/ 375)، التعليقة للقاضي حسين (2/ 812)، المغني (1/ 403)، الفروع (2/ 222)، الإنصاف (2/ 90)، المبدع (1/ 421)، الإقناع (1/ 125)، شرح منتهى الإرادات (1/ 205).
(2)
. تحفة الفقهاء (1/ 135)، وانظر بدائع الصنائع (1/ 210).
(3)
. القوانين الفقهية (ص: 46).
(4)
. الأم (1/ 138).
(5)
. لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 138)، شرح الخرشي (1/ 286)، شرح ابن ناجي التنوخي على الرسالة (1/ 161)، تحبير المختصر لبهرام (1/ 304).
(6)
. شرح ابن ناجي التنوخي على الرسالة (1/ 161).
• دليل الجمهور على استحباب ترك المجافاة للمرأة:
الدليل الأول:
(ح-1873) ما رواه أبو داود في المراسيل، قال: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا ابن وهب، أخبرنا حيوة بن شريح، عن سالم بن غيلان،
عن يزيد بن أبي حبيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: إذا سجدتما فَضُمَّا بعض اللحم إلى الأرض فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل
(1)
.
[مرسل حسن، وهو حجة لمن يحتج بالمرسل، وهم الجمهور]
(2)
.
الدليل الثاني:
(ث-452) ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: نا أبو عبد الرحمن المقري، عن سعيد بن أيوب، عن يزيد بن حبيب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج،
عن ابن عباس أنه سئل عن صلاة المرأة، فقال: تجتمع وتحتفز
(3)
.
[رجاله ثقات إلا أنه منقطع]
(4)
.
(1)
. المراسيل لأبي داود (87).
(2)
. ومن طريق أبي داود رواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 315).
قال الذهبي في اختصار السنن (2/ 662): خرَّجه أبو داود في المراسيل، وهو من أضعف المراسيل. اهـ
ولعل الذهبي اعتمد في حكمه على تجريح الدارقطني، فقد انفرد بتجريحه، قال الدارقطني كما في سؤالات البرقاني (205): متروك.
وهو معارض بقول الإمام أحمد: ما أرى به بأسًا. العلل (3347)، الجرح والتعديل (4/ 187).
وقال أبو داود كما في سؤالات الآجري (529): لا بأس به.
وقال النسائي ليس به بأس. تهذيب الكمال (10/ 168).
وذكره ابن حبان في الثقات (8331)، ووثقه العجلي.
وقال ابن يونس كما في تاريخه (524): كان فقيهًا. وفي التقريب: ليس به بأس
وقال الهيثمي في مجموع الزوائد في إسناد فيه سالم بن غيلان، قال: رجاله رجال الصحيح غير سالم بن غيلان، وهو ثقة. مجمع الزوائد (8/ 37).
فجرح الإمام الدارقطني غير مفسر، وقد عورض بتوثيق جملة من الأئمة.
(3)
. مصنف ابن أبي شيبة (2778).
(4)
. تفرد به عن ابن عباس بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، وليس له عن ابن عباس إلا هذه الرواية، ولم يدرك ابن عباس رضي الله عنه.
فهذا الأثر الصحيح يعتضد به المرسل السابق، فيكون حجة حتى على مذهب الشافعية الذي يشترطون للاحتجاج بالحديث المرسل أن يعتضد.
الدليل الثالث:
(ح-1874) ما رواه البيهقي من طريق أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي، عن عمر بن ذر، عن مجاهد،
عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلست المرأة في الصلاة وضعت فخذها على فخذها الأخرى، وإذا سجدت ألصقت بطنها في فخذيها كَأَسْتَرِ ما يكون لها، وإن الله تعالى ينظر إليها ويقول: يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لها
(1)
.
[ضعيف جدًّا]
(2)
.
الدليل الرابع:
(ث-453) ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث،
عن علي رضي الله عنه، قال: إذا سجدت المرأة فَلْتَحْتَفِرْ، ولتضم فخذيها
(3)
.
[ضعيف جدًّا]
(4)
.
الدليل الخامس:
من النظر، فإن المرأة إذا جمعت نفسها، وانضمت فإنه أستر لها والمرأة مأمورة
(1)
. السنن الكبرى للبيهقي (2/ 315).
(2)
. ومن طريق أبي مطيع البلخي أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 501)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 200).
وفي إسناده أبو مطيع: الحكم بن عبد الله البلخي، صاحب أبي حنيفة، فقيه بصير بالرأي علامة كبير الشأن، كان ابن المبارك يعظمه ويبجله لعلمه ودينه، ولكنه واهٍ في ضبط الأثر، فالأثر ضعيف جدًّا. انظر: لسان الميزان (3/ 246).
(3)
. المصنف لابن أبي شيبة (2777).
(4)
. في إسناده الحارث بن عبد الله مجروح العدالة.
بالستر، فلا يؤمن أن يبدو شيء منها وقت التجافي.
ومقتضى هذا التعليل أنها لو كانت وحدها، أو مع نساء فيشرع في حقها التجافي كالرجل، كما قيل ذلك في الجهر بالقراءة إذا أمت النساء.
• دليل من قال: تستحب لها المجافاة:
(ح-1875) ما رواه البخاري ومسلم من طريق أيوب، عن أبي قلابة، قال:
حدثنا مالك، قال: أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا -أو قد اشتقنا- سَأَلَنَا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم. زاد البخاري: وصلوا كما رأيتموني أصلي
…
الحديث
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي، فالخطاب شامل للرجال والنساء، ولم يرد في السنة ما يقتضي استثناء النساء من عموم هذا الخطاب، والأصل أن ما ثبت للرجل ثبت للمرأة إلا بدليل.
• ويناقش:
بأن هذا العموم صحيح في الجملة وقد ورد مرسل حسن، وأثر عن ابن عباس صحيح، فكان الأثر يعضد المرسل، فيكون المرسل حجة عند الأئمة الأربعة، وإذا صح الاحتجاج بالمرسل صح استثناء هذه المسألة من عموم موافقة المرأة للرجل في الأحكام.
يقول الشافعي، وهو الذي لا يرى الاحتجاج بالمرسل، يقول في الرسالة:
فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين، فحدث حديثًا منقطعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، اعتبر عليه بأمور: .... هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم، فإن وجد كذلك كان دلالة يقوى له مرسله.
…
وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قولًا له، فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت في هذه دلالة على أنه لم
(1)
. صحيح البخاري (631)، وصحيح مسلم (292).
يأخذ مرسله إلا عن أصل يَصِحُّ إن شاء الله، وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم»
(1)
.
وقد رأينا المرأة تخالف الرجل في بعض العبادات، فلا ترمل في الطواف والسعي، ولا تصعد على الصفا والمروة، وتصفق إذا سها الإمام في الصلاة، ولا يشرع لها الأذان لصلاتها، فالقول بمفارقة المرأة الرجل في التجافي ليس بعيدًا عن الأثر ومقتضى القياس.
• الراجح:
أن المرأة لا تجافي في صلاتها كما يجافي الرجل، وترفع مرفقيها عن الأرض، فقول بعض الحنفية أنها تفترش ذراعيها قول ضعيف، ولم يتفق عليه في المذهب، والله أعلم.
* * *
(1)
. الرسالة (ص: 461).