الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: التكافل الاجتماعي
جاء الدين الإسلامي داعيا إلى محاسن الأخلاق ومحذرا من مساوئها، وهذا من أعظم أسباب الدخول في هذا الدين
(1)
، وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4].
ومن أعظم هذه الأخلاق الحسنة هي التكاتف والتكافل بين المؤمنين غنيهم وفقيرهم وقويهم وضعيفهم، حتى يكون المجتمع كالبنيان المرصوص.
وفي آيات تشريع المواريث الحكمة البالغة الدالة على تكافل المجتمع وتعاونه.
ويتضح هذا التكافل بأمور منها مايلي:
•
المطلب الأول: قيام التوارث في بداية الأمر على الهجرة:
عاش المسلمون في مكة ثلاث عشرة سنة في اضطهاد من قومهم وصبر على أذاهم وجهاد في تمسكهم بدينهم، حتى أذن الله للمؤمنين بالهجرة إلى دار الإسلام - وهي المدينة في ذلك الوقت- وأوجبها عليهم.
وقد خرج المسلمون من أهل مكة فرارا بدينهم تاركين وراءهم الأموال والأولاد، ابتغاء وجه الله ونصرة لدينه.
وما إن وصل المسلمون إلى المدينة حتى آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، مؤسسا في ذلك مبدأ التكافل الاجتماعي بين الفئة المؤمنة والتناصر فيما بينهم.
وكان من هذا التآخي قيام التوارث على هذا المبدأ بين المهاجرين والأنصار، فقد كان كل أخوين يتوارثان إرثا مقدما على القرابة.
(1)
ولا أدل على ذلك من وصف جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي ما كانوا عليه في الجاهلية، وما أكرمهم الله به من الإسلام ومحاسنه العظام.
وقد بين الله ذلك في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا
…
} الآية [الأنفال: 72].
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الأَنْصَارِي الْمُهَاجِرِي دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ: {جَعَلْنَا مَوَالِيَ}
…
قَالَ: نَسَخَتْهَا {
…
وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(1)
[النساء: 33].
فجعل الله التكافل قائما على أخوة الإسلام في بداية المجتمع المسلم، وهذا من حكمة الله وفضله على أهل الإيمان من المهاجرين الذين تركوا أموالهم ابتغاء وجه الله ووفدوا إلى أرض ليست بأرضهم، لا عمل يكسبون به، ولا مال ينفقون منه ، فأبدلهم الله بإخوة خير لهم من أخوة النسب، يعينونهم وينصرونهم ويتوارثون فيما بينهم.
فلما قويت الشوكة ومكّن الله للمسلمين بعد غزوة بدر أنزل الله قوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75].فجُعِل التوارث بين القرابات وبقيت الولاية والنصرة.
(2)
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} يعني: في الميراث جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام، قال الله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} يقول: ما لكم من ميراثهم من شيء، وكانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله هذه الآية:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} في الميراث، فنسخت التي قلبها، وصار الميراث لذوي الأرحام
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفرائض، باب ذوي الأرحام برقم (6747).
(2)
انظر: زاد المعاد (3/ 63). الرحيق المختوم، المباركفوري (ص 263، 264).
(3)
أخرجه الطبري في التفسير بسنده إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (14/ 78).