‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة - الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

‌

‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

الأخوة الإسلامية نعمة عظيمة أنعم الله بها على عباده وأمرهم بشكرها فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103] كما أخبر سبحانه وأكّد أن الأصل في المسلمين الاجتماع والتآخي، وأن التفرق عارض. وأوجب على العباد نبذه والعمل على معالجته فقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحجرات: 10].

وقد وردت في آيات المعاملات سبل ووسائل يحصل بسببها تقوية روح الأخوة وإذكائها و تقضي على التفرق والتباعد وهي كالتالي:

• المطلب الأول: النهي عن أكل المال بالباطل.

فقد قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} [البقرة: 188].

وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29].

فنهى الله عز وجل في هاتين الآيتين عباده أن يأكل بعضهم مال بعض بغير وجه حق أيا كانت هذه الوسيلة من ربا أو قمار أو غش أو حيلة لأن ذلك مناف للأخوة

(1)

.

والتعبير في الآيتين بضمير المخاطب في قوله: {أَمْوَالَكُمْ} على ما فيه من العموم والشمول، فهو يوحي للعبد أن مال أخيه بمنزلة ماله، فيجب أن يحافظ عليه كما يحافظ

على خاصة ماله، فهي رحمة من الله بعباده المؤمنين، إذ اجتماعهم وتوحدهم باسم الإيمان يدعوهم إلى الحفاظ على مال بعضهم البعض

(1)

.

ولما نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، ذكر في آية البقرة وسيلة من الوسائل التي تباعد بين الإخوة، وتُحْدِث الفجوة، ألا وهي الرشوة

(2)

.

ففي قوله: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . حرم الله على العباد أن يرشوا الحكام والقضاة ويآكلوهم أموالهم حتى يستعينوا بذلك على أكل مال غيرهم بغير وجه حق

(3)

.

فتخصيص الله تعالى لهذه الصورة لشناعتها وجمعها صورا كثيرة من المحرمات، ومن هذه المحرمات ما يجده العبد المسلم صاحب الحق من قهر وذل عند من كان يظن أنه سيوفيه حقه

(4)

.

وهذا من قهر الرجال الذي كان يتعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ،

(5)

فهو يشعر بقلة حيلته وعجزه في إرجاع حقه، مما يسبب الضغينة والبغض، ويورثه العداوة والحقد.

وفي آية سورة النساء بين الله عز وجل أثرا سيئا وخطيرا من آثار أكل المال بالباطل ألا وهو أن أكل المال بالباطل يثير في صاحب الحق الشحناء والرغبة في إرجاع حقه فتحصل