الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: الحذر من سوء العاقبة
إن غاية ما يرجوه العبد يوم القيامة هو أن يزحزحه الله عن النار ويدخله الجنة، وهذا غاية الفوز وأعظمه كما قال تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185]، بل إن الكافر يتمنى أن يكون ترابا وألا يذوق العذاب كما قال تعالى:
ولما نهى الله عباده عن المعاملات المحرمة، بيّن ما ينبني على مخالفة أمره من سوء العاقبة. فإن النفس البشرية إن لم يصلحها الترغيب بما أعد الله لها، فقد يردعها التخويف والوعيد، وفي ذلك صلاح للنفس البشرية وتزكية لها حتى تعبده سبحانه كما شرع، وتتوب إليه إن هي خالفت أمره.
وقد جاء هذا التحذير بأشد الأوصاف التي تبين قبح ما يؤول إليه من اتبع هواه، وأعماه جشعه وطمعه عن الوقوف عند حدود الله.
•
المطلب الأول: سوء عاقبة أكل أموال الناس بالباطل
.
جاء الوعيد الشديد لمن يأكل أموال الناس بالباطل، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} [النساء: 29 - 30].
فأخبر جل وعلا أن النار هي مصير من يأكل أموال الناس بالباطل، فأي وسيلة حرم الله التعامل بها فهي أكل لأموال الناس بالباطل، سواء كانت بالربا أو القمار أو غيرها من العقود الفاسدة والمعاملات المحرمة
(1)
، حتى وإن كانت عن طريق الحيلة، وظاهرها طريقة
(1)
انظر: معالم التنزيل، البغوي 1/ 511.
شرعية، فليحذر صاحبها هذا العقاب
(1)
، لما في هذه المعاملات من الاعتداء والتجاسر على أمر الله، والظلم الواقع على عباده فعلى العبد أن يتحرى ما فيه نجاته وعتق رقبته من النار. وخير وسيلة لتجنب أكل المال بالباطل أن يتعلم العبد ما يهمه من هذه الأحكام، وأن يسأل من يثق بعلمه وتقواه من أهل الفتوى، حتى لايكون معتديا ظالما.
(2)
.
ومن المعاملات التي هدد الله فاعلها بسوء العقاب لما فيها من أكل مال الناس بالباطل: التطفيف
(3)
في الميزان كما قال عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)} [المطففين: 1 - 3].
فقد توعد الله المطففين بالهلاك والعذاب وقد وصفهم الله أنهم إذا اكتالوا على الناس يأخذون حقهم بالوافي الزائد أما إذا كالوا للناس فهم ينقصون منه
(4)
وهذا من أعظم الظلم لأن عامة الناس محتاجون للمعاملات المبنية على الكيل والوزن، ولذلك عظّم الله أمر المكيال والميزان فقال:{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} [الرحمن: 7 - 9]
…
وقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].
ولقد قص الله لنا في كتابه من ختم لهم بسوء العاقبة بسبب كفرهم بالله وبخسهم وتطفيفهم في الميزان، وهم أصحاب الأيكة، فقد قال لهم نبي الله شعيب عليه السلام:
…
{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)} [الشعراء: 181 - 183]. ولكن حين عصوا واستكبروا وخالفوا أمر الله في ذلك سلط الله عليهم أشد أنواع العقاب فقد أخبر تعالى
(1)
انظر: تفسير القرآن العظيم، (2/ 268).
(2)
انظر: البحر المحيط، لأبي حيان (3/ 325).
(3)
الطاء والفاء يدلُّ على قِلّةِ الشيء. يقال: هذا شيءٌ طفيف. ويقال: إِناءٌ طَفَّانُ، أي ملآن. والتَّطْفِيف: نقص المكيال والميزان في الإيفاء والاستيفاء. قال بعض أهل العلم: إِنّما سمِّي بذلك لأنَّ الذي ينقصه منه يكون طفيفاً. انظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس (3/ 402) ، المفردات، الراغب الأصفهاني (ص 305)
(4)
تفسير القرآن العظيم، (8/ 346).