الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: شكر الله عز وجل
النكاح من الأحوال العظيمة التي تتجلى فيه حكمة شكر الله عز وجل لمن تأمل وتبصر في شأنه.
والشكر لغة: عرفان الإحسان ونشره
(1)
.
وحقيقته: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة.
(2)
ولما كان الأمر كذلك فقد امتن الله على العباد بأن خلقهم أزواجا كما قال تعالى:
{وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)} [النبأ: 8] ففي الآية إيماء إلى امتنان الله على خلقه بأن خلقهم بحالة تجعل لكل واحد من الصنفين ما يصلح لأن يكون له زوجاً ليحصل التعاون والتشارك في الأنس والتنعم
(3)
.
فلو تأمل العبد أن الله سخر له ما يؤنسه ويسكن إليه لكان حقيقا به أن يشكر الله على هذه النعمة، فكيف به إذا علم أن هذه النعمة تقود إلى نعم أخرى ومنها حصول الولد، فلو لم يسكن الرجل إلى المرأة لما حصل التناسل بينهما ولذلك فقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ
…
الآية} [الأعراف: 189] فبين تعالى أنه تغشاها فقضى حاجته منها بعد أن سكن إليها، فحصل بذلك الحمل والولد بإذنه تعالى.
وحصول الولد بعد النكاح يورث في النفس بهجة وفرحة كيف لا وهم من زينة الحياة.
فهذه النعمة تستحق من الزوجين أن يشكرا ربهما عليها، وخصوصا أنهما في حالة انتظار وترقب فهما لا يعلمان أيعيش ولدهما أم يموت، ولا يعلمان أيكون سليما مستوي الخلقة
(1)
القاموس المحيط (ص 390).
(2)
{مدارج السالكين (2/ 244).
(3)
انظر: التحرير والتنوير (30/ 17).
أم يكون مريضا، كما أنهما لا يعلمان أيكون صالحا سعيدا أم يكون شقيا - نسأل الله العافية - فلذلك تجدهما قد غلبا جانب الرجاء والطمع في رحمة الله فيدعوانه صباح مساء أن يكون صالحا بجميع ما تحمله هذا الكلمة من معاني الصلاح
(1)
، فإذا يسر الله لهما ما أمّلا وحقق لهما ما كانا يرجوان كان جل وعلا هو الحقيق بالشكر على هذه النعمة، وكان الانصراف عن طاعته كفرانا
(2)
، وقد بينت آية الأعراف هذا المعنى بقوله:
{فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)[الأعراف: 189]
(3)
.
فالنكاح في ذاته يدعو العبد إلى الشكر، كما أن فيما يلحق هذا النكاح من نعم يتقلب فيها الزوجان دعوة كذلك إلى الشكر، فالشكر فيه صلاح للإنسان ونجاة في الدنيا والآخرة، كما أن في الانصراف عن شكره الخزي والعقوبة كما قال تعالى:
…
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} [إبراهيم: 7].
(1)
انظر: جامع البيان (13/ 308).
(2)
انظر: البحر المحيط (4/ 558) ، في ظلال القرآن (3/ 1412).
(3)
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء، والقرآن يشهد لأحدهما، الأول: أن حواء كانت لا يعيش لها ولد فحملت فجاءها الشيطان فقال لها: سمي هذا الولد عبد الحارث فإنه يعيش، والحارث من أسماء الشيطان، فسمته عبد الحارث فقال تعالى:{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} أي ولداً إنساناً ذكراً جعلا له شركاء بتسميته عبد الحارث، وقد جاء بنحو هذا حديث مرفوع وهو معلول كما أوضحه ابن كثير في تفسيره ، الوجه الثاني: أن معنى الآية أنه لما آتى آدم وحواء صالحاً كفر به بعد ذلك كثير من ذريتهما، وأسند فعل الذرية إلى آدم وحواء، لأنهما أصل لذريتهما كما قال:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11] أي بتصويرنا لأبيكم آدم لأنه أصلهم بدليل قوله بعده: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} ، ويدل لهذا الوجه الأخير أنه تعالى قال بعده:{فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)} ، وهذا نص قرآني صريح في أن المراد المشركون من بني آدم، وحواء، واختار هذا الوجه غير واحد لدلالة القرآن عليه، وممن ذهب إليه الحسن البصري، واختاره ابن كثير - والعلم عند الله تعالى. (أضواء البيان 1/ 435).