الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما أحل لهم مما يصطادونه بالجوارح من السباع أو الطيور شريطة أن تكون معلّمة، وذُكِر اسم الله عليها
(1)
.
ثم ختم الله تبارك وتعالى هذه الآية بالأمر بالتقوى كي يجتنب العبد ما نهاه الله عنه في الآية السابقة من الميتة وذبائح المشركين وغيرها، ويتوخى الحذر فيما يطعمه من صيد الجوارح إن لم يذكر اسم الله عليه، أو كان الجارح صاد لنفسه ولم يدرك العبد ذكاة الصيد، أو كانت الجارحة غير معلمة إلى غير ذلك من أمور الصيد التي لا يقف عندها إلا من اتقى الله تعالى لأنها تحجز الإنسان عن الوقوع في الحرام، وتدفعه للحلال، وتوصله إلى مرضاة الله عز وجل
(2)
.
•
المطلب الثاني: التقوى تمنع العبد من الغلو وترك ما أباح الله من الطيبات
.
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)} [المائدة: 87 - 88].
فكما أمر الله عباده بالتقوى في اجتناب ما حرم، فقد أمرهم بأن يتقوه فلا يحرموا طعام طيبا أباحه الله لهم!! فقال:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)} لأن الإيمان يحمل على التقوى في امتثال الأوامر واجتناب النواهي
(3)
، فإذا حرّم العبد على نفسه المباح، فقد أصبح مخالفا أمر الله، وليخش من العقوبة وعليه بالتوبة إلى الله تعالى وملازمة التقوى.
(4)
(1)
{انظر: جامع البيان (9/ 564).
(2)
{انظر: جامع البيان (9/ 572) ، نظم الدرر (2/ 397).
(3)
{البحر المحيط (4/ 15).
(4)
{انظر: جامع البيان (10/ 523).
كما أن الآية تدل على أن أكل الطيبات واللذائذ لا ينافي التقوى.
وقد ورد النهي الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يزهد عما أحل الله له فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش.
فحمد الله وأثنى عليه فقال: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)
(1)
، وفي لفظ من حديث عائشة رضي الله عنها:(ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فو الله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية)
(2)
.
فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه وإن غفِر له إلا أن ذلك لا يمنعه من التعبد لله.
فكل فعل يفعله صلى الله عليه وسلم من عزيمة ورخصة فهو فيه في غاية التقوى والخشية، لم يحمله التفضل بالمغفرة على ترك الجد في العمل قياما بالشكر، وما ترخص فيه فإنما هو للإعانة على العزيمة ليعملها بنشاط.
وبهذا يُعلم أن التنزه مما ترخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من التقوى في شيء، بل قد يكون من أعظم الذنوب وأخطرها على العبد
(3)
.
وقد أنكر الله عز وجل على من امتنع عن أكل الطيبات تزهدا وتمنعا بلا حاجة أو لما يلقيه أهل الضلال من الشبهات فقال: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)} [الأنعام: 119].
(1)
{رواه مسلم في صحيحه، في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم (1401).
(2)
{رواه البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع، برقم (6871).
(3)
{فتح البار ي (13/ 342).