الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسينتج عن ذلك سوء أخلاق المحجور عليه بل قد يتهمه ويسمع وليه كلمات مكروهة فيحصل بذلك الخلاف والشقاق.
أما إذا أحسن الولي القول، ووعظه بالحسنى، فذلك أدعى لبقاء الكرامة بين الأولياء ومواليهم، وقد ينتفع السفيه بقول المعروف، فتكون سببا في صلاح حاله
(1)
، وهكذا تقوى أواصر المجتمع وتترابط.
• الوجه الثالث: أن جانب السفيه موصوف بالهوان لنقصان عقله وقلة تدبيره
…
- وهي نقصان في الخِلقة- وذلك قد يحمل وليه على التلفظ عليه بسيء الألفاظ وإسماعه ما يكره، وهذا يجعل حال السفيه من صغار إلى صغار، أما إذا أكرمه الولي وتحمّل ضعفه الجبلّي وألان له القول، فذلك يرفع من شأن المحجور عليه ويشعره بالكرامة، فلا يشعر بالهوان والدون في تعامله مع الناس ولذلك فإن الله تعالى نهى أن يقهر اليتيم فقال:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)} [الضحى: 9]. فقد يحصل من اليتيم ما يستدعي قهره فنهى الله تبارك وتعالى عن جميع أنواع القهر بالقول والفعل
(2)
.
•
المطلب الثاني: أخذ الولي الفقير من مال اليتيم بالمعروف
.
قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6].
أباح الله تبارك وتعالى لولي اليتيم إن كان فقيرا أن يأكل من مال وليه شريطة أن يكون بالمعروف، فلا يكون الأخذ بغير المعروف.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ضابط الأخذ بالمعروف من مال اليتيم، فعن قتادة رحمه الله أن عم ثابت ابن رفاعة وثابت يومئذ يتيمٌ في حجره، أتى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، إن ابن أخي يتيمٌ
(1)
انظر: التحرير والتنوير (4/ 237).
(2)
انظر: التحرير والتنوير (4/ 236، 237) ، (30/ 402).
في حجري، فما يحلُّ لي من ماله؟ قال:(أن تأكل بالمعروف، من غير أن تقي مالك بماله ولا تتخذ من ماله وَفْرًا)
(1)
.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لي مال ولي يتيم؟ فقال: (كُلْ من مال يتيمك غير مُسْرِف ولا مُبذر ولا متأثِّل مالاً ومن غير أن تقي مالك -أو قال: تفدي مالك -بماله)
(2)
.
فمن رحمة الله وفضله أن يسر لليتيم من يرعاه ويقوم على مصالحه، وأباح لولي اليتيم إذا كان فقيرا أن يأخذ من مال وليه بالمعروف، وبذلك تتكاتف المجتمعات وتقوى أواصرها فيجد اليتيم من يعوله ويرعاه، ويجد الفقير ما يسد عوزه وفقره
(3)
.
• وكما أن الله تعالى أمر بالمعروف في التعامل مع مال اليتيم، فيجب أن يكون التعامل بالمعروف في سائر المعاملات المالية، ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما للتعامل بالمعروف بين الناس في البيع والشراء من البركة فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)
(4)
.
فإذا حصل الصدق من الطرفين بارك الله للمشتري في سلعته وللبائع في ثمنها، أما إن حصل الكذب والغش من الطرفين أو أحدهما فحينئذ تمحق البركة وتزول.
فإن كان الكاذب أحد الطرفين فإن الحديث يحتمل زوال البركة من كليهما وإن كان الصادق مأجورا والكاذب مأزورا، ويحتمل أن تمحق البركة من الكاذب وحده.
(5)
فعلى المجتمع المسلم الذي يرجو الفلاح والبركة أن يبتعد عن التعاملات المحرمة ويحرص على التعامل المباح والمعروف، حتى تعم البركة وينتشر الخير.
(1)
أخرجه الطبري بسنده إلى قتادة في تفسيره (7/ 590)، وأورده ابن حجر في ترجمته لثابت في الإصابة وقال: هذا مرسل رجاله ثقات (انظر: الإصابة 1/ 387).
(2)
سبق تخريجه (ص 48)
(3)
انظر: منهج القرآن الكريم في رعاية ضعفاء المجتمع، د. عماد زهير حافظ (ص 170).
(4)
سبق تخريجه (ص 53).
(5)
انظر: فتح الباري (4/ 417).