الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأمر الله وطاعته والإنفاق في سبيله، فلا ينساق العبد لهواه في طاعة زوجته في معصية الله بل عليه الحذر منها، والتعامل معها بالحسنى وبذلك يسعد العبد بطاعة ربه وإصلاح زوجته
(1)
.
وكذلك على الزوجة ألا تطيع زوجها فيما يأمرها به من معصية إن هو أمرها بل عليها أن تتقيَ الله في القيام بعبادته وأن تتقيَ الله في زوجها بطاعته فيما لا معصية فيه والتودد له والإحسان إليه.
فمن امتثل الأمر وأطاع الله فقد وعده الله بالأجر العظيم والثواب الجزيل أما من انساق وراء هواه وتغلبت عاطفته ومحبة زوجه على أمر الله ورسوله فقد وعده الله في آية أخرى بعذاب منه حيث قال: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} [التوبة: 24].
فعلى العبد الذي يرجو صلاحه ونجاته أن يمتثل أمر الله ويتبع شرعه ففيه النجاة في الدنيا والآخرة.
•
المطلب الثالث: تقوى الله تعالى في حال الصلح
.
لقد أقام الله السماوات والأرض على العدل، وأمر به، وفي المقابل فقد حرم الظلم على نفسه، وحرمه على عباده، فعن عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا
…
الحديث)
(2)
.
ولما أمر الله عباده بالعدل بين الزوجات حال التعدد، كانت التقوى من أعظم ما يدعو إلى العدل، ولذلك فقد ذكّر الله عباده وأمرهم بها كي تستقيم الحياة وينعم العبد
(3)
.
(1)
{انظر: الجامع لأحكام القرآن (21/ 22) ، التحرير والتنوير (28/ 284).
(2)
{رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2577).
(3)
{انظر: نظم الدرر (2/ 204).
فأخبر في هذه الآية ألا جناح على المرأة إذا هي خافت من زوجها نشوزا وأثرة عليها إلى غيرها واستعلاء منه أو انصرافا عنها، أن تتصالح معه فيما يتفقان عليه لبقاء واستدامة عقد النكاح من ترك يومها له أو إعطائه مالا أو نحو ذلك، فلما بيّن ذلك ذكر عباده بالتقوى وأن ذلك خير من إلجاء المرأة إلى التنازل عن شيء من حقها فقال:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)} [النساء: 128].
فوعد الله بالأجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقى الله في نسائه وأبقى من كرهها وقسم لها ما قسم لمثيلاتها، وإن وجد في ذلك مشقة وكراهية، فما عند الله خير وأبقى، ولعله بامتثال أمر الله وبالصبر عليها وحسن معاشرتها وتحمل خلقها وطبعها تصفو حياتهما وتنقلب الكراهية إلى محبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر)
(1)
.
ولما كان قلب العبد بمنزلة لا يستطيع معها أن يساوي ويعدل في محبته لأزواجه رفع الله تبارك وتعالى الحرج عن عباده في ذلك وبين أن التقوى هو إصلاح العمل بالقسم بين النسوة بالسوية وعدم الميل والجور في التعامل.
فقد قال تبارك وتعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)} [النساء: 129].
(1)
{رواه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، برقم (1469)، ويفرك: أي يبغض.
فقد أخرج الطبري وابن أبي حاتم
(1)
بسنديهما عن علي أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} ، يعني: في الحب والجماع.
(2)
فالواجب على الرجل حينئذ ألا يتعمد الإساءة لزوجته، أو يظلمها في حقها فتكون كالمعلقة لا هي مطلقة ولا هي متزوجة فهذا هو المنهي عنه، فعن مجاهد قال: لا تعمدوا الإساءة.
وعن ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: تذروها لا هي أيِّم ولا هي ذات زوج.
(3)
و عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك و لا أملك)
(4)
.
ثم بين تبارك وتعالى أن تقوى الله وامتثال أمره فيما يملك العبد من الإحسان إلى زوجته وإصلاح ما سلف سبب لمغفرة الذنوب. فقال: {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)} وما أسعد العبد إذا غفر الله له ذنوبه ورحمه لأنه اتقاه. فالعبد محتاج لهذه التقوى لأن فيها صلاح له ونجاة في الدنيا والآخرة.
(1)
عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو محمد التميمي الحنظلي الإمام ابن الإمام حافظ الري وابن حافظها سمع من أبيه وابن وارة وأبي زرعة وروى عنه أبو الشيخ بن حيان ويوسف الميانجي أخذ علم أبيه وأبي زرعة وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال كان عابدا زاهدا من كبار الصالحين ومن تصانيفه التفسير المسند وكتاب الجرح والتعديل وتوفي سنة 327 هـ (طبقات المفسرين للأدنه وي ص 66).
(2)
{جامع البيان، (9/ 286). تفسير ابن أبي حاتم (4/ 1083).
(3)
{جامع البيان (9/ 290).
(4)
{رواه أبو داود في السنن، كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء برقم (2134) ، والترمذي في كتاب النكاح، باب التسوية بين الضرائر، برقم (1140) ، والنسائي في كتاب عشرة النساء، باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، برقم (3943) ، وابن ماجه في كتاب النكاح باب القسمة بين النساء، وأحمد في المسند برقم (25154). والحاكم في المستدرك في كتاب النكاح برقم (2761) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.