الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما كان الأمر في الجاهلية بهذه المنزلة أمر الله عباده المؤمنين باجتناب ظلم اليتيمة، ثم حثهم على فعل الخير فقال:{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)} وفي هذا إشارة إلى سعة علم الله واطلاعه على عباده، وهذا يدعو العبد إلى مراقبة الله والخوف من عقابه إن هو عضلها أو ظلمها.
و في الآية دعوة كذلك إلى المنزلة العليا من المراقبة وهي الإحسان إلى اليتيمة بأن يتطلب لها الولي من هو خير منه، أو لا يرد مَن طلبها فإن الله عز وجل وعد على ذلك بأحسن الجزاء فقال:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)} [النحل:96].
ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ الناس بالدرجة العليا في هذا المعنى فكان إذا سأل الوليَّ عن مولاته فقيل: هي غنية جميلة قال له: اطلب لها من هو خير منك وأعْوَد عليها بالنفع. وإذا قيل: هي دميمة فقيرة قال له: أنت أولى بها وبالستر عليها من غيرك
(1)
.
•
المطلب الرابع: استحضار مراقبة الله تعالى حال الخصومة بين الزوجين
.
ويتضح ذلك جليا في حال المجادلة مع زوجها التي أنزل الله فيها قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)} [المجادلة: 1 - 2].
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: تبارك الذي وسع سمعه كلّ شيء، إني لأسمع كلام خولة ابنة ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني
(1)
{البحر المحيط (3/ 514).
اللهمّ إني أشكو إليك، قال: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الآيات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} قال: زوجها أوس بن الصامت
(1)
وفي مطلع هذه السورة إشارة إلى مراقبة الله في التعامل بين الزوجين عند الخصومة فكما أن الله سمع شكوى تلك المرأة الضعيفة وما أصابها جراء تلك الكلمة وهي تسارُّ النبي صلى الله عليه وسلم فهو سميع لما يكون بين الزوجين.
فقد يحصل بين الزوجين ما يدعوا إلى الشحناء والتخاصم.
واستحضار مراقبة الله في هذه الحالة يحجز كِلَا الزوجين عما يوقعهما في الإثم والعقوبة والضرر، وفي ذلك الخير للزوج وزوجته في العاجل والآجل.
(1)
{جامع البيان (23/ 226).