الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
المطلب الثاني: الرد على دعاة تحديد النسل
.
وإذا تأمل المتأمل فيما سبق من الآيات يجدها تتضمن ثلاثة أمور تضمن تكثير النسل والحفاظ عليه:
الأول: الحث على الزواج وإباحة التعدد وأن به ينشر الله الخلق ويكثرهم في أرجاء البلاد.
الثاني: ضمان الرزق الذي به بقاء النسل.
الثالث: تنويع الجنس البشري من الذكور والإناث وبذلك يحصل التزاوج والتكاثر.
فبالإيمان بهذه الأمور الثلاثة والعمل على تحقيقها تضمن المجتمعات الفلاح والاستقرار في كافة المجالات الدنيوية والفوز بالأجر في الآخرة.
وعلى العكس من ذلك فإنك تجد من يوصي بنقيض ما وصى به القرآن. بل تجد من يوصي بتأخير الزواج إلى سن محدد، ويوصي بتحديد النسل لعلاج اقتصاد بلدانهم وأوطانهم.
وقد فنّد القرآن دعواهم ورد عليهم في هذه الأمور الثلاثة.
• ففي القضية الأولى: حث على الزواج ووعد عليه بالغنى فقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)} [النور: 32].
(1)
• وفي القضية الثانية: نهى عن قتل الأولاد مع حصول الفقر أو خشية حصوله. فقال عند حصول الفقر: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151] فوعد برزق الآباء أولا لفقرهم ثم رزق الأولاد بعدهم إذ لزمتهم مؤونتهم.
(1)
وهو ما فسر به ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآية، انظر: جامع البيان (19/ 166).
وقال عند خشية حصول الفقر: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)} [الإسراء: 31]. فقدم رزق من يخشى حصول الفقر بسببه وهم الأولاد، ثم وعد برزقهم فقدم في كل موضع ما يقتضيه المقام
(1)
.
ففي الآيتين إزالة لأدنى شبهة تعرض في هذه القضية.
• وفي القضية الثالثة: ذم تلك العادة الجاهلية التي كانوا يقومون بها ألا وهي وأد البنات ودفنهن أحياء بعد ولادتهن تشاؤما وخشية من العار والفقر، بل نهى عن ذلك وبين أن فاعل ذلك موقوف بين يدي الله وسائله عن جريمته فقال:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)}
…
[النحل: 58 ، 59] وقال: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)} [الزخرف: 17].
(2)
قال قتادة رحمه الله: (وهذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تعالى بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه، ولعمري ما يدري أنه خير، لرُبّ جارية خير لأهلها من غلام. وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته)
(3)
.
وقال تعالى مهددا من هذا الفعلة الجاهلية ومتوعدا لصاحبها بالعقاب: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} [التكوير: 8 ، 9] ، وذلك في يوم القيامة، تسأل تهديدا لقاتلها، وإذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذاً؟!
(4)
وهكذا دحض القرآن الكريم هذه الشبه وردها على أصحابها.
(1)
انظر: درة التنزيل وغرة التأويل للاسكافي (ص 99).
(2)
انظر: مقاصد الشريعة ومكارمها للفاسي (ص 224).
(3)
أخرجه الطبري في التفسير (17/ 228).
(4)
تفسير القرآن العظيم (8/ 333).
وإن الناظر في واقع المجتمعات والدول التي ألزمت شعوبها بتحديد النسل لمعالجة الاقتصاد والإسكان، ليرى بجلاء ما ذاقته من ويلات لمخالفتها أمر ربها وطبيعته في الكون حيث أدى ذلك إلى كثرة الرجال وقلة النساء في مجتمعهم، وهي أحد تلك المصائب التي ألمّت بهم وأوجدت لديهم اضطرابا في نمو مجتمعهم، وذلك أنهم يستبقون الذكور ويئدون الإناث.
وبذلك يرى العبد قدرة الله وعلمه وحكمته في قوله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى: 49، 50].
وأختم هذا المبحث بما وصى به صلى الله عليه وسلم حيث قال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)
(1)
.
ومن ذلك ما وصى به صلى الله عليه وسلم من نكاح الأبكار وذكر من أسباب نكاحهن (أنهن أنتق أرحاما) أي أكثر أولادا
(2)
.
وهذا يبين ما في النكاح من حكمة تكثير النسل وحفظه وفي ذلك صلاح المجتمع
(3)
(1)
أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (12634) ، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب من تزوج الولود برقم (2050) ، وابن حبان في صحيحه كتاب النكاح برقم (4028)، والحاكم في المستدرك كتاب النكاح برقم (2680) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وصححه الألباني (انظر: إرواء الغليل 6/ 195).
(2)
أخرجه ابن ماجة في السنن في كتاب النكاح، باب تزويج الأبكار برقم (1861) ، والطبراني في الكبير (17/ 140) برقم (350) ، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب النكاح، باب استحباب التزويج بالأبكار (7/ 81) برقم (13251)، وحسنه الألباني (انظر: السلسلة الصحيحة 2/ 192). وانظر: فيض القدير (3/ 241).
(3)
انظر: حجة الله البالغة (2/ 962)