الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يأخذ زيادة عن رأس المال ولا يبخسه غيره حقه فينقص من رأس ماله
(1)
، وهكذا ينمو المال في المجتمع نموا سليما قائما على العدل بعيدا عن الظلم.
وقد بين الله في هذه الآيات المنهج العدل الذي ينمو به المال بصورة صحيحة فقال:
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
قال ابن تيمية رحمه الله: (وقد ذكر الله في آخر البقرة أحكام الأموال وهى ثلاثة أصناف: عدل وفضل وظلم، فالعدل البيع، والظلم الربا، والفضل الصدقة، فمدح المتصدقين وذكر ثوابهم، وذم المرابين وبين عقابهم، وأباح البيع والتداين إلى أجل مسمى)
(2)
.
وهذا يدل على أن هذه الآيات أصل عظيم في البيوع المنهي عنها، وأن أي بيع لا يبنى على العدل فهو محرم ولذلك فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان فيشترى منهم فقال:(لا يتلقى الركبان لبيع)
(3)
لأن فيه ظلما وغبنا لأصحاب السلعة فربما يُضِرون بهم في القيمة، كما أن فيه ضررا لأهل البلدة كذلك، وهذا مناف للعدل.
كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن احتكار الأقوات فقال: (من احتكر فهو خاطئ)
(4)
لأنه يحصل به تضرر الناس فهذا كذلك من الظلم وعدم العدل
(5)
.
•
المطلب الثاني: تحقيق العدل في المداينات
.
لما كان التداين من أسباب رواج المعاملات
(6)
،أباحه الله للعباد فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ
(1)
انظر: جامع البيان (6/ 28) ، الجامع لأحكام القرآن (4/ 407).
(2)
مجموع الفتاوى (20/ 554).
(3)
أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب البيوع، باب النهي عن تلقي الركبان، برقم (2162) ، ومسلم في كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه وتحريم النجش، برقم (3890).
(4)
رواه مسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، برقم (4206).
(5)
انظر: المغني (6/ 313، 315).
(6)
التحرير والتنوير (3/ 98).
كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا .... } الآية [البقرة: 282].
وقد اشتملت هذه الآية على وسائل تحقيق العدل
(1)
في المداينات، وهي:
أ) الكتابة وتعظيم منزلتها: وذلك في قوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} بأن يكتب الكاتب بين المتداينَيْنِ بالحق والإنصاف، وهذا يتضمن أمورا:
• أن يكون الكاتب عدلا في نفسه لأجل اعتبار كتابته، لأن الفاسق لا يعتبر قوله ولا كتابته.
• أن يكون الكاتب عارفا بكتابة الوثائق ، وما يحصل به التوثيق، لأنه لا سبيل إلى العدل إلا بذلك.
(2)
• ألا يزيد الدائن في حقه ولا ينقص منه، كما قال قتادة رحمه الله:(اتقى الله كاتب في كتابه، فلا يدعن منه حقا، ولا يزيدنَّ فيه باطلا)
(3)
.
ثم كرر الله الأمر بالكتابة مبينا منزلتها فقال: {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} فبين الله جل وعلا هنا الحكمة من مشروعية الكتابة، قلّ الدين أو كثر، وأن من أعظم هذه الحكم أنها أقسط عند الله، أي: أعدل عند الله.
وهذا يدل على محبته لها سبحانه وتعالى لأن فيها العدل والقسط.
وكانت الكتابة بهذه المنزلة، لأنه جل وعلا أمر بها وحث عليها، وإذا كان الأمر كذلك فما أحرى العباد أن يمتثلوا تطبيقها والعمل بها.
(4)
(1)
العدل في اللغة: ما قام في النفوس أَنه مُسْتقيم وهو الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وهو ضِدُّ الجَوْر انظر: لسان العرب (11/ 430) ، التعريفات (ص 191)
(2)
تيسير الكريم الرحمن (ص 118).
(3)
جامع البيان (6/ 51).
(4)
انظر: المصدر السابق (6/ 77 ، 78).
ب) أن يكون الإملاء بالحق من المدين أو وليه، كما في قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} فهذه الآية بينت أنه على المدين أن يملي بالحق فإن حصل له سبب من أسباب القصور التي ذكرها الله جل وعلا وهي:
• السفه، وذلك بجهل الصواب من الخطأ فيما يكتب.
• والضعف، وذلك إما بعجز في المدين أو عي في لسانه ونحو ذلك.
• أو عدم الاستطاعة، وذلك لغَيْبَتِه وعدم حضوره
(1)
.
ففي هذه الحالة يتعين على ولي المدين أن يملي بالعدل، فلا يظلمه بسبب ما فيه من القصور.
وهذا المعنى هو الذي عليه جمهور المفسرين
(2)
، أما الطبري رحمه الله فقد ذهب إلى أن الضمير في (وليه) يعود على صاحب الحق وهو الدائن
(3)
، وعلى هذا القول فإن ذلك أدعى لتحري العدل واجتناب الظلم من صاحب الحق فلا يملي إلا بما يوجب الحق على كلا الطرفين.
وإذا تأملت في هذا الموضع والذي قبله يتبين أن فيه الأمر بالعدل للكاتب والدائن والمدين ، فإذا امتثلوا العدل في أقوالهم وكتابتهم، يكون المجتمع متمثلا للعدل في المداينات.
(1)
انظر: جامع البيان (6/ 58).
(2)
انظر: المحرر الوجيز (2/ 505) ، البحر المحيط (2/ 557) ، الجامع لأحكام القرآن (4/ 438) التحرير والتنوير (3/ 104).
(3)
انظر: جامع البيان (6/ 58) ، وقد استدل بأثر عن ابن عباس، ولكن ابن عطية رد هذا القول ونفى صحة رواية ابن عباس، مخرجا قول الطبري على أن يقر من عليه الحق بما أملاه صاحب الحق بعد الإملاء، مبينا أن هذا المعنى لا تشير إليه الآية.