الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنهي في هذا الحديث يشمل المرأة كذلك فلا يجوز لها إفشاء سر زوجها للناس فذلك أحفظ للزوجين وأسكن لهما
(1)
.
•
المطلب الثالث: الترويح عن النفس وتجديد الهمة
.
إن النفس كثيرة التقلب وقد يصيبها ما يكدر صفوها، أو ما يضايقها خصوصا مع كثرة المشغلات، ومخالطة كثير من الناس على اختلاف طباعهم وأخلاقهم، أو ما يحصل من الخطوب والحوادث التي تكدر الصفو، فإذا وجد الزوج صدرا رحبا يبث له شكواه ويهدئ من روعه ففي ذلك الاطمئنان والسكون، وتجديد النشاط وبعث الهمة في النفس فيخرج الزوج بعد ذلك للمجتمع فاعلا متفاعلا قد استراح قلبه وزال همه وكربه
(2)
.
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث بدء الوحي حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الغار يرجف فؤاده دخل على خديجة رضي الله عنها فقال:(زملوني زملوني)، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر:(لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق
(3)
.
وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وما زالت به رضي الله عنها حتى ذهب عنه ما يجد.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إلى ثلمة في الخندق يحرسها حتى إذا آذاه البرد جاءني فأدفأته في حضني، فإذا دفئ خرج إلى تلك الثلمة يحرسها ويقول:(ما أخشى أن يؤتى الناس إلا منها) فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضني قد دفئ وهو يقول: (ليت رجلا صالحا يحرسني) قالت: إلى أن سمعت صوت السلاح وقعقعة الحديد
(1)
انظر: فيض القدير (2/ 538).
(2)
انظر: إحياء علوم الدين (2/ 39).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (3) ومسلم في كتاب الإيمان باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (160).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا؟ فقال: سعد بن أبي وقاص، قال:(عليك بهذه الثلمة فاحرسها) قالت ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه
(1)
.
وهذا يدل على أثر السكون إلى الزوجة الصالحة وماله من أثر في تبليغ الدين والدعوة إلى الله، والقيام بما يصلح المجتمع.
فتأمل هذه الحكمة العظيمة من حِكم النكاح كيف جعلها الله عز وجل بين الزوجين بلا رحم بينهما، وذلك لما فيها من صلاح النفس والأسرة والمجتمع، وهذا من فضل الله ورحمته.
وقد روي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبيّ الله لقد عجبتُ من أمر وإنَّه لعجب، إنّ الرجل ليتزوّج المرأة وما رآها وما رأتهُ قط حتى إذا ابتنى بها اصطحبا وما شيء أحبّ إليهما من الآخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}
(2)
.
وهذا الذي ينبغي أن تكون عليه البيوت، أما إن حصل بين الزوجين من التنافر والشقاق ما لا يرجى فيه بعد ذلك سكون بعضهما إلى بعض فقد شرع الله للزوجين سبيلا للابتعاد حتى لا يكون ما هو سبب للسكون، سببا للاضطراب والشقاء والعداوة، فشرع للزوجين الطلاق
(3)
.
وهذا من حكمة الله تبارك وتعالى ورحمته بعباده في تيسير ما تسكن إليه نفوسهم وتبتهج به القلوب وتحصل به المودة والرحمة.
(1)
رواه الواقدي في المغازي (2/ 463)، وللرواية أصل في البخاري (6804) ومسلم (2410) ولفظه:(أرق النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال (ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة). إذ سمعنا صوت السلاح قال (من هذا)؟ قيل سعد يا رسول الله جئت أحرسك فنام النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا غطيطه، وفي لفظ مسلم (سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة) قال ابن حجر: وليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا كان سعد أيضا ممن سبق (فتح الباري 6/ 82).
(2)
أخرجه الثعلبي بسنده في تفسيره (7/ 299) ولم أقف على درجته.
(3)
انظر: التحرير والتنوير (28/ 296).