الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن: حفظ الحقوق
إن من رحمة الله تبارك وتعالى أن شرع الله لكلا الزوجين ما لهما من الحقوق وما عليهما من واجبات، وأمرهما بحفظ هذه الحقوق والقيام بها كما ينبغي، وذلك أن النكاح من المعاملات التي إن لم توضع لها الحدود وتبيّن فيها الحقوق فسيكثر وقوع الخلاف والنزاع الذي ينافي حكمة النكاح في الطمأنينة والاستقرار، فالزوج قد يطلب من زوجه حقوقا ليست له والزوجة قد تطلب حقوقا ليست لها.
ولذلك فقد جاء في القرآن العظيم بيان الحقوق التي تخص كلا الزوجين حتى تتضح المعالم وتتحدد المسؤوليات ويزول الغموض والالتباس عن كلا الزوجين في المطالبة بحقوقهما.
ولقد قرر القرآن الكريم هذا المبدأ العام في حفظ الحقوق بقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
…
} الآية [البقرة: 228] ثم فصل في هذه الحقوق على ما سيأتي:
•
المطلب الأول: حفظ حق الزوج
.
1.
تدبير شؤون الأسرة: وهذا الحق من الحقوق المندرجة تحت قول الله تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34] فالزوج هو حاكم هذه الأسرة ورئيسها، وهو القائم بتدبير مصالحها، وذلك أن الله فضله بزيادة العقل والدين والولاية وبذلك كان هو الأحق بالنظر في الأقوم لبيته وزوجه وولده، ولذلك فإنه إذا اجتهد في أمر ورأى صلاحه فهو الأحق بتطبيق هذا الأمر
(1)
.
ولا يعني هذا ألا يستشير أهله وولده في شؤون الأسرة ولكن هو الذي عليه تطبيق الأصلح لأسرته وأهل بيته.
(1)
انظر: تفسير القرآن العظيم (2/ 292) ، روح المعاني (5/ 23).
ولذلك فإن على الزوجة أن ترعى هذا الحق لزوجها وتعاونه فيه لا أن تزاحمه أو تنافسه فإنها بذلك تكون معتدية متطلبة حقا لم يكلفها الله به، كما أن على الزوج أن يلتزم بالقيام بهذا الحق فإن ذلك من أسباب قوامته ومما أوجبه الله عليه قبل أن يكون حقا له على زوجته.
2.
حق الطاعة.
طاعة الزوجة لزوجها حق من حقوقه، فإن قوامة الرجل تقتضي ذلك، وهي داخلة في قوله تعالى:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34]
فبين الله جل وعلا أن الصالحات قانتات أي مطيعات لربهن قائمات بحقه، ومطيعات لأزواجهن، وأنهن حافظات لحق أزواجهن و حافظات لأنفسهن حال غيب أزواجهن، بل حافظات لكل ما غاب عنهم فلا يتحدثن بما يكون بينه وبينهن، ولا يفشين له سرا
(1)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} يعني: أمرَاء، عليها أن تطيعه فيما أمرَها الله به من طاعته، وطاعته: أن تكون محسنةً إلى أهله، حافظةً لماله
(2)
.
وطاعة الزوج من أعظم أسباب استقرار الأسرة وعدم تفككها، فإن الطاعة تجلب الرضا وتمنع الخلاف والتباغض.
وإن من تمام الطاعة وكمالها حسن عشرة الزوج والقيام على ما يصلحه، فمن قامت بذلك فهي من خير النساء فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال: (التي تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه فيما يكره في نفسها ولا في ماله)
(3)
.
(1)
انظر: جامع البيان (8/ 297) ، البحر المحيط (3/ 337).
(2)
أخرجه الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طلحة (8/ 290).
(3)
أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (9585) وقال الأرناؤوط في تعليقه: إسناده قوي، وأخرجه ابن جرير في تفسيره (8/ 295) ، والحاكم في المستدرك، كتاب النكاح برقم (2683) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأخرجه كذلك عن مجاهد عن ابن عباس بلفظ قريب منه وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (كتاب الزكاة 1487).
وعنه رضي الله قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولده في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده)
(1)
.
فهذان الحديثان يبينان أن صلاح المرأة وطاعتها لزوجها وحسن مخالطته من أعظم حِكَم النكاح
(2)
.
وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من اتصفت بهذه الصفات بالجنة، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)
(3)
.
ولا شك أن هذه الطاعة مشروطة بألا يأمرها بمعصية فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله)
(4)
.
3.
حق التأديب:
إذا نشزت الزوجة وتمردت على زوجها ولم تقم بحقوقه التي أمرها الله بالقيام بها فقد شرع الله للزوج حق التأديب وذلك في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} [النساء: 34] كما شرع له في الآية سبل التأديب التي يقوم بها، فبأي وسيلة حصل التأديب فلا ينبغي له أن يتعداها إلى غيرها.
فأول طريق يسلكه الزوج: الموعظة، وذلك بأن يذكرها بالله في القيام بحقه وما توعدها الله من العقاب على المعصية وما وعدها به من الثواب على الطاعة، فإن هي تذكرت ورجعت وأنابت فقد حصل المقصود.
(1)
أخرجه البخاري كتاب النكاح، باب إلى من ينكح وأي النساء خير وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير أيجاب برقم (4794) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل نساء قريش برقم (2527).
(2)
انظر: حجة الله البالغة (2/ 960) ، فتح الباري (9/ 157).
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند برقم (1661). وحكم عليه الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على المسند بالحسن لغيره، وكذلك الشيخ الألباني وقال: رواته رواة الصحيح خلا ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات (صحيح الترغيب والترهيب 2/ 196).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (20672)، وصححه الألباني انظر:(صحيح الجامع 2/ 1250).
وإن أصرت وعاندت فله أن يستخدم الطريق الثاني وهو هجرانها: وذلك بأن يهجرها في المضجع ويوليها ظهره فلا يجامعها وزاد بعض المفسرين هجرانها في الحديث فلا يخاطبها وهذا له أثر شديد على الزوجة وغالبا ما ترجع بعد ذلك وتتوب
(1)
.
فإن تمادت في نشوزها ولم تُجْد الوسائل السابقة فقد أباح الله له أن يضربها.
وقد بينت السنة هذا الضرب بأنه ضرب غير شديد لا يؤثر في جسدها ولا يكسر لها عضوا
(2)
.
وينبغي على الزوج ألا يتخذ هذا الأسلوب إلا عند الحاجة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تضربوا إماء الله) فجاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن
(3)
النساء على أزواجهن فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم)
(4)
.
4.
حق الخدمة.
فللمرأة على زوجها حق خدمته والقيام بشؤون المنزل وإصلاح ما يحتاجه في ملبسه ومأكله فإن الله تعالى قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] أي: ما تعارف عليه الناس من حقوق للزوج على زوجه ومن ذلك الخدمة
(5)
، فإن المرأة إذا ترفهت عن خدمة الزوج والقيام بشؤون البيت من طهي وتنظيف فإن ذلك من المنكر الذي لم يأذن
(1)
تفسير القرآن العظيم (2/ 294).
(2)
كما في حديث جابر عند مسلم في كتاب الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218) وجاء فيه: ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح
(3)
معناه سوء الخلق والجرأة على الأزواج (عون المعبود 6/ 130).
(4)
أخرجه أبو داود في السنن كتاب النكاح باب في ضرب النساء برقم (2146) ، وابن ماجة في سننه كتاب النكاح باب ضرب النساء برقم (1985) ، وابن حبان في صحيحه كتاب النكاح باب معاشر الزوجين برقم (4189)، والحاكم في المستدرك كتاب النكاح برقم (2765) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه الألباني في تعليقه على سنن أبي داود برقم (1879).
(5)
انظر: التحرير والتنوير (2/ 399).