الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وذلك أن تختلع نفسها بما أصدقها إياه، كما حصل مع ثابت بن قيس
(1)
وامرأته.
وفي هذا بيان لما اشتملت عليه أحكام الطلاق من التيسير ورفع الحرج، بيد أنه لا بد أن يتخذ هذا التيسير بقدر الحرج الواقع على الزوجة، لا أن تتخذه بدون حاجة، لأنه حينئذ يصبح وبالا على المرأة كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم حين قال:(أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)
(2)
.
•
المطلب الثالث: إباحة اللعان رفعا للحرج عن الزوج
.
نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن قذف المحصنات بالزنى واشترط في قبول ذلك أربعة شهداء، لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة.
أما الزوج إذا رأى زوجته واقعة في الفاحشة فهل يلزمة الإتيان بأربعة شهداء؟
وللمتأمل أن يتأمل مقدار المشقة الذي يجدها الزوج في هذه الحالة وما يلحقه من العار وإفساد الفراش، وخصوصا إذا أنكرت المرأة فعلها، وأنى له أن يأتي بأربعة شهداء في ذلك الحين وكيف يطالب بذلك؟
ولأجل ذلك استشكل سعد بن عبادة رضي الله عنه ذلك فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلا لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم.
قال: كلا والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني)
(3)
.
وهذا الحرج وجده هلال بن أمية رضي الله عنه واصطلى بناره حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاءا، فوجدت رجلا مع أهلي، رأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل عليه جدا، حتى عُرف ذلك في وجهه، فقال
(1)
هو ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك، يكنى بأبي محمد وقيل بأبي عبد الرحمن وكان خطيب الأنصار وخطيب النبي صلى الله عليه وسلم شهد أحدا وما بعدها وقتل في خلافة الصديق شهيدا في معركة اليمامة (أسد الغابة 1/ 275).
(2)
سبق تخريجه (ص 231).
(3)
أخرجه مسلم في كتاب اللعان برقم (1498) ، وهو عند البخاري بلفظ قريب برقم (6454).
هلال: والله يا رسول الله إني لأرى الكراهة في وجهك مما أتيتك به، والله يعلم أني صادق وما قلت إلا حقا، فإني لأرجو أن يجعل الله فرجا، قال: واجتمعت الأنصار، فقالوا: ابتلينا بما قال سعد، أيجلد هلال بن أميَّة، وتبطل شهادته في المسلمين؟ فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربه، فإنه لكذلك يريد أن يأمر بضربه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، إذ نزل عليه الوحي، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل حتى فرغ، فأنزل الله {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] إلى قوله: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} [النور: 9] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبْشِرْ يا هِلالُ، فإنَّ الله قدْ جَعَل فَرَجا " فقال: قد كنت أرجو ذلك من الله
…
) الحديث
(1)
فتأمل كيف جاءت هذه الآيات رافعة للحرج ومخففة على الزوج.
ثم ذكر تعالى بعد هذه الآيات لطفه بخلقه، ورأفته بهم، وأنه شرع لهم الفرج والمخرج من شدة ما يكونون فيه من الضيق، فقال:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي: لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ} على عباده -وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة- {حَكِيمٌ (10)} [النور 10] فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه
(2)
.
(1)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة النور، برقم (4470).
(2)
تفسير القرآن العظيم (6/ 15).