المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المطلب الثاني: ما فرضه الله من أن للذكر مثل حظ الأنثيين - الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

[أبو بكر فوزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أهمية هذا الموضوع

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌خطة البحث

- ‌شكر وتقدير

- ‌منهج كتابة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف الحكمة

- ‌ علاقة الحكمة بالمقصد والعلة:

- ‌ أقسام الحِكم:

- ‌المبحث الأول: الغاية من تكليف الله تعالى للعبد

- ‌المبحث الثاني: فوائد معرفة الحكم:

- ‌الباب الأول: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأولبناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى تمنع العبد عن التعامل بالربا

- ‌ المطلب الثاني: تقوى الله تعالى عند الاستدانة وأداء الديْن

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله تعالى في مال اليتيم

- ‌ المطلب الثاني: مراقبة الله تعالى في أداء الأمانات

- ‌المبحث الثالث: تحقيق الفلاح

- ‌المبحث الرابع: التسليم بقضاء الله وقدره

- ‌المبحث الخامس: تقديم حقوق الله تعالى على مصالح الدنيا

- ‌ المطلب الأول: بيان عقوبة من قدم التجارة على حق الله عز وجل

- ‌ المطلب الثالث: الثناء على من قدّم حق الله على بيعه وتجارته

- ‌المبحث السادس: الحذر من سوء العاقبة

- ‌ المطلب الأول: سوء عاقبة أكل أموال الناس بالباطل

- ‌ المطلب الثاني: سوء عاقبة آكلي الربا

- ‌ المطلب الثالث: سوء عاقبة أكل مال اليتيم

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: التفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌ المطلب الأول: الحث على مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الثاني: الحث على التوبة والسعي إلى الإصلاح

- ‌ المطلب الثالث: الرضا بحكم الله وامتثال أمره

- ‌الفصل الثالث: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تذكر نعمة الله تعالى

- ‌المبحث الثاني: تقوى الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: إقامة الحياة الزوجية على مبدأ التقوى بين الرجل والمرأة:

- ‌ المطلب الثالث: تقوى الله تعالى في حال الصلح

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى عند حصول الطلاق

- ‌ المطلب الخامس: تقوى الله تعالى في إرضاع المولود:

- ‌المبحث الثالث: مراقبة الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: استحضار المراقبة يمنع المطلقة من كتمان ما يتوقف عليه أمر الطلاق

- ‌ المطلب الثاني: استحضار الزوجين للمراقبة حال الخِطبة

- ‌ المطلب الثالث: مراقبة الله تعالى عند رغبة الولي في نكاح اليتيمة التي في حجره

- ‌ المطلب الرابع: استحضار مراقبة الله تعالى حال الخصومة بين الزوجين

- ‌المبحث الرابع: شكر الله عز وجل

- ‌المبحث الخامس: التوكل على الله

- ‌ مطلب: التوكل على الله عند حصول الخلافات أو حدوث الطلاق

- ‌المبحث السادس: التربية على الصبر

- ‌ المطلب الأول: الحث على الصبر عند عدم القدرة على النكاح

- ‌ المطلب الثاني: الصبر عن فتنة الزوجة والأولاد:

- ‌ المطلب الثالث: تربية الزوجة والأولاد على الصبر:

- ‌المبحث السابع: البعد عن قول الزور

- ‌ المطلب الأول: النهي عن قول الزور بين الزوجين

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن القذف ورمي المحصنات

- ‌المبحث الثامن: البعد عن العادات السيئة

- ‌ المطلب الأول: التعامل مع المرأة حال الحيض:

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن إتيان المرأة في دبرها

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى سبب في تحري الطيب الحلال والبعد عن الحرام

- ‌ المطلب الثاني: التقوى تمنع العبد من الغلو وترك ما أباح الله من الطيبات

- ‌ المطلب الثالث: التقوى باعثة على امتثال أمر الله عز وجل والثبات على دينه

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى سبب في فتح أبواب الرزق وتسهيل طرقه

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله عز وجل حال الاضطرار والمخمصة

- ‌ المطلب الثاني: المراقبة توصل العبد إلى محبة الله تعالى، وأهلها مشهود لهم بالفضل والإحسان

- ‌ المطلب الثالث: ابتلاء الله تعالى لعباده بمنعهم نوعا من أنواع الرزق، ليتبين بذلك من يراقبه ممن يخالف أمره

- ‌المبحث الثالث: شكر الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: الأمر بشكر الله على الأكل من الطيبات:

- ‌ المطلب الثاني: بيان منة الله على عباده بنعمة الرزق مع تنوعه، وأن غاية ذلك هو الشكر

- ‌ المطلب الثالث: بيان عاقبة من كفروا بالنعمة ولم يشكروا الله عليها

- ‌المبحث الرابع: تعظيم شعائر الله

- ‌ المطلب الأول: تحريم أكل ما فيه تعظيم لغير الله

- ‌ المطلب الثاني: تغليظ العقوبة لمن تعمد الوقوع في محارم الله

- ‌ المطلب الثالث: ذم عادات الجاهلية في اعتدائهم على الله وإشراك الأصنام معه في قسمة حروثهم وأنعامهم

- ‌المبحث الخامس: اجتناب مسالك الغواية

- ‌ المطلب الأول: اجتناب خطوات الشيطان

- ‌ تحريم ما أحل الله عز وجل

- ‌ الإيحاء بالمعصية والكفر في تحليل ما حرم الله

- ‌ تسمية المحرمات بغير اسمها تزيينا للنفس

- ‌ المطلب الثاني: اجتناب الفسق

- ‌ التحذير من أكل ما يورث الفسق:

- ‌ التحذير من مشابهة الفاسقين

- ‌المبحث الأول: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الثاني: أخذ الولي الفقير من مال اليتيم بالمعروف

- ‌المبحث الثاني: تحقيق العدل

- ‌ المطلب الثاني: تحقيق العدل في المداينات

- ‌ المطلب الثالث: العدل في الموازين والنهي عن التطفيف فيه

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بكتابة الدَّين

- ‌ المطلب الثالث: التخفيف على الأُجَراء والرحمة بهم

- ‌المبحث الرابع: الحذر من كتمان الشهادة

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ المال كحق للأمة بوجه عام

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق اليتيم والسفيه

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الكاتب والشهيد

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيم أحكامه

- ‌ المطلب الأول: الوصية بهذه الفرائض، وإضافتها للفظ الجلالة تعظيما لها واهتماما بها

- ‌ المطلب الثاني: بيان عجز العقول عن إدراك ما ينفع العباد ويصلحهم، وتسليم الحكم لله

- ‌ المطلب الثالث: الترغيب في إقامة حدود الله والترهيب من تضييعها

- ‌المبحث الثاني: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: قيام التوارث في بداية الأمر على الهجرة:

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بإيتاء من حضر القسمة منها، من الأقرباء غير الورثة أو الضعفاء

- ‌المبحث الثالث: صلة الرحم

- ‌ توريث ذوي الأرحام

- ‌ التوريث بالنكاح والولاء

- ‌المبحث الرابع: تحقيق العدل بين الرجل والمرأة

- ‌ المطلب الأول: إبطال وإنكار عادات الجاهلية التي فيها ظلم للمرأة والصغير

- ‌ المطلب الثاني: ما فرضه الله من أن للذكر مثل حظ الأنثيين

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الورثة:

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن:

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق الموصى له:

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الميت:

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيمها

- ‌ المطلب الأول: مشروعية افتراق الزوجين عند الخشية ألا يقيما حدود الله ولو بالافتداء

- ‌ المطلب الثاني: ثناء الله جل وعلا لمن يقيم حدوده، وذمه للمخالف والمعرض عنها

- ‌المبحث الثاني: بناء الأسرة الصالحة

- ‌ المطلب الأول: تحريم نكاح المشركات وإنكاح المشركين

- ‌ المطلب الثاني: اشتراط اختيار الزوج الصالح البعيد عن الفواحش والفجور رجلا كان أو امرأة

- ‌ المطلب الثالث: التضييق في نكاح الإماء

- ‌المبحث الثالث: التكاثر والتناسل

- ‌ المطلب الأول: التكاثر والتناسل عن طريق النكاح سنة الله في الكون

- ‌ المطلب الثاني: الرد على دعاة تحديد النسل

- ‌المبحث الرابع: الطمأنينة والسكن

- ‌ المطلب الأول: حصول المودة والرحمة بين الزوجين:

- ‌ المطلب الثاني: اطمئنان البيوت

- ‌ المطلب الثالث: الترويح عن النفس وتجديد الهمة

- ‌المبحث الخامس: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الأول: المعاشرة بالمعروف:

- ‌ المطلب الثاني: التعامل بالمعروف في الطلاق

- ‌ المطلب الثالث: فعل المعروف في زمن العدة وبعد انقضائها

- ‌المبحث السادس: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: النكاح أصل النظام البشري في الاجتماع والترابط

- ‌ المطلب الثاني: النكاح مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الثالث: قطع كل سبيل يفضي إلى التباغض بين الأقربين

- ‌المبحث السابع: حفظ الأعراض

- ‌ المطلب الأول: وجوب انتساب الذرية للآباء

- ‌ المطلب الثاني: تحريم نكاح المحارم

- ‌ المطلب الثالث: فرض العدة على المطلقة والمتوفى عنها زوجها

- ‌ المطلب الرابع: مشروعية اللعان

- ‌المبحث الثامن: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الزوج

- ‌ المطلب الثاني: حقوق الزوجة:

- ‌المبحث التاسع: حفظ العفة ومحاربة الرذيلة

- ‌ المطلب الأول: الاستعفاف لمن لا يستطيع النكاح

- ‌ المطلب الثاني: تعدد الزوجات وأثره في عفاف المجتمع

- ‌ المطلب الثالث: نهي المطلقة عن الخروج من بيتها وأثره في عفتها وعفة المجتمع

- ‌ المطلب الرابع: النهي عن إشاعة الفاحشة وعقوبة من يحب ذلك

- ‌المبحث الأول: إقامة شعائر الله

- ‌المبحث الثاني: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الثاني: تحريم ما يفسد العقل والبدن ويؤثر في صحتهما

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌الباب الثالث: التيسير ورفع الحرج على الفرد والمجتمع في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأول التيسير ورفع الحرج في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه

- ‌المبحث الثاني: التيسير على الأمة فيما يصلح معيشتهم

- ‌ المطلب الأول: الامتنان على العباد بإباحة التكسب لهم على وجه العموم

- ‌ المطلب الثاني: إباحة صنوف المعاملات التي يحصل بها النفع والتيسير على الأمة

- ‌ المطلب الثالث: تنوع طبائع الناس في اختيارهم طرق كسبهم وسبل معاشهم

- ‌ المطلب الرابع: رفع الحرج والإثم عمن تاب من المعاملات المالية المحرمة

- ‌الفصل الثاني التيسير ورفع الحرج في آيات المواريث

- ‌ المطلب الأول: التيسير في أسلوب التبليغ

- ‌ المطلب الثاني: مشروعية الوصية للميت

- ‌ المطلب الثالث: النهي عن الضرر

- ‌الفصل الثالث التيسير ورفع الحرج في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تيسير أمر النكاح

- ‌ المطلب الأول: تيسير مؤونة النكاح

- ‌ المطلب الثاني: رفع الحرج عن نكاح الأمة عند عدم القدرة على نكاح الحرة

- ‌ المطلب الثالث: رفع الحرج بالتعريض في خطبة من توفي عنها زوجها

- ‌المبحث الثاني: التيسير في إباحة الطلاق

- ‌ المطلب الأول: رفع الجناح عن الطلاق قبل البناء

- ‌ المطلب الثاني: رفع الجناح أن تختلع المرأة من زوجها عند الحاجة

- ‌ المطلب الثالث: إباحة اللعان رفعا للحرج عن الزوج

- ‌المبحث الثالث: التيسير في حل الخلافات والمشاكل الأسرية

- ‌ المطلب الأول: في الإيلاء

- ‌الفصل الرابع التيسير ورفع الحرج في آيات الأطعمة

- ‌المبحث الأول: التيسير في إباحة الطيبات

- ‌ المطلب الأول: عموم الإباحة وحصر المحرمات

- ‌ المطلب الثاني: التقرير بإباحة الطيبات على وجه الثبوت والدوام

- ‌المبحث الثاني: التيسير ورفع الحرج عن المضطر

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المطلب الثاني: ما فرضه الله من أن للذكر مثل حظ الأنثيين

يدع لهما مالا فقال: (يقضي الله في ذلك) قال: فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين و أمهما الثمن و ما بقي فهو لك.

(1)

فبيّن هذا الحديث أن ما كان يفعله الجاهليون في صدر الإسلام لم يكن شرعا مسكوتا عنه مقرا عليه؛ لأنه لو كان شرعا مقرا عليه لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم على عم الصبيتين برد ما أخذ من مالهما؛ لأن الأحكام إذا مضت وجاء النسخ بعدها إنما تؤثر في المستقبل، ولا ينقض به ما تقدم، وإنما كانت هذه الحادثة ظلما وقع فنزلت هذه الآية ترد الظلم وتبطله.

(2)

فبيّن الله تبارك وتعالى في آيات المواريث العلة التي يقوم عليها الإرث، وهذا غاية العدل لأنه يسد الطريق على كل علة أو سبب يوصل لمنع فريق من مستحقي الميراث حقهم.

•‌

‌ المطلب الثاني: ما فرضه الله من أن للذكر مثل حظ الأنثيين

.

فإن الله - جلت حكمته- فرض عند اجتماع الذكور والإناث في الميراث أن للذكر مثل حظ الأنثيين سواء كانوا أولادا أو إخوة فقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ

} الآية [النساء: 11]. وقال: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} [النساء: 176].

وفي هاتين الآيتين تتجلى مظاهر العدل للقارئ المتبصر في أمرين:

• الأول: التسوية بين الذكور فيما بينهم من الميراث، وبين الإناث كذلك.

فلقد كان أهل الجاهلية يورثون من الذكور الأكبر فالأكبر ولا يعطون الصغير شيئا، معللين ذلك بأن الكبير أنفع لهم من الصغير، فأبطل الله هذا الحكم وأمر بالتسوية بين

(1)

رواه الإمام أحمد في المسند برقم (14840) ، وأبو داود في سننه. كتاب الفرائض باب ماجاء في ميراث الصلب برقم (2891) ، والترمذي في جامعه وصححه كتاب الفرائض، باب ميراث البنات برقم (2092) ، والحاكم في المستدرك، كتاب الفرائض برقم (7995) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في حكمه على سنن أبي داود (2/ 560)، وآية الميراث المقصودة في هذا الحديث هي قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم

) الآية.

(2)

أحكام القرآن، لابن العربي (1/ 333).

ص: 222

الذكور فيما بينهم ملغيا في ذلك أي علة يراد منها تغيير فرض الله الذي فرضه

(1)

فقال: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 11].

ولذلك فقد جاء التعبير بلفظ (الذكر والأنثى) دون ذكر (الرجال والنساء) في هذه الآية للتنصيص على استواء الصغار والكبار من الفريقين في الميراث دون البلوغ

(2)

.

وهذا عدل منه جل وعلا، فلئن كان الكبار أحوج إلى المال لحملهم السلاح في نظر قوم فإن الصغار الذين لا يستطيعون التكسب والحصول على المال هم أحوج في نظر آخرين فكان العدل في ذلك هو ما حكم به أحكم الحاكمين.

• الثاني: تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث.

فإن من عدل الله تبارك وتعالى عدم التسوية بين الرجال والنساء في الميراث، وكيف يُسوَّى بمن فرّق الله بينهما وفضل بعضهما على بعض فقال:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36].

وقد بيّن الله تبارك وتعالى أن هذه القسمة أعدل قسمة وأقومها، وأن من رام غيرها فهو في ضلال كما ذكر في آخر سورة النساء.

وإذا وجد من يعترض على توريث النساء لضعفهن وعدم قيامهن بما يقوم به الرجل ووجد من يعترضون على عدم التسوية بين الرجل والمرأة فقد ردّ الله جل جلاله عليهم جميعا بقوله: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)} [النساء: 32].

فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله: تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث! فنزلت:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}

(3)

.

(1)

انظر: جامع البيان (7/ 32) ، تفسير القرآن العظيم (2/ 226) ، روح المعاني (4/ 228).

(2)

انظر: روح المعاني (4/ 217).

(3)

أخرجه الطبري في تفسيره (8/ 261) ، وابن أبي حاتم في التفسير (4/ 132) ، والترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة النساء برقم (3022) ، والإمام أحمد في المسند برقم (26779) ، والحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، باب تفسير سورة النساء برقم (3195) ، كلهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال الترمذي=

= هذا حديث مرسل، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين إن كان سمع مجاهد من أم سلمة، وافقه الذهبي في التصحيح بدون التعليل، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري: وأما حكم الترمذي في روايته من طريق ابن عيينة -بأنه حديث مرسل، فإنه جزم بلا دليل، ومجاهد أدرك أم سلمة يقينًا وعاصرها فإنه ولد سنة ولد 21 هـ ، وأم سلمة ماتت بعد سنة 60 على اليقين، والمعاصرة - من الراوي الثقة - تحمل على الاتصال، إلا أن يكون الراوي مدلسًا. ولم يزعم أحد أن مجاهدًا مدلس.

ص: 223

فالله تبارك وتعالى هو العدل ولا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.

وتتجلى مظاهر العدل لنا في هذه القسمة الربانية بما أخبر الله تعالى عن الرجال والنساء في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]

فإن الله تبارك وتعالى جعل الرجال أكمل من النساء، ولما كان ضعف النساء ونقصهن جبلة وطبيعة خلقهن الله عليها، فقد كلف الرجال بما لم يكلف به النساء، وجعل المرأة الضعيفة تحت نظر الرجل، ولذلك فإن الرجل مكلف بالإنفاق عليها والقيام على حوائجها دون أن يُطلَب منها ذلك، فالرجل أحوج منها للمال لما يجب عليه من النفقة وتكلف معاناة التكسب والتجارة، ولذلك كان من العدل أن يكون ميراثه ضعفي ميراث الأنثى.

ثم إن هذا المال الذي ورثاه لم يتعبا في جمعه، وليس هو حق من أحدهما أعطي للآخر، بل هو فضل من الله وتمليك منه سبحانه ملّكهما إياه تمليكا جبريا، فاقتضت حكمته سبحانه أن يضاعف للرجل لأنه مترقب النقص بالنفقة ودفع المهور، والبذل على نوائب الدهر.

بينما المرأة مترقبة للزيادة بدفع المهر والميراث لها، والنفقة عليها، وإيثار مترقب النقص دائماً على مترقب الزيادة دائماً لجبر بعض نقصه المترقب، حكمة ظاهرة واضحة لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي

(1)

.

وكفى بالإشارة لهذا المقدار وما فيه من العدل بيانا لما احتوته بقية الفروض من العدل والإنصاف، وكله فضل من الله في أن يملك عباده تمليكا ملزما ما لا جهد لهم فيه.

(1)

انظر: محاسن الإسلام للبخاري (ص 39) ،تفسير القرآن العظيم (2/ 225) ، روح المعاني (4/ 217) ، أضواء البيان (2/ 222، 223).

ص: 224

فإذا تدبر المجتمع هذه الحكمة علم أنه نجاته وصلاحه في امتثال شرع الله وحكمه مهما تغير الزمن، وتجددت الأحوال، فلن يجدوا غير حكم الله العدل العليم بما كان وما سيكون، فلا مبدل لكلماته ولا مغير لأحكامه {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} [الأنعام: 115].

وثمت ملحظ في الآية نختم به هذا المبحث يجدر التنبيه عليه لما فيه من بيان فضل الله وإكرامه للمرأة، وذلك في قوله:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}

فإن المراد من هذه الآية تضعيف حظ الذكر على الأنثى، وقد كان صالحا أن يؤدى بمثل: للأنثى نصف حظ الذكر أو للأنثيين مثل حظ الذكر، ولكن جاء هذا التعبير للإيماء إلى أن حظّ الأنثى صار في اعتبار الشرع أهَمّ من حظّ الذكر، إذ كانت مهضومة الجانب عند أهل الجاهلية فصار الإسلام ينادي بحظّها، وكأنه هو المقدار الذي يقدّر به حظ الرجل

(1)

.

(1)

البحر المحيط (3/ 252) ، روح المعاني (4/ 217) ، التحرير والتنوير (4/ 257).

ص: 225