الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: حفظ الحقوق
جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ الحقوق، والاهتمام بها، وأعظم هذه الحقوق هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال والعرض، فمصالح الدين والدنيا مبنية على الحفاظ على هذه الحقوق وبضياعها ضياع الدنيا ومصالحها.
وقد جاءت الأحكام الشرعية لتحقيق هذه المصالح الضرورية وحفظها أن تضيع أو تنتهك.
والمال داخل في هذه المصالح ، فلو ضاع وعُدم لم يبق في الدنيا عيْش
(1)
.
وقد جاءت الآيات في كتاب الله حافظة لهذا الحق العظيم، ومشرعة للأمة ما يحفظه لها.
ويتضح ذلك فيما يلي:
•
المطلب الأول: حفظ المال كحق للأمة بوجه عام
.
إن الأمة مكونة من مجموع الأفراد الذين ينتمون إليها، فإذا نقص دخل كل فرد من المال أو ضاع حقه منه، تطرق النقص إلى الأمة بمجموعها، وضاع حقها، لما للمال من سد حاجة الناس.
وإذا ضاع المال بين أفراد المجتمع احتاجت الأمة إلى غيرها، وقد يطمع فيها أعداؤها فيصبح المجتمع ذليلا فقيرا، بخلاف ما إذا نما المال وحفظت الحقوق، فإن الأمة تكون في عزة ومنعة لا تحتاج إلى غيرها من الأمم.
ولذلك فإن الله أمر الأمة بما يحفظ لها المال من جانب الوجود ومن جانب العدم، فقال تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
(1)
انظر: الموافقات (2/ 332).
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29]
(1)
.
فهاتان الآيتان من أهم الأصول في حفظ مال الأمة، فقد بين الله تعالى لعباده ما يباح لهم من الزيادة المشروعة، وحرم عليهم الزيادة الباطلة الممنوعة.
وإذا كان بعض الناس، لا يرى فرقا بين البيع والربا، وأنهما سيان في الزيادة، فذلك لجهله بالشريعة وبعده عن منهج الله.
وأي فرق أعظم من تفريق أحكم الحاكمين بينهما بأن أباح لنا البيع وجعله وسيلة لحفظ المال وزيادته، وحرم الربا وجعله سببا للهلاك والنقص وتلف الأموال
(2)
.
وفي الآيتين دليل على أن الأصل في البيوع والتجارات الحل إذا سلمت من المحاذير التي بينها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وحصل التراضي بين المتبايعين، وبذلك تتنوع سبل تنمية المال وتكثر من عقارات وأمتعة وأشربة وأوان مما ينمي المال ويحفظه من الزوال
(3)
.
وهذا يدعو الأمة بمجموع أفرادها إلى التكسب وحفظ الأمة من أن يضعف اقتصادها فتزول هيبتها وكرامتها، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة ما يشير إلى هذا المعنى، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم المال الصالح للرجل الصالح)
(4)
.
وقال سفيان الثوري
(5)
رحمه الله: (كان المال فيما مضى يكره، فأما اليوم فهو ترس المؤمن)
(1)
انظر: التحرير والتنوير (4/ 234) ، مقاصد الشريعة الإسلامية لليوبي (ص 284، 285).
(2)
انظر: جامع البيان (6/ 13) ، المحرر الوجيز (2/ 481) ، تفسير سورة البقرة للعثيمين (3/ 377).
(3)
انظر: تيسير اللطيف المنان، ابن سعدي (ص 70).
(4)
سبق تخريه (ص 53)
(5)
هوسفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة أبو عبد الله الثوري الكوفي المجتهد، مصنف كتاب " الجامع ".إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، ولد سنة 97 هـ وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده، حدث عن إبراهيم بن عبد الأعلى وإبراهيم بن عقبة وأيوب السختياني ويقال: إن عدد شيوخه ست مائة شيخ، وحدث عنه أبو حنيفة والأوزاعي ومعاوية بن صالح، وابن أبي ذئب، وكلهم ماتوا قبله =
…
= وقال أحمد بن حنبل: قال لي ابن عيينة: لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حتى تموت، توفي سنة 161 هـ (سير أعلام النبلاء 229 - 235).