الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنها قالت: كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب، وأتعرق العَرْق وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ)
(1)
.
فتأمل إكرام النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة في تلك الحالة التي يصيبها فيه النقص الخِلْقي، وتكون في أمسِّ الحاجة لمن يواسيها، وفي ذلك بيان لها ولجميع الأمة أن ما قدّره الله عليها ليس سببا لهجرها أو عدم صلاحها للخدمة في البيت والأسرة.
•
المطلب الثاني: النهي عن إتيان المرأة في دبرها
.
ومما جاء القرآن بالأمر بالبعد عنه إتيان المرأة في دبرها، فقد كان بعضهم في الجاهلية إذا حاضت امرأته يجتنب إتيانها في مخرج الدم ويأتيها في دبرها، فنهى الله عن اعتزالها حال الحيض على ما سبق بيانه، ونهى إتيانها في دبرها على أية حال
(2)
.
وأنزل الله قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)} [البقرة: 223].
فعن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل هذا الحي من الأنصار -وهم أهل وثن -مع أهل هذا الحي من يهود -وهم أهل كتاب -وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم
فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يَشْرَحون النساء شرحًا منكرًا، ويتلذذون بهن مقبلات
(1)
رواه مسلم في صحيحه كتاب الحيض باب جواز غسل رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن برقم (300).
(2)
انظر: جامع البيان (4/ 373).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة برقم (4254) ، ومسلم في كتاب النكاح باب جواز جماع امرأته في قبلها من قدامها ومن ورائها من غير تعرض للدبر برقم (1435).
ومدبرات ومستلقيات. فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار
فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نُؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، فسرى أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات -يعني بذلك موضع الولد
(1)
.
فبينت أسباب النزول ما احتف بهذه الآية من حوادث، وجاءت الآية الكريمة تقر ما كان موافقا للفطر السليمة وهو جواز إتيان المرأة حيث شاء زوجها شريطة أن يكون الإيلاج في مكان الحرث وهو القبُل حيث موضع الولد.
كما يفهم من هذه الآية البعد عن تلك العادة القبيحة والفعلة السيئة ألا وهي إتيان المرأة في دبرها
(2)
.
ولما في هذه العادة من القبح، وحرصا من الشريعة عن البعد عن سيء الأعمال جاء الوعيد الشديد والنهي الأكيد لمن يقوم بهذا العمل، فعن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأته في دبرها)
(3)
.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول: فقد كفر يما أنزل على محمد)
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه كتاب النكاح، باب في جامع النكاح برقم (2164) ، والحاكم في المستدر، كتاب النكاح برقم (2891) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 406) برقم (1896).
(2)
انظر: آداب الزفاف (ص 29).
(3)
أخرجه أحمد في المسند برقم (9731) ، وأبو داود في سننه كتاب النكاح، باب في جامع النكاح برقم (2162) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 406) برقم (1894).
(4)
أخرجه أحمد في المسند برقم (10170) ، وأبو داود في سننه كتاب الطب، باب في الكهان برقم (3904) ، والترمذي في جامعه كتاب الطهارة، باب كراهية إتيان الحائض برقم (135) ، وابن حبان في صحيحه كتاب النكاح باب النهي عن إتيان النساء في أعجازهن برقم (4203)، وقال الأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: إسناده حسن، وصححه الألباني في إرواء الغليل (7/ 68).
فهذان الحديثان فيهما تغليظ شديد ووعيد هائل لمن يرتكب هذا العمل حيث لم يكتف بكفره بل ضم إليه بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وقد اشتد نكير الصحابة رضوان الله عنهم في هذا الأمر، فعن سعيد بن يسار
(2)
قال: سألت ابن عمر: إنا نشتري الجواري فنحمض لهن، قال: وما التحميض؟ قال: نأتيهن في أدبارهن. قال: أو يعمل هذا مسلم؟!
(3)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن الذي يأتي امرأته من دبُرها فقال: هذا يسألني عن الكفر
(4)
.
وهكذا تدعو الشريعة الإسلامية العباد إلى البعد عن قبيح العادات وسيء الأفعال، تكريما لهم وتنزيها لهم عما يضرهم ويشينهم، وتقودهم إلى ما فيه هداية لهم للتي هي أقوم في جميع شؤون حياتهم.
(1)
انظر: فيض القدير (6/ 23).
(2)
هو أبو الحباب سعيد بن يسار المدني مولى أم المؤمنين ميمونة، وقيل: بل مولى الحسن بن علي، حدث عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني، وابن عباس، وعبد الله بن عمر، وروى عنه ابن أخته معاوية بن أبي مزرد، وسعيد المقبري، وأبو طوالة، وكان من العلماء الأثبات. توفي سنة 116 هـ، وقيل 117 هـ. (السير 5/ 93، 94).
(3)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب تأويل قوله تعالى:(نساؤكم حرث لكم) برقم (8979)، وقال الألباني: سنده صحيح وهو نص صريح من ابن عمر في إنكاره أشد الإنكار إتيان النساء في الدبر فما أورده السيوطي في " أسباب النزول " وغيره مما ينافي هذا النص خطأ عليه قطعا فلا يلتفت إليه (آداب الزفاف ص 29).
(4)
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، باب في تحريم الفروج وما يجب من التعفف (4/ 355) ورقم (5378) وقال الألباني: سنده صحيح (آداب الزفاف ص 33).
الفصل الرابع
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: تقوى الله عز وجل.
المبحث الثاني: مراقبة الله عز وجل.
المبحث الثالث: شكر الله عز وجل.
المبحث الرابع: تعظيم شعائر الله.
المبحث الخامس: اجتناب مسالك الغواية، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: اجتناب خطوات الشيطان.
المطلب الثاني: اجتناب الفسق.