الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بما يضر ورثته، فالله عز وجل يسمع ما يوصي به الميت قبل موته حين يوصي هل يعدل أم يظلم؟
(1)
.
وكذلك فإن الآية داعية لأهل الميت وورثته إلى أن يراقبوا الله فيما أوصى به الميت ويسعون في تنفيذها إن لم يكن فيها ظلم وجوْر، فلا يقومون بتبديلها أو كتمان شيء منها، في حين لا يراهم أحد ولا يعلم الموصَى له ما أوصى له الميت فيدفعهم ذلك إلى الظلم، فأخبر الله تعالى أنه يعلم تبديل المبدل وإن تحايل على الناس فإن الله عليم بما تخفيه نفسه.
(2)
والتعبير بهاتين الصفتين لله جل وعلا من أقوى الدوافع لمراقبته تعالى والخوف من عقابه لأنه لا يخفى معهما شيء من جور الموصين وتبديل المعتدين
(3)
.
ومتى تذكر العبد هذين الاسمين في جميع شؤونه وأعماله، فإن حياته ستؤول إلى الأفضل لأنها ستجعله دائم التعلق بالله عز وجل، يخشى أن يسمع منه باطلا، ويخشى أن يخفي ويضمر سوءا وشرا فيطلع الله عليه.
•
المطلب الثاني: الحث على التوبة والسعي إلى الإصلاح
.
وذلك في قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)} [البقرة: 182].
وهذه الآية مكملة للآية التي قبلها وقد ختمت باسمين من أسماء الله تعالى التي تحث على التوبة والاستغفار، وتدارك الظلم والزلل.
وقوله: (غفور رحيم) أي: يغفر جميع الزلات ويصفح عن التبعات لمن تاب إليه، رحيم بعباده، حيث شرع لهم كل أمر به يتراحمون ويتعاطفون.
(1)
{انظر: جامع البيان (3/ 399).
(2)
{انظر: التحرير والتنوير (2/ 152).
(3)
{الجامع لأحكام القرآن، (3/ 115).
فقد يريد الموصي أن يوصي بما فيه إضرار بورثته سواء عن طريق الخطأ أو عن طريق العمد أو بتحايل، كأن يوصي لزوج ابنته ليكثر مال ابنته إلى غير ذلك من الأشكال، فإن علم الولي أو المصلح بذلك فنهاه عن الجور في الوصية وأمره بالعدل والإحسان فيها _ وهذا غاية الصلح_ فإن الله تعالى غفور للموصي فيما حدث به نفسه من الظلم والجور إذا لم يقع منه، رحيم بالمصلح الذي منع الظلم أن يقع وحرص على أن تصل الحقوق إلى مستحقيها بالعدل والإحسان.
(1)
والله سبحانه غفور للمصلح كذلك حال تبديله للوصية فإن الله عز وجل لما نهى عن تبديل الوصية في الآية السابقة بين في هذه الآية أن التبديل هنا مخالف للتبديل في الآية السابقة لأنه بدّلها من الجور إلى الحق والعدل وهذا هو المطلوب ولهذا بين الله تعالى أنه لا إثم عليه بل غفور له فيما أخطأ فيه بعد الاجتهاد وغرضه الوصول للحق رحيم يفعل به من الإكرام فعل الراحم بالمرحوم، حيث رحم الموصي وخشي عليه الوقوع في المعصية والظلم عند موته.
والله سبحانه وتعالى يجازي من ترك بعض حقه لأخيه وتسامح في هذا الحق بالمغفرة والرحمة، لأن من سامح سامحه الله.
وهو جل شأنه غفور للميت الجائر في وصيته إذا احتسب أولياؤه التسامح فيما بينهم لأجل براءة ذمته
(2)
.
وبهذا تتبين الحكمة العظيمة من ختم هذه الآية بقوله: (غفور رحيم) وهي تطبيق مراد الله تعالى بتنفيذ الوصية المشروعة بالعدل والإنصاف بدون ميل أو ظلم.
(3)
كما أن تغيير المنكر والأمر بالمعروف يحصل بهما المغفرة والرحمة من الله تعالى
(4)
.
(1)
{انظر: جامع البيان (3/ 406 - 408).
(2)
{انظر: التفسير الكبير (5/ 73) ، نظم الدرر (1/ 336) ، تيسير الكريم الرحمن (ص 85).
(3)
{انظر: التحرير والتنوير (2/ 154).
(4)
{انظر: تيسير الكريم الرحمن (ص 85).