الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: حفظ الأعراض
حفظ الأعراض من الحكم العظمى في الشريعة الإسلامية، بل جعلها بعضهم من الضروريات
(1)
.
والمراد بحفظ الأعراض في هذا المبحث: هو حفظ أنساب الناس وأحسابهم وتنقيتها من الخطأ والدنس.
فعلى هذا يكون حفظها من الكليات
(2)
،وبحفظها صلاح للمجتمع ونظامه، وباختلاطها وضياعها يحصل فساد النظام بين الناس.
ولذلك فإن القرآن قد جاء بحفظ الأعراض وشرع لأجلها الأحكام وأنزل ببيانها الآيات.
ويتبين لنا ذلك من خلال الفقرات التالية:
•
المطلب الأول: وجوب انتساب الذرية للآباء
.
اقتضت حكمة الله جل وعلا فيما ينتج عن النكاح من حصول الذرية والولد أن ينتسب الأبناء لآبائهم لا لأمهاتهم، وفي ذلك حفظ للأنساب بحصول التعارف بين الناس ذلك أن الأمهات محجوبات مستورات عن أعين الناس ولا يمكن في الغالب أن تعرف عين الأم، فلو انتسب الناس لأمهاتهم لجهلت الأنساب وحصل فساد كبير في التعامل بين الناس.
وكذلك فإن الأب هو المولود له والأم وعاء، وقد جعل الله تبارك وتعالى الابن خليفة أبيه ولذلك فإن المصلحة في انتساب الأولاد لآبائهم
(3)
، وتظهر حكمة ذلك جليا حال تعدد
(1)
ومنهم الطوفي والسبكي والمحلي وزكريا الأنصاري والشوكاني وغيرهم (انظر: مقاصد الشريعة لليوبي ص 277).
(2)
انظر: لسان العرب (7/ 165) ، القاموس المحيط (ص 595)، قال الزركشي:(والظاهر أن الأعراض تتفاوت فمنها ما هو من الكليات وهي الأنساب وتحريم الأنساب مقدم على الأموال ومنها ما هو دونها وهو ما عدا الأنساب) انظر: حاشية العطار (2/ 323).
(3)
انظر: إعلام الموقعين (ص 294).
الزوجات فلوا انتسب الأولاد لأمهاتهم، فإن الإخوة ينسبون لأكثر من امرأة والمولود له واحد وهو الأب وفي ذلك ضياع للقرابات والحقوق من الإرث ونحو ذلك.
وكذلك إن تزوجت المرأة برجل قبله أو بعده وأنجبت ذرية فإن الانتساب للأمهات حينها يفضي إلى اختلاط الأنساب وعدم معرفة الوالد.
ولذلك فقد حرم الله تعالى في كتابه العظيم الانتساب إلى غير الأب على أي حال فقال:
{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)} [الأحزاب: 5] فلقد كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه جلَد رجل وظرفه ضمه إلى نفسه وجعل له نصيب الذكر من أولاده، فجاءت الآية بإبطال التبني وتحريمه، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم ينسبون زيد بن حارثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون:(زيد بن محمد) فلما نزلت الآية أمرت بالانتساب إلى الآباء فكانوا ينادونه (زيد بن حارثة)
(1)
.
وأعظم حكمة في ذلك أنه هو العدل الذي أمر الله به، فهو عدل للوالد الذي نشأ منه الولد، وعدل للولد الذي يحمل اسم أبيه ويرثه ويورثه، وعدل عند الله تبارك وتعالى الذي شرّع هذا الحكم لما فيه مصلحة الولد والوالد والمجتمع بأسره، فإن الانتساب لغير الأب فيه ضياع للأعراض ودخول على غير المحارم من النساء، وتوريث من لا يستحق من الميراث.
ولذلك فإن نظام الأسرة الذي شرعه الله وهو النكاح وما يتفرع عنه من انتساب الأبناء لآبائهم فيه الخير والصلاح وحفظ الأعراض والأنساب.
ومهما اعتذر الناس بأي عذر في انتساب شخص لغير أبيه ولو لم يعلم نسبه فلا يجوز انتسابه لشخص آخر، بل يكون أخا في الدين أو مولى من موالي المسلمين، إلا ما حصل عن طريق الخطأ فهو معفوٌّ عنه كما نصت الآية الكريمة.
(1)
أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) برقم (4504) ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد برقم (2425).