الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بين الله تبارك وتعالى أن هذه الظنون تقدح في الأخوة فوصفها بالإثم فقال:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا)
(1)
.
ولأجل هذا فقد حث أحكم الحاكمين على قطع ما يفضي إلى الشكوك والظنون في مثل هذه الحالة، حرصا على تكاتف المؤمنين وتآخيهم كما نص الحديث السابق.
وفي بعض الأحوال يحصل من حسن الظن والمحبة بين الأخ وأخيه ما يُشعر الدائن بالأمان والاطمئنان نحو المدين، فإن وصل الأمر إلى هذا الحد فلا بأس حينئذ من عدم الكتابة أو الرهن
(2)
كما قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283].
وهكذا تتوثق الصلات بين المجتمع، ويحب كل أخ لأخيه ما يحبه لنفسه.
(3)
•
المطلب الثالث: التخفيف على الأُجَراء والرحمة بهم
.
من رحمة الله اختلاف مشارب العباد ومنافعهم وتسخير بعضهم لبعض، وقد شرع الله لعباده الإجارة، فيقضي صاحب الحاجة حاجته، ويأخذ الأجير أجره.
وقد رغبت الشريعة في الرحمة بالأجراء والتخفيف عليهم، فشتان بين أجير لا يَسْلم من توبيخ أو نقد مع مايبذله من العمل، وبين أجير قد عامله مؤجره بالحسنى مع اشتراطه إتمام العمل وإنجازه، فهو وإن كان أجيرا لديه، فهو أخ له في الله قبل ذلك.
وقد قص الله لنا ما حصل بين موسى عليه السلام والعبد الصالح صاحب مدْين، لنتفكر ونتأمل في هذه القصة.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، برقم (5717) ، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها، برقم (1985).
(2)
انظر: أضواء البيان (1/ 165).
(3)
انظر: التحرير والتنوير (3/ 122).
فقد طلب صاحب مدين من موسى عليه السلام أن يأجره على رعيه الغنم ثمان سنين والزيادة إلى عشر إنما هو تفضل وتبرع، ثم بين له أن هذه المؤاجرة إنما هي قائمة على السهولة وعدم المشقة فقال:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)} .
وعدم المشقة إما بالتخيير بأي الأجلين وعدم الإلزام بالعشر كاملة. وإما بعدم مؤاخذته وتكليفه ما لا يطيق من الاحتياط الشديد في كيفية الرعي، أو تكليفه أمرا خارجا عن الشرط.
(1)
فلما كان من صاحب مدين التخفيف وعدم المشقة، كان من موسى إتمام الأجل فقد أكمل موسى عليه السلام الأجل الأوفى والأكمل، فقد سأل سعيد بن جبير
(2)
عبد الله بن عباس عن أي الأجلين قضى موسى؟ فأجابه أنه قضى عشر سنين.
(3)
ولهذا ينبغي على المستأجر أن يحسن أخلاقه مع أجيره وخادمه وألا يشق عليه، فإذا وجد الأجير الخلق الجميل والتيسير دعاه ذلك إلى رد الجميل وإتقان العمل.
(1)
انظر: التفسير الكبير (24/ 242) ، البحر المحيط (7/ 150).
(2)
سعيد بن جبير بن هشام الاسدي الوالبي مولاهم الكوفي، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله الامام الحافظ المقرئ المفسر أحد الاعلام، روى عن ابن عباس فأكثر وجوّد، وعن عبد الله بن مغفل، وعائشة، وأبي هريرة، قرأ القرآن على ابن عباس، وقرأ عليه أبو عمرو بن العلاء وطائفة، وحدث عنه أبو صالح، السمان، وأيوب السختياني وبكير بن شهاب، عن حبيب بن أبي ثابت: قال لي سعيد بن جبير: لَأَن أنشر علمي أحب إلي من أن أذهب به إلى قبري، قتله الحجاج في شعبان سنة 95 هـ (السير 4/ 321 - 341)
(3)
انظر: تفسير القرآن العظيم (5/ 289).