الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به الله وهو مخالف للمعروف الذي ذكره الله في الآية كما أن من المعروف أن يتفرغ الزوج لشؤون المعاش وطلب الرزق
(1)
.
وقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقمن بخدمته وهن أشرف نساء العالمين وأمهات المؤمنين فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره
…
) الحديث
(2)
.
وكانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها تعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله ليغتسل
(3)
، وكانت فاطمة رضي الله عنها تطحن الرحى حتى اشتكت من ذلك وأتت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تطلبه خادما، فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هو خير لها من خادم
(4)
ولم ينكر على علي رضي الله عنه أن جعلها تخدمه، وكانت أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما تقول: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شي غير ناضح وغير فرسه فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن، ولقد رآها صلى الله عليه وسلم تنقل النوى على رأسها إلى أرض الزبير وهي على بعد ثلثي فرسخ
(5)
، ومع ذلك لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الزبير خدمة زوجته له
(6)
فإذا كان أفضل النساء وأشرفهن كنّ يخدمن أزواجهن وكان أمرا متعارفا لديهم فغيرهن من باب أولى.
•
المطلب الثاني: حقوق الزوجة:
كما فرض الله تبارك وتعالى للرجال حقوقا فقد جعل للنساء حقوقا على أزواجهن وأمر الرجال بالقيام بها ونهاهم عن التفريط فيها ومن هذه الحقوق ما يلي:
(1)
انظر: إحياء علوم الدين (2/ 40) ، زاد المعاد (5/ 188).
(2)
أخرجه مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض برقم (746).
(3)
أخرجه مسلم كتاب الحيض، باب تستر المغتسل بثوب ونحوه برقم (337).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الخمس باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (2945).
(5)
أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الغيرة برقم (4926) ، ومسلم في كتاب السلام باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق برقم (2182). ومعنى وأخرز غربه المراد به الدلو (الفتح 9/ 323)
(6)
استدل ابن القيم رحمه الله بهذه الأحاديث في تقوية القول بوجوب خدمة الزوجة لزوجها وأن ذلك حق للزوج. انظر: (زاد المعاد 5/ 188).
1.
حق المرأة في الصداق:
فقد أوجب الله تبارك وتعالى على الزوج إذا أراد الزواج أن يُصدق امرأته فقال تعالى:
{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)} [النساء: 4] وجعل المهر فرق ما بين النكاح والزنى ولذلك فلا يجوز نكاح بدون صداق لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)} [النساء: 24] ، وهذا المهر يدفع للمرأة ولا يجوز لوليها أخذ شيء منه
(1)
.
وقد جعله الله تبارك وتعالى شرطا من شروط النكاح فقال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
…
} الآية [المائدة: 5]
(2)
.
وقد حذر الله الأزواج ونهاهم عن أخذ هذا المهر عن غير رضا وخصوصا عند الفراق وأخبر أنه من الآثام العظام فقال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] وقال: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [النساء: 20 ، 21].
وهذا الفعل من الشناعة بمكان وهو أن يضار الزوج زوجته للتخلي عن مالها، ولذا فقد جاء الاستفهام في قوله:{أَتَأْخُذُونَهُ} إنكارا على من يفعل هذا الفعل، ثم جاء بيانه بأنه إثم وبهتان للبعد عن الوقوع فيه، ثم أعقبه بالتعجب ممن يفعل هذا الفعل تنزيها
(1)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/ 387) ، الجامع لأحكام القرآن (6/ 45) ،
(2)
انظر: نظم الدرر (2/ 398).
للمسلمين عن فعل ذلك ثم ختم الآية ببيان سبب هذا المال وهو قوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} أي: قد حصل بينكم من المعاشرة والميثاق على حسن المعاملة ودوام الألفة فكيف تأخذون ما ينقض هذا الميثاق الغليظ حتى وإن حصل الطلاق وأردتم استبدال الزوجة بأخرى، أما إذا أرادت المرأة أن تختلع من زوجها أو أعطته على طيب نفس منها فلا بأس
(1)
.
وقد حذر الله أولياء يتامى النساء أن ينكحوهن دون أن يعطونهن حقهن من المهر كما يعطى غيرهن، فإذا أعطيت حقها من المهر فلا بأس له أن يتزوجها
(2)
كما قال تعالى:
وقد بين الله تبارك وتعالى وجوب الصداق كذلك حال وجود مهاجرات مسلمات تركن المشركين، فلا حرج من الزواج بها بعد انقضاء عدتها وأن تعطى صداقها فقال تعالى:
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10]
(3)
.
فهذه الآيات كلها على اختلاف حالاتها دلت على أحقية المرأة للصداق وتعظيم شأنه.
2.
حق النفقة والسكنى.
أجمع العلماء على وجوب نفقة الزوج على زوجته وأولاده
(4)
وقد فضله الله بذلك كما في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]. وقد أمره الله أن ينفق على قدر طاقته فالغني ينفق على قدر غناه والفقير ينفق على قدر فقره كما قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ
(1)
انظر: تفسير القرآن العظيم (1/ 613) ، التحرير والتنوير (4/ 290).
(2)
انظر: أضواء البيان (1/ 188).
(3)
انظر: تفسير القرآن العظيم (8/ 94).
(4)
المغني (11/ 347).
فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق: 7]
(1)
.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحق للزوجة في حجة الوداع فقال: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
(2)
، كما بين عليه الصلاة والسلام الضابط في النفقة فقال:(أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت)
(3)
.
ومن النفقة الواجبة على الزوج توفير السكن لها وأن يسكنها حيث يسكن.
ولذا فإن الزوج إن قتر على زوجه وأولاده وقصر في نفقتهم فللزوجة أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف فعن عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)
(4)
.
والنفقة والسكنى حقان للمرأة المطلقة كذلك' فلا يجوز للرجل إخراج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها كما قال تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
…
(5)
.
(1)
الجامع لأحكام القرآن (21/ 57).
(2)
سبق تخريجه (ص 117).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده برقم (20036) ، و أبو داود في سننه كتاب النكاح باب في حق المرأة على زوجها برقم (2142)، والحاكم في المستدرك كتاب النكاح برقم (2764) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الألباني (انظر: إرواء الغليل 7/ 98).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب النفقات باب إذا لم ينفق الرجل فللمراة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها من معروف برقم (5049) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب قضية هند برقم (1714).
(5)
انظر: جامع البيان (23/ 457).
فإن كانت المرأة ذات حمل ووضعت حملها فيجب لها عليه نفقتها حتى تنتهي من إرضاع ولدها كما قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 233]
(1)
.
وبهذه الحقوق تنتظم الحياة الزوجية وتستقر فكما أن المرأة تقوم بشؤون البيت وتهيؤه للزوج وهو حقه عليها فيجب على الرجل القيام بما يصلحها في شؤون المعاش
(2)
.
3.
حق التربية والأمر بطاعة الله.
فللزوجة حق على زوجها وهو أن يأمرها بطاعة الله ويقيها كل سبيل يبعدها عن الله فهو المسؤول عن زوجه وولده فقد أمر الله بذلك فقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [طه: 132] وهذا أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم والخطاب يشمل جميع أمته
(3)
، وأمر الله المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6] قال علي رضي الله عنه: (علموهم وأدبوهم) وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينْجيكم الله من النار)
(4)
.
فأمْرُ الزوجة والأولاد بالطاعة من المسؤولية التي حمَّلها الله للزوج، وهي من سنن الأنبياء الذين أمرنا الله بالاقتداء بهم، فكان إسماعيل عليه السلام يأمر أهله بالطاعة كما قال تعالى:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} [مريم: 54 ، 55] ، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته مليئة بذلك.
(1)
انظر: تفسير القرآن العظيم (1/ 634).
(2)
انظر: المغني (11/ 348).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (14/ 164).
(4)
جامع البيان (23/ 491).
فعلى الزوج مراعاة هذا الحق، فحفظه حفظ لحق الله، وهو سبب في استقرار البيوت وطمأنينتها.
• ومن الحقوق المشتركة بين الزوجين والتي دل عليها قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] حق قضاء الحاجة والوطر فكما أنه حق للزوج فهو حق للزوجة وقد أشار ابن عباس رضي الله عنهما إلى ذلك بقوله: (إني أحبُّ أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي; لأن الله تعالى يقول:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
(1)
.
ومما يدخل ضمن هذا الحق ألا يعْجَل الزوج على زوجه في الجماع حتى تقضي حاجتها كما عليه أن يتوخى أوقات حاجتها فيعفها ويغنيها
(2)
.
وكذلك فإن على الزوجة أن تجيب زوجها إذا دعاها لحاجته، ولا يجوز لها التباطؤ في إجابته فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور)
(3)
.
ففي القيام بهذا الحق إعفاف لكلا الزوجين من أن يشبعا حاجتهما بما حرم الله.
فإذا امتثل الزوجان ما وجب عليهما من الحقوق ففي ذلك صلاح للأسرة وصلاح للمجتمع من التفكك والقطيعة.
(1)
انظر: جامع البيان (4/ 532) ، المحرر الوجيز (2/ 274).
(2)
انظر: المغني (10/ 232) ، الجامع لأحكام القرآن (4/ 52) ، روح المعاني (2/ 135).
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه كتاب الرضاع، باب حق الزوج على المرأة برقم (1160) وقال الترمذي حديث حسن غريب، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى كتاب عشرة النساء، باب في المرأة تبيت مهاجرة لفراش زوجها برقم (8971) ، وابن حبان في صحيحه، كتاب النكاح، باب معاشر النساء برقم (4165)، كلهم من حديث طلق بن علي. وصححه الألباني (انظر: صحيح الترغيب والترهيب 2/ 199).