المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ التحذير من مشابهة الفاسقين - الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

[أبو بكر فوزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أهمية هذا الموضوع

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌خطة البحث

- ‌شكر وتقدير

- ‌منهج كتابة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف الحكمة

- ‌ علاقة الحكمة بالمقصد والعلة:

- ‌ أقسام الحِكم:

- ‌المبحث الأول: الغاية من تكليف الله تعالى للعبد

- ‌المبحث الثاني: فوائد معرفة الحكم:

- ‌الباب الأول: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأولبناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى تمنع العبد عن التعامل بالربا

- ‌ المطلب الثاني: تقوى الله تعالى عند الاستدانة وأداء الديْن

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله تعالى في مال اليتيم

- ‌ المطلب الثاني: مراقبة الله تعالى في أداء الأمانات

- ‌المبحث الثالث: تحقيق الفلاح

- ‌المبحث الرابع: التسليم بقضاء الله وقدره

- ‌المبحث الخامس: تقديم حقوق الله تعالى على مصالح الدنيا

- ‌ المطلب الأول: بيان عقوبة من قدم التجارة على حق الله عز وجل

- ‌ المطلب الثالث: الثناء على من قدّم حق الله على بيعه وتجارته

- ‌المبحث السادس: الحذر من سوء العاقبة

- ‌ المطلب الأول: سوء عاقبة أكل أموال الناس بالباطل

- ‌ المطلب الثاني: سوء عاقبة آكلي الربا

- ‌ المطلب الثالث: سوء عاقبة أكل مال اليتيم

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: التفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌ المطلب الأول: الحث على مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الثاني: الحث على التوبة والسعي إلى الإصلاح

- ‌ المطلب الثالث: الرضا بحكم الله وامتثال أمره

- ‌الفصل الثالث: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تذكر نعمة الله تعالى

- ‌المبحث الثاني: تقوى الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: إقامة الحياة الزوجية على مبدأ التقوى بين الرجل والمرأة:

- ‌ المطلب الثالث: تقوى الله تعالى في حال الصلح

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى عند حصول الطلاق

- ‌ المطلب الخامس: تقوى الله تعالى في إرضاع المولود:

- ‌المبحث الثالث: مراقبة الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: استحضار المراقبة يمنع المطلقة من كتمان ما يتوقف عليه أمر الطلاق

- ‌ المطلب الثاني: استحضار الزوجين للمراقبة حال الخِطبة

- ‌ المطلب الثالث: مراقبة الله تعالى عند رغبة الولي في نكاح اليتيمة التي في حجره

- ‌ المطلب الرابع: استحضار مراقبة الله تعالى حال الخصومة بين الزوجين

- ‌المبحث الرابع: شكر الله عز وجل

- ‌المبحث الخامس: التوكل على الله

- ‌ مطلب: التوكل على الله عند حصول الخلافات أو حدوث الطلاق

- ‌المبحث السادس: التربية على الصبر

- ‌ المطلب الأول: الحث على الصبر عند عدم القدرة على النكاح

- ‌ المطلب الثاني: الصبر عن فتنة الزوجة والأولاد:

- ‌ المطلب الثالث: تربية الزوجة والأولاد على الصبر:

- ‌المبحث السابع: البعد عن قول الزور

- ‌ المطلب الأول: النهي عن قول الزور بين الزوجين

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن القذف ورمي المحصنات

- ‌المبحث الثامن: البعد عن العادات السيئة

- ‌ المطلب الأول: التعامل مع المرأة حال الحيض:

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن إتيان المرأة في دبرها

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى سبب في تحري الطيب الحلال والبعد عن الحرام

- ‌ المطلب الثاني: التقوى تمنع العبد من الغلو وترك ما أباح الله من الطيبات

- ‌ المطلب الثالث: التقوى باعثة على امتثال أمر الله عز وجل والثبات على دينه

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى سبب في فتح أبواب الرزق وتسهيل طرقه

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله عز وجل حال الاضطرار والمخمصة

- ‌ المطلب الثاني: المراقبة توصل العبد إلى محبة الله تعالى، وأهلها مشهود لهم بالفضل والإحسان

- ‌ المطلب الثالث: ابتلاء الله تعالى لعباده بمنعهم نوعا من أنواع الرزق، ليتبين بذلك من يراقبه ممن يخالف أمره

- ‌المبحث الثالث: شكر الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: الأمر بشكر الله على الأكل من الطيبات:

- ‌ المطلب الثاني: بيان منة الله على عباده بنعمة الرزق مع تنوعه، وأن غاية ذلك هو الشكر

- ‌ المطلب الثالث: بيان عاقبة من كفروا بالنعمة ولم يشكروا الله عليها

- ‌المبحث الرابع: تعظيم شعائر الله

- ‌ المطلب الأول: تحريم أكل ما فيه تعظيم لغير الله

- ‌ المطلب الثاني: تغليظ العقوبة لمن تعمد الوقوع في محارم الله

- ‌ المطلب الثالث: ذم عادات الجاهلية في اعتدائهم على الله وإشراك الأصنام معه في قسمة حروثهم وأنعامهم

- ‌المبحث الخامس: اجتناب مسالك الغواية

- ‌ المطلب الأول: اجتناب خطوات الشيطان

- ‌ تحريم ما أحل الله عز وجل

- ‌ الإيحاء بالمعصية والكفر في تحليل ما حرم الله

- ‌ تسمية المحرمات بغير اسمها تزيينا للنفس

- ‌ المطلب الثاني: اجتناب الفسق

- ‌ التحذير من أكل ما يورث الفسق:

- ‌ التحذير من مشابهة الفاسقين

- ‌المبحث الأول: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الثاني: أخذ الولي الفقير من مال اليتيم بالمعروف

- ‌المبحث الثاني: تحقيق العدل

- ‌ المطلب الثاني: تحقيق العدل في المداينات

- ‌ المطلب الثالث: العدل في الموازين والنهي عن التطفيف فيه

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بكتابة الدَّين

- ‌ المطلب الثالث: التخفيف على الأُجَراء والرحمة بهم

- ‌المبحث الرابع: الحذر من كتمان الشهادة

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ المال كحق للأمة بوجه عام

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق اليتيم والسفيه

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الكاتب والشهيد

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيم أحكامه

- ‌ المطلب الأول: الوصية بهذه الفرائض، وإضافتها للفظ الجلالة تعظيما لها واهتماما بها

- ‌ المطلب الثاني: بيان عجز العقول عن إدراك ما ينفع العباد ويصلحهم، وتسليم الحكم لله

- ‌ المطلب الثالث: الترغيب في إقامة حدود الله والترهيب من تضييعها

- ‌المبحث الثاني: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: قيام التوارث في بداية الأمر على الهجرة:

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بإيتاء من حضر القسمة منها، من الأقرباء غير الورثة أو الضعفاء

- ‌المبحث الثالث: صلة الرحم

- ‌ توريث ذوي الأرحام

- ‌ التوريث بالنكاح والولاء

- ‌المبحث الرابع: تحقيق العدل بين الرجل والمرأة

- ‌ المطلب الأول: إبطال وإنكار عادات الجاهلية التي فيها ظلم للمرأة والصغير

- ‌ المطلب الثاني: ما فرضه الله من أن للذكر مثل حظ الأنثيين

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الورثة:

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن:

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق الموصى له:

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الميت:

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيمها

- ‌ المطلب الأول: مشروعية افتراق الزوجين عند الخشية ألا يقيما حدود الله ولو بالافتداء

- ‌ المطلب الثاني: ثناء الله جل وعلا لمن يقيم حدوده، وذمه للمخالف والمعرض عنها

- ‌المبحث الثاني: بناء الأسرة الصالحة

- ‌ المطلب الأول: تحريم نكاح المشركات وإنكاح المشركين

- ‌ المطلب الثاني: اشتراط اختيار الزوج الصالح البعيد عن الفواحش والفجور رجلا كان أو امرأة

- ‌ المطلب الثالث: التضييق في نكاح الإماء

- ‌المبحث الثالث: التكاثر والتناسل

- ‌ المطلب الأول: التكاثر والتناسل عن طريق النكاح سنة الله في الكون

- ‌ المطلب الثاني: الرد على دعاة تحديد النسل

- ‌المبحث الرابع: الطمأنينة والسكن

- ‌ المطلب الأول: حصول المودة والرحمة بين الزوجين:

- ‌ المطلب الثاني: اطمئنان البيوت

- ‌ المطلب الثالث: الترويح عن النفس وتجديد الهمة

- ‌المبحث الخامس: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الأول: المعاشرة بالمعروف:

- ‌ المطلب الثاني: التعامل بالمعروف في الطلاق

- ‌ المطلب الثالث: فعل المعروف في زمن العدة وبعد انقضائها

- ‌المبحث السادس: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: النكاح أصل النظام البشري في الاجتماع والترابط

- ‌ المطلب الثاني: النكاح مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الثالث: قطع كل سبيل يفضي إلى التباغض بين الأقربين

- ‌المبحث السابع: حفظ الأعراض

- ‌ المطلب الأول: وجوب انتساب الذرية للآباء

- ‌ المطلب الثاني: تحريم نكاح المحارم

- ‌ المطلب الثالث: فرض العدة على المطلقة والمتوفى عنها زوجها

- ‌ المطلب الرابع: مشروعية اللعان

- ‌المبحث الثامن: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الزوج

- ‌ المطلب الثاني: حقوق الزوجة:

- ‌المبحث التاسع: حفظ العفة ومحاربة الرذيلة

- ‌ المطلب الأول: الاستعفاف لمن لا يستطيع النكاح

- ‌ المطلب الثاني: تعدد الزوجات وأثره في عفاف المجتمع

- ‌ المطلب الثالث: نهي المطلقة عن الخروج من بيتها وأثره في عفتها وعفة المجتمع

- ‌ المطلب الرابع: النهي عن إشاعة الفاحشة وعقوبة من يحب ذلك

- ‌المبحث الأول: إقامة شعائر الله

- ‌المبحث الثاني: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الثاني: تحريم ما يفسد العقل والبدن ويؤثر في صحتهما

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌الباب الثالث: التيسير ورفع الحرج على الفرد والمجتمع في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأول التيسير ورفع الحرج في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه

- ‌المبحث الثاني: التيسير على الأمة فيما يصلح معيشتهم

- ‌ المطلب الأول: الامتنان على العباد بإباحة التكسب لهم على وجه العموم

- ‌ المطلب الثاني: إباحة صنوف المعاملات التي يحصل بها النفع والتيسير على الأمة

- ‌ المطلب الثالث: تنوع طبائع الناس في اختيارهم طرق كسبهم وسبل معاشهم

- ‌ المطلب الرابع: رفع الحرج والإثم عمن تاب من المعاملات المالية المحرمة

- ‌الفصل الثاني التيسير ورفع الحرج في آيات المواريث

- ‌ المطلب الأول: التيسير في أسلوب التبليغ

- ‌ المطلب الثاني: مشروعية الوصية للميت

- ‌ المطلب الثالث: النهي عن الضرر

- ‌الفصل الثالث التيسير ورفع الحرج في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تيسير أمر النكاح

- ‌ المطلب الأول: تيسير مؤونة النكاح

- ‌ المطلب الثاني: رفع الحرج عن نكاح الأمة عند عدم القدرة على نكاح الحرة

- ‌ المطلب الثالث: رفع الحرج بالتعريض في خطبة من توفي عنها زوجها

- ‌المبحث الثاني: التيسير في إباحة الطلاق

- ‌ المطلب الأول: رفع الجناح عن الطلاق قبل البناء

- ‌ المطلب الثاني: رفع الجناح أن تختلع المرأة من زوجها عند الحاجة

- ‌ المطلب الثالث: إباحة اللعان رفعا للحرج عن الزوج

- ‌المبحث الثالث: التيسير في حل الخلافات والمشاكل الأسرية

- ‌ المطلب الأول: في الإيلاء

- ‌الفصل الرابع التيسير ورفع الحرج في آيات الأطعمة

- ‌المبحث الأول: التيسير في إباحة الطيبات

- ‌ المطلب الأول: عموم الإباحة وحصر المحرمات

- ‌ المطلب الثاني: التقرير بإباحة الطيبات على وجه الثبوت والدوام

- ‌المبحث الثاني: التيسير ورفع الحرج عن المضطر

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌ التحذير من مشابهة الفاسقين

ثم إن هذه المحرمات وأمثالها تولد في نفس آكلها هيئات دنيئة توجب أخلاقا سيئة وفسادا في الطبع مما قد يؤدي إلى الفسق والعياذ بالله.

فالميتة والدم والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع كلها تشترك في علة أنها ماتت والدم محبوس فيها ومحتقن فأصبحت خبيثة تورث خبثا لدى آكلها، ثم إن الشطان يجري في مجاري الدم من الحيوان، ولذلك كانت التذكية الشرعية واجبة لما فيها من تطهير الذبيحة من الدم وخروج الشيطان منها حتى تصبح من الطيبات التي أبيحت لنا.

وأما لحم الخنزير: فإنه الحيوان الذي مسخ الله اليهود الفاسقين بصورته، فأصبح بين هذا النوع من الحيوان وبين هؤلاء المغضوب عليهم البعيدين من الرحمة مناسبة خفية، وأصبح بينه وبين النفوس السوية نفورا، فضلا عما يأكله الخنزير من القذارات والنجاسات.

وأما ما أهل به لغير الله مما يذبحه المجوسي أو المرتد وتارك التسمية: فإن قيامهم بالذبح أكسب المذبوح خبثا أوجب تحريمه، وقد يكون ما يذكرونه عليها من الكواكب والشياطين تكسبها خبثا أيضا، فقبح الفعل يسري ويصل إلى الذبيحة

(1)

وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع، لشكاسة أخلاقها وقسوة قلوبها وخروجها عن طبيعة الاعتدال

(2)

فكل هذه المحرمات تورث فسقا والعياذ بالله لدى آكلها، وقد كرّه الله عباده من الفسق والعصيان وكرهه لهم، كما قال تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)} [الحجرات:7].

•‌

‌ التحذير من مشابهة الفاسقين

.

كما نهانا الله تعالى عما يورث الفسق من الطعام، نهانا عن طاعة الفاسقين والتشبه بهم في ذبائحهم وطعامهم وما يعتقدونه فيه.

(1)

انظر: إعلام الموقعين (2/ 172 - 174) ،حجة الله البالغة (2/ 1120 ، 1121)

(2)

المصدر السابق (2/ 1122)

ص: 171

ومن الآيات التي حذرتنا من مشابهة أهل الفسق ما حكاه الله عن المشركين من عاداتهم الجاهلية في طعامهم فقال: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)} [الأنعام: 138 - 140].

فقد كان من شأنهم أن حرموا بعض الأنعام وقالوا لا نطعمها إلا لمن شئنا، وكانوا يحرمون اللبن على النساء ويشربه ذكرانهم، وكانت الشاة إذا ولدت ذكرًا ذبحوه، وكان للرجال دون النساء. وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء

(1)

.

فأخبر الله تعالى في الآية الثالثة أن من هذا شأنه فهو من الخاسرين وذلك لما اتصف به من صفات الفاسقين ومن أعظمها: افتراء الكذب على الله عز وجل والجرأة عليه، ثم وصفهم الله بالضلال وهو الانحراف عن سواء السبيل فلا يرجعون إلى الحق ولا يهتدون إليه، وهي الصفة التي ختم الله بها الآية فقال:{وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} ، والآية فيها تحذير وتهديد لمن تشبه بهم، واقتدى بفعلهم. قال ابن العربي

(2)

رحمه الله: (فهذا الذي أخبر الله سبحانه من سخافة العرب وجهلها أمر أذهبه الإسلام، وأبطله الله ببعثه الرسول عليه السلام، فكان من الظاهر لنا أن نميته

(1)

انظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 346).

(2)

هو محمد بن عبد الله، ابن العربي الأندلسي المالكي، ولد في سنة 468 هـ، سمع من خاله الحسن بن عمر الهوزني وجعفر السراج، ومكي بن عبد السلام الرميلي، وحدث عنه: عبد الخالق بن أحمد اليوسفي الحافظ

وأحمد بن خلف الاشبيلي القاضي والحسن بن علي القرطبي، صنف كتاب عارضة الاحوذي في شرح جامع الترمذي، وفسر القرآن المجيد، فأتى بكل بديع، وله كتاب كوكب الحديث والمسلسلات، وكان ثاقب الذهن، عذب المنطق، كريم الشمائل، ولي قضاء إشبيلية، فحمدت سياسته، وكان ذا شدة وسطوة، فعزل، وأقبل على نشر العلم وتدوينه. توفي بفاس في شهر ربيع الآخر سنة 543 هـ. (سير أعلام النبلاء 20/ 198 - 203)

ص: 172

حتى لا يظهر، وننساه حتى لا يذكر، إلا أن ربنا تبارك وتعالى ذكره بنصه وأورده بشرحه، كما ذكر كفر الكافرين به.

وكانت الحكمة في ذلك - والله أعلم - أن قضاءه قد سبق، وحكمه قد نفذ بأن الكفر والتخليط لا ينقطعان إلى يوم القيامة)

(1)

.

وقد حذرنا الله جل شأنه في آيات أخر من مشابهة الفاسقين في بغيهم حتى ننجو من عقوبته تعالى، فقال عز وجل:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)} [الأنعام:146] إلى قوله: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)} [الأنعام: 150].

فما حصل لبني إسرائيل من التضييق إنما هو بسبب بغيهم وظلمهم وصدهم عن سبيل الله كما قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)} [النساء: 160].

(2)

.

وقد حذرت الآيات من التشبه بفعل القوم الفاسقين من عدة أوجه:

الوجه الأول: أن ذكر ما حصل لبني إسرائيل إنما هو تحذير لهذه الأمة أن يحصل منهم بغي أو ظلم فيعاقبوا كما عوقب بنو إسرائيل.

(3)

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يقعوا فيما وقع فيه اليهود، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن، قال: فرفع بصره إلى السماء فضحك فقال:

(1)

أحكام القرآن، لابن العربي (2/ 753).

(2)

انظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 255).

(3)

انظر: نظم الدرر (2/ 737).

ص: 173

(لعن الله اليهود - ثلاثا - إن الله تعالى حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله تعالى إذا حرّم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه)

(1)

.

فبين الحديث أن من شابه اليهود في تحليل ما حرم الله بأي نوع من أنواع الحيل فإنه يستحق اللعن والعياذ بالله.

(2)

ولذلك فقد أنكر عمر رضي الله عنه ودعا على من فعل كما فعلت اليهود، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: (قاتل الله فلانا ألم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قال (لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها)

(3)

.

الوجه الثاني: ما أخبر الله به عما سيقوله المشركون للرسول صلى الله عليه وسلم في احتجاجهم بالمشيئة في شركهم وتحريمهم ما أحل الله لهم في قوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)} [الأنعام:148]

فبين الله تعالى أن تكذيبهم مشابه لتكذيب الأمم السابقة التي حل عليها العقاب والبأس وهو ما حصل مع المشركين فقد أذاقهم الله بأسه ودمر عليهم.

(4)

وهي دلالة واضحة أن من شابه فعله فعل المكذبين بإلقاء الشبه لتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله وتكذيب المرسلين فإن الله سيذيقه بأسه وعقابه الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

(1)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الإجارة، باب في ثمن الخمر والميتة، برقم (3488) وصححه الألباني في تعليقه على السنن، وأحمد في مسنده برقم (2221) وصححه شعيب الأرناؤوط.

(2)

انظر: عون المعبود (9/ 275).

(3)

رواه البخاري في كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3273) ، ومسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، برقم (1582).

(4)

انظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 358).

ص: 174

الوجه الثالث: ما ختم الله به هذه الآيات من نهيه عن اتباع المكذبين المشركين حيث قال: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}

[الأنعام: 150].

فنهى الله نبيه عن اتباع أهل الأهواء المكذبين الذين يزعمون أن الله حرّم عليهم ما حرموه من البحائر والسُّيَّب، والمراد بهذا النهي إنما هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به

(1)

.

وفي قوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أظهر ما مقامه الإضمار ليعم جميع أهل الأهواء المكذبين بآيات الله، فيدخل في ذلك المشركين واليهود وجميع من اتبع هواه.

(2)

فهذه الآيات تحذر المسلم من التشبه بأهل الفسق حتى لا ينقاد إلى الغواية والضلال.

• وقد جمع الله تبارك وتعالى النهي عن اتباع خطوات الشيطان والتحذير من الفسق

والنهي عن اتباع الفاسقين في قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} [الأنعام: 121].

فبين تعالى أن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه من ميتة أو مما أهل به لغير الله أو ما ذبحه أهل الأوثان فسق ومعصية

(3)

.

وتوعد جل شأنه من أطاع ما يوحيه الشياطين لأوليائه في النصف الثاني من الآية، وهي تشمل شياطين الجن وشياطين الإنس أهل الأهواء.

قال ابن جرير رحمه الله: (وجائز أن يكون الموحون كانوا شياطين الإنس يوحون إلى أوليائهم منهم، وجائز أن يكونوا شياطين الجن أوحوا إلى أوليائهم من الإنس، وجائز أن

(1)

انظر: جامع البيان (12/ 213، 214).

(2)

انظر: التحرير والتنوير (8/ 154).

(3)

انظر: جامع البيان (12/ 76).

ص: 175

يكون الجنسان كلاهما تعاونا على ذلك، كما أخبر الله عنهما في الآية الأخرى التي يقول فيها:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)} [الأنعام:112] بل ذلك الأغلب من تأويله عندي، لأن الله أخبر نبيه أنه جعل له أعداء من شياطين الجن والإنس، كما جعل لأنبيائه من قبله، يوحي بعضهم إلى بعض المزيَّنَ من الأقوال الباطلة، ثم أعلمه أن أولئك الشياطين يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوه ومن تبعه من المؤمنين فيما حرمَ الله من الميتة عليهم)

(1)

.

فالفلاح كل الفلاح هو البعد عما يوقع الإنسان في الغواية، والبحث عن سبل الهداية ففيها النجاة والفوز في الدنيا والآخرة.

(1)

جامع البيان (12/ 82، 83).

ص: 176

• الباب الثاني: بناء المجتمع المسلم وصلاحه في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة.

وفيه أربعة فصول:

الفصل الأول: بناء المجتمع المسلم وصلاحه في آيات المعاملات

الفصل الثاني: بناء المجتمع المسلم وصلاحه في آيات المواريث

الفصل الثالث: بناء المجتمع المسلم وصلاحه في آيات النكاح

الفصل الرابع: بناء المجتمع المسلم وصلاحه في آيات الأطعمة

ص: 177

الفصل الأول

وفيه خمسة مباحث:

المبحث الأول: التعامل بالمعروف.

المبحث الثاني: تحقيق العدل.

المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة.

المبحث الرابع: الحذر من كتمان الشهادة.

المبحث الخامس: حفظ الحقوق.

ص: 178