المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: فوائد معرفة الحكم: - الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

[أبو بكر فوزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أهمية هذا الموضوع

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌خطة البحث

- ‌شكر وتقدير

- ‌منهج كتابة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف الحكمة

- ‌ علاقة الحكمة بالمقصد والعلة:

- ‌ أقسام الحِكم:

- ‌المبحث الأول: الغاية من تكليف الله تعالى للعبد

- ‌المبحث الثاني: فوائد معرفة الحكم:

- ‌الباب الأول: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأولبناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى تمنع العبد عن التعامل بالربا

- ‌ المطلب الثاني: تقوى الله تعالى عند الاستدانة وأداء الديْن

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله تعالى في مال اليتيم

- ‌ المطلب الثاني: مراقبة الله تعالى في أداء الأمانات

- ‌المبحث الثالث: تحقيق الفلاح

- ‌المبحث الرابع: التسليم بقضاء الله وقدره

- ‌المبحث الخامس: تقديم حقوق الله تعالى على مصالح الدنيا

- ‌ المطلب الأول: بيان عقوبة من قدم التجارة على حق الله عز وجل

- ‌ المطلب الثالث: الثناء على من قدّم حق الله على بيعه وتجارته

- ‌المبحث السادس: الحذر من سوء العاقبة

- ‌ المطلب الأول: سوء عاقبة أكل أموال الناس بالباطل

- ‌ المطلب الثاني: سوء عاقبة آكلي الربا

- ‌ المطلب الثالث: سوء عاقبة أكل مال اليتيم

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: التفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌ المطلب الأول: الحث على مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الثاني: الحث على التوبة والسعي إلى الإصلاح

- ‌ المطلب الثالث: الرضا بحكم الله وامتثال أمره

- ‌الفصل الثالث: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تذكر نعمة الله تعالى

- ‌المبحث الثاني: تقوى الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: إقامة الحياة الزوجية على مبدأ التقوى بين الرجل والمرأة:

- ‌ المطلب الثالث: تقوى الله تعالى في حال الصلح

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى عند حصول الطلاق

- ‌ المطلب الخامس: تقوى الله تعالى في إرضاع المولود:

- ‌المبحث الثالث: مراقبة الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: استحضار المراقبة يمنع المطلقة من كتمان ما يتوقف عليه أمر الطلاق

- ‌ المطلب الثاني: استحضار الزوجين للمراقبة حال الخِطبة

- ‌ المطلب الثالث: مراقبة الله تعالى عند رغبة الولي في نكاح اليتيمة التي في حجره

- ‌ المطلب الرابع: استحضار مراقبة الله تعالى حال الخصومة بين الزوجين

- ‌المبحث الرابع: شكر الله عز وجل

- ‌المبحث الخامس: التوكل على الله

- ‌ مطلب: التوكل على الله عند حصول الخلافات أو حدوث الطلاق

- ‌المبحث السادس: التربية على الصبر

- ‌ المطلب الأول: الحث على الصبر عند عدم القدرة على النكاح

- ‌ المطلب الثاني: الصبر عن فتنة الزوجة والأولاد:

- ‌ المطلب الثالث: تربية الزوجة والأولاد على الصبر:

- ‌المبحث السابع: البعد عن قول الزور

- ‌ المطلب الأول: النهي عن قول الزور بين الزوجين

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن القذف ورمي المحصنات

- ‌المبحث الثامن: البعد عن العادات السيئة

- ‌ المطلب الأول: التعامل مع المرأة حال الحيض:

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن إتيان المرأة في دبرها

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى سبب في تحري الطيب الحلال والبعد عن الحرام

- ‌ المطلب الثاني: التقوى تمنع العبد من الغلو وترك ما أباح الله من الطيبات

- ‌ المطلب الثالث: التقوى باعثة على امتثال أمر الله عز وجل والثبات على دينه

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى سبب في فتح أبواب الرزق وتسهيل طرقه

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله عز وجل حال الاضطرار والمخمصة

- ‌ المطلب الثاني: المراقبة توصل العبد إلى محبة الله تعالى، وأهلها مشهود لهم بالفضل والإحسان

- ‌ المطلب الثالث: ابتلاء الله تعالى لعباده بمنعهم نوعا من أنواع الرزق، ليتبين بذلك من يراقبه ممن يخالف أمره

- ‌المبحث الثالث: شكر الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: الأمر بشكر الله على الأكل من الطيبات:

- ‌ المطلب الثاني: بيان منة الله على عباده بنعمة الرزق مع تنوعه، وأن غاية ذلك هو الشكر

- ‌ المطلب الثالث: بيان عاقبة من كفروا بالنعمة ولم يشكروا الله عليها

- ‌المبحث الرابع: تعظيم شعائر الله

- ‌ المطلب الأول: تحريم أكل ما فيه تعظيم لغير الله

- ‌ المطلب الثاني: تغليظ العقوبة لمن تعمد الوقوع في محارم الله

- ‌ المطلب الثالث: ذم عادات الجاهلية في اعتدائهم على الله وإشراك الأصنام معه في قسمة حروثهم وأنعامهم

- ‌المبحث الخامس: اجتناب مسالك الغواية

- ‌ المطلب الأول: اجتناب خطوات الشيطان

- ‌ تحريم ما أحل الله عز وجل

- ‌ الإيحاء بالمعصية والكفر في تحليل ما حرم الله

- ‌ تسمية المحرمات بغير اسمها تزيينا للنفس

- ‌ المطلب الثاني: اجتناب الفسق

- ‌ التحذير من أكل ما يورث الفسق:

- ‌ التحذير من مشابهة الفاسقين

- ‌المبحث الأول: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الثاني: أخذ الولي الفقير من مال اليتيم بالمعروف

- ‌المبحث الثاني: تحقيق العدل

- ‌ المطلب الثاني: تحقيق العدل في المداينات

- ‌ المطلب الثالث: العدل في الموازين والنهي عن التطفيف فيه

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بكتابة الدَّين

- ‌ المطلب الثالث: التخفيف على الأُجَراء والرحمة بهم

- ‌المبحث الرابع: الحذر من كتمان الشهادة

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ المال كحق للأمة بوجه عام

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق اليتيم والسفيه

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الكاتب والشهيد

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيم أحكامه

- ‌ المطلب الأول: الوصية بهذه الفرائض، وإضافتها للفظ الجلالة تعظيما لها واهتماما بها

- ‌ المطلب الثاني: بيان عجز العقول عن إدراك ما ينفع العباد ويصلحهم، وتسليم الحكم لله

- ‌ المطلب الثالث: الترغيب في إقامة حدود الله والترهيب من تضييعها

- ‌المبحث الثاني: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: قيام التوارث في بداية الأمر على الهجرة:

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بإيتاء من حضر القسمة منها، من الأقرباء غير الورثة أو الضعفاء

- ‌المبحث الثالث: صلة الرحم

- ‌ توريث ذوي الأرحام

- ‌ التوريث بالنكاح والولاء

- ‌المبحث الرابع: تحقيق العدل بين الرجل والمرأة

- ‌ المطلب الأول: إبطال وإنكار عادات الجاهلية التي فيها ظلم للمرأة والصغير

- ‌ المطلب الثاني: ما فرضه الله من أن للذكر مثل حظ الأنثيين

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الورثة:

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن:

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق الموصى له:

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الميت:

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيمها

- ‌ المطلب الأول: مشروعية افتراق الزوجين عند الخشية ألا يقيما حدود الله ولو بالافتداء

- ‌ المطلب الثاني: ثناء الله جل وعلا لمن يقيم حدوده، وذمه للمخالف والمعرض عنها

- ‌المبحث الثاني: بناء الأسرة الصالحة

- ‌ المطلب الأول: تحريم نكاح المشركات وإنكاح المشركين

- ‌ المطلب الثاني: اشتراط اختيار الزوج الصالح البعيد عن الفواحش والفجور رجلا كان أو امرأة

- ‌ المطلب الثالث: التضييق في نكاح الإماء

- ‌المبحث الثالث: التكاثر والتناسل

- ‌ المطلب الأول: التكاثر والتناسل عن طريق النكاح سنة الله في الكون

- ‌ المطلب الثاني: الرد على دعاة تحديد النسل

- ‌المبحث الرابع: الطمأنينة والسكن

- ‌ المطلب الأول: حصول المودة والرحمة بين الزوجين:

- ‌ المطلب الثاني: اطمئنان البيوت

- ‌ المطلب الثالث: الترويح عن النفس وتجديد الهمة

- ‌المبحث الخامس: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الأول: المعاشرة بالمعروف:

- ‌ المطلب الثاني: التعامل بالمعروف في الطلاق

- ‌ المطلب الثالث: فعل المعروف في زمن العدة وبعد انقضائها

- ‌المبحث السادس: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: النكاح أصل النظام البشري في الاجتماع والترابط

- ‌ المطلب الثاني: النكاح مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الثالث: قطع كل سبيل يفضي إلى التباغض بين الأقربين

- ‌المبحث السابع: حفظ الأعراض

- ‌ المطلب الأول: وجوب انتساب الذرية للآباء

- ‌ المطلب الثاني: تحريم نكاح المحارم

- ‌ المطلب الثالث: فرض العدة على المطلقة والمتوفى عنها زوجها

- ‌ المطلب الرابع: مشروعية اللعان

- ‌المبحث الثامن: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الزوج

- ‌ المطلب الثاني: حقوق الزوجة:

- ‌المبحث التاسع: حفظ العفة ومحاربة الرذيلة

- ‌ المطلب الأول: الاستعفاف لمن لا يستطيع النكاح

- ‌ المطلب الثاني: تعدد الزوجات وأثره في عفاف المجتمع

- ‌ المطلب الثالث: نهي المطلقة عن الخروج من بيتها وأثره في عفتها وعفة المجتمع

- ‌ المطلب الرابع: النهي عن إشاعة الفاحشة وعقوبة من يحب ذلك

- ‌المبحث الأول: إقامة شعائر الله

- ‌المبحث الثاني: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الثاني: تحريم ما يفسد العقل والبدن ويؤثر في صحتهما

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌الباب الثالث: التيسير ورفع الحرج على الفرد والمجتمع في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأول التيسير ورفع الحرج في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه

- ‌المبحث الثاني: التيسير على الأمة فيما يصلح معيشتهم

- ‌ المطلب الأول: الامتنان على العباد بإباحة التكسب لهم على وجه العموم

- ‌ المطلب الثاني: إباحة صنوف المعاملات التي يحصل بها النفع والتيسير على الأمة

- ‌ المطلب الثالث: تنوع طبائع الناس في اختيارهم طرق كسبهم وسبل معاشهم

- ‌ المطلب الرابع: رفع الحرج والإثم عمن تاب من المعاملات المالية المحرمة

- ‌الفصل الثاني التيسير ورفع الحرج في آيات المواريث

- ‌ المطلب الأول: التيسير في أسلوب التبليغ

- ‌ المطلب الثاني: مشروعية الوصية للميت

- ‌ المطلب الثالث: النهي عن الضرر

- ‌الفصل الثالث التيسير ورفع الحرج في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تيسير أمر النكاح

- ‌ المطلب الأول: تيسير مؤونة النكاح

- ‌ المطلب الثاني: رفع الحرج عن نكاح الأمة عند عدم القدرة على نكاح الحرة

- ‌ المطلب الثالث: رفع الحرج بالتعريض في خطبة من توفي عنها زوجها

- ‌المبحث الثاني: التيسير في إباحة الطلاق

- ‌ المطلب الأول: رفع الجناح عن الطلاق قبل البناء

- ‌ المطلب الثاني: رفع الجناح أن تختلع المرأة من زوجها عند الحاجة

- ‌ المطلب الثالث: إباحة اللعان رفعا للحرج عن الزوج

- ‌المبحث الثالث: التيسير في حل الخلافات والمشاكل الأسرية

- ‌ المطلب الأول: في الإيلاء

- ‌الفصل الرابع التيسير ورفع الحرج في آيات الأطعمة

- ‌المبحث الأول: التيسير في إباحة الطيبات

- ‌ المطلب الأول: عموم الإباحة وحصر المحرمات

- ‌ المطلب الثاني: التقرير بإباحة الطيبات على وجه الثبوت والدوام

- ‌المبحث الثاني: التيسير ورفع الحرج عن المضطر

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: فوائد معرفة الحكم:

‌المبحث الثاني: فوائد معرفة الحكم:

إن معرفة حِكم أوامر الله وشريعته لها فوائد كثيرة وغايات نبيلة وسأورد في هذا المبحث بإذن الله ما يسعني جمعه، إذ لا يدرك أحد مرام هذه الفوائد ولا يحيط بجميع تلك المقاصد فهي في سعتها كالبحر الزاخر، وفي حسنها كاللآلئ والجواهر ومن تلك الفوائد ما يلي:

1 -

إن معرفة الحِكم من أجل المسائل الإلهية

(1)

:

فحين يكون العبد على علم بتلك الحكم، ويعلم أن الشريعة ما جاءت إلا بجلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، ويعلم أن الزكاة فيها تطهير للنفس والمال، كما قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة: 103] وأن تحريم الربا مثلا فيه صيانة المجتمع عن جشع أصحاب الأموال و غير ذلك من الحِكم الكثيرة، ترسخ يقينه أن مالك الملك وخالقه سبحانه وتعالى هو المتصرف في الكون فأي نفع وضر أو خير أو بلاء، وأي تصريف وتقدير هو من عند الله تعالى، فيوقن أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه.

حينها تنكشف للعبد أسرار الربوبية ومعانيها، فلا يحب إلا الله ولا يرجو سواه ولا يخاف إلا منه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوقن إلا بوعده، ولا يدعو إلا إياه، ولا يراقب سواه وهذا هو التأله الحق والتعبد لله سبحانه وتعالى

(2)

، فيجب أن يكون المكلف على علم به إذ هو من أسنى المقاصد و هو قطب رحى التوحيد ونظامه ومبدأ الدين المبين وختامه.

(3)

(1)

انظر: منهاج السنة النبوية. شيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 39).

(2)

انظر: مجموع الفتاوى. (1/ 89).

(3)

شفاء العليل، ابن القيم (1/ 2).

ص: 31

2 -

تحقيق مراد الله تعالى من الحُكْم:

إن المكلف حين يكون على علم بالحكمة التي تتعلق بما شرعه الله تعالى فإن ذلك يكون أدعى له في تحقيق مراد الله عز وجل منه في هذه المسألة. ففرق بين عبد يقوم للصلاة ينقرها نقر الديك، ويؤدي حركات بلا تفكر في هذه الصلاة، وبين عبد يقوم للصلاة مستشعرا أنه بين يدي الله تعالى، وأن هذه الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

وشتان بين صائم عن الأكل والشرب والجماع، وجوارحه تطيش في الحرام وتعمل فيه وبين من صامت جوارحه عما حرم الله قبل أن يصوم عن الأكل والشرب.

يبين هذا ما ورد عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليصلى الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها)

(1)

، فبيّن الحديث أن العبد يصلي الصلاة الواحدة بأركانها ولكن يقبل منه على قدر ما وعى منها.

وكذلك في الصيام فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)

(2)

فأي صوم هذا الذي لم يمنع الإنسان عن ارتكاب ما حرم الله.

وكذلك النكاح فإن من حكمه: الإحصان والبعد عما حرم الله كما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)

(3)

، فما بالك برجل قد أنعم الله عليه بالزواج ثم هو يرتكب ما حرم الله من الفاحشة والعياذ بالله!!! ولذلك كانت عقوبة الزاني المحصن أشد من الزاني غير المحصن.

(1)

أخرجه أحمد في مسنده برقم (18914)، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: حديث صحيح وصححه الألباني في صفة الصلاة (ص 36).

(2)

أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم برقم (1804)

(3)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب من لم بستطع الباءة فليصم، برقم (4779) ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤونة واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، برقم (1400).

ص: 32

فإذا علم المكلف هذه الحِكم واستشعرها أقبل على ربه حين يصلي خاشعا متخشعا سائلا مولاه أن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، وصام حتى تصوم نفسه وجوارحه عما حرم الله، وإذا أراد النكاح كانت نيته أن يعف نفسه، وأن يرزقه الله ذرية طيبة، فإن لم يستطع بَذَل جميع الوسائل في إعفاف نفسه، وهكذا يكون حاله في جميع ما أمر الله به أو نهى عنه بعيدا عن التخبط قريبا إلى الصواب، إذا وفقه الله وكان على علم بهذه الحكم.

(1)

3 -

إن معرفة الحكم من الأمور التي تعين العبد على شكر ربه وذكر آلائه:

فإن الله تعالى كما خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكما يسر الله له من أمور معاشه ما يقتات به ويصلح أمره، فقد جعل شريعته ودينه أكمل الشرائع وأعظمها وأحسنها وأحكمها، فقد كمل لنا الدين وأتم لنا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا كما قال تعالى:

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. وامتن علينا في غير ما آية بهذا الدين القويم والرسول الأمين صلى الله عليه وسلم فقال: {{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران: 164] وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2] وهذه المنة بهذا الشريعة الغراء التي هي شاهدة على كمالها بذاتها تستوجب من العباد شكر معبودهم جل وعلا، فكيف بمن اطلع على شيء من حكمته تعالى في دينه، وعلم بعضا من أسرار شريعته أفلا يجدر به - بطريق الأوْلى - أن يكون من الشاكرين؟!

(2)

4 -

زيادة الإيمان واطمئنان القلب:

وذلك أن الحُكْم إذا أتى من الشارع سبحانه وتعالى سلّم العبد وانقاد للعمل به لأنه تنزيل من حكيم حميد كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ

(1)

انظر: حجة الله البالغة. الكاندهلوي (1/ 62) ، مقاصد الشريعة عند ابن تيمية (103).

(2)

انظر: مفتاح دار السعادة، ابن القيم (2/ 308).

ص: 33

الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} [الجاثية: 18]، فإذا علم الحكمة والفائدة من العمل ازداد إيمانه وترسخ يقينه واطمئن قلبه، حيث تكثر بذلك الدلائل وتكثر طرق العلم وهما يثلجان الصدر ويزيلان اضطراب القلب.

(1)

ويقول التفتازاني

(2)

: وبه أي التعليل يكون سرعة الإذعان وزيادة الاطمئنان بالأحكام

(3)

.

5 -

بيان أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان:

(4)

فمعرفة الحِكَم مما يكفل استمرار الشريعة وديمومتها في كل زمان ومكان، منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا وحتى تقوم الساعة، وما تنزل على الأمة نازلة أو تطرأ عليهم مسألة إلا وهم بحاجة إلى النظر في الحكمة والمقصد من التشريع، في القياس واستنباط الأحكام الشرعية من الوقائع المستجدة التي لم يدل عليها دليل، وذلك أن هذه الحكم إنما هي مستخلصة من الأدلة الشرعية

(5)

6 -

معرفة الحِكَم فيه رد على المبتدعين، وحصانة من الوقوع في شراك الكائدين.

فإن كثيرا من المبتدعة والملاحدة ردوا قدرا كبيرا من الأحكام وأصول الدين بحجة مخالفتها للعقل- زعموا-، وقاموا على هذه الأحكام بالإنكار والتأويل.

ولا سبيل إلى مجابهة بهتانهم وضلالهم إلا بمعرفة أوجه الحكمة من الأحكام وتبيينها فإذا تبين للمكلف ذلك استطاع أن يظهر ما أخفوه من محاسن الشريعة، وأن يكون متحصنا من الشبهات والشعارات التي ينادي بها من أرادوا أن يحكموا قوانين البشر بحجة عدم ملائمة الشريعة لهذا الزمان، وأن يكشف زيفهم وما تبطن قوانينهم من الظلم والجهل

(6)

.

(1)

انظر: حجة الله البالغة (1/ 62)، مقاصد الشريعة عند ابن تيمية (103).

(2)

هو مسعود بن عمر بن التفتازاني الشافعي، لغوي منطقي أصولي، ت (792 هـ). انظر: كشف الظنون (1/ 496)

(3)

شرح التلويح على التوضيح، (2/ 144).

(4)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور (ص 184) ، طرق الكشف عن مقاصد الشارع (ص 57).

(5)

انظر: أهمية المقاصد في الشريعة الإسلامية، سميح الجندي (ص 69، 137).

(6)

انظر: حجة الله البالغة (1/ 639) ، مقاصد الشريعة عند ابن تيمية (103).

ص: 34

7 -

معرفة الحكم تعين على فهم الأدلة والأحكام الشرعية

(1)

فمن المعلوم أن دلائل الألفاظ تتفاوت، فمن المتكلمين من هو أقدر على نصب العلامات على المراد من كلامه منه من بعض آخر، ومنهم من يتطرق الاحتمال في كلامه أكثر مما يتطرق إلى شخص آخر، ولذلك فإن الكلام لا يستغني أن تحفه ملامح من السياق ومبينات الألفاظ، ومقامات الخطاب فتكون معينة على فهم مراد المتكلم. وإزالة الاحتمالات المتطرقة له.

وإن أدق مقام في الدلالة وأحوجه إلى الاستعانة عليها هو مقام التشريع، فلابد أن يستعين الفقيه في فهم الأدلة بما يحيط بها من قرائن، ولذلك لم يستغن الفقهاء عن استقصاء تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن استنباط العلل والحكم، بل كان بعضهم يرحل إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتضح له ما يستنبط من العلل تبعا لمعرفة الحِكَم والمقاصد.

ومن ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه: (ما أُرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحِجْر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم)

(2)

لأنه كان لا يرى مزية في التفريق بين الركن اليماني وغيره من الأركان غير الحجر الأسود حتى سمع من عائشة رضي الله عنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم)

(3)

. فقلت يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال: (لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت) ، فعَلِم بذلك الحكمة من تركه صلى الله عليه وسلم استلام الركنين اللذين يليان الحِجر.

8 -

معرفة الحِكم وسيلة ضرورية في الدعوة إلى الله تعالى:

فبمعرفتها يتم تذكير الناس وإرشادهم بحكمة خلقهم، وحثّهم على تطبيق الشريعة لما فيها من المصالح العظيمة، وتتبيَّن لهم المصالح والحكم المترتبة على ما يقومون به من المأمورات والمفاسد التي تُدرأ حين يمتنعون عن المنهيات، فالطبيعة البشرية تحب ما يجلب لها الخير وتميل نفوسهم إلى ما ظهر لهم حكمته.

(1)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور (204،203) ،طرق الكشف عن مقاصد الشارع (45)

(2)

صحيح البخاري، كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، برقم (1506) ، ومسلم، كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها، برقم (1333).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، برقم (1506) ، ومسلم في كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها برقم (1333).

ص: 35

وهي مهمة كذلك في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، فإذا تبين للكافر محاسن دين الإسلام، وما يدعو إليه من العدل والحكمة، وإشباع الروح بالطمأنينة والخشوع والطهر والتعلق بالله، وتنظيم أمورهم في جميع شؤون الحياة، وحرصه على استقرار الأسرة من التشرد والضياع، مقارنة بما يعانونه في مجتمعاتهم الكافرة من خواء الروح، والظلم وتفرق الأسرة وتشرذمها، كان أدعى لهم في الدخول إلى الإسلام إذا وفقهم الله لذلك.

وهي مهمة كذلك للداعية في ترتيب أولوياته في الدعوة، واختياره الأنسب فيما يبدأ به، فيقدم المصالح العامة على المصالح الخاصة، ويقدم الضروريات على الحاجيات والتحسينيات، ويحذر من المفسدة العظمى قبل المفسدة الصغرى.

يقول الشوكاني

(1)

رحمه الله: (فالعالم المرتاض بما جاءنا من الشارع الذي بعثه الله تعالى متمما لمكارم الأخلاق، إذا جعل غاية همه وأقصى رغبته جلب المصالح الدينية للعباد ودفع المفاسد عنهم، كان من أنفع دعاة المسلمين وأنجح الحاملين لحجج رب العالمين).

(2)

(1)

محمد بن علي بن محمد الشوكاني ولد سنة 1172 هـ ولازم القاضي أحمد بن محمد الحرازي، ودرس على القاسم بن محمد الخولاني، له مؤلفات في أغلب العلوم، ومن ذلك، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، وفتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من التفسير، وإرشاد الفحول، وغيرها من الكتب (ت 1250 هـ). أبجد العلوم (3/ 201).

(2)

طلب العلم، للشوكاني (ص 135).

ص: 36