المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه - الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

[أبو بكر فوزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أهمية هذا الموضوع

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌خطة البحث

- ‌شكر وتقدير

- ‌منهج كتابة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف الحكمة

- ‌ علاقة الحكمة بالمقصد والعلة:

- ‌ أقسام الحِكم:

- ‌المبحث الأول: الغاية من تكليف الله تعالى للعبد

- ‌المبحث الثاني: فوائد معرفة الحكم:

- ‌الباب الأول: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأولبناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى تمنع العبد عن التعامل بالربا

- ‌ المطلب الثاني: تقوى الله تعالى عند الاستدانة وأداء الديْن

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله تعالى في مال اليتيم

- ‌ المطلب الثاني: مراقبة الله تعالى في أداء الأمانات

- ‌المبحث الثالث: تحقيق الفلاح

- ‌المبحث الرابع: التسليم بقضاء الله وقدره

- ‌المبحث الخامس: تقديم حقوق الله تعالى على مصالح الدنيا

- ‌ المطلب الأول: بيان عقوبة من قدم التجارة على حق الله عز وجل

- ‌ المطلب الثالث: الثناء على من قدّم حق الله على بيعه وتجارته

- ‌المبحث السادس: الحذر من سوء العاقبة

- ‌ المطلب الأول: سوء عاقبة أكل أموال الناس بالباطل

- ‌ المطلب الثاني: سوء عاقبة آكلي الربا

- ‌ المطلب الثالث: سوء عاقبة أكل مال اليتيم

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: التفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌ المطلب الأول: الحث على مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الثاني: الحث على التوبة والسعي إلى الإصلاح

- ‌ المطلب الثالث: الرضا بحكم الله وامتثال أمره

- ‌الفصل الثالث: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تذكر نعمة الله تعالى

- ‌المبحث الثاني: تقوى الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: إقامة الحياة الزوجية على مبدأ التقوى بين الرجل والمرأة:

- ‌ المطلب الثالث: تقوى الله تعالى في حال الصلح

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى عند حصول الطلاق

- ‌ المطلب الخامس: تقوى الله تعالى في إرضاع المولود:

- ‌المبحث الثالث: مراقبة الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: استحضار المراقبة يمنع المطلقة من كتمان ما يتوقف عليه أمر الطلاق

- ‌ المطلب الثاني: استحضار الزوجين للمراقبة حال الخِطبة

- ‌ المطلب الثالث: مراقبة الله تعالى عند رغبة الولي في نكاح اليتيمة التي في حجره

- ‌ المطلب الرابع: استحضار مراقبة الله تعالى حال الخصومة بين الزوجين

- ‌المبحث الرابع: شكر الله عز وجل

- ‌المبحث الخامس: التوكل على الله

- ‌ مطلب: التوكل على الله عند حصول الخلافات أو حدوث الطلاق

- ‌المبحث السادس: التربية على الصبر

- ‌ المطلب الأول: الحث على الصبر عند عدم القدرة على النكاح

- ‌ المطلب الثاني: الصبر عن فتنة الزوجة والأولاد:

- ‌ المطلب الثالث: تربية الزوجة والأولاد على الصبر:

- ‌المبحث السابع: البعد عن قول الزور

- ‌ المطلب الأول: النهي عن قول الزور بين الزوجين

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن القذف ورمي المحصنات

- ‌المبحث الثامن: البعد عن العادات السيئة

- ‌ المطلب الأول: التعامل مع المرأة حال الحيض:

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن إتيان المرأة في دبرها

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى سبب في تحري الطيب الحلال والبعد عن الحرام

- ‌ المطلب الثاني: التقوى تمنع العبد من الغلو وترك ما أباح الله من الطيبات

- ‌ المطلب الثالث: التقوى باعثة على امتثال أمر الله عز وجل والثبات على دينه

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى سبب في فتح أبواب الرزق وتسهيل طرقه

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله عز وجل حال الاضطرار والمخمصة

- ‌ المطلب الثاني: المراقبة توصل العبد إلى محبة الله تعالى، وأهلها مشهود لهم بالفضل والإحسان

- ‌ المطلب الثالث: ابتلاء الله تعالى لعباده بمنعهم نوعا من أنواع الرزق، ليتبين بذلك من يراقبه ممن يخالف أمره

- ‌المبحث الثالث: شكر الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: الأمر بشكر الله على الأكل من الطيبات:

- ‌ المطلب الثاني: بيان منة الله على عباده بنعمة الرزق مع تنوعه، وأن غاية ذلك هو الشكر

- ‌ المطلب الثالث: بيان عاقبة من كفروا بالنعمة ولم يشكروا الله عليها

- ‌المبحث الرابع: تعظيم شعائر الله

- ‌ المطلب الأول: تحريم أكل ما فيه تعظيم لغير الله

- ‌ المطلب الثاني: تغليظ العقوبة لمن تعمد الوقوع في محارم الله

- ‌ المطلب الثالث: ذم عادات الجاهلية في اعتدائهم على الله وإشراك الأصنام معه في قسمة حروثهم وأنعامهم

- ‌المبحث الخامس: اجتناب مسالك الغواية

- ‌ المطلب الأول: اجتناب خطوات الشيطان

- ‌ تحريم ما أحل الله عز وجل

- ‌ الإيحاء بالمعصية والكفر في تحليل ما حرم الله

- ‌ تسمية المحرمات بغير اسمها تزيينا للنفس

- ‌ المطلب الثاني: اجتناب الفسق

- ‌ التحذير من أكل ما يورث الفسق:

- ‌ التحذير من مشابهة الفاسقين

- ‌المبحث الأول: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الثاني: أخذ الولي الفقير من مال اليتيم بالمعروف

- ‌المبحث الثاني: تحقيق العدل

- ‌ المطلب الثاني: تحقيق العدل في المداينات

- ‌ المطلب الثالث: العدل في الموازين والنهي عن التطفيف فيه

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بكتابة الدَّين

- ‌ المطلب الثالث: التخفيف على الأُجَراء والرحمة بهم

- ‌المبحث الرابع: الحذر من كتمان الشهادة

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ المال كحق للأمة بوجه عام

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق اليتيم والسفيه

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الكاتب والشهيد

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيم أحكامه

- ‌ المطلب الأول: الوصية بهذه الفرائض، وإضافتها للفظ الجلالة تعظيما لها واهتماما بها

- ‌ المطلب الثاني: بيان عجز العقول عن إدراك ما ينفع العباد ويصلحهم، وتسليم الحكم لله

- ‌ المطلب الثالث: الترغيب في إقامة حدود الله والترهيب من تضييعها

- ‌المبحث الثاني: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: قيام التوارث في بداية الأمر على الهجرة:

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بإيتاء من حضر القسمة منها، من الأقرباء غير الورثة أو الضعفاء

- ‌المبحث الثالث: صلة الرحم

- ‌ توريث ذوي الأرحام

- ‌ التوريث بالنكاح والولاء

- ‌المبحث الرابع: تحقيق العدل بين الرجل والمرأة

- ‌ المطلب الأول: إبطال وإنكار عادات الجاهلية التي فيها ظلم للمرأة والصغير

- ‌ المطلب الثاني: ما فرضه الله من أن للذكر مثل حظ الأنثيين

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الورثة:

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن:

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق الموصى له:

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الميت:

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيمها

- ‌ المطلب الأول: مشروعية افتراق الزوجين عند الخشية ألا يقيما حدود الله ولو بالافتداء

- ‌ المطلب الثاني: ثناء الله جل وعلا لمن يقيم حدوده، وذمه للمخالف والمعرض عنها

- ‌المبحث الثاني: بناء الأسرة الصالحة

- ‌ المطلب الأول: تحريم نكاح المشركات وإنكاح المشركين

- ‌ المطلب الثاني: اشتراط اختيار الزوج الصالح البعيد عن الفواحش والفجور رجلا كان أو امرأة

- ‌ المطلب الثالث: التضييق في نكاح الإماء

- ‌المبحث الثالث: التكاثر والتناسل

- ‌ المطلب الأول: التكاثر والتناسل عن طريق النكاح سنة الله في الكون

- ‌ المطلب الثاني: الرد على دعاة تحديد النسل

- ‌المبحث الرابع: الطمأنينة والسكن

- ‌ المطلب الأول: حصول المودة والرحمة بين الزوجين:

- ‌ المطلب الثاني: اطمئنان البيوت

- ‌ المطلب الثالث: الترويح عن النفس وتجديد الهمة

- ‌المبحث الخامس: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الأول: المعاشرة بالمعروف:

- ‌ المطلب الثاني: التعامل بالمعروف في الطلاق

- ‌ المطلب الثالث: فعل المعروف في زمن العدة وبعد انقضائها

- ‌المبحث السادس: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: النكاح أصل النظام البشري في الاجتماع والترابط

- ‌ المطلب الثاني: النكاح مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الثالث: قطع كل سبيل يفضي إلى التباغض بين الأقربين

- ‌المبحث السابع: حفظ الأعراض

- ‌ المطلب الأول: وجوب انتساب الذرية للآباء

- ‌ المطلب الثاني: تحريم نكاح المحارم

- ‌ المطلب الثالث: فرض العدة على المطلقة والمتوفى عنها زوجها

- ‌ المطلب الرابع: مشروعية اللعان

- ‌المبحث الثامن: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الزوج

- ‌ المطلب الثاني: حقوق الزوجة:

- ‌المبحث التاسع: حفظ العفة ومحاربة الرذيلة

- ‌ المطلب الأول: الاستعفاف لمن لا يستطيع النكاح

- ‌ المطلب الثاني: تعدد الزوجات وأثره في عفاف المجتمع

- ‌ المطلب الثالث: نهي المطلقة عن الخروج من بيتها وأثره في عفتها وعفة المجتمع

- ‌ المطلب الرابع: النهي عن إشاعة الفاحشة وعقوبة من يحب ذلك

- ‌المبحث الأول: إقامة شعائر الله

- ‌المبحث الثاني: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الثاني: تحريم ما يفسد العقل والبدن ويؤثر في صحتهما

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌الباب الثالث: التيسير ورفع الحرج على الفرد والمجتمع في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأول التيسير ورفع الحرج في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه

- ‌المبحث الثاني: التيسير على الأمة فيما يصلح معيشتهم

- ‌ المطلب الأول: الامتنان على العباد بإباحة التكسب لهم على وجه العموم

- ‌ المطلب الثاني: إباحة صنوف المعاملات التي يحصل بها النفع والتيسير على الأمة

- ‌ المطلب الثالث: تنوع طبائع الناس في اختيارهم طرق كسبهم وسبل معاشهم

- ‌ المطلب الرابع: رفع الحرج والإثم عمن تاب من المعاملات المالية المحرمة

- ‌الفصل الثاني التيسير ورفع الحرج في آيات المواريث

- ‌ المطلب الأول: التيسير في أسلوب التبليغ

- ‌ المطلب الثاني: مشروعية الوصية للميت

- ‌ المطلب الثالث: النهي عن الضرر

- ‌الفصل الثالث التيسير ورفع الحرج في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تيسير أمر النكاح

- ‌ المطلب الأول: تيسير مؤونة النكاح

- ‌ المطلب الثاني: رفع الحرج عن نكاح الأمة عند عدم القدرة على نكاح الحرة

- ‌ المطلب الثالث: رفع الحرج بالتعريض في خطبة من توفي عنها زوجها

- ‌المبحث الثاني: التيسير في إباحة الطلاق

- ‌ المطلب الأول: رفع الجناح عن الطلاق قبل البناء

- ‌ المطلب الثاني: رفع الجناح أن تختلع المرأة من زوجها عند الحاجة

- ‌ المطلب الثالث: إباحة اللعان رفعا للحرج عن الزوج

- ‌المبحث الثالث: التيسير في حل الخلافات والمشاكل الأسرية

- ‌ المطلب الأول: في الإيلاء

- ‌الفصل الرابع التيسير ورفع الحرج في آيات الأطعمة

- ‌المبحث الأول: التيسير في إباحة الطيبات

- ‌ المطلب الأول: عموم الإباحة وحصر المحرمات

- ‌ المطلب الثاني: التقرير بإباحة الطيبات على وجه الثبوت والدوام

- ‌المبحث الثاني: التيسير ورفع الحرج عن المضطر

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه

‌المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه

إن من تيسير الله تعالى على جميع خلقه أن أنزل لهم رحمته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة)

(1)

.

فبهذه الرحمة يحصل من التيسير على العباد فيما بينهم خير كثير، وهذا من تيسير الله لعباده.

ومن مظاهر هذا التيسير الرفق بالمدين والتخفيف عنه.

فلقد كان من المظاهر المنتشرة لدى العرب في الجاهلية التعامل بالربا في المداينات، وقد كان فيه من المشقة والعنت على المدين ما يثقل كاهله ويوقعه في الحرج إضافة إلى ما في ذلك من الظلم والبغي فقد كان الدائن إذا أراد أن يستوفي حقه من المدين يقول له:(إما أن تقضي وإما أن تربي) ، فلما حرم الله عز وجل هذه العادة الظالمة الشاقة التي تضطر المدين إلى أضيق السبل ندب إلى السبيل القويم، الذي يحصل به التفريج عن المعسر، ولا يضيع حق الدائن مع الفضل العظيم والأجر من عند الله

(2)

، فقال:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة: 280].

فأرشد العباد إلى إنظار الغرماء ممن لا يقدر على رد رأس المال بعد بطلان الربا، أو أيِّ غريم مدين حتى يوسر

(3)

.

وهذا من حكمة الله تعالى في تيسيره على عباده، ليرحم الغني الفقير، وينظِر الدائن المدين.

(1)

أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب الرجاء مع الخوف برقم (6104) ، ومسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله وأنها سبقت غضبه برقم (2752) واللفظ لمسلم.

(2)

انظر: تفسير القرآن العظيم (1/ 717).

(3)

وهذا القول هو الذي اختاره ابن جرير الطبري (6/ 34) ، وابن كثير (1/ 717).

ص: 303

ولما كان هذا التيسير من شرع الله وأمره فقد علّق عليه الأجر العظيم وجعل الجزاء من جنس العمل، فوعده بأن ييسر له أمره في الدنيا والآخرة، وقد أخبر بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: (ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة

) الحديث

(1)

.

فلما كان الإعسار من أعظم كرب الدنيا لم يجعل جزاء الميسِّر خاصا بتيسير الحساب عليه في الآخره، بل جعله عاما في الدنيا والآخرة

(2)

.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه)

(3)

،ويدخل في لفظ التجاوز الإنظار والوضيعة وحسن التقاضي

(4)

وعن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت

(5)

قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبا اليسر

(6)

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له معه ضمامة من صحف وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقال له أبي: يا عم إني أرى في وجهك سفعة من غضب، قال: أجل كان لي على فلان بن فلان الحراميّ

(7)

مال فأتيت أهله فسلمت فقلت أثم هو؟

(1)

أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر برقم (2699).

(2)

انظر: فيض القدير (6/ 243)

(3)

سبق تخريجه (ص 51).

(4)

فتح الباري (4/ 391).

(5)

عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري سمع أباه وجابرا وأبا اليسر رضي الله عنهم سمع منه يحيى ابن سعيد الأنصاري ويعقوب بن مجاهد مديني ، قال أبو زرعة والنسائي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال كنيته أبو الوليد (التاريخ الكبير 6/ 94)(تهذيب التهذيب 5/ 100)

(6)

هو كعب بن عمرو، شهد العقبة وبدرا وهو ابن عشرين سنة، وهو آخر من توفى من أهل بدر رضى الله عنهم توفى بالمدينة سنة خمس وخمسين (انظر: شرح النووي على مسلم 18/ 133).

(7)

الضمامة: هي اللفافة من الكتب، والمعافري: ثياب تعمل بقرية يقال لها معافر، والسفعة: العلامة وقوله: فلان الحراميّ: نسبة إلى بني حرام (انظر: المصدر السابق 18/ 134).

ص: 304

قالوا: لا فخرج عَلَيَّ ابن له جفر

(1)

فقلت له أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي فقلت اخرج إلي فقد علمت أين أنت فخرج فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك خشيت والله أن أحدثك فأكذبك وأن أعدك فأخلفك وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت والله معسرا، قال: قلت آلله، قال: الله قلت: آلله قال: الله قلت: آلله قال: الله قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده فقال إن وجدت قضاء فاقضني وإلا أنت في حل فأشهد بصر عيني هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذني هاتين ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله)

(2)

.

فتأمل حال المدين في هذه القصة وما ركبه من الهم، خوف ألا يراه الدائن، لأنه لايستطيع الأداء، وحال أبي اليسر رضي الله عنه قبل أن يعرف عذر المدين، وبعد أن استبصر حاله وعرف عذره.

إن هذا الحديث لمن أدل الدلائل على ما في إنظار المعسر من رفع الحرج عنه، وتخفيف ما يجد من مخافة الكذب أو خلف الوعد.

وفي الآية كذلك ترغيب لأصحاب المال وزيادة فضل لهم بترغيبهم في التجاوز عن المدين إذا رغبوا في ذلك، فهو خير لهم وأفضل عند الله.

وكما أمر الله الدائن بإنظار المعسر لما فيه من التيسير والتخفيف عنه، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مطل الغني، حتى لا يتخذها من ضعفت نفسه ذريعة في المماطلة وتأخير الأداء، وفي ذلك مشقة على الدائن أن يرى مدينه وقد أغناه الله ولا يريد أداء ما عليه.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(مطل الغني ظلم)

(3)

.

وبهذا يعلم أن التيسير بين العباد هو من التيسير الذي رضيه الله لعباده وأمر به.

(1)

الجفر: هو من قارب البلوغ (انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 18/ 135).

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، برقم (3006).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المساقاة، باب مطل الغني ظلم، برقم (2270) ، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة واستحباب قبولها إذا أحيل على مليء برقم (1564).

ص: 305

ومن مظاهر التيسير التي بيَّنها الله تعالى وهي مندرجة تحت هذه الصورة:

• شهادة المرأتين مع الرجل في كتابة الدين، وذلك في قوله:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] ، فأمر تعالى بإشهاد رجلين على الدَّين وذلك أدعى في عدم تأثرهما بخوف أو نحوه، فإذا تطلب الدائن رجلين ولم يحصل له توفرهما فقد رخص الله تعالى أن يشهد رجل وتشهد معه امرأتان وعلل ذلك بقوله:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} إشارة إلى نقص الضبط وأن باجتماعهن يحصل التذكير، وهذا من التيسير في الشريعة الإسلامية

(1)

.

• مشروعية الرهن بدل الكتابة:

كما قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} الآية [البقرة: 283]

كثير من الناس من يحصل له أمر فيحتاج فيه إلى من يقرضه وقد لا يجد، فقد يضطره ذلك إلى بيع شيء عنده ليحصل على ما يريد، وبهذا يخرج المبيع من ملكه ولا أمل له في إرجاعه.

ولذلك فقد رخص الله لعباده الرهن وبهذا يضمن المرتهن حقه الذي أخذ منه حتى يرجع إليه، ويبقى لصاحب الرهن أمل في استرداد حاجته إذا وفّى ما عليه

(2)

.

وهذا من تيسير الله تعالى على العباد بما يناسب أحوالهم وحوائجهم مع اختلاف طباعهم وأخلاقهم.

(1)

انظر: مظاهر التيسير ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية (ص 231) ، نظم الدرر (1/ 547).

(2)

انظر: مظاهر التيسير ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية (ص 226).

ص: 306