المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المطلب الثالث: حفظ حق اليتيم والسفيه - الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

[أبو بكر فوزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أهمية هذا الموضوع

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌خطة البحث

- ‌شكر وتقدير

- ‌منهج كتابة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف الحكمة

- ‌ علاقة الحكمة بالمقصد والعلة:

- ‌ أقسام الحِكم:

- ‌المبحث الأول: الغاية من تكليف الله تعالى للعبد

- ‌المبحث الثاني: فوائد معرفة الحكم:

- ‌الباب الأول: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأولبناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى تمنع العبد عن التعامل بالربا

- ‌ المطلب الثاني: تقوى الله تعالى عند الاستدانة وأداء الديْن

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله تعالى في مال اليتيم

- ‌ المطلب الثاني: مراقبة الله تعالى في أداء الأمانات

- ‌المبحث الثالث: تحقيق الفلاح

- ‌المبحث الرابع: التسليم بقضاء الله وقدره

- ‌المبحث الخامس: تقديم حقوق الله تعالى على مصالح الدنيا

- ‌ المطلب الأول: بيان عقوبة من قدم التجارة على حق الله عز وجل

- ‌ المطلب الثالث: الثناء على من قدّم حق الله على بيعه وتجارته

- ‌المبحث السادس: الحذر من سوء العاقبة

- ‌ المطلب الأول: سوء عاقبة أكل أموال الناس بالباطل

- ‌ المطلب الثاني: سوء عاقبة آكلي الربا

- ‌ المطلب الثالث: سوء عاقبة أكل مال اليتيم

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: التفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌ المطلب الأول: الحث على مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الثاني: الحث على التوبة والسعي إلى الإصلاح

- ‌ المطلب الثالث: الرضا بحكم الله وامتثال أمره

- ‌الفصل الثالث: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تذكر نعمة الله تعالى

- ‌المبحث الثاني: تقوى الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: إقامة الحياة الزوجية على مبدأ التقوى بين الرجل والمرأة:

- ‌ المطلب الثالث: تقوى الله تعالى في حال الصلح

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى عند حصول الطلاق

- ‌ المطلب الخامس: تقوى الله تعالى في إرضاع المولود:

- ‌المبحث الثالث: مراقبة الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: استحضار المراقبة يمنع المطلقة من كتمان ما يتوقف عليه أمر الطلاق

- ‌ المطلب الثاني: استحضار الزوجين للمراقبة حال الخِطبة

- ‌ المطلب الثالث: مراقبة الله تعالى عند رغبة الولي في نكاح اليتيمة التي في حجره

- ‌ المطلب الرابع: استحضار مراقبة الله تعالى حال الخصومة بين الزوجين

- ‌المبحث الرابع: شكر الله عز وجل

- ‌المبحث الخامس: التوكل على الله

- ‌ مطلب: التوكل على الله عند حصول الخلافات أو حدوث الطلاق

- ‌المبحث السادس: التربية على الصبر

- ‌ المطلب الأول: الحث على الصبر عند عدم القدرة على النكاح

- ‌ المطلب الثاني: الصبر عن فتنة الزوجة والأولاد:

- ‌ المطلب الثالث: تربية الزوجة والأولاد على الصبر:

- ‌المبحث السابع: البعد عن قول الزور

- ‌ المطلب الأول: النهي عن قول الزور بين الزوجين

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن القذف ورمي المحصنات

- ‌المبحث الثامن: البعد عن العادات السيئة

- ‌ المطلب الأول: التعامل مع المرأة حال الحيض:

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن إتيان المرأة في دبرها

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى سبب في تحري الطيب الحلال والبعد عن الحرام

- ‌ المطلب الثاني: التقوى تمنع العبد من الغلو وترك ما أباح الله من الطيبات

- ‌ المطلب الثالث: التقوى باعثة على امتثال أمر الله عز وجل والثبات على دينه

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى سبب في فتح أبواب الرزق وتسهيل طرقه

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله عز وجل حال الاضطرار والمخمصة

- ‌ المطلب الثاني: المراقبة توصل العبد إلى محبة الله تعالى، وأهلها مشهود لهم بالفضل والإحسان

- ‌ المطلب الثالث: ابتلاء الله تعالى لعباده بمنعهم نوعا من أنواع الرزق، ليتبين بذلك من يراقبه ممن يخالف أمره

- ‌المبحث الثالث: شكر الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: الأمر بشكر الله على الأكل من الطيبات:

- ‌ المطلب الثاني: بيان منة الله على عباده بنعمة الرزق مع تنوعه، وأن غاية ذلك هو الشكر

- ‌ المطلب الثالث: بيان عاقبة من كفروا بالنعمة ولم يشكروا الله عليها

- ‌المبحث الرابع: تعظيم شعائر الله

- ‌ المطلب الأول: تحريم أكل ما فيه تعظيم لغير الله

- ‌ المطلب الثاني: تغليظ العقوبة لمن تعمد الوقوع في محارم الله

- ‌ المطلب الثالث: ذم عادات الجاهلية في اعتدائهم على الله وإشراك الأصنام معه في قسمة حروثهم وأنعامهم

- ‌المبحث الخامس: اجتناب مسالك الغواية

- ‌ المطلب الأول: اجتناب خطوات الشيطان

- ‌ تحريم ما أحل الله عز وجل

- ‌ الإيحاء بالمعصية والكفر في تحليل ما حرم الله

- ‌ تسمية المحرمات بغير اسمها تزيينا للنفس

- ‌ المطلب الثاني: اجتناب الفسق

- ‌ التحذير من أكل ما يورث الفسق:

- ‌ التحذير من مشابهة الفاسقين

- ‌المبحث الأول: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الثاني: أخذ الولي الفقير من مال اليتيم بالمعروف

- ‌المبحث الثاني: تحقيق العدل

- ‌ المطلب الثاني: تحقيق العدل في المداينات

- ‌ المطلب الثالث: العدل في الموازين والنهي عن التطفيف فيه

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بكتابة الدَّين

- ‌ المطلب الثالث: التخفيف على الأُجَراء والرحمة بهم

- ‌المبحث الرابع: الحذر من كتمان الشهادة

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ المال كحق للأمة بوجه عام

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق اليتيم والسفيه

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الكاتب والشهيد

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيم أحكامه

- ‌ المطلب الأول: الوصية بهذه الفرائض، وإضافتها للفظ الجلالة تعظيما لها واهتماما بها

- ‌ المطلب الثاني: بيان عجز العقول عن إدراك ما ينفع العباد ويصلحهم، وتسليم الحكم لله

- ‌ المطلب الثالث: الترغيب في إقامة حدود الله والترهيب من تضييعها

- ‌المبحث الثاني: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: قيام التوارث في بداية الأمر على الهجرة:

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بإيتاء من حضر القسمة منها، من الأقرباء غير الورثة أو الضعفاء

- ‌المبحث الثالث: صلة الرحم

- ‌ توريث ذوي الأرحام

- ‌ التوريث بالنكاح والولاء

- ‌المبحث الرابع: تحقيق العدل بين الرجل والمرأة

- ‌ المطلب الأول: إبطال وإنكار عادات الجاهلية التي فيها ظلم للمرأة والصغير

- ‌ المطلب الثاني: ما فرضه الله من أن للذكر مثل حظ الأنثيين

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الورثة:

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن:

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق الموصى له:

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الميت:

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيمها

- ‌ المطلب الأول: مشروعية افتراق الزوجين عند الخشية ألا يقيما حدود الله ولو بالافتداء

- ‌ المطلب الثاني: ثناء الله جل وعلا لمن يقيم حدوده، وذمه للمخالف والمعرض عنها

- ‌المبحث الثاني: بناء الأسرة الصالحة

- ‌ المطلب الأول: تحريم نكاح المشركات وإنكاح المشركين

- ‌ المطلب الثاني: اشتراط اختيار الزوج الصالح البعيد عن الفواحش والفجور رجلا كان أو امرأة

- ‌ المطلب الثالث: التضييق في نكاح الإماء

- ‌المبحث الثالث: التكاثر والتناسل

- ‌ المطلب الأول: التكاثر والتناسل عن طريق النكاح سنة الله في الكون

- ‌ المطلب الثاني: الرد على دعاة تحديد النسل

- ‌المبحث الرابع: الطمأنينة والسكن

- ‌ المطلب الأول: حصول المودة والرحمة بين الزوجين:

- ‌ المطلب الثاني: اطمئنان البيوت

- ‌ المطلب الثالث: الترويح عن النفس وتجديد الهمة

- ‌المبحث الخامس: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الأول: المعاشرة بالمعروف:

- ‌ المطلب الثاني: التعامل بالمعروف في الطلاق

- ‌ المطلب الثالث: فعل المعروف في زمن العدة وبعد انقضائها

- ‌المبحث السادس: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: النكاح أصل النظام البشري في الاجتماع والترابط

- ‌ المطلب الثاني: النكاح مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الثالث: قطع كل سبيل يفضي إلى التباغض بين الأقربين

- ‌المبحث السابع: حفظ الأعراض

- ‌ المطلب الأول: وجوب انتساب الذرية للآباء

- ‌ المطلب الثاني: تحريم نكاح المحارم

- ‌ المطلب الثالث: فرض العدة على المطلقة والمتوفى عنها زوجها

- ‌ المطلب الرابع: مشروعية اللعان

- ‌المبحث الثامن: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الزوج

- ‌ المطلب الثاني: حقوق الزوجة:

- ‌المبحث التاسع: حفظ العفة ومحاربة الرذيلة

- ‌ المطلب الأول: الاستعفاف لمن لا يستطيع النكاح

- ‌ المطلب الثاني: تعدد الزوجات وأثره في عفاف المجتمع

- ‌ المطلب الثالث: نهي المطلقة عن الخروج من بيتها وأثره في عفتها وعفة المجتمع

- ‌ المطلب الرابع: النهي عن إشاعة الفاحشة وعقوبة من يحب ذلك

- ‌المبحث الأول: إقامة شعائر الله

- ‌المبحث الثاني: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الثاني: تحريم ما يفسد العقل والبدن ويؤثر في صحتهما

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌الباب الثالث: التيسير ورفع الحرج على الفرد والمجتمع في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأول التيسير ورفع الحرج في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه

- ‌المبحث الثاني: التيسير على الأمة فيما يصلح معيشتهم

- ‌ المطلب الأول: الامتنان على العباد بإباحة التكسب لهم على وجه العموم

- ‌ المطلب الثاني: إباحة صنوف المعاملات التي يحصل بها النفع والتيسير على الأمة

- ‌ المطلب الثالث: تنوع طبائع الناس في اختيارهم طرق كسبهم وسبل معاشهم

- ‌ المطلب الرابع: رفع الحرج والإثم عمن تاب من المعاملات المالية المحرمة

- ‌الفصل الثاني التيسير ورفع الحرج في آيات المواريث

- ‌ المطلب الأول: التيسير في أسلوب التبليغ

- ‌ المطلب الثاني: مشروعية الوصية للميت

- ‌ المطلب الثالث: النهي عن الضرر

- ‌الفصل الثالث التيسير ورفع الحرج في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تيسير أمر النكاح

- ‌ المطلب الأول: تيسير مؤونة النكاح

- ‌ المطلب الثاني: رفع الحرج عن نكاح الأمة عند عدم القدرة على نكاح الحرة

- ‌ المطلب الثالث: رفع الحرج بالتعريض في خطبة من توفي عنها زوجها

- ‌المبحث الثاني: التيسير في إباحة الطلاق

- ‌ المطلب الأول: رفع الجناح عن الطلاق قبل البناء

- ‌ المطلب الثاني: رفع الجناح أن تختلع المرأة من زوجها عند الحاجة

- ‌ المطلب الثالث: إباحة اللعان رفعا للحرج عن الزوج

- ‌المبحث الثالث: التيسير في حل الخلافات والمشاكل الأسرية

- ‌ المطلب الأول: في الإيلاء

- ‌الفصل الرابع التيسير ورفع الحرج في آيات الأطعمة

- ‌المبحث الأول: التيسير في إباحة الطيبات

- ‌ المطلب الأول: عموم الإباحة وحصر المحرمات

- ‌ المطلب الثاني: التقرير بإباحة الطيبات على وجه الثبوت والدوام

- ‌المبحث الثاني: التيسير ورفع الحرج عن المضطر

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المطلب الثالث: حفظ حق اليتيم والسفيه

لحفظ حق الدائن في الحضر والسفر ثم أكدها بمؤكدات وبالغ في التأكيد ووعظ فيها وأمر بالتقوى، كل هذا مبالغة في التوصية بحفظ المال الحلال وصيانته عن الضياع.

وتتلخص هذه الأحكام فيما يلي:

أ- الأمر بكتابة جميع عقود المداينات إما وجوبا أو استحبابا، لشدة الحاجة لذلك وأنه إذا عدمت الكتابة حصل من الغلط والنسيان شر عظيم.

ب- أمر الكاتب أن يكتب بالعدل.

ج- أمر المدين - الذي عليه الحق- أن يبين جميع ما عليه من الحق ولا يبخس منه شيئا.

د- الأمر بالإشهاد على الديْن على وجه الاستحباب أو الوجوب، لأن المقصود من ذلك الإرشاد إلى ما يحفظ الحقوق.

هـ - مشروعية الرهن وأنه عوض عن الكتابة للتوثق إذا لم تتوفر أسبابها، سواء في الحضر والسفر، وإنما نص الله على السفر لأنه مظنة الحاجة.

و- أمر الذي عليه الحق بأداء الحق كاملا إذا أمنه صاحب الحق فلم يكتب ولم يشهد ولم يرهن.

وكل هذه الأوامر لها تفصيلات وتأكيدات لبيان أهمية حفظ حق الدائن حتى لا يضيع ماله أو يؤكل بغير وجه حق.

وفي هذه الآية دليل على عناية الشريعة بما يحفظ مصالح العباد وحقوقهم من التلف والضياع.

(1)

•‌

‌ المطلب الثالث: حفظ حق اليتيم والسفيه

.

إن الشريعة الإسلامية كما اعتنت ببيان حفظ المال بين الناس، فقد جاءت مؤكدة على حفظ حق الضعفاء في المجتمع لضعفهم وعجزهم عن القيام على حفظ حقوقهم

(1)

انظر: التفسير الكبير (7/ 116) ، تيسير الكريم الرحمن (ص 118، 119) ، تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين (3/ 410).

ص: 202

ومصالحهم

(1)

، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذرهم من الاقتراب من حقوق الضعفاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة)

(2)

.

ومن أعظم هذه الحقوق المال كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه .. )

(3)

الحديث.

وقد أرشد الله جل وعلا في كتابه الكريم إلى حفظ هذا الحق من الضياع، بعدة طرق وهي:

1.

منع السفيه من التصرف بماله.

كما قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} [النساء: 5].

فأمر الله تعالى عباده بإمساك أموال السفهاء حفظا لأموالهم من الضياع.

والتعبير بضمير المخاطب في قوله: {أَمْوَالَكُمُ} مبالغة في محافظة الأولياء على أموال الضعفاء، وكأن أموالهم هي عين أموال الأولياء، وهي دعوة كذلك لجميع المخاطبين بهذه الآية بالسعي إلى حفظ المال، وأن في حفظ مال المحجور عليهم حفظ لمال المجتمع الذي توجه إليه النداء في بداية السورة بقوله:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ}

(4)

.

وفي قوله تعالى: {الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} تأكيد لحفظ المال الذي به قيام الحياة ومصالحها وبضياعه ضياعها، وهو كذلك كالقيم للنفوس لأن بقاءها بها كما تدل على ذلك القراءة الأخرى {قِيَماً} ،

(5)

وهذا توجيه للناس إلى حفظ ما به قيام الحياة وبقاؤها.

(1)

انظر: منهج القرآن الكريم في رعاية ضعفاء المجتمع (ص 162).

(2)

أخرجه الإمام أحمد في المسند، برقم (9664) ، والنسائي في سننه، كتاب عشرة النساء، باب حق المرأة على زوجها، برقم (9149)، قال الأرناؤوط في تعليقه على المسند: إسناده قوي من أجل محمد بن عجلان وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين، وحسنه الشيخ الألباني (السلسلة الصحيحة 3/ 12).

(3)

سبق تخريجه (ص 44).

(4)

انظر: التفسير الكبير (9/ 190) ، التحرير والتنوير (4/ 234).

(5)

هي قراءة نافع وابن عامر (انظر: البحر المحيط (3/ 237) ، الدر المصون (3/ 580، 581).

ص: 203

وفي قوله: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} حفظ لحق اليتيم ومن في حكمه من الإنفاق عليهم بما ينفعهم ويصلحهم، فلا يضيّق عليه في رزقه وكسوته.

وفي التعبير بـ (في) بدل (من) في الآية إشارة إلى حفظ المال بالاتجار فيه وتنميته حتى لا ينقص من الإنفاق حال تسليمه للسفيه إذا رشد، والمراد أن جملة المال ما يحصل به الرزق والكسوة تارة من عينه وتارة من ثمنه وتارة من نتاجه

(1)

.

2.

النهي عن الاقتراب من مال اليتيم.

وقد كرر الله عز وجل النهي عن القرب من مال اليتيم فقال: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152]

فنهى الله تبارك وتعالى عن إتلاف أموال اليتامى، إذ هم أحق الناس بالنهي عن قربان أموالهم لضعفهم وعجزهم، وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا يستحلون أموال اليتامى فيأكلونها، فهم ضعفاء في حجرهم، لا يستطيعون رد الحق، ولا يفطن أحد لمظلمتهم

ولذلك نهى الله عن مجرد قربان شيء منها فضلا عن الأكل، مبالغة في الابتعاد وسدا للذريعة، وتحذيرا من الأخذ ولو كان أقل القليل.

ومجيء النهي ثلاث مرات بضمير الجماعة إشارة إلى أن المجتمع مسؤول عن اليتيم والحفاظ على ماله من التلف والضياع

(2)

.

والنهي عن الاقتراب في الآية يشمل ما تتطلع إليه النفس من الفوارق الخفيفة والتحايل من استبدال شيء مكان شيء فيحصل بذلك استبدال الخبيث بالطيب، وقد نص الله على تحريم ذلك فقال:{وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)} [النساء: 2].

(3)

(1)

انظر: الكشاف (1/ 247) ، التحرير والتنوير (4/ 235).

(2)

انظر: التفسير الكبير (20/ 205) ، التحرير والتنوير (5/ 163)(15/ 67 ، 96).

(3)

أضواء البيان (6/ 70).

ص: 204

• وقد استثنى الله جل وعلا القرب منها بالتي هي أحسن وفي ذلك حفظ لمال اليتيم من الفساد فعن ابن عباس قال: لما نزلت {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} و {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} قال: اجتنب الناس مالَ اليتيم وطعامه، حتى كان يفسُد، إنْ كان لحمًا أو غيره. فشقّ ذلك على الناس، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220].

(1)

فالتعامل مع مال اليتيم إذاً لا يكون إلا بالتي هي أحسن في حقه وأصلح لماله، ومن ذلك ما نص عليه الفقهاء أن من ولي مال اليتيم واستحق أجراً، فله الأقل من أحد أمرين: إما نفقته في نفسه، وإما أجرته على عمله حفظا لماله

(2)

.

وقد يحتال بعض الناس أو تسول له نفسه حاجته للأكل من مال اليتيم فيأكله من غير حاجة ضرورية قبل بلوغ اليتيم فلا يبقى له عند البلوغ إلا النزر اليسير من المال فنهى الله تعالى عن ذلك وقال: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6].

3.

دفع أموالهم إليهم بعد البلوغ ومؤانسة رشدهم:

فقد أمر الله الأوصياء بدفع أموال اليتامى إليهم فقال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].

والأمر بالدفع متعلق بشرطين لا بد من تحققهما:

الأول: البلوغ.

الثاني: إيناس الرشد منهم.

وهي دعوة للأوصياء باختبار اليتامى ومؤانسة الرشد منهم قبل التسليم فإن حصل أدنى مؤانسة وجب دفع المال إليه بدون مماطلة أو تأخير

(3)

.

(1)

أخرجه الطبري في التفسير (4/ 353) ، والنسائي في سننه، كتاب الوصايا، باب ما للوصي من مال اليتيم إذا قام عليه برقم (6496) وحسنه الألباني.

(2)

انظر: البحر المحيط (4/ 325) ، أضواء البيان (6/ 70).

(3)

الجامع لأحكام القرآن (6/ 67) ، أضواء البيان (1/ 188) ، التحرير والتنوير (4/ 242).

ص: 205