الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: تقوى الله تعالى
لما كانت التقوى سببا لصلاح العبد في دينه ودنياه كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70 - 71].
أمر الله بها عباده في أحوال كثيرة من أمور دينهم ودنياهم إذ هم بحاجة إلى التذكير بالتقوى والأمر بها.
والنكاح من جملة الأحوال التي جاء فيها التذكير بالتقوى.
وقد جاء الأمر بالتقوى والحث عليه في آيات النكاح متكررا ومتنوعا بتنوع أبوابه، وما ذاك إلا لتكون هذه الحياة الأسرية قائمة بأمر الله وعلى منهج الله كي تحيا حياة كريمة مستقيمة لا ظلم فيها ولا جور، فتكون سببا في صلاح العبد - رجلا كان أو امرأة- وسعادته في دينه ودنياه.
ومن تلك الأحوال التي جاء فيها الأمر بالتقوى:
•
المطلب الأول: إقامة الحياة الزوجية على مبدأ التقوى بين الرجل والمرأة:
جاء الأمر الرباني في هذه الآية بالتقوى مذكرا جميع الناس بأصل الخلق وأنهم خلقوا من ذكر وأنثى وأن أصل الجنس البشري كان مطيعا لله متقيا له، ولذلك يجب على الفروع التي نشأت من هذا الأصل أن تقيم حياتها على تقوى الله تعالى.
وفي هذا التذكير إشارة أيضا لما في توافق الرجل والمرأة وأنسهما مع بعضهما البعض أن يتعاونا على التقوى في شؤون حياتهما، وأن تكون التقوى دافعة لهما في حفظ حقوقهما
فيحفظ الرجل للمرأة حقها، وتحفظ المرأة للرجل حقه، وكأن هذا النداء يذكرهم أنهم من نفس واحدة، فيحافظ كل واحد منهما على زوجه وبذلك تصلح الحياة ويسعد العباد
(1)
.
وفي الآية تذكير للرجال بأن يتقوا الله في نسائهم وفي طبيعة خلقهن وكيف يتعاملون مع أزواجهم، حيث بيّن تعالى أن المرأة خلقت من الرجل، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاء خيرا)
(2)
.
فينبغي على العبد حينئذ أن يتقي الله في زوجه ويستوصي بها خيرا ويحسن تربيتها ويصبر على ذلك كما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• المطلب الثاني: تقوى الله تعالى تمنع العبد أن يقدم محبة زوجه على حق ربه:
ذلك أن طبيعة النفس البشرية: أن يأنس الرجل بالمرأة وتأنس المرأة بالرجل، ولذلك فقد حذر الله تعالى من صنف من الأزواج يصبح عدوا لزوجه، وذلك حين يصل الأمر إلى التهاون بحقوق الله تعالى وما أمر به من حقوق العباد المتعلقة بالفرد، كبر الوالدين وصلة الأرحام ونحو ذلك فحينئذ تكون هذه العلاقة علاقة معاداة وإن كان ظاهرها المحبة والمودة والشفقة، وفي ذلك يقول الباري جل شأنه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن: 14 - 16].
(1)
{انظر: البحر المحيط ، (3/ 217).
(2)
{رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، برقم (4890) ، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء برقم (1468).
قال مجاهد
(1)
رحمه الله: (يحملُ الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه)
(2)
ويبين هذا المعنى ما ورد في سبب نزولها فقد أخرج الطبري رحمه الله بسنده عن عكرمة
(3)
عن ابن عباس قال: سأله رجل عن هذه الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قال: هؤلاء رجال أسلموا فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدَعوهم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين همُّوا أن يعاقبوهم فأنزل الله جل ثناؤه
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ} الآية.
(4)
فإذا كانت الزوجة بهذه المنزلة من العداوة ولم يتنبه الرجل لذلك فإنها تفسد عليه دنياه وآخرته، أما في الدنيا فبإذهاب ماله وعرضه، وأما في الآخرة فبما يسعى في اكتسابه من الحرام لها ولأولادها، وبما تكسبه وأولادها منه بسبب جاهه.
(5)
وقد بين الله في هذه الآيات علاج هذه العداوة وكيفية التعامل معها فقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، فأمر الله عباده أن يتقوه فيما جعل فتنة لهم من أزواج وأموال وأولاد وألا تغلبهم فتنتهم وتصدهم عما يجب عليهم مما أمرهم الله تبارك وتعالى به، بل عليهم الانقياد
(1)
{هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي مولى عبد الله بن السائب القارئ، مفسر ثقة سمع من ابن عباس وابن عمر وعلي وروى عنه الحكم ومنصور وابن أبي نجيح وعطاء وطاووس، قال مجاهد: قرأت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت. مات مجاهد سنة 103 هـ وقيل 102 هـ. (التاريخ الكبير 7/ 411)(تهذيب التهذيب 10/ 40)
(2)
{
…
جامع البيان (12/ 116) ، تفسير القرآن العظيم (8/ 139).
(3)
هو أبو عبد الله القرشي مولاهم المدني، البربري الأصل مولى ابن عباس، العلامة الحافظ المفسر حدث عن ابن عباس وعائشة وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم من الصحابة، وحدث عنه إبراهيم النخعي والشعبي وعمرو ابن دينار، كان يقول: طلبت العلم أربعين سنة وكنت أفتي بالباب وابن عباس في الدار. وقال: كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل على تعليم القرآن والسنن. توفي سنة 105 هـ (سير أعلام النبلاء 5/ 12 - 14)(طبقات المفسرين للأدنه وي ص 12)
(4)
{جامع البيان (12/ 116).
(5)
{انظر: البحر المحيط (8/ 390).