المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المطلب الأول: مراقبة الله تعالى في مال اليتيم - الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

[أبو بكر فوزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أهمية هذا الموضوع

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌خطة البحث

- ‌شكر وتقدير

- ‌منهج كتابة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف الحكمة

- ‌ علاقة الحكمة بالمقصد والعلة:

- ‌ أقسام الحِكم:

- ‌المبحث الأول: الغاية من تكليف الله تعالى للعبد

- ‌المبحث الثاني: فوائد معرفة الحكم:

- ‌الباب الأول: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأولبناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى تمنع العبد عن التعامل بالربا

- ‌ المطلب الثاني: تقوى الله تعالى عند الاستدانة وأداء الديْن

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله تعالى في مال اليتيم

- ‌ المطلب الثاني: مراقبة الله تعالى في أداء الأمانات

- ‌المبحث الثالث: تحقيق الفلاح

- ‌المبحث الرابع: التسليم بقضاء الله وقدره

- ‌المبحث الخامس: تقديم حقوق الله تعالى على مصالح الدنيا

- ‌ المطلب الأول: بيان عقوبة من قدم التجارة على حق الله عز وجل

- ‌ المطلب الثالث: الثناء على من قدّم حق الله على بيعه وتجارته

- ‌المبحث السادس: الحذر من سوء العاقبة

- ‌ المطلب الأول: سوء عاقبة أكل أموال الناس بالباطل

- ‌ المطلب الثاني: سوء عاقبة آكلي الربا

- ‌ المطلب الثالث: سوء عاقبة أكل مال اليتيم

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: التفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌ المطلب الأول: الحث على مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الثاني: الحث على التوبة والسعي إلى الإصلاح

- ‌ المطلب الثالث: الرضا بحكم الله وامتثال أمره

- ‌الفصل الثالث: بناء الفرد المسلم وصلاحه في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تذكر نعمة الله تعالى

- ‌المبحث الثاني: تقوى الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: إقامة الحياة الزوجية على مبدأ التقوى بين الرجل والمرأة:

- ‌ المطلب الثالث: تقوى الله تعالى في حال الصلح

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى عند حصول الطلاق

- ‌ المطلب الخامس: تقوى الله تعالى في إرضاع المولود:

- ‌المبحث الثالث: مراقبة الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: استحضار المراقبة يمنع المطلقة من كتمان ما يتوقف عليه أمر الطلاق

- ‌ المطلب الثاني: استحضار الزوجين للمراقبة حال الخِطبة

- ‌ المطلب الثالث: مراقبة الله تعالى عند رغبة الولي في نكاح اليتيمة التي في حجره

- ‌ المطلب الرابع: استحضار مراقبة الله تعالى حال الخصومة بين الزوجين

- ‌المبحث الرابع: شكر الله عز وجل

- ‌المبحث الخامس: التوكل على الله

- ‌ مطلب: التوكل على الله عند حصول الخلافات أو حدوث الطلاق

- ‌المبحث السادس: التربية على الصبر

- ‌ المطلب الأول: الحث على الصبر عند عدم القدرة على النكاح

- ‌ المطلب الثاني: الصبر عن فتنة الزوجة والأولاد:

- ‌ المطلب الثالث: تربية الزوجة والأولاد على الصبر:

- ‌المبحث السابع: البعد عن قول الزور

- ‌ المطلب الأول: النهي عن قول الزور بين الزوجين

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن القذف ورمي المحصنات

- ‌المبحث الثامن: البعد عن العادات السيئة

- ‌ المطلب الأول: التعامل مع المرأة حال الحيض:

- ‌ المطلب الثاني: النهي عن إتيان المرأة في دبرها

- ‌المبحث الأول: تقوى الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: التقوى سبب في تحري الطيب الحلال والبعد عن الحرام

- ‌ المطلب الثاني: التقوى تمنع العبد من الغلو وترك ما أباح الله من الطيبات

- ‌ المطلب الثالث: التقوى باعثة على امتثال أمر الله عز وجل والثبات على دينه

- ‌ المطلب الرابع: تقوى الله تعالى سبب في فتح أبواب الرزق وتسهيل طرقه

- ‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

- ‌ المطلب الأول: مراقبة الله عز وجل حال الاضطرار والمخمصة

- ‌ المطلب الثاني: المراقبة توصل العبد إلى محبة الله تعالى، وأهلها مشهود لهم بالفضل والإحسان

- ‌ المطلب الثالث: ابتلاء الله تعالى لعباده بمنعهم نوعا من أنواع الرزق، ليتبين بذلك من يراقبه ممن يخالف أمره

- ‌المبحث الثالث: شكر الله عز وجل

- ‌ المطلب الأول: الأمر بشكر الله على الأكل من الطيبات:

- ‌ المطلب الثاني: بيان منة الله على عباده بنعمة الرزق مع تنوعه، وأن غاية ذلك هو الشكر

- ‌ المطلب الثالث: بيان عاقبة من كفروا بالنعمة ولم يشكروا الله عليها

- ‌المبحث الرابع: تعظيم شعائر الله

- ‌ المطلب الأول: تحريم أكل ما فيه تعظيم لغير الله

- ‌ المطلب الثاني: تغليظ العقوبة لمن تعمد الوقوع في محارم الله

- ‌ المطلب الثالث: ذم عادات الجاهلية في اعتدائهم على الله وإشراك الأصنام معه في قسمة حروثهم وأنعامهم

- ‌المبحث الخامس: اجتناب مسالك الغواية

- ‌ المطلب الأول: اجتناب خطوات الشيطان

- ‌ تحريم ما أحل الله عز وجل

- ‌ الإيحاء بالمعصية والكفر في تحليل ما حرم الله

- ‌ تسمية المحرمات بغير اسمها تزيينا للنفس

- ‌ المطلب الثاني: اجتناب الفسق

- ‌ التحذير من أكل ما يورث الفسق:

- ‌ التحذير من مشابهة الفاسقين

- ‌المبحث الأول: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الثاني: أخذ الولي الفقير من مال اليتيم بالمعروف

- ‌المبحث الثاني: تحقيق العدل

- ‌ المطلب الثاني: تحقيق العدل في المداينات

- ‌ المطلب الثالث: العدل في الموازين والنهي عن التطفيف فيه

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بكتابة الدَّين

- ‌ المطلب الثالث: التخفيف على الأُجَراء والرحمة بهم

- ‌المبحث الرابع: الحذر من كتمان الشهادة

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ المال كحق للأمة بوجه عام

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق اليتيم والسفيه

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الكاتب والشهيد

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيم أحكامه

- ‌ المطلب الأول: الوصية بهذه الفرائض، وإضافتها للفظ الجلالة تعظيما لها واهتماما بها

- ‌ المطلب الثاني: بيان عجز العقول عن إدراك ما ينفع العباد ويصلحهم، وتسليم الحكم لله

- ‌ المطلب الثالث: الترغيب في إقامة حدود الله والترهيب من تضييعها

- ‌المبحث الثاني: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: قيام التوارث في بداية الأمر على الهجرة:

- ‌ المطلب الثاني: الأمر بإيتاء من حضر القسمة منها، من الأقرباء غير الورثة أو الضعفاء

- ‌المبحث الثالث: صلة الرحم

- ‌ توريث ذوي الأرحام

- ‌ التوريث بالنكاح والولاء

- ‌المبحث الرابع: تحقيق العدل بين الرجل والمرأة

- ‌ المطلب الأول: إبطال وإنكار عادات الجاهلية التي فيها ظلم للمرأة والصغير

- ‌ المطلب الثاني: ما فرضه الله من أن للذكر مثل حظ الأنثيين

- ‌المبحث الخامس: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الورثة:

- ‌ المطلب الثاني: حفظ حق الدائن:

- ‌ المطلب الثالث: حفظ حق الموصى له:

- ‌ المطلب الرابع: حفظ حق الميت:

- ‌المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيمها

- ‌ المطلب الأول: مشروعية افتراق الزوجين عند الخشية ألا يقيما حدود الله ولو بالافتداء

- ‌ المطلب الثاني: ثناء الله جل وعلا لمن يقيم حدوده، وذمه للمخالف والمعرض عنها

- ‌المبحث الثاني: بناء الأسرة الصالحة

- ‌ المطلب الأول: تحريم نكاح المشركات وإنكاح المشركين

- ‌ المطلب الثاني: اشتراط اختيار الزوج الصالح البعيد عن الفواحش والفجور رجلا كان أو امرأة

- ‌ المطلب الثالث: التضييق في نكاح الإماء

- ‌المبحث الثالث: التكاثر والتناسل

- ‌ المطلب الأول: التكاثر والتناسل عن طريق النكاح سنة الله في الكون

- ‌ المطلب الثاني: الرد على دعاة تحديد النسل

- ‌المبحث الرابع: الطمأنينة والسكن

- ‌ المطلب الأول: حصول المودة والرحمة بين الزوجين:

- ‌ المطلب الثاني: اطمئنان البيوت

- ‌ المطلب الثالث: الترويح عن النفس وتجديد الهمة

- ‌المبحث الخامس: التعامل بالمعروف

- ‌ المطلب الأول: المعاشرة بالمعروف:

- ‌ المطلب الثاني: التعامل بالمعروف في الطلاق

- ‌ المطلب الثالث: فعل المعروف في زمن العدة وبعد انقضائها

- ‌المبحث السادس: التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الأول: النكاح أصل النظام البشري في الاجتماع والترابط

- ‌ المطلب الثاني: النكاح مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي

- ‌ المطلب الثالث: قطع كل سبيل يفضي إلى التباغض بين الأقربين

- ‌المبحث السابع: حفظ الأعراض

- ‌ المطلب الأول: وجوب انتساب الذرية للآباء

- ‌ المطلب الثاني: تحريم نكاح المحارم

- ‌ المطلب الثالث: فرض العدة على المطلقة والمتوفى عنها زوجها

- ‌ المطلب الرابع: مشروعية اللعان

- ‌المبحث الثامن: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الأول: حفظ حق الزوج

- ‌ المطلب الثاني: حقوق الزوجة:

- ‌المبحث التاسع: حفظ العفة ومحاربة الرذيلة

- ‌ المطلب الأول: الاستعفاف لمن لا يستطيع النكاح

- ‌ المطلب الثاني: تعدد الزوجات وأثره في عفاف المجتمع

- ‌ المطلب الثالث: نهي المطلقة عن الخروج من بيتها وأثره في عفتها وعفة المجتمع

- ‌ المطلب الرابع: النهي عن إشاعة الفاحشة وعقوبة من يحب ذلك

- ‌المبحث الأول: إقامة شعائر الله

- ‌المبحث الثاني: حفظ الحقوق

- ‌ المطلب الثاني: تحريم ما يفسد العقل والبدن ويؤثر في صحتهما

- ‌المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة

- ‌الباب الثالث: التيسير ورفع الحرج على الفرد والمجتمع في آيات المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة

- ‌الفصل الأول التيسير ورفع الحرج في آيات المعاملات

- ‌المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه

- ‌المبحث الثاني: التيسير على الأمة فيما يصلح معيشتهم

- ‌ المطلب الأول: الامتنان على العباد بإباحة التكسب لهم على وجه العموم

- ‌ المطلب الثاني: إباحة صنوف المعاملات التي يحصل بها النفع والتيسير على الأمة

- ‌ المطلب الثالث: تنوع طبائع الناس في اختيارهم طرق كسبهم وسبل معاشهم

- ‌ المطلب الرابع: رفع الحرج والإثم عمن تاب من المعاملات المالية المحرمة

- ‌الفصل الثاني التيسير ورفع الحرج في آيات المواريث

- ‌ المطلب الأول: التيسير في أسلوب التبليغ

- ‌ المطلب الثاني: مشروعية الوصية للميت

- ‌ المطلب الثالث: النهي عن الضرر

- ‌الفصل الثالث التيسير ورفع الحرج في آيات النكاح

- ‌المبحث الأول: تيسير أمر النكاح

- ‌ المطلب الأول: تيسير مؤونة النكاح

- ‌ المطلب الثاني: رفع الحرج عن نكاح الأمة عند عدم القدرة على نكاح الحرة

- ‌ المطلب الثالث: رفع الحرج بالتعريض في خطبة من توفي عنها زوجها

- ‌المبحث الثاني: التيسير في إباحة الطلاق

- ‌ المطلب الأول: رفع الجناح عن الطلاق قبل البناء

- ‌ المطلب الثاني: رفع الجناح أن تختلع المرأة من زوجها عند الحاجة

- ‌ المطلب الثالث: إباحة اللعان رفعا للحرج عن الزوج

- ‌المبحث الثالث: التيسير في حل الخلافات والمشاكل الأسرية

- ‌ المطلب الأول: في الإيلاء

- ‌الفصل الرابع التيسير ورفع الحرج في آيات الأطعمة

- ‌المبحث الأول: التيسير في إباحة الطيبات

- ‌ المطلب الأول: عموم الإباحة وحصر المحرمات

- ‌ المطلب الثاني: التقرير بإباحة الطيبات على وجه الثبوت والدوام

- ‌المبحث الثاني: التيسير ورفع الحرج عن المضطر

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌ المطلب الأول: مراقبة الله تعالى في مال اليتيم

‌المبحث الثاني: مراقبة الله تعالى

المراقبة: استدامة علم العبد باطلاع الرب عليه في جميع أحواله،

(1)

وراقبَ اللّهَ تعالى في أَمرِهِ أَي خافَه.

(2)

ومن المراقبة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

(3)

والمراقبة من أسباب صلاح العبد واستقامته، وهي سياج للعبد أن يقع فيما حرم الله ونهى عنه، خصوصا حين تقوى دوافع الظلم والغش.

•‌

‌ المطلب الأول: مراقبة الله تعالى في مال اليتيم

فقد ذكّر الله عباده بمراقبته حين أمر بحفظ مال اليتيم ونهى عن التصرف فيه بما يعود عليه بالضرر فقال تعالى:

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)} إلى قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)} [النساء: 1 - 6].

(1)

التعريفات (1/ 266).

(2)

لسان العرب، ابن منظور (1/ 424)

(3)

أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، برقم (50) ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم (8).

ص: 46

فأخبر تعالى في بداية هذه الآيات أنه رقيب مطلع على أحوال العباد حال تصرفهم في أموال اليتامى إذ لا حامل على العدل في الأيتام إلا المراقبة، لأنه لا ناصر لهم، وقد يكونون من ذوي الأرحام.

(1)

فقد يتحايل الولي و يأخذ المال الجيد من مال اليتيم ويقوم بإعطائه المال الرديء بحجة الاستبدال، وقد يجمع مال اليتيم إلى ماله دون حاجة لذلك، ولم يعلم أن الله مطلع عليه عالم بنواياه ولذلك فقد أشار الله إلى اطلاعه وعلمه فقال:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}

(2)

[البقرة: 220].

وقد يتصرف الولي في مال اليتيم فينفق منه كيف شاء ويضعه في غير موضعه متعللا بإنفاقه على اليتيم قبل بلوغه، إذ لو بلغ اليتيم الحلم لما استطاع أن يتنعم الولي بالمال فنهى جل وعلا عن هذا التصرف، فقال:{وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} وأمر الغني بالتعفف، وأوصى الفقير أن يأخذ ما يكفيه بالمعروف فقال:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] وقد اختلف العلماء في قوله: (فليأكل بالمعروف) هل هو على سبيل القرض ويقضي إذا أيسر أم لا؟

فمن العلماء من قال أنه على سبيل القرض

(3)

، فعن علي بن أبي طلحة

(4)

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} .

(1)

نظم الدرر (2/ 208)

(2)

انظر: جامع البيان (7/ 527) ، تفسير القرآن العظيم (1/ 581)

(3)

وهو قول عبيدة السلماني ومجاهد وسعيد بن جبير، قالوا لأنه استباحه من مال غيره فلزمه قضاؤه كالمضطر إلى طعام غيره، انظر: المغني (6/ 344).

(4)

علي بن أبي طلحة واسمه سالم بن المخارق الهاشمي يكنى أبا الحسن أصله من الجزيرة وانتقل إلى حمص روى عن ابن عباس ولم يسمع منه بينهما مجاهد، وأبي الوداك جبر بن نوف وراشد بن سعد المقرئي، وروى عنه داود بن أبي هند ومعاوية بن صالح الحضرمي وسفيان الثوري قال أحمد بن حنبل:"كان في مصر صحيفة واحدة من التفسير قد رواها علي بن أبي طلحة، من رحل من طالبي التفسير لتحصيلها لا يعد كثيرا" ونقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح عنه عن بن عباس شيئا كثيرا في التراجم وغيرها ولكنه لا يسميه يقول قال ابن عباس أو يذكر عن ابن عباس، له عند مسلم حديث واحد في ذكر العزل قال عنه ابن حجر: صدوق مات سنة 143 هـ (تهذيب التهذيب 7/ 298)(طبقات المفسرين الأدنه وي 1/ 24)

ص: 47

يعني القرض.

(1)

، وعلى هذا القول يجب على الولي مراقبة الله تعالى في رد القرض، لأنه جل وعلا هو المطلع عليه في أخذه لمال اليتيم ورده له.

من العلماء من قال: لا يلزم الفقير العوض، وهو الصحيح

(2)

لأنه عوض عن عمله فلم يلزمه بدله، وعلى هذا فيجب على الولي الفقير أن يراقب الله تعالى في أخذ ما يكفيه بالمعروف.

فعن عمرو بن شعيب

(3)

عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم، قال: فقال: (كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل

(4)

)

(5)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: في قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ

(1)

جامع البيان (7/ 581) ، وسنده حسن، قال ابن حجر: وعلي صدوق لم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما يعتمدون هذه النسخة (العجاب 1/ 207) انظر: موسوعة التفسير الصحيح، أ. د. حكمت بشير (1/ 46).

(2)

وهو قول النخعي وعطاء بن أبي رباح وعكرمة والحسن البصري ورواية للإمام أحمد وقول للشافعي، وحجتهم أنه لو كان رد المال واجبا على الفقير إذا أيسر لكان واجبا عليه في الذمة قبل اليسار. انظر: المغني (6/ 344) ، تفسير القرآن العظيم (2/ 217).

(3)

عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص الإمام المحدث أبو إبراهيم فقيه أهل الطائف ومحدثهم حدث عن أبيه فأكثر، وعن سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء، وحدث عنه الزهري وقتادة وعطاء بن أبي رباح شيخه وعمرو بن دينار، قال الأثرم: سئل أبو عبد الله، عن عمرو بن شعيب، فقال: ربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شئ، وقال الدارقطني: لعمرو بن شعيب ثلاثة أجداد: الأدنى منهم محمد، والأوسط عبد الله والأعلى عمرو، وقد سمع شعيب من الأدنى محمد، ومحمد تابعي، وسمع جده عبد الله، فإذا بينه وكشف، فهو صحيح حينئذ، قال: ولم يترك حديثه أحد من الأئمة، ولم يسمع من جده عمرو بن العاص قال ابن حجر: صدوق من الخامسة مات سنة 118 هـ (السير 165 - 176) ، (تقريب التهذيب 1/ 423).

(4)

المتأثل: أي الجامع، انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 192).

(5)

أخرجه أبو داود، كتاب الوصايا، بَاب مَا جَاءَ فِي مَا لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَنَالَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، برقم (2872) ،والنسائي في كتاب الوصايا، باب مَا لِلْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا قَامَ عَلَيْهِ، برقم (3668). قال الألباني: حسن صحيح. انظر: صحيح سنن أبي داود (2/ 555) برقم (2496). انظر: موسوعة التفسير الصحيح (2/ 9).

ص: 48

فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] أنها نزلت في مال اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف.

(1)

.

وقد أمر الله - جل وعلا- الوليَّ بألا يتسرع في التخلص من مال اليتيم بدفعه إليه قبل أن يتحقق في اليتيم شرطان:

الأول: البلوغ.

والثاني: إيناس الرشد

(2)

.

فإذا لم يكن عند ولي اليتيم خوف من الله تعالى فإنه يرى في مال اليتيم فرصة وغنيمة يتعجل فيها المال

(3)

، ولذا فإن الله عز وجل كما أخبر في أول الآيات أنه مراقب لهم ومطلع عليهم ختم هذه الآيات بقوله:{وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)} [النساء: 6]

أي: وكفى بالله محاسبا وشهيدًا ورقيبا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام، وحال تسليمهم للأموال: هل هي كاملة موفرة، أو منقوصة مَبْخوسة مدخلة مروج حسابها مدلس أمورها؟ الله عالم بذلك كله.

(4)

لأنه لا ضمان لهذه الأموال إلا بوازع مراقبة الله تعالى والخوف منه، إذ لا يستطيع اليتيم أن يطالب بحقه وخصوصا إذا كان وليه ذا قرابة له.

وكما نهى الله عن ظلم اليتيم، فقد أمر الله بالإحسان إليه فقال:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152]

وذلك بالمحافظة على أموال اليتامى وتنميتها وتثميرها له بالتجارة في مواقع النظر والسداد التي يغلب على الظن فيها السلامة والتنمية، ويأمن عليها من الضياع والتلف

(5)

، وهذه

(1)

رواه البخاري، كتاب التفسير، باب:(الآية)، برقم:(4299) ،ومسلم في كتاب التفسير برقم (3019).

(2)

أضواء البيان (1/ 188).

(3)

انظر: تيسير الكريم الرحمن (ص 164).

(4)

تفسير القرآن العظيم (2/ 214).

(5)

انظر: العذب النمير، الشنقيطي (2/ 852).

ص: 49