الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: إقامة حدود الله وتعظيمها
إن من رحمة الله تعالى وفضله على الناس أن شرع لهم في دينهم ما هم محتاجون إليه ومفطورون عليه، ومن ذلك ما رغب الله به عباده من النكاح، فهي غريزة جعلها الله في بني البشر من لدن آدم عليه السلام.
وقد جاءت الآيات في كتاب الله مبينة لأحكام النكاح وحِكمه وما يجب فيه من الحقوق وما يلزمه من التبعات وموضحة لهم العلاج للمشكلات الزوجية وما يتعلق بها من طلاق وظهار وفسخ وإيلاء في أتم بيان وأوضحه بما يسعد الزوجين ويصلح المجتمع.
وبين جل وعلا أن هذه الأحكام ما شرعها وما أمر بها إلا لتقام بين الناس وتطبق في المجتمعات والشعوب.
وفي هذا المبحث سأعرض إلى المواضع القرآنية التي تبين أهمية القيام بحدود الله في النكاح وأبوابه:
•
المطلب الأول: مشروعية افتراق الزوجين عند الخشية ألا يقيما حدود الله ولو بالافتداء
.
قال جل وعلا: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229].
نهى الله عز وجل الزوج في هذه الآية أن يأخذ من مال زوجته شيئا مما أعطاها، مستنكرا ذلك بعد الإفضاء وأخذ الميثاق الغليظ من الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان كما قال تعالى في سورة النساء {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [النساء: 20 - 21].
ونهاه كذلك أن يضيق عليها ويضر بها حتى تفتدي منه بمالها فقال: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19]
كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن تطلب الطلاق من غير حاجة وعذر فقال: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)
(1)
.
ثم بعد هذا النهي استثنى تبارك وتعالى حالة يجوز فيها أن تفتدي المرأة نفسها بإعطاء الزوج ما آتاها من الصداق، وما الاستثناء بعد هذا النهي إلا لأمر عظيم يُخشى وقوعه وهو ما أخبر الله عنه بقوله:{إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} .
فإذا خشيت المرأة ألا تقيم حق الله في زوجها إما بكراهيتها الشديدة له التي لا تستطيع فيها أن تطيعه بل قد تعصيه، وتمتنع إذا دعاها لحاجته، وقد تسيء خلقها معه، فحينئذ لا يصلح أن تستمر هذه الأسرة وهي لا تقيم حدود الله التي أمرها بها، لأن الزوج إذا رأى من زوجته الإعراض والنشوز فهذا يدعوه إلى التقصير في حقها ومجازاتها بسوء فعلها ولهذا جاء التعبير في الآية بـ (يَخافا) ليدل على أن الخوف من القيام بحدود الله واقع من الزوجين.
فحينئذ أباح الله للزوجة أن تفتدي نفسها بأن ترد عليه ما أصدقها إياه.
(2)
ففي هذه الآية بيان أكيد لما في إقامة حدود الله من الأهمية وأنه لا حاجة لوجود أسرة بين المسلمين لا تقوم بحقوق الله، ولذلك فإن على أهل الحل والعقد من القضاة أو أقارب الزوجين أن يسعوا في هذا الخلع عند خوفهم من عدم القيام بحقوق الله.
وفي الآية إشارة إلى ذلك في قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}
فالخطاب في هذه الآية للحكام ومن يتوسط بين الناس في حل مشاكلهم أو الإصلاح فيما
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في الخلع برقم (2226) ، والترمذي في جامعه، كتاب الطلاق، باب المختلعات برقم (1187) ، وابن ماجة في السنن، كتاب الطلاق، باب كراهية الخلع للمرأة برقم (2055)، وأحمد في المسند برقم (22433) وقال الأرناؤوط في تعليقه: حديث صحيح ورجاله ثقات رجال الصحيح. وابن حبان في صحيحه، كتاب النكاح باب معاشر الزوجين برقم (4184)، والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي في كتاب الطلاق برقم (2809) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني (انظر: إرواء الغليل 7/ 100).
(2)
انظر: جامع البيان (4/ 552 ، 563) ، التفسير الكبير (6/ 110) ، الجامع لأحكام القرآن (4/ 74) ، البحر المحيط (2/ 314).