الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَدِمَ مَرّاكُشَ واستُعمِلَ على خِزانةِ الكُتُب بها، وكان فقيهًا راوِيةً ذا حظٍّ من الأدب وقَرْض الشِّعر، مُوسِرًا كثير الإحسان لقاصِديه، مِطْعامًا واسعَ المعروف، وهُو القاَئلُ في أبي عبد الله ابن الأبّار (1) [الكامل]:
لا تعجَبوا لمضَرّةٍ عَمَّتْ جميـ
…
ـع الخَلْق صادرةٍ عن الأبّارِ
أوَ ليسَ فَأْرًا خِلقةً وحقيقةً؟!
…
والفأرُ مجبولٌ على الإضرارِ
فقال ابنُ الأبّار [الكامل]:
قُلْ لإبن شَلْبُونٍ مَقالَ تَنَزُّهٍ:
…
غيري يُجاريكَ الهجاءَ فجارِ
إنّا اقتَسَمْنا خُطَّتَيْنا بينَنا
…
فحَمَلْتُ بِرَّةَ واحتَمَلتَ فِجاري
551 - عليُّ بن لُبِّ بن محمد بن حُسَين بن قُحَافةَ، بَلَنْسِيٌّ
.
552 - عليُّ بن لُبِّ بن محمد، بَلَنْسِيٌّ
.
وهُو غيرُ الذي قبلَه، وكانا حَيَّيْنِ سنةَ ثمانٍ وخمس مئة.
553 -
عليُّ (2) بن محمد بن أحمدَ بن حَرِيق المَخْزُوميُّ، بَلَنْسِيّ، أبو الحَسَن.
حدَّث عن أبي جعفرٍ الحَصّار، وأبوَيْ عبد الله: ابن حَمِيد وابن سَعادةَ، وأبي القاسِم ابن بَشْكُوال، وتأدَّب بأبي محمد بن يحيى الحَضْرَميّ.
(1) كتب حذاءه بهامش ح: "لو تركت نقل هجاء أهل العلم وغيرهم كان أجمل بك أيها الشيخ".
(2)
ترجمه التجيبي في زاد المسافر (64)، وابن الأبار في تحفة القادم (كما في المقتضب منه 12)، والتكملة (2826)، وابن سعيد في المغرب 2/ 218، ورايات المبرزين (86)، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 280، والذهبي في المستملح (699)، وتاريخ الإسلام 13/ 714، وسير أعلام النبلاء 22/ 295، والصفدي في الوافي 21/ 418، وابن شاكر في فوات الوفيات 3/ 64، والفيروزآبادي في البلغة 165، وابن قاضي شهبة في طبقات النحويين 2/ 179، والسيوطي في بغية الوعاة 2/ 182، وللدكتور محمد بن شريفة: ابن حريق البلنسي، حياته وآثاره.
رَوى عنه أبو القاسِم ابنُه وابنُ عَمِيرةَ (1)، وأبو الحَجّاج البَيّاسِيُّ، وأبو الحَسَن طاهرُ بن عليّ الشُّقْريّ، وآباءُ عبد الله: ابن أحمدَ ابن الطَّرَاوة وابن إبراهيمَ الكُتَاميُّ وابن عبد الله ابن الأبّار، وأبو العبّاس بنُ طلحةَ السّاعِديُّ، وأبو القاسم مُحيي الدِّين محمدُ بن محمد بن سُرَاقةَ، وأبو محمد بن بُرْطُلُّهْ.
وكان شاعرًا مُفْلِقاً مُجِيدًا سريعَ البديهة بارِعًا مَرْوِيًّا ومُرتَجلاً، كاتبًا بليغًا مُكثِرًا من نَظْم الكلام ونَثْرِه، حَسَنَ التصرُّف في فنونِه، لم يَشِنْ كلامَه قطُّ بتضمينِه ثَلْبَ أحدٍ ولا هَجْوَه، حافظًا لأيام العَرب وحديثِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم وأخبارِ الصَّحابة، ذاكرًا للُّغة، فَكِهَ المُحاضَرة حُلوَ النادرة، معَ وَقارٍ وتَؤُدة، فسيحَ المجال في الآداب، يُقِرُّ له بالتقدُّم فيها بُلَغاءُ عصرِه.
قَدِمَ مَرّاكُشَ وامتَدحَ أُمراءها، وكان مبرورًا عندَهم معروفَ المكانة مُقرَّبًا لديهم مَقْضيَّ ما يَعرِضُ له من المآربِ قِبَلَهم، وله أمداحٌ في الأمراءِ بالأندَلُس.
وشِعرُه كثيرٌ مدوَّن وقَفْتُ عليه في مجلَّديْنِ ضَخْمينِ، و"مُعَشَّراتٌ غَزَليّة" و"مقصورةٌ" عارَضَ بها ابنَ دُرَيْد و "أُرجوزةٌ بديعة" عارَضَ بها أبا الحَسَن بن سِيدةَ على حروفِ المعجَم في ما اسمُك يا أخا العَرب، ومقالتُه المُسَمّاة: بـ "الرِّسالةِ الفَريدة والأُملُوحةِ المُفيدة" ضمَّنَها أبياتَ "الجُمَل" موطِّئًا لكلِّ بيتٍ منها بما يَستدعي معناه حتى يُدرجَه أثناء كلامِه، لم يُتقدَّمْ إلى مثلِها، وقَفْتُ عليها بخطِّه وشَرْحِها؛ وشُهِرَ عنه تجنُّبُه النَّظْمَ في الخَبَبِ من أنواع العَروض، فقال له السيِّدُ أبو عِمرانَ بنُ أبي عبد الله بن أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن وقد حَضَرَ عندَه أوّلَ ساعاتِ الرَّوَاح إلى الجُمُعة (2) [المتدارك]:
خُذْ في الأشعارِ على الخَبَبِ
…
فنُكولُكَ عنهُ مِنَ العجَبِ
هذا وبَنو الآدابِ قَضَوْا
…
بعُلوِّ مكانِكَ في الأدبِ
(1) في م ط: "عمرة"، محرف.
(2)
انظر تحفة القادم: 45. ويبدو أن الموحدين كانوا يقترحون على الشعراء النظم على هذا البحر (وهو المتدارك)، ومن هذا اقتراح يعقوب بن المنصور على ابن حزمون، كما في المعجب (370).
فأتاه عقِبَ صلاة الجُمُعة من ذلك اليوم بقصيدةٍ فريدة تَنيفُ على [....](1) بيتًا، أوّلُها [المتدارك]:
أَبعَيْدَ الشيبِ هوًى وَصِبا
…
كلّا لا لهوَ ولا لَعِبَا
ووَقَفَ على قبرِ أبي بحرٍ صَفْوانَ بن إدريسَ فقال مُرتجِلًا [الوافر]:
أبا بحرٍ سلامُ الله يَتْرَى
…
عليكَ وإن تكنَّفَكَ الحِجَابُ
أَحُومُ على كَنِيِّكَ لست أرْوَى
…
وأقْرَعُ في سَميِّكَ لا أُجابُ
دَنَتْ بكَ شُقَّةٌ ونأَى مَحلُّ
…
فسِيّانِ انتزاحٌ واقترابُ
فحَسْبي أنْ أُرقرِقَ دمعَ عيني
…
وتُسعِدُني السَّحائبُ والصِّحابُ
ووقَفْتُ على قولِ الكاتبِ أبي عبد الله بن عَيّاش في ذمِّ بَلَنْسِيَةَ (2)[الطويل]:
بَلَنْسِيَةٌ بِينِي عن القلبِ سَلوةً
…
فإنكِ أرضٌ لا أحِنُّ لزَهْرِكِ
وكيف يُحبُّ المرءُ دارًا تقَسَّمتْ
…
على صَارِمَيْ جُوع وفتنةِ مُشرِكِ
فقال يُردُّ عليه، وهُو لُزومي (3) [الوافر]:
بَلَنْسِيَةٌ نهايةُ كلِّ حُسْنٍ
…
حديثٌ صَحَّ في شرقٍ وغربِ
فإن قالوا: محَلُّ غلاءِ سِعْرٍ
…
ومَسْقِطُ دِيمَتَيْ طَعنٍ وضَرْبِ
فقُلْ: هيَ جنَّةٌ حُفَّت رُبَاها
…
بمكروهَيْن: من جُوعٍ وحربِ
مولدُه ببَلَنْسِيَةَ في رَمَضانِ أحدٍ وخمسينَ وخمس مئة، وتوفِّي بها عِشاءً -وقيل:
بعدَ هَدءٍ- من ليلة الاثنينِ السابعةَ عشْرةَ من شعبانِ ثِنتَيْنِ وعشرينَ وست مئة،
(1) بياض في النسخ، وأورد ابن الأبار في تحفة القادم (46) جملة صالحة من هذه القصيدة.
(2)
البيتان في ياقوت "بلنسية" ونسبهما لإبن حريق، وفي زاد المسافر (الترجمة رقم 7).
(3)
الأبيات في ياقوت "بلنسية"، وزاد المسافر.