الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
631 -
عليُّ (1) بن محمد بن عليّ بن عبد العزيزِ بن جابِر بن أَوْس بن حَفْص ابن أوْس بن عَزِيز بن إسماعيلَ بن مَعْمَر بن حَسّان بن سَلَمةَ بن حُيَيٍّ أبي الصَّباح ابن يحيى ابن الجُبَيْر اليَمانيُّ، قُرطُبيٌّ، أبو الحَسَن، ابنُ حَفْص.
أكثَرَ عن أبيه، وعلى أصُولِه كان يعتمدُ في الإسماع، وأبي القاسم ابن بَشْكُوال، ولازَمَه. ورَوى سَماعًا وقراءةً على أبي عبد الله ابن المُناصِف، وأبي القاسم بن غالِب، وأبي محمد بن مُغِيث وأجازوا له. وسَمِعَ [96 و] على أبي الحَسَن بن عُقَابـ "الشِّهابَ"، ولقِيَ أبا إسحاقَ بن كوزانةَ، وأبا الأصبَغ بن أبي الخِصَال، وأبا بكر بنَ خَيْر، وأبا الحَسَن بن هِشَام اللُّورْقيّ، وأجازوا له؛ وأجاز له ممن لم يَلْقَ أبو الحَسَن نَجَبةُ.
رَوى عنه أبو جعفرٍ التُّسُوليُّ، وأبو عبد الله بن عليّ الغَرْناطيُّ الكاتب. وحدَّثنا عنه جماعةٌ من شيوخِنا، منهم: أبو الحَسَن الرُّعَيْني. وكان محدّثًا ضابطًا لِما يَنقُلُه ثقةً في ما يَرويه، زاهدًا وَرِعًا متقشِّفًا، مشكورَ الأحوالِ مشهورَ الفَضْل معروفًا بالصَّلاح والخَيْر ومَتَانةِ الدِّين والاقتداءِ بسَنِيِّ الآثارِ السُّنِّيّة (2).
632 - عليُّ بن محمد بن عليّ بن عبد الملِك الأنصاريُّ، شَرِيشيٌّ -فيما أحسِب -أبو الحَسَن، ابنُ البَلَنْسيّ
.
رَوى عن عبد الرّحمن بن عُمرَ بن حَفْص.
633 - عليُّ بن محمد بن عليّ بن عيسَى الحَجْريُّ، شَرِيشيٌّ
.
كان من أهل العلم، حيًّا سنةَ سبعَ عشْرةَ وست مئة.
634 - عليُّ بن محمد بن عليّ بن فُتُوح الأنصاريُّ
.
رَوى عن أبي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن واجِب، وتَلا عليه؛ وكان بارعَ الخَطّ مُتقِنًا مجوِّدًا لكتابِ الله تعالى، حسَنَ القيام عليه (3).
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (2806)، والرعيني في برنامجه (52).
(2)
هامش ح: "وجد خطه لبعض من أخذ عنه مؤرخًا منتصف شوال سبع عشرة وست مئة".
(3)
بهامش ح ترجمة مزيدة وهي: "علي بن محمد بن فرج القيسي الكاتب البارع مؤلف كتاب الفتح المبين في معرفة وجوب الجهاد في الدين".
635 -
عليُّ (1) بن محمد بن عليّ بن محمد بن خَرُوفٍ الحَضْرَميُّ، إشبِيليٌّ، أبو الحَسَن، الدُّريدنه.
تَلا بالسَّبع على أبي بكر بن صَافٍ، وأبي محمد قاسم ابن الزَّقّاق. ورَوى الحديثَ عن أبي بكر بن خَيْر، وابن زَرْقُون، وأبوَيْ عبد الله: ابن الرَّمّامة وابن المُجاهِدِ وتفَقَّه بهما، وأبي القاسم ابن بَشكُوال، وأبي محمد بن عُبَيد الله، وأبي مَرْوانَ بن قُزْمان. وأخَذ علمَ الكلام وأصُولَ الفقه عن العارِف أبي عبد الله الرُّعَيْنيِّ رُكْنِ الدِّين، وأبي الوليد بن رُشْد الأصغَر، والعربيّةَ والآدابَ عن أبي إسحاق بن مُلْكُون وأبي بكر بن طاهر ولزِمَه، وعليه أتقَنَ "الكتابَ" وعنُه لَقِنَ أغراضَه، وأبي سُليمانَ السَّعْديِّ، وأبي محمدٍ القاسم بن دَحْمان.
رَوى عنهُ آباءُ بكر: ابنُ عبد النُّور وابن فَحْلُونَ والقُرطُبيُّ، وآباءُ الحَسَن: الدَّبّاجُ والشارِّي وابنُ القَطّان، وأبو الحُسَين عُبَيدُ الله بن عاصم الدائريُّ، وأبو الخَطّاب بن خَليل، وأبو عبد الله الرُّنْديُّ المسلهم، وأبو العبّاس بن هارونَ، وأبو القاسم عبدُ الرّحمن بن محمد بن عبد الرّحمن المَصموديُّ ابنُ رَحْمُون [96 ظ] وأبو محمد بن قاسم الحَرّار، وحدَّثنا عنه من شيوخِنا أبو الحَسَن وأخوهُ أبو محمدٍ الرُّعَيْنِيّان، وأبو زكريّا ابن عَتِيق وأبو عليٍّ الماقريّ.
وكان مُقرِئًا مجوِّدًا حافظًا للقراءات، نَحْويًّا ماهرًا، عَدَديًّا فَرَضيًّا، عارِفًا بالكلام وأصُولِ الفقه، وقد صَنَّفَ في كلِّ ما يَنتحلُه من العلوم مصنَّفاتٍ مُفيدةً شرَّقَت وغرَّبَت، وتداوَلَ الناسُ انتساخَها رغبةً فيها وشهادةً بجَوْدتِها.
(1) ترجمه ياقوت في معجم الأدباء 5/ 1969، والقفطي في إنباه الرواة 4/ 186، وابن الأبار في التكملة (2805)، والرعيني في برنامجه (28)، وابن خلكان في وفيات الأعيان 3/ 335، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 259، والذهبي في المستملح (688)، وتاريخ الإسلام 13/ 220، وسير أعلام النبلاء 22/ 26، والصفدي في الوافي 22/ 89، واليافعي في مرآة الجنان 4/ 21، وابن كثير في البداية والنهاية 13/ 53، والزركشي في عقود الجمان، الورقة 225، وابن الفرات في تاريخه 5/ 1/ 144، والفيروزآبادي في البلغة 164، وغيرهم. وقد خلط بعضهم بين ابن خروف النحوي هذا وبين ابن خروف الشاعر الآتية ترجمته في هذا السفر (رقم 673).
وكان كثيرَ العناية بالرّدِّ على الناس، فرَدَّ على إمام الحَرَمَيْنِ أبي المعالي النَّيْسابوُريِّ في كتابِه:"الإرشادِ والبُرهان"، وعلى أبي الحُسَين ابن الطَّراوة في مقدِّماتِه على أبوابِ الكتاب، وعلى الأعلَم في "رسالتِه الرَّشِيدّية" وغيرِها، وعلى أبي محمد بن حَزْم في بعض مقالاتِه، وعلى أبي إسحاقَ بن مُلْكُونَ وأبي الوليد بن رُشْد وأبي القاسم السُّهَيْليّ في مسائلَ كثيرة، وعلى أبي جعفر بن مَضَاء، وعلى غيرِهم من أهل عصرِه.
وشَرَحَ "كتابَ سِيبَويْه" وسَمَّاه: "تنقيحَ الألباب في شَرْح غوامضِ الكتاب" و"جُمَلَ الزَّجّاجي"، وله مُصنَّفاتٌ في القراءاتِ مستجادة، وكان وقتَ طلبِ العلم مختصًّا بخدمةِ شيخِه رئيس النُّحاة أبي بكر بن طاهر، فيذكرُ أنه غاب على بعضِ كُتُبِه وهما حينَئذٍ بفاسَ فسُجِنَ من أجل ذلك، ولم يزلِ القاضي أبو محمد بن عُمر أبو القاضي أبي حَفْص يتَلطَّفُ في أمرِه حتّى سُرِّح، وأزال ما حَدَثَ بسببِ ذلك من الوَحْشة بينَه وبينَ شيخِه أبي بكر بن طاهر، وعاد إلى خدمتهِ والقراءةِ عليه كما كان.
وكان أبو الحَسَن، رحمه الله، صَرورةً لم يتزوَّجْ قَطُّ إلى أن توفِّي، وكان يقول: والله ما حلَلْتُ مِئْزَري قطُّ على حَلالٍ ولا حَرام، وكان مشهورًا بالصِّدق وطهارةِ الثَّوب والصِّيانة والعَفاف، متجوِّلًا عُمُرَه على البُلْدان، يُديرُ بضاعةً له كانت في تجارةٍ أكثرُها في إقامة أواني الخَشَب المخروطة، وأكثرَ ما كان يترَدَّدُ بينَ رُنْدةَ وإشبيلِتَةَ وسبْتةَ وفاسَ ومَرَّاكُشَ فمتى حَلَّ ببلدٍ شَرَعَ في إقامة ما يُقيمُ من ذلك إن كان بلدَ إقامة، أو بيعِه إن كان بلدَ بَيعْ ما أقامه بغيِره، وانتَصَبَ لتدريسِ ما كان لدَيْه من المعارفِ رَيْثَما يتمُّ غَرَضُه في البيع والإقامة، ويَستوفي الجُعْلَ على الإقراءِ من الطّلبة، [97 و] ولا يُسامحُ أحدًا في القراءةِ عليه إلا بجُعْل يُرتِّبُه عليه، ثم يرحَلُ، هكذا كان دَأْبُه. وكان وَقُورَ المجلس مَهيبًا. ورَفَعَ إلى الناصِر من بني عبد المُؤمن نُسخةً من "شَرْح كتابِ سيبوَيْه" بخطِّه في أربع مجلَّدات، فأثابَهُ عليه بأربعةِ آلاف درهم من دراهمِهم، وقد رأيتُ هذه النُّسخةَ وأخرى بخطِّه أيضًا.
وذَكَرَ لي بعضُ الرَّحّالِينَ أنه رأى بمدرسةِ الفاضل البَيْسانيِّ من القاهرة نُسخةً بخطِّ المصنِّف في مجلَّدٍ واحد، وقد انتَسخَ كثيرًا لنفسِه ولرؤساءِ عصرِه.
وقال شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْني (1): كان جامدًا على ما لَقِنَ (2) عن ابن طاهر، قليلَ التصرُّف بكيءَ العبارة، متسرِّعًا لإنكارِ ما لا يَعرِف. قال: وكانت بينَه وبينَ شيخِنا أبي عليّ الرُّنْديِّ رحمَهما الله مُناقَضاتٌ في مسائلَ من العربيّة أنشَقَه أبو عليٍّ فيها الخَرْدَل، فما قام معَه ولا قَعَد.
وقال لي شيخُنا أبو زكريّا بنُ عَتِيق: كان شديدَ الضَّجَر عند تتبُّع البحثِ معَه والمساءلةِ له، فعَهْدي به مرّاتٍ إذا ضويقَ في المجلس يأخُذُ قُرْقَيْهِ (3) ويقومُ من مجلسِه دونَ سَلام ولا كلام، ويتَخطَّى ما يقابلُه من الحلقة، ثم يُردُّ وجهَه إلى الطّلبة ويقولُ لهم: ما أراكم عَزَمتُم على إكمال قراءةِ "الكتاب" ما أخَذتُم أنفُسَكم بهذه المآخِذ، أو نحوَ هذا من القول، ثم ينصرف.
وأصابَه قبْلَ موتِه خَدَرٌ واختلاطُ عقل، أدَّى ذلك إلى أن ثَقِفَ القاضي بإشبيلِيَةَ حينَئذٍ أبو محمد بنُ حَوْطِ الله أو أبو حَفْص بن عُمر -وقيل: أبو مح مد عبدُ الحق، ولا يصحُّ- مالَه وحَجَرَ عليه، فقَصَدَه معترِضًا له ومتظاهِرًا بالسّلامة من الاختلال، واستطالَ عليه بلسانِه وأغلَظَ له في القول، فلم يسَعِ القاضيَ إلّا صَرْفُه مبرورًا، والاحتياطُ عليه رَعْيًا لشاختِه، ورحمةً له؛ وشُهرةِ مكانِه قبلُ من العلم والدِّين، قال أبو العبّاس بنُ هارون: رأيتُه في تلك الحال ماشيًا في أزِقّة إشبيلِيَةَ ذاهلًا حافيًا لا يَشعرُ بما هو فيه.
(1) برنامج الرعيني: 81.
(2)
في ح: "لقي"، وفي الحاشية:"لعله تلقى أو لقن".
(3)
قُرق -بضم القاف الأولى- لم ترد في اللسان، وهي من استعمال الأندلسيين، وقد أوردها دوزي في قاموس الملابس وقال: إنها تشبه ما نسميه "الصندل"، وذكرها في ملحق المعاجم ونقل من رياض النفوس:"فجلس في الموضع الذي تلقى فيه النعال والأقراق"، قلنا: والقَرّاق: صانعها، يرد في بعض التراجم الأندلسية والمغربية.
وتوفِّي بإشبيلِيَةَ في العَشْر الوُسَط من جُمادى الآخِرة، وقال ابنُ الأبّار: في صَفَرِ تسع وست مئة ابنَ ثمانينَ سنةً أو نحوِها.
636 -
عليُّ بن محمد بن عليّ بن محمد بن عبد الرّحمن بن [97 ظ] هَيْصَم الرُّعَيْنيُّ (1)، إشبِيليٌّ أبو الحَسَن، ابنُ الفَخّار، صَنْعة أبيه، والبَطْشي، وكان سَلَفُه فيها يُعرَفونَ ببني الحاجّ.
كتَبَ لي ذلك كلَّه بخطه إلّا شُهرتَه بابن الفَخّار، وأخبَرَني به غيرَ مرّة، وأنه أرادَه أبوه على تعلُّمِها فلم تُساعدْه دَرْيتُه عليها فصُرِفَ عنها، وذَكَرَ الراوِيةُ أبو القاسم ابنُ الطَّيْلَسان أنّ الحاجّ الذي يُنسَبُونَ إليه هو هَيْصمٌ المذكور.
تلا القرآنَ العظيمَ بالسّبع وبالإدغام الكبيرِ عن أبي عَمْرو بن العلاءِ على أبي بكرٍ القُرطُبيّ، وبقراءتَي الحَرَميَّيْنِ وبعضَه بقراءةِ أبي عَمْرٍو، على أبي بكر بن عبد النُّور، وأكثَرَ عنهما وأجازا له، وبقراءةِ وَرْش على أبي بكرٍ ابن الرَّمّاك ومؤدِّبِه أبي عليّ الزَّبّار، وقَرأَ عليهما غيرَ ذلك، ولم يَذكُرْ انهما أجازا له؛ وبها (2) على أبي العبّاس بن مُنذِر وأبي عِمْرانَ الجَزِيري، وسَمِعَ عليهما غيرَ ذلك، وذَكَرَ أنهما لم يُجيزا له، وأخَذ بينَ سَماع وقراءةٍ عن أبي إسحاقَ بن غالب، وآباءِ بكرٍ: السَّقَطيّ وابن طَلْحَة وابن قَسُّوم، ولازَمَهم، وابنِ العَرَبيّ الحاجِّ وابن الغَزّال الشَّرِيشيِّ وابن مُطرِّف، وأبوَيْ جعفر: الجَيّار وابن كوزانةَ، وآباءِ الحَسَن: البَلَوي وترَدَّدَ إليه كثيرًا، وابن جَبَلةَ وابن خَرُوف والدَّبّاجِ وسَهْل بن مالك وابن قُطْرَال، وأبوَي الحُسَين: ابن زَرْقُون ولزِمَه كثيرًا وتفقَّه به، وابن مُجَمَّل الصُّنْهاجيّ، وأبي زكريّا بن مَرْزوق، وأبي زَيْدٍ الفازازي واختَصَّ به طويلًا، وأبي سُليمانَ بن
(1) هذا هو أبو الحسن الرعيني (592 - 666 هـ) شيخ المؤلف وصاحب البرنامج المفيد الذي حققه صديقنا الأستاذ إبراهيم شبوح (دمشق 1962 م)، وهذا الحشد الذي أورده المؤلف من شيوخ الرعيني مستمد من البرنامج وفيه ما لم يرد في البرنامج أيضًا، وله ترجمة في صلة الصلة 4/الترجمة 146 وهي ترجمة مختصرة.
(2)
أي بقراءة ورش.
حَوْطِ الله، وآباءِ عبد الله: الأَغْماتي وابن خَلْفُون وابن مَرْج الكُحْل، وأبي عامرٍ يحيى بن رَبيع، وآباءِ العبّاس: ابن عبدِ المؤمن والعَزَفيّ وابن عبدِ البَرّ، ويقال فيه: أبو القاسم، والنَّبَاتي المالَقيِّ، وأبوَيْ عليّ: الرُّنْديِّ وابن الشَّلَوْبِين، وأخَذَ عنه "الكتابَ" وغيرَه، وأبي عُمرَ بن مَسْلَمةَ وأبي عَمْرو بن سالم، وأبوَي القاسم: ابن بَقِيّ والقاسم ابن الطَّيْلَسان، وانتَفعَ به كثيرًا، وأبي محمد عبد الكبير، ولزِمَه ستةَ أعوام في طريقةِ التوثيق وتفَقَّه به، وأجازوا له مُطلَقًا.
وقرَأَ على أبي بكرٍ اللارِديِّ وأبي جَعْفر بن مَسْلَمةَ، وأجازا (1) له ما قرَأَ عليهما خاصّة، وعلى أبوَيْ إسحاق: ابن حِصْن واختَصَّ به، وابن زَغْلَل ولزِمَه في [98 و] تعلُّم الفرائض، وأبوَيْ بكر: الخَدُوج (2) وابن المُرْخِي، وأبي جعفر بن فَرْقَد، وآباءِ الحَسَن: ابن بَقِيّ والشاري وابن عبد الله، وأبي الحَكَم ابن بَرَّجَانَ، وأبوَيْ عبد الله: الأَزْديِّ السَّبْتيّ وابن رَشِيق، وأبي محمد الشَّلطيشي ولزِمَه للتفقُّه به مُدّةً طويلة، ولم يُجيزوا له.
وصَحِبَ طويلًا أبا بكر بنَ هِشام، وأبوَيْ بكر: محمدَ بن أبي عامر بن حَجّاج ويحيى التُّطِيليَّ، وأبا جعفر بنَ سِمَاك، وأبا زكريّا ابنَ العَطّار، وأبوَيْ عبد الله: ابنَ دادُوش وابن المَوَّاق، وأبوَي القاسم: ابن الصَّوّاف المِصْريَّ وابنَ فَرْقَد، وأبا المتوكِّل الهَيْثم، وأبا موسى عيسى الذُّجِّيَّ، وانتَفَع بهم ولم يَذكُرْ أنهم أجازوا له.
ولقِيَ أبا إسحاقَ ابن سيِّد أبيه وأجازَ له السَّبعَ خاصّةً، وأبوَيْ بكر: عَتِيقَ ابن قَنْتَرال وابنَ مُحرِز، وأبا البَرَكات الفارِسيَّ وصحِبَه وآباءَ الحَسَن: ابنَ حَفْص والعَشّابَ وابنَ الفَخّار وصَحِبَه كثيرًا، وأبا الخَطّاب بنَ واجب، وأبا زكريّا بن عُصفُور التَّلِمْسينيَّ جها، وأبوَيْ عبد الله: ابن الخَطيب البِجَائيَّ وابن عَطِيّةَ المالَقيَّ، وأبوَي العبّاس: ابن الرُّوميّة والقَنْجَايري، وأبا عليّ بنَ سَمْعانَ وأبا عَمْرٍو محمدَ بن غِيَاث، وآباءَ محمد: ابن حَوْطِ الله والكَوّابَ وعبدَ الرّحمن
(1) في النسخ: "وأجازوا".
(2)
بالدال في الأصول وبالذال مضبوطًا في نسخ البرنامج.
الزُّهْريَّ، وأبوَي القاسم: عبدَ الرّحمن بن إسحاقَ المَزياتيَّ الفاسيَّ بها، وعامرَ بن هِشَام، والحاجَّ أبا يَخلُف حمَامةَ بن محمد بن عِمرانَ الزّمُوريَّ بها. ورأى أبا القاسم محمدَ بن عبد الواحِد المَلّاحيَّ بغَرْناطةَ ولم يتَعرَّفْ له، وأجازوا له.
وأجاز له ممّن لم يَذكُرْ لقاءه إيّاهم، وإن كان يَغلِبُ على الظنِّ أنه لقِيَهم أو أكثرَهم: أبو إسحاقَ ابنُ القُرطُبي، وأبَوا جعفر: ابنُ عليّ ابن الفَحّام وابنُ مَسْعود، وأبو الحَسَن القَسْطَليّ، وأبو زَيْدٍ القُمارِشيّ، وأبَوا عبد الله: ابنُ حَرِيرةَ وابنُ عِيَاض، وأبو عيسَى بن أبي السَّدَاد، وأبو محمدٍ الباهِليّ، وأبو المكارم قاصِدُ بن يَعمُر.
وكتَبَ إليه مُجيزًا ولم يَلْقَه من أهل الأندَلُس: أبو إسحاقَ الزَّوَاليّ، وأبو بكرٍ عبدُ الرّحمن بن دَحْمانَ، وآباءُ الحَسَن: ابنُ البَنّاد وثابتٌ الكَلَاعيُّ والشَّقُوريُّ وابن هِشَام الشَّرِيشيّ، وأبَوا الرَّبيع: ابنُ حَكِيم وابنُ سالم، وبَعَثَ إليه بجُملةٍ وافرة من مصنَّفاتِه، قال (1): وانتَفعتُ به رضيَ اللهُ [98 ظ] عنه وإن كان في شَرْق البلادِ وكنتُ في غَرْبِها، واستَفَدتُ منه على بُعد الدارِ ما لم أستفِدْه من سِواه على قُربِها؛ وآباءُ عبد الله: ابن سَعادةَ والشَّوّاشُ وابنُ صاحبِ الأحكام وابنُ صَلَتَانَ وابنُ عبد البَرّ وابن المُناصِف، وأبو العبّاس بنُ يَزيدَ العُكّاشِيّ، وأبو عِمرانَ السَّخّانُ، وأبَوا عَمْرٍو: ابن بَشِير وابن عَيْشُون، وأبو القاسم الطَّرَسُوني، وأبَوا محمد: عبدُ الصَّمد اللَّبسيّ وابن المَلِيح؛ ومن أهل تِلِمْسينَ: أبو عبد الله بن عبد الحقّ، ومن أهل القاهرةِ: كمالُ الدِّين أبو البَرَكات عبدُ القويّ بن أبي المَعالي عبد العزيز بن الحُسَين بن عبد الله بن أحمدَ التَّميميُّ السَّعْديُّ الصِّقِلِّيُّ الأصل ابنُ الجَبَّاب (2)، وخَطيبُها جمالُ الدِّين أبو الحَسَن عليُّ بن هبة الله بن سَلامةَ بن
(1) برنامج الرعيني: 67.
(2)
هكذا ضبط الاسم في ح وأصول البرنامج بالجيم وتشديد الباء، وقد ترجم العماد في الخريدة (1/ 189) وابن شاكر في الوفيات 1/ 587 لوالده عبد العزيز الشهير بالقاضي الجليس وكتب الاسم هنالك "الحباب" بالحاء المهملة، وهو غلط بيّن، فقد كان جدهم عبد الله يعرف بالجَبَّاب لجلوسه في سوق الجباب. وتنظر تكملة المنذري 3/الترجمة 2002، وسير أعلام النبلاء 22/ 244.
المُسَلَّم بن عليِّ بن هبة الله اللَّخْميُّ ابن الجُمَّيْزِي، وقاضي القُضاة بها زينُ الدِّين أبو الحَسَن عليُّ بن يوسُفَ بن عبد الله بن بُنْدارٍ الدِّمشقي، وحَيْدرُ بن محمودٍ الأنصاريُّ الشافعيُّ، وعبدُ القادر بن أبي عبد الله البغداديّ، وعبدُ القادر بن محمد ابن سَعِيد بن جَحْدَر الفارِسيُّ، ونَصْرُ بن محمد بن المُظفَّر بن أبي الفُنون (1) النَّحْويّ؛ ومن أهل مِصرَ: أبو الفَضْل أحمدُ بن أبي عبد الله محمد بن أبي المَعالي عبد العزيز ابنُ الجَبَّاب (2) ابنُ أخي أبي البَرَكات المذكور، وبُرهانُ الدِّين أبو محمدٍ عبدُ العزيز بن سَحْنُون بن عليّ الغُمَاريُّ الخالِدي (3)، وتَقيُّ الدِّين أبو الطاهِر إسماعيلُ بن ظافِر بن عبد الله العُقَيْليّ، وأبو [الوفاء](4) عَوَض بن محمودِ بن صَاف بن علي بن إسماعيلَ الحِمْريُّ البُوْشِيُّ، وأبو الحَسَن عليُّ بن عبد الصَّمد ابن محمد ابن الرَّمّاح، وأبو عبد الله محمد بن عُمرَ بن يوسُفَ الأنصاريُّ القُرطُبيّ؛ وذَكَرَ في شيوخِه الأندَلُسيِّين أبا محمد بنَ عَطِيّةَ المالَقيّ، وأبا مَرْوانَ بن سُليمانَ بن عيسى الأنصاريّ، ولم يُبيِّنْ كيف أخْذُهُ عنهما؛ وله شيوخٌ غير مَن ذُكِرَ، منهم: ابنُ عُفَيْر وأبو العبّاس ابنُ الرُّوميّة (5)[....](6).
ولمّا وَرَدَ أبو عبد الله بنُ عابِد الأندَلُسَ وتعرَّضَ فيها للتلبُّس بالكتابة عن بعض رؤسائها، خاطَبَه أبو عبد الله ابنُ الجَنّان برسالةٍ التزَمَ العينَ في كلماتِه جُمَع، وهي هذه [99 و] [الكامل]:
يا ظاعنًا عنَّا ظعَنْتَ بعِصمةٍ
…
ورجَعْتَ معتمِدًا بعزٍّ صاعدِ
(1) تنظر تكملة المنذري 3/الترجمة 2437، وتاريخ الإسلام 13/ 943.
(2)
في م ط: "الجياب"، مصحف.
(3)
الخالدي: سقط من م ط.
(4)
بياض في النسخ، ولم يرد في البرنامج، واستفدنا كنيته من ترجمته في تكملة المنذري 3/الترجمة 2649، وتاريخ الإسلام 14/ 117.
(5)
مر ذكره في شيوخه.
(6)
بياض في النسخ.
عَرِّجْ على رَبْعِ العلاءِ مُعَرِّسًا
…
بِمَعَانِ عزِّ المعتزي للعابدِ (1)
العالمِ الأعلى العميدِ لعصرِهِ الـ
…
ـمُعْلي لأعلامِ العلومِ العاقدِ
وعسَاكَ تُعِلُمُه بِعَقْدِ مُعَظِّمٍ
…
عنِّي وعهدِ مساعدٍ كالساعدِ
لتعودَ عنه برِفعةٍ فرِقاعُهُ
…
عندي لعَمْرُ عُلاهُ أعظمُ عائدِ
طالعتُكَ يا عمادي الأرفَع، وعِتَادي الأنفَع -علا كَعْبُك، وعزَّ شِعْبُك، وساعَدَك عَصْرُك، وتباعَدَ عنك عُصْرُك (2)، وارتَفَعتْ مصاعِدُك، وعَمَرتْ معاهدُك، وأعجَزتَ بدائعُك، وأعجَبتْ صنائعُك، وسَعِدَ مُعاشرُكَ ومَعاشرُك، وقَعَد مُعاليكَ عن مَعاليك- مطَّلعًا على اعتقادِ الاعتداد، ومُسمِعًا علياءَكَ التعريفَ بالاعتماد، ليتعاضَدَ المعقولُ بالمسموع، وتتعاقَدَ على رَعْي ودائعِ الضُّلوع، ويتَعبَّدَ للمطالعةِ مَهْيَع، ويَعذُبَ للمراجعةِ مَشْرَع، ولعَمْرُ يَراعتِكَ المُبتدَعة، وبَراعتِك المخترَعة، وطبعِك المَعِين، وانطباعِك المُعِين، وأسجاعِكَ المُرَصَّعة، وأشعارِك المُصَرَّعة (3)، لَعَمَرْتُ عَصْرًا يمنَعُني عن إعلامِكَ بالإعظام، إعظامُك عن الإعلام، ويَعُوقُني إيضاعُ البضاعة، ويُضِيعُني عَدَمُ الاستطاعة، ويُعيدُني عِيِّي عهدَ السَّمع والطاعة، وتُعوزُني العبارة، وتُعجِزُني الاستعارة، على رُقعةٍ أبعَثُها لبقاعِك، وأستعيضُ عنها بعضَ قِراعِك، فعُذْتُ بالعَيْن، عِيَاذَ المُعْدَم بالعَين (4)، فأَرْعَتْني سَمْعًا، وأعارَتْني سَجْعًا، ودَعَتْني لاتّباعِها، ووعَدَتْني باتّساعِ باعِها، فعجِبتُ لتَصَرُّعِها (5)، بعدَ تمنُّعِها، وتواضُعِها معَ ترفُّعِها، فعرَّفَتْني بإلماعِهَا، معنى اجتماعِها، وأعلمَتْني بطَوْعِها، لزعيمةِ نوعِها (6)، للمُمتنعةِ بترفيع المصاعِد، المتَّبِعةِ
(1) في النسخ: "عز المعتزيل العابد" والتصويب من هامش ح، قال:"أظنه: المعتزى للعابد"، ولم يقطع به.
(2)
عصرك: وقتك، ويعني بها وقت الأجل.
(3)
في النسخ: المسرعة، والتصريع في الشعر: جعل عروض البيت مثل ضربه.
(4)
العين: الذهب أو المال.
(5)
التصرع: كالتضرع، التذلل والاستخذاء.
(6)
في م ط: "نزعها".
لتعريفِ عددِ العابِد، فأعظَمْتُ موقعَها، ورفَعْتُ موضعَها، وعاينتُها مُهطِعةً لداعيها، متبرِّعةً بسعيدِ مَسَاعيها، فانعَمَرَتْ بجَمْعِها الشِّعاب، وأذعَنَتْ لعظَمتِها الصِّعاب، فعَبَّ عُبَابُها، وعَمَّ [99 ظ] إيعابُها، وأوسَعَتْ رَبْعي إمراعًا، وأقطعَتْني العِدَّ إقطاعا، وَرَعَتْ لمعتمِدِها انقطاعًا، فقَنَعْتُ ببعضِ عطائها المُمتِع، وأعفاني عَفْوُها عن التَّعبِ المُتَعْتِع، وجعَلْتُ عُجَالتي بعَلَمِها مُعْلَمة، وبالاعترافِ بعارفتِها مُعْلِمة، ولتشعُّب المعاني، وتصعُّبِها على المُعَاني، أعلنتُ بالقناعة، واعترَفْتُ عندَهنَّ بضعفِ البِضاعة، فعَذَلْنَ وعَذَرْن، وأعنَّ وأطَعْن، وتبِعْنَ واندفَعْن، وعَلِمْنَ المانعَ عن جميعِهنّ، فرَجَعْنَ بعد اصطناعِ معروفٍ أعرِفُه لصنيعهِنّ؛ فافعَلْ يا عقيدَ العوارف، وعميدَ المعارِف، فعلَهُنّ، عندَ اعتذاري بالعَجْز، وتواضَعْ لمُعظِّمِكَ تواضُعَ الأعزّ، فألمعيَّتُكَ تدعوكَ للإسعاف، ومَعْلاتُكَ تَعطِفُكَ على الضِّعاف، فعلّامةُ عُمان، وشاعرُ النُّعمان، والساعديُّ وأسجاعُه، والعِبَاديُّ (1) وإمتاعُه، والأصمعيُّ وسَماعُه، يعجِزونَ عن تنويع بديعِك وبديع تنويعِك، فعُذرًا لمنتجعٍ تضيَّعَ عُشْبُه، ومتَّبَعٍ تصدَّع شِعبُه، أطلَعَها عليك مُتلفِّعةً للعِيِّ عَباية، ومُستطلِعةً عندَك عناية، يدعو عهدَكَ ليجمَعَ شَعاعَه، ويُطلِعَ عليك شُعاعَه، وليَنعُمَ برُقعةٍ كالرَّقيع، وبديعةٍ كالضّريع، اعْتَزَتِ المَعْلواتُ لعادتِك، وهمَعَتْ عينُ سَعادتِك، وأعزَّك العزيزُ بطاعتِه، وعَصَمَ العلمَ بعِصمتِك عن إضاعتِه، بعزّتِه العظيمة، ونِعمتِه العميمة، وتعتمدُك عاطرةً تتضوَّعُ عَنْبرًا وعبيرًا، وتُعبِّرُ عن تعطُّشي لمَشارِعِك تعبيرًا.
فشاعَتْ هذه الرِّسالةُ بالأندَلُس، وتُنوقِلت شَرْقًا وغَرْبًا، وتُحدِّثَ بعَجْزِ أبي عبد الله بن عابِد عن مُراجعةِ أبي عبد الله ابن الجَنّان، فراجَعَهُ شيخُنا
(1) علّامة عمان: الإشارة غير واضحة وربما عنى ابن دريد لأنه نشأ بعمان ولا نراه العماني الراجز فإنه ليس من عُمان وإن نسب إليها، وشاعر النعمان هو النابغة؛ أما الساعدي فالنسبة فيه إلى بني ساعدة من الخزرج ولعله هنا يعني قس بن ساعدة واضطره لزوم العين إلى ذلك، وإلا فإن قس بن ساعدة إيادي النسب، وأما العبادي فقد يشير إلى عدي بن زيد العبادي الشاعر.
أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ رحمه الله عاتبًا، والتزَمَ من العَيْنِ في كلِّ كلمة ما التزَمَ أبو عبد الله ابنُ الجَنّان وزادَ التزامَ العينِ قبلَ رَوِيِّ الأبياتِ التي افتتحَ بها هذه المراجَعة، وهي هذه [الكامل]:
أعِدِ التعهُّدَ للعميدِ بعَطْفةٍ (1)
…
تَعْنِي (2) برَجْعةِ عهدِك المُتباعِدِ
وأعِدَّ سمعَك للعِتابِ أُعيدُهُ
…
لتعودَ للإعتابِ عَوْدَ مُساعدِ
أعَهِدْتَ عَقْدَ العزمِ عندي عاريًا
…
عن رَعْي عهدِ مُعاهدٍ وَمُواعدِ
[100 و] فعدَوْتَ عادَتَكَ العليَّةَ مَنْزعًا
…
وعَدَلْتَ عن عَضُدٍ عرفتَ (3) وساعدِ
وعَطَفْتَ عن عَمْدٍ عِنانَ عِنايةٍ
…
عنِّي فُعذْتُ بعزِّك المتصاعدِ
وتنعَّمتْ بعيونِ سَجْعِك أَعيُنٌ
…
نَعَّمتَها ومسامعٌ لأَباعدِ
عجبًا لساعٍ مُعمِلٍ لعنايةٍ
…
تَعدوهُ منفعةُ العناءِ لقاعدِ
يا عَلَمي المتَّبَع، وعارِضي المنتجَع (4)، ومعتمَدي المُطاعُ الممتنع، تعهَّدَتْكَ للنِّعَمِ هُمَّعُ عِهادِها (5)، ورعَتْك للعِصَم شُرَّعُ صِعادِها (6)، واعتنَى السَّعدُ بإعلائك، واعتَلَى العِلمُ باعتنائك، ورُفِعَتِ الأعيُنُ لزعامةِ إبداعِك، وعُمِدَت البَراعةُ بدِعامةِ اختراعِك، وسَعِدَ سعْيُك، ووَسِعَ المعارفَ وعيُك، وأمرَعَ رَبْعُك، وأمعَى طَبْعُك (7)، وصُرع عِداتُك؛ وصَعِدَتْ مَعْلُوّاتُك، وأُشْرِعَت للصعودِ مَهايعُك (8)، وأُترِعَت بالسُّعودِ مَشارعُك، يُطالعُك بأضْوعِ العَطِراتِ عَبَقًا،
(1) في م ط: "بقطعة".
(2)
تعني: تنبت.
(3)
في ح: "عرت"، وبين الراء والتاء خرم.
(4)
في م ط: "المستجع"، وكذلك في ح، إلا أن التصويب فوق الكلمة بخط دقيق.
(5)
العهاد: الدفعات من المطر، والهمع: الهاطلة.
(6)
الصعاد: الرماح.
(7)
أمعى: يقال في النخل إذا أرطب.
(8)
المهايع: جمع مهيع وهو الطريق.
وأسرَعِها لعُلاك عَنَقًا (1)، مُتابعُ تعظيمِك، ومُنتجِعُ تعليمِك، عليٌّ الرُّعَيْني، وبعدُ: فرُقعتُك الرفيعةُ عَنَّتْ فعَنَتِ العقولُ لروائعِها إذعانًا، ورَفَعتْ مَعالمَها إشعارًا بتعجيزِ مُتعاطيها وإذعانًا، واستَدعَتْ مُدَّعي مُعارضتِها ليُعملَ مُعارِضًا لبدائعِها إمعانًا، فكَعَّ إعياءً وإبداعًا (2)، واطّلعَ فارتَدعَ عَجْزًا وانقطاعًا، واستتبعتُه فعاذ بعِظَمِها ارتياعًا، وأسمَعْته فاستعادَ عجائبَها استماعًا، وأُولعَ بمُراجعتِها فتلعثَمَ (3) عِيًّا، ودَعَا دَعِيًّا، لتعالي مَطالعِها عن المطامِع (4)، وتعاصي منازعِها على المتنازع، وتدفُّعِها بالعُبَاب (5)، وترفُّعِها عن العَاب، وتلفُّعِها بعِنانِ الإعجاز، وتمنُّعِها بالاعتزاءِ للاعتزاز، وتعَلِّيها ليَفَاعٍ العالَم المتوسِّع، وتعرِّيها عن تنطُّع المتعالِم المتطبِّع (6)، اعتامَ عقودَها عَلَمٌ فرَع (7)، وصَنَعٌ (8) بَرَع، استعدَّ بمعانَة عِدِّه (9)، وأسعَدتْه إعانةُ العليِّ لعبدِه، فعَمَدَ لإعذابِ عيونِها، وعُني باستيعابِ عيونِها، وأعرَسَ لعَذَارها وعُونِها، واستجمَعَ لجَمْع أنواعِها، وتتبع عِيابَ متاعِها (10)، وقطعَ علائقَ اعتذارِها وامتناعِها، واستعرَضَ عقائلَ بزاعَتِها (11)، وعرَضَ أعلاقَ بضاعتِها، وابتَدعَ صناعتَها، [100 ظ] فنَعِمَ ونَعَّم، وأترَعَ وأفعَم، وفَرَّعَ وشَعَّب، فأعجَب، وألمَع، فأقنَع، ودَعاها فبَخَعت بالطاعة (12)، واستَعطاها فأعطَتْ وُسْعَ
(1) العنق: السير السريع.
(2)
الإبداع: كلال الراحلة وانقطاع صاحبها.
(3)
في جميع النسخ: "فتعلثم".
(4)
في م ط: "الطامع".
(5)
في النسخ: "وتدبعها بالعياب".
(6)
المتطبع: المتكلف ما ليس فى طبعه.
(7)
اعتام: اختار، علم: شبهه بالجبل، فرع: علا وارتفع.
(8)
الصنع: الحاذق.
(9)
معانة: غزارة، العد: البئر القديمة التي لا ينضب ماؤها.
(10)
العياب: الحقائب.
(11)
البزاعة: الملاحة وذكاء القلب.
(12)
بخعت: أقرت.
الاستطاعة، وأرعاها سَمْعَ عناية، وعَيْنَ رعاية، فعَدَتْها عوادي الإضاعة، وعنك يا رافعَ أعلام المعالي، والمُدافِع لليَراع عنِ العوالي، عبَرَ الاعتبار، ولعُلاكَ أُعيدَ المستعار، فعبَّادانُ وعُمان، والعراقُ والنُّعمان، والصَّريعُ والخَليعُ والبديع، والبُعَيْث والعُقَيْلي، والعَتّابيُّ والعُتْبي، والأعشَيانِ والأعمَيَان، والعَيْنانِ والعَلَمان (1)، والأعلامُ وبِقاعُهم، والعلماءُ وأسطاعُهم (2)، عندَك اجتماعُهم، وعليك انعقَدَ إجماعُهم؛ ولَعَمْرُ مُربْعِ عَلائك، ومُعَفِّرِ أعدائك، وطابع طِبَاعِك، على انطباعِك، ومُعَطِّر بقاعِك، بضَوْع رِقاعِك، لأعلى عَلَم عِلمِك، وأعرَفَ عن الألمعيّة عُقدةَ عَزْمِك، وأبدَعَ ألمعيّتَك، وأعذَبَ لَوْذَعيّتَك، وجعَلَ العِلْيةَ رَعْيَتَك، فعلا عصرٌ أُودِعْتَهُ على الأعصار، وتعدَّى المِعطالَ للمِعطار، وتمتَّعَ بالعَشِيَّةِ والعَرار (3)، واسترجَعَ عَرارًا بعد تعاقُبِ الأعمار، واستطَلَع لُمعَ الأسجاع وَبِدَعَ الأشعار، وتسرَّع عندَ سَماعُ مُصَرَّعها ومُرَصَّعها لخَلْعِ العِذار؛ وعجَبًا لِعَدْوِكَ مَنْزِعَك العَيْني، لفَرْعِ العابِد عن الرُّعَيْني، ورُعَيْنٌ أعَزُّ معارفِك، وأعرفُ بمعارِفِك، وأطوعُ
(1) بعض هذه الأسماء واضح الدلالة، فالصريع: هو مسلم بن الوليد صريع الغواني، والخليع: هو الحسين بن الضحاك، والبديع: هو بديع الزمان الهمذاني، والبعيث: الشاعر الأموي المجاشعي الذي دخل في المهاجاة بين جرير والفرزدق، والعتابي: هو عمرو بن كلثوم الشاعر المترسل (الأغاني 13/ 107 والفهرست: 181)، والعتبي: هو أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن معاوية وكان فصيحًا توفي سنة 228 هـ (الفهرست، 182 وطبقات ابن المعتز: 314) وهناك أبو النصر العتبي من شعراء اليتيمة. أما العقيلي فتدل على غير واحد ولعلها تعني هنا بشار بن برد لأنه كان عقيليًا بالولاء أو أبا الحسن العقيلي أو مزاحمًا العقيلي، وكذلك الأعشيان لأن العُشْوَ كُثر وأشهرهم أعشى قيس وأعشى هَمْدان، وكذلك الأعميان فهناك من بلغائهم -إذا عددنا العقيلي بشارًا- أبو العيناء وأبو العلاء المعري.
(2)
أسطاعهم: كذلك هي في النسخ، ولعل صوابها: وأسقاعهم، والسقع: لغة في الصقع وهي الناحية.
(3)
إشارة إلى قول الشاعر وهو الصمة القشيري:
تمتع من شميم عرار نجد
…
فما بعد العشية من عرار
أتباعِك، وأسرعُ لاتّباعِك، تدعوها فتسمع، وتستتبِعُها فتَتْبَع، ويَصعُبُ انتزاعُ العادة، وُيتْعِبُ عناءُ الإعادة، ومعَ تعرُّضي للمعارَضة فاعترافي يُعْرَف، واستعطافي يُتَعَرَّف، فأَوْسِعْني عُذرًا أتَطَلَّعُه، وادفَعْ عنّي ذُعرًا أتوقَّعُه، ودَعْني لأدَعَ الاضطلاع بالأعباء، وأرفَعَ العَصْبَ بالعَبَاء، وأتنطَّعَ بالعُجْمة عندَ العرَبِ العَرْباء، عَمَرْتَ وعواملُ سَعْدِك رافعة، وعوالمُ عَصْرِك لِعزِّك خاضعة، وعَصِيَّاتُ اليَراعاتِ لطاعتِك مُسارِعة، بمَعونةِ المُعين المُنعِم، ومعَاذ الأعطَر الأضوَع عليك يَعبِقُ فيَسطَعُ متضوِّعُه، ويهمَعُ فيَمرَعُ متَنَجِّعُه، ما هَجَعَتْ عَيْن، وهَمَعَتْ عَيْن، وسطَعَت عَيْن، بعزَّةِ العزيز.
فراجَعَه أبو عبد الله ابنُ الجَنّان على شَرْطِ التزام العَيْنِ في [101 و] كلِّ كلمةٍ أيضًا بقولهِ [الوافر]:
أتَعْتَبُني عماديَ عَمْدَ عَيْنِ
…
وعينُ العُذرِ تعرِفُهُ كعَيْني (1)
وعَهْدي عَهْدُ مُعتقِدٍ عَليمٍ
…
بمعتزِّ اعتزائِكَ في رُعَينِ
وعَجْزي مُعلِنٌ بالعُذْرِ عنّي
…
فدَعْ عَتْبي أيا سَمْعي وعَيْني
وعوِّدْني التعهُّدَ باعتناءٍ
…
وعَوِّذْ عَهدَنا عن لَقْعِ عَيْنِ (2)
وضَعْ لِلعَدْلِ مِعيارَ اعتدالٍ
…
عظيمٍ مُعتَلٍ عن عَيْبِ عَيْنِ (3)
أأعمَدُ للبديعِ بديعِ عصري
…
بعينِ العِيِّ عَنَّتْ بالمعَيْنِ
وعندي عَقْدُ إعظامٍ وعلمٍ
…
بعُلياهُ لعَمْدي مانعَيْنِ
وضَعْفي عاقَني عن بعثِ عَينٍ
…
تُعَوِّضُها بعِقْيانٍ وعَيْنِ (4)
(1) عمد عين: عمدًا صريحًا، عين العذر: حقيقته وشخصه.
(2)
لقع العين: الإصابة بالعين.
(3)
سقط البيت من م، العين في الميزان: الميل إلى إحدى الناحيتين.
(4)
العين: الطليعة ويعني به هنا الرسول، والعين: الذهب عامة أو المال الناض الحاضر.
فعُدْتَ عليَّ معتمَدي بصُنع
…
لتصنَعَني على رَعْيٍ وعَيْنِ (1)
وَتُمرعَ عَرْصَتي عن بُعْدِ عَهدٍ
…
بعهدٍ هامعٍ عن عَين عَيْنِ (2)
وتُبدعَ للمعالي مُعجِزاتٍ
…
فتُطلعَ للعيونِ شُعاعَ عَيْنِ (3)
فيا عَلَمًا لأعلامٍ عِظامٍ
…
علا بالعِلم أعلى المَطلَعَيْنِ
ويا عينًا يُعرِّفُنا رُعَينًا
…
بعزِّ العزمِ عندَ المَجْمَعَيْنِ
ويا مُعتامَ صَنْعتِه اختراعًا
…
عجيبَ النوعِ معتامًا لعَيْنِ (4)
سأتبَعُ شَرْعَكَ الأعلى اتّباعًا
…
وأشرَعُ عند عَذْبِ المَشْرَعَيْنِ
وأُطلعُ للعيونِ على شِعابٍ
…
ببَعْثِ طليعةٍ وببعثِ عَيْنِ (5)
وأدعو عُرْبَها شَعْبًا فشَعبًا
…
لأجمعَ جَمعَ عينٍ للرُّعَيْنيْ
وأَرجعَ شِيعةً لعُلا عَليٍّ
…
وأنزِعَ بانتزاعي مَنزِعَيْنِ
وعندي بعدَ عودتيَ اعترافٌ
…
ومعذِرةٌ تُعادُ لذي رُعَيْنَ
وبعضُ الشعرِ عن عينٍ عَرِيٌّ
…
فعُدَّ الموضِعَيْنِ بموضِعَيْنِ (6)
يا عُمدتي وعَصَري، وعُدَّتي لِعُصُري، ومَشرَعي ومُشرِعِي، وعَضدي وعذبي -نعُمْتَ عينًا بمُتتابع النَّعماء، وعَلَوْتَ يفاعَ العِزّةِ القَعْساء، وهمَعَتْ مرابيعُك، ونبَعَت ينابيعُك، وتطلَّع صديعُك، وانطبَعَ بديعُك، وساعَدَك الإسعافُ وساعفَك الإسعاد، ورجَعَ لتعليمِك المستعارُ والمستعاد، وارتفَع بإصعادِك العلاءُ
(1) صنعه على عينه: أي بإشفاق أو من حيث يراه.
(2)
العين: السحاب.
(3)
العين: الشمس أو شعاعها.
(4)
العين: حقيقة الشيء.
(5)
العين: الطليعة أو الديدبان.
(6)
في القصيدة موضعان لم ترد فيهما العين وهما "في" في البيت الثاني و"لذي" في البيت التاسع عشر.
وعلا برِفعتِك الإصعاد [101 ظ] وأُعمِلتْ لربوعِكَ العِيس، واسْتُعْذِبَ بعَقْوتِك التعريس -أعلِمْني: أبصنعاءَ معالمُكَ وبِقاعُك؟ فبصنعتِها أُعْلِمَتْ ووُشِّعَتْ رِقاعُك، وعرِّفني: أرَجَعَتْ طوالعُ السَّجْعِ، وعادتِ الشِّعرى، مطبوعةً شِعرًا، ورَفَعَتْ بِرْقِعُ بُرْقُعَها (1)، وأطلَعْت برُقعتِك طِلْعَها (2)، فصَدَعت بمُعجزتِك الساطعة صَدْعًا، وقَطَعت عن مُعارضتِها الدَّعاوى المعترضةَ قطعًا، فعاينّا عُقْلةَ العَجْلان، وأُعجوبةَ السَّماع والعِيَان، واعتَقَلتْ عقولَنا عَقِيلتُكَ العلياء، وعربيّتُك العَرُوبُ العَيْناء، فعارَضَتْ واعتَرضَتْ، وعنَّت فعنَّتَتْ، وعنَّت وأتعَبَتِ المُعانيَ للمَعاني، وقَطَعت المتعاطيَ عن التّعاطي، فيا لَمعجمةٍ معجِبة، ومُطيعةٍ مَنِعة، فَوَ إعجازِ بَراعتِك الناصعة، وإعجابِ يَراعتِك الصانعة، لَعرَّضَتْني للعَناء، مُعرِّضةٌ بالاعتناء، عند استدعائها لبضاعتي، وتعنيفِها على إضاعتي، فاتّسع المقطوعُ على الراقع، وأوجَعَ وقْعُ العتابِ الواقع، وأعَدْتُ والإعادةُ مشروعةٌ للمضيِّع، وتصنَّعتُ والعادةُ اصطناعُ المتصنِّع، والعَيْنُ معَ نعتِها بالمُعانة، وبعثِها لبعوثِ الإعانة، تُعْوزُ عند التضرُّع لمُطالعتِك، ويُزعزِعُها الرُّعبُ عن مراجعتِك، وبعدَ معاناةٍ عمَدْتُ للعابِدي (3)، وتشجَّعتُ تَشَجُّعَ عامرٍ العامِري (4)، وعدولُها عنك تَعلمُ معناه، فاعذُرْ متعَب عَتْبِك ومُعَنَّاه، فو معشوقِ الدَّعج ومعسولِ اللَّعَس، وانصداع الصَّديع عن عابثٍ للشعورِ عَسْعَس (5)، وعَفْقةِ العِذار (6)، وعَطْفة الاعتذار، ومُراعاةِ عهودِ العلاقة والاعتلاق، وانعطافِ الفروع الناعمةِ للتنعُّم بالاعتلاق، نعَمْ، والعيشِ ونعيمِه، والسَّعدِ المُساعدِ بعظيمِه وعميمِه،
(1) برقع: السماء، وقال أبو علي الفارسي: هي السماء السابعة، لا ينصرف.
(2)
الطلع: كل مطمئن في كل ربو إذا اطلعتَ رأيت ما فيه.
(3)
يعني أبا عبد الله ابن عابد الذي توجهت إليه الرسالة.
(4)
لعل المشار إليه هو عامر بن الطفيل العامري.
(5)
الصديع: الفجر ويعني به هنا الشيب، عسعس: أقبل بظلامه.
(6)
عفقة العذار: عطفه.
والمَرْبَعِ المَريع (1) المَنيع، والرَّبْعيِّ (2) المرصِّع للرَّبيع، ومعاطاةِ المُعاطي العاطر، ومُطاوعةِ المعاصي المعاصر، والمعالنةِ برائع شعارِك، والمعاينةِ لبدائع أشعارِك، واللوامع والهوامع، والشعائرِ والشّرائع -لَرُعْتَنَا (3) بمُخترَعاتِك، وخَرَعْتَنَا بمُبتَدَعاتِك (4)، وامتَنَعتْ عنّا عينيَّتُكَ امتناعَ رُعَيْن، وعَزَّت بِدَعُها باستتباعِها عن التُّبَّعَيْن، فاستَصْعَبَت على المُصعَبيّ (5)، واعتزَلَتْ عن المُعتزليّ، وطوَّعتِ المُطَّوِّعيّ (6)، وعَقَلت العُقَيْلي، وعَرَتْ عن [102 و] مُعارفةِ المَعَرِّيّ، واستَعْبَدت عَبْدانَ والعبدَكاني (7)، وَعَدتْ عن تعاليها العَلَويَّ والعُثماني (8)، وبَعَّدت عن تعاطيها العَنْبريَّ والزَّعفَرانيّ (9) وأعوَزَت بعَدَم نوعِها عَمْرًا والثعالبيّ (10)، وعَمَدت لوَضْع عمادِ العماد (11)، وعَزَتْ إسماعيلَ المُعتزِيَ لعبَّاد (12)، ولفَعَتِ العَجَّاج، بالنَّقْعِ والعَجَاج، وأعيَتْ على السَّعديِّ وساعِدَة (13)،
(1) المريع: المخصب.
(2)
الربعي: أول ما يظهر من زهر في الربيع.
(3)
غير واضحة في النسخ.
(4)
خرعتنا: رميتنا بالخُراع وهو الجنون.
(5)
لا نقطع جازمين بالذي يعنيه هنا، ولعله أبو الطيب المصعبي من شعراء اليتيمة (4/ 79).
(6)
المطوعي: يعرف بهذه النسبة أبو حفص عمر بن علي المطوعي من شعراء اليتيمة والدمية.
(7)
عبدان: في شعراء اليتيمة من اسمه عبدان الأصفهاني الخوزي فلعله هو المقصود، أما العبدكاني فلعله ابن عبد كان كاتب الدولة الطولونية.
(8)
النسبتان عير محدودتي الدلالة، فالعلوي: ابن طباطبا أو الشريف الرضي أو المرتضى وكثير غير هؤلاء، والعثماني كذلك في التعميم.
(9)
الإلماع بين للجمع بين النسبتين، ولكن غموض الدلالة أيضًا وارد في المقام، وهناك عون بن علي العنبري من مداح سابور بن أردشير، وأبو القاسم الزعفراني من مداح الصاحب بن عباد.
(10)
عمرو بن بحر الجاحظ أو عمرو بن مسعدة، والثعالبي صاحب اليتيمة.
(11)
العماد الأصفهاني كاتب صلاح الدين الأيوبي.
(12)
يعني إسماعيل الصاحب بن عباد.
(13)
السعدي، لا نراه يعني ابن نباتة هنا وإنما المخبل السعدي لأنه جمعه مع ساعدة، وهو ابن جؤية الشاعر الهذلي.
وأضعَفَتْ عضُدَ الجَعْديِّ وساعدَه، وفَرَّعت بالعراق جَمْعَ الشّعراء، ورفعَتْك على العُظَماء، وعظَّمتْك عند العلماء، وأشعَرَتْ بعجيبِ مَنازِعِك، وشَرعتْ تعنيفَ مُنازعِك؛ فبعيدٌ على الشاسع عن الصّنعة المتباعِد، الراجع عن النُّجعةِ بعُرْقوبِيِّ المواعِد، شروعٌ بشرائعِك العَذْبة، وتشرُّعٌ بشرائعِك الصَّعبة، أيُعادَلُ المستضعَفُ بالمستطيع، ويُعدُّ المستعصي كالمُطيع، ويُجعَلُ العُصفورُ كالعُقَاب، والعَيْر كأعوَجِيِّ العراب؟ فاربَعْ على الأتباع، يا قاطعَهم عن الاتّباع، باتّساع الباع، وإمعانِ المَلعانِ (1) والإسراع، فبتواضُعِك ترفَعُنا، وبموضوعاتِك تنفَعُنا، وبعُراك اعتلاقُنا، ولعُراك إعناقُنا، ومعارفُك أعرفُ المعارف، وعلوُّ علومِك مُعْتَقَدُ الظاعنِ والعاكف، ونَبْعَتُكَ ممتنعٌ عُودُها عن العَجْم، ورِفعتُك عالٍ عمودُها عند العَرَب والعُجْم، فرَعْتَ الأعلامَ فرُعْتَ العوالم، وتعبَّدتَ المعاليَ فعبَّدْتَ المعالم، وطُبعتَ على طِباع الانطباع، وطَبَعتَ عَسْجدَ الصناعة عُقودًا لأعناقٍ وَرُعْثًا (2) لأَسماع، وأعطاك عُطارِدٌ مستطاعَه (3)، ودَعَاهُ داعيكَ فأطاعَه، فأطلعتَها كاعبًا لَعُوبًا، وعَروسًا لَعُوبًا (4)، عراقيّةَ الطبائع، مُعْرِقةَ البدائع، عَنَتِ العيونُ لطلعتِها، وتتلَّعتِ الأعناقُ لتلعتِها. وبَعْدَ عِلْمِنا بتبرُّع براعتِك بإطلاعِها، وترجيع العُبَيْديِّ والعوديِّ معبَدَ سَماعِها، اعتمدَتْنا عَيْنُها الثُّعليّة (5)، وأسعدَتنْا بمُعاينتِها عنايتُك العَلِيّة، فعميدُنا العَمِيريُّ، ورفيعُنا النُّعماني، وبديعُنا العُشْبِيّ (6)،
(1) الملعان: الإسراع في السير.
(2)
الرعث: جمع رعاث وهو ما تقرط به الأذن.
(3)
من خصائص عطارد عندهم في البنية حسن القامة وحسن النطق، وفي الأخلاق الذكاء والفطنة والحكمة والسكينة والوقار والعطف والرأفة والثبات في كل أمر ورعاية الحق
…
إلخ.
(4)
كذا، ولعلها: عروبا.
(5)
المنسوبة إلى بني ثعل وهم مضرب المثل في الرماية.
(6)
هؤلاء من أدباء الأندلس المعاصرين حينئذ لإبن الجنان؛ فالعميري: هو أبو المطرف بن عميرة، والنعماني: لعله عمر بن عيسى بن النعمان وبينه وبين أبي المطرف مراسلة، والعشبي: يشير إلى غير واحد من المشتغلين بالأعشاب أو علم النبات وأشهرهم ابن الرومية.
وجميع العِلْيةِ البَرَعة، المعروفينَ بالمعارف المتَّسعة، استَعظَموا روائعَ عُجابِها، واستَعْطَوْا بضائعَ عيابِها، واستعطَروا نوعَها (1)، واستبدَعوا نوعَها، واعادوا [102 ظ] مستعذَبها، واستعذَبوا مُعَادَها، ودَعَوْا للاستعلام عنك يا عَلمَ الأعلام سُعادَها، وعَيَّنوا علَيَّ الإعادةَ شرعًا، وجَعَلوني أُتبعُ عِيْصَها فرْعًا، فاتّبعْتُ الجماعة، وعشَوْتُ بلُمَع الإلماعة، معَ علمي بصعوبةِ مَسْعاي، وبُعدِ السَّعدانِ عن مَرْعاي (2)، فجمَعْتُ جَزْعَها، وجزَعْتُ على جزع جِزْعَها (3)، وعرضتُها لأعرِضَها على العارِف بعيوبِ السِّلعة، وأُعطيَها مُعطَى العائد بالشُّفعة، فارفَعْ عندَ العِثار بضَبْعِها (4)، وشفِّعْ شفيعَ الاعتذارِ بتعذُّر (5) شفعِها، وارْعَ عهدَ اعتقادي، وعقدَ اعتمادي، فعندي لبِعادِك التعاجُ لوعة، واعتلاجُ روعة، وضَراعتي للعليِّ العظيم، السّميع العليم، عساه يجمع المصدوع، وينقَعُ الضلوع، ويُطْلِعُ علَيّ أعلاقَك وعقائلَك، ويمنَعُ بمعتَقَلاتِك معاقلَك، ويرفَعُ قواعدَك، ويُعلي مصانعَك ومصاعدَك، وُيمتعُ بمعاقدِ العزِّ معاقدَك، وُيمرعُ بالسعودِ مرابعَك ومعاهدَك، بعزّتِه وعظَمتهِ، وعليكَ يا مُعلّمي وعَلَمي عَبْقَةٌ متضوِّعةُ العَرف، معروفةُ الإعادة مُعادةُ العُرْف، تُعْلِمُكَ بتعظيم المعتمِدِ على علائك، المعتدِّ باعتنائك.
فأجابَه شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ رحمه الله على شَرْط التزام العَيْن في كلِّ كلمةٍ أيضًا [الوافر]:
عُلاكَ عَلَتْ عُلُوَّ الشِّعرَيَيْنِ
…
مصاعِدةً لأعلى المَطَلعَيْنِ
وأربعةُ السعودِ عَنَتْ لسعدٍ
…
عَدَتْك برَعْيِهِ لَقَعاتُ عَيْنِ
(1) نوعها: تمايل الريح بها.
(2)
السعدان: من المراعي الطيبة وفي المثل: "مرعى ولا كالسعدان".
(3)
الجزع: ضرب من الخرز ويعني به عبارات الرسالة، والجزع: مصدر بمعنى القطع للوادي، والجزع -بالكسر- منعطف الوادي أو ما اتسع من مضايقه.
(4)
أعنها على النهوض، والضبع: وسط العضد.
(5)
بتعذر: سقطت من م ط.
ومعهَدُك العليُّ تعهَّدتْه
…
بهامعِها عهودُ عِهادِ عَيْنِ
أعادَ على العلا عَصْرَيْ سعودٍ
…
برَيْعانِ المعارفِ مُمرَعَيْنِ
عُنِيتَ بمنزِعَيْ عملٍ وعلمٍ
…
عنايةَ مولَعٍ بالمَنْزِعَيْنِ
تساعدُك المَعَانةَ باعتمادٍ
…
على طبعٍ وصُنعٍ طيِّعَيْنِ
وتُعطيك المعاني والمعالي
…
عِنانَيْ طائعينِ متابِعَيْنِ
فتخترعُ البدائعَ بارعاتٍ
…
لمبدعَي البديع الأبرَعَيْنِ
وتَعتامُ العجائبَ مُطلِعاتٍ
…
سواطَعها على سَمْعٍ وعَيْنِ
وتعتمدُ العقولَ بمُعجِزاتٍ
…
أشعّتُها تَروعُ السَّاطِعَينِ
[103 و] أطاعَك بارعًا شعرٌ وسَجْعٌ
…
لطَوْعِك سارَعَا متبرِّعَيْنِ
أمُطلِعَها عليَّ رقاعَ علمٍ
…
تطالعُ بالعيونِ عِيَانَ عَيْنِ
ومُسمِعَها براعةَ مستعدٍّ
…
بأبرعَ مُستعادِ المِسْمَعَيْنِ
ومودعَها بضاعةَ ألمعيٍّ
…
قريعِ عزازةٍ قعساءَ عَيْنِ
مُعَنْونة على عِكْمَيْ بديع
…
بأعلاقِ المعارفِ مُتْرَعَيْنِ
ومعتمَدي بعارفةِ اعتناءٍ
…
عرَفتُ لعَرفِها عِرفانَ عَيْنِ
كرَعْتُ بِعِدِّها فنَعُمتُ عيشًا
…
كعطشانٍ تَطَعّمَ عَذْبَ عَيْنِ
أَعِرْ سمعًا لعُذرِ العجزِ عنها
…
فتصنعَ باعتبارٍ مَصنَعَيْنِ (1)
وللأعذارِ منفعةٌ وعُذْرٌ
…
تُعُرِّفَ، عاقَ عَمْرًا عن رُعَيْنِ (2)
(1) المصنع: الشيء المستملح.
(2)
لعله يشير إلى قصة عمرو بن أسعد أحد التبابعة، وخاله ذي رعين، وكان عمرو قتل أخاه حسانًا ونهاه ذو رعين عن ذلك، ثم ندم على قتل أخيه وأصابه أرق فقيل له: لا يزول عنك إلا إذا قتلت كل من أشار عليك بقتل أخيك، فجمعهم وفيهم ذو رعين، فذكَّره ذو رعين ما كان من نهيه له عن قتل أخيه، وبذلك نجا من القتل.
وعندي لاعترافي واعتلاقي
…
شفاعةُ شافعَيْنِ مُشَفَّعَيْنِ
وتجمَعُنا الشعوبُ وعقدُ عهدٍ
…
مُريعِ الربعِ فارْعَ الجامعَيْنِ
وثعلبةٌ ليَعرُبَ مُعتزاهُ
…
ويَعرُبُ معتزًى للتُّبَّعَيْنِ
عَمَرتَ مُعَرَّفًا دعةً وعزًّا
…
وعِشتَ بنعمةٍ ونَعَامِ عَيْنِ
علاؤُكَ مَشعَرُ إعظامي، ومَفْزَعُ اعتصامي، وعمدةُ اعتمالي، وصَعْدَةُ اعتقالي، وعزوةُ اعتمادي، وعُروةُ اعتدادي، ومَهْيَعُ إشراعي، ومَرْبَعُ نزاعي، وعهدةُ اعتلاقي، وعدَّةُ أعلاقي، ومعهدُ اتّباعي، ومصعَدُ استسعادي، بمعَانِك أضعُ عصا الظاعن، وأمتنعُ عن الطاعن، وأستعلي عن السامع والمُعايِن، وبعنايتِك أُعالي الرّعان، وأتعاطَى الإمعان، وأدَّعي الإفراج، وأعني اليَراع، وأُدافعُ العِيّ، وأُضارعُ الألمعي، وأُعادي المَعِيب
…
ـي (1)، وبعَيْنِك إعلاني بصنائعِك، وإذعاني ببضائعِك، واعترافي بطاعتِك، واستضعافي عندَ ضلاعتِك، واستطعامي مُستعذَبَ معانتِك، واستطواعي المستصعَب بإعانتِك، واستطلاعي طَلْعَ عيدانتِك (2)، واسترجاعي رَجْعَ عَنانتِك (3)، فارْعَني رَعْيَ أتباعِك، وأرْعِني رَعْيَ سماعِك، واعتقِدْني عاجزًا عن بعض مُستطاعِك، فالمعاني عانيةٌ باختراعِك، ومُخْتَرَعَتُها عُوْنٌ بافتراعِك، والدعاوَى منقطعةٌ بإعجازِك وإبداعِك، والد
…
ى (4) مجتمعةٌ على انطباع طباعِك، واتّساع [103 ظ] باعِك، ومُعارضُك مدفوعٌ عن عُرْضِك، مَرُوعٌ بطلائعِ عَرْضِك، مُسْمَعٌ -على إيساع عُودِه عَجْمًا وعَضًّا-: أيعارِضُ إمَّعةٌ عِضًّا (5)، الخِرْوَعُ يُعْضَدُ ويُعْضى (6)، والنَّبع يَقْرَعُ بعضُه
(1) كذا في النسخ، ولعلها: الإمعي.
(2)
في ح: "عيدانيك"، والعيدانة: النخلة.
(3)
العنانة: السحابة.
(4)
كذا في النسخ.
(5)
العض: الداهية.
(6)
الخروع: الشجر الهش، يعضد: يكسر، يعضى: يقطع أجزاءً.
بعضًا (1)، لِيُعَدِّيَ عن المعْجِزِ العائدِ بإعناتِه، ويدعَ التعنِّيَ بالمَعُون ومُعاناتِه، ويَعْنوَ للمُنعمِ بالعِتق على عُناتِه؛ وطلَعَتْ عليَّ بإطلاعِك أُعجوبةُ المسموع، وعَروبةُ الأسبوع (2)، ورُعبُوبةُ البرقوع (3)، يسطَعُ لَمَعانُها، وينصَعُ عِقْيانُها، ويُستبدعُ عِيانُها، ويَستعبِرُ العيونَ عيانُها، ويَستتبعُ العقولَ عننُها (4)، وَيروعُ الضلوعَ ظَعنُها، لَعُوبًا أَمتعتْ بعُلوِّ منازعِك، وعَروبًا أعرَبَتْ عن عذوبةِ مشارعِك، فوَدَعَجِها المتعشَّق، ولَعَسِها المعتَّق، وتَلْعِها الفارع، وفَرْعِها اليانع، ورَدْعِها الساطع (5)، ومِعصَمِها المُفْعَوعم، ومِعطفِها المتنعِّم، ومواقعِ عِقْدِها، ومعاقدِ عهدِها، وبَزاعتِها (6) المستطلعة، وعِصابتِها المرصَّعة -لاعتقدتُها مُعجِزةَ الأعصار، وعطوتُها عَطِيةً متعَدّاةً بالاعتصار، وعلِمتُ تعزُّزَها عن المُعادِ والمُعار، ونَعِمتُ بمعانيها العجيبة تنعُّمي بالعروسِ المِعطار، أعزَّزُ باعتزازِ (7) عُنصرِها لعَلمٍ أعْلمها ببعض أَعلامِه، واعتزاز علمِها برفيعِ أعلامِه، وتسَرُّعِها مع تمنُّعِها لاعتزامِه، أبدعَ بدائعَها، وأعذبَ مشارعَها، وعبَّد مهايعَها، وعيَّنَ مرفوعَها، وعَنْعنَ مقطوعَها، وعزَلَ معلولَها، واستعملَ عدولَها، فاستجمَعَتْ أنواعَ البراعة، واستعادت أعلامَ الصِّناعة، وأسمَعَتْ عجائبَ الإعراب، وأودعَتْ لُمعَ الأعراب، وجمَعَت الصُّنعَ والطَّبع جمعَ الاستيعاب، وأعطَت الأعيُنَ والأسماعَ جوامعَ عَجَبِ العُجاب، فربيعٌ على بُعدِ الأعْصُر بمعاليها يَسْجَع، وبمَراعيها يَرْتَع، والجامعيُّ عندَها يُرجِّع، وجعفرٌ يوقِّع، والعَبْدريُّ يُرصِّع،
(1) النبع: شجر صلب، وهذا مثل، انظر الميداني 2/ 197، والعسكري 2/ 231، وفصل المقال: 58، 120 وقيل: إن زيادًا قاله في معاوية.
(2)
عروبة الأسبوع: يوم الجمعة.
(3)
البرقوع: لغة في البرقع.
(4)
العنن: الاعتراض، ولعلها: عمنها بمعنى الإقامة؛ لتكون في مقابل "ظعنها" من حيث المعنى.
(5)
الردع: أثر الخلوق والطِّيب، أو الصبغ بالزعفران.
(6)
البزاعة: الظرف.
(7)
كذا ولعلها: باعتزاء.
وأشجَعُ يَصْدَعُ ببدَعِه (1)، والمُرعِّثُ (2) يعشَقُ بمِسْمَعِه، والخُزاعيّان: دِعبلٌ يُعْرِبُ عن مَعْلوّاتِ يَعْرُب، ومُعنَّى عَزّةَ (3) يُعاني علقمَ إعراضِها ليَعذُب، والعَدِيّانِ: العامليُّ يُعْرِقُ ويُعْمِن، والعِبَاديُّ للنُّعمان يَعْنو ويُذْعِن (4)؛ وعمرُ تدفَعُ عنه كاعباهُ ومُعْصرُه (5)، والعَتِيقيُّ يُسعدُه ويَعْذِرُه (6)، والعَرْجيُّ تَروعُه عيونُ العِين وتَذْعَرُه (7)، والمُولَع بعُقارِه وعِنانِه، [104 و] يُعلن بخَلْع عِذارِه وعِنانِه (8)، والعَنَزيُّ (9) وعُتْبيّاتُه، والصانعُ ومُعتصميّاتُه (10)، وتابعُهُ وجَعْفريّاتُه (11)، والمطبوعُ وعَضُدِيّاتُه (12)، وشاعرُ المعَرّةِ وعَنْقاؤه (13)، وعُبْدانُ الشِّعر وعُتَقاؤه (14)، والعبّاسيُّ والعَلَويّ، والعَبْشَميُّ والعَبْديّ، والعَطويُّ والعَبْدريّ، والعُكْليُّ والعَكِّي العامِريّ، والمعمَرِيُّ والعَمِيدي، وعَمْرونُ المَسْعَديّ، والوَكِيعيُّ
(1) هو أشجع السلمي، انظر الأغاني 18/ 143، وطبقات ابن المعتز: 251، وتهذيب ابن عساكر 3/ 60.
(2)
المرعث: بشار بن برد.
(3)
معنى عزة: كثير بن عبد الرحمن الخزاعي المشهور بكثير عزة.
(4)
العاملي: عدي بن الرقاع، والعبادي: عدي بن زيد.
(5)
يشير إلى قول عمر بن أبي ربيعة:
فكان مجني دون من كنت أتقي
…
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
(6)
ابن أبي عتيق صاحب عمر بن أبي ربيعة.
(7)
العرجي: عبد الله بن عمر بن عمرو من شعراء الدولة الأموية (الأغاني 1/ 357).
(8)
هذا ينصرف إلى غير شاعر منهم الوليد بن يزيد وأبو نواس ومن كان على طريقتهما في خلع العذار.
(9)
العنزي: أبو العتاهية لأنه مولى عنزة، وعتبياته: قصائده في عتبة جارية رائطة بنت أبي العباس السفاح.
(10)
الصانع: أبو تمام، ومعتصمياته: قصائده في المعتصم.
(11)
تابعه: البحتري، والجعفريات: ما قاله في مدح جعفر المستنصر.
(12)
المطبوع: المتنبي، وعضدياته: أمداحه في عضد الدولة.
(13)
أبو العلاء المعري، وعنقاؤه: إشارة إلى قوله: "أرى العنقاء تكبر أن تصادا".
(14)
عبدان الشعر أو عبيده: الذين يسرفون في تنقيحه أمثال زهير والحطيئة.
والمُقفَّعيّ، وعبدُ العزيز السَّعديّ (1)، وشعرُ الأشعريِّ الأعلميّة (2)، وأعدادُ أعيانٍ يجمَعُهم شِعارُ العَلَميّة، وَيسَعُهمُ اعتبارُ العَيْنيّة، ومتتبِّعُهم يتعرَّضُ للعُبابِ العِدّ، ويعالجُ أعقادَ عالج بالعَدّ، عَمْري لاعتمَدتُ شِياعَها (3) معجِبًا، وعاودتُ استماعَها متعجِّبًا، ورجَّعتُ أسجاعَها مُستعذِبًا، وعلِمتُ موقعَها بمسامع المساطع (4)، وموضعَها عندَ بَوارع المطالع، وانطباعَها للضَّليع واستعصاءها على الظالع، وتعرَّضتُ لاستعلام نزاعتها (5)، وتعلُّم اختراعاتِها، فأَعرَضَتْ عن أطماعي، وعرَّضتْ بعُسُوِّ طِباعي، وأسمعَتْني: أعَوْدٌ يُعلَّمُ العَنْج (6)، وعُشيٌ يتَعاطَوْنَ الدَّعج، ارْبَعْ على ظلعِك، واقنَعْ بوُسعِك، فرَبَعْتُ وقَنَعتُ، وسمِعتُ وأطعت، مع تعرُّفي لإطلاعِك على الرُّقعة المبعوثة لعَقْوتِك (7)، المنعوتةِ باتّباع دعوتِك، وإعلامِك بالمُعرِّفينَ بمَغْزاها، وتعرُّفِك بالسَّماع طِلعَ معناها؛ وتعريفُ العُبَيْديّ، كسَمْعِك بالمُعَيْدِيّ، والعُودي عُوديَ شَرْعًا، مع اتّباعِه مُعطى المعجزاتِ تسعًا، والعِيانُ عَطَّل دَعْوايَ المسموعة، وأطلَعَ عليَّ أعلامَك المتبوعة، فعرَفْتُ عَجْزي باستطاعتِك، واستَعَنْمتُ على عِيِّي ببراعتِك، وأتبعتُها بأهزع الجُعْبة (8)، معترِفًا بانقطاعي عن مَنازعِها الصَّعبة، وتبرَّع عَلَمُنا العَليُّ العُمَريّ (9)
(1) عاد هنا إلى تعداد نِسَب لا يمكن التثبت من أمرها على وجه التحديد، ولكننا نشير منها إلى العطوي فقد ذكره أبو حيان في الشعراء المحارفين وكذلك العميدي، أما الوكيعي فيمكن أن يكون منسوبًا إلى ابن وكيع التنيسي، وأما عبد العزيز فهو ابن نباتة السعدي.
(2)
كذا ورد في النسخ، ولم نتبينه.
(3)
الشياع: صوت قصبة ينفخ فيها الراعي.
(4)
المساطع: جمع مسطع وهو مكان السطوع ويعني به الفجر.
(5)
نزاعتها: منتماها.
(6)
من أمثالهم: عود يعلم العنج، والعود: الجمل المسن، والعنج: الرياضة، وهو شبيه بقولهم: ومن العناء رياضة الهرم (انظر فصل المقال: 157، والميداني 1/ 309، والعسكري 2/ 61).
(7)
العقوة: الناحية والساحة.
(8)
الأهزع من السهام: الذي يبقى وحده.
(9)
العميري: أبو المطرف ابن عميرة.
عميدُ العِلم وقَريعُه، وعمادُ العصرِ وبديعُه -اتّبعَتِ العلماءُ أعلامَه، وأُشعِرتِ العظماءُ إعظامَها- باستبداعِها على بُعْدِ انتجاعِها، وضَعْف انتزاعِها، وعَدَم اضطلاعِها، عَملٌ بمعلوم مَعْلاتِه، ووضعٌ للصَّنيعة عند عارفٍ بعارفةِ مَسعاتِه، وشَفَعَها بعقيلتِه (1) الرافعة لأشعّتِها العيون، المُودَعةِ عيونًا ينقطع عنها المدَّعون، إنعامٌ لإنعامِك شافع، وإسعادٌ لعلم السعادةِ رافع، فعجِّل مُنعِمًا برُقعتِها الرفيعة، وأنعِمْ [104 ظ] مُعجِلًا بطلعتِها البزيعة، ليعاودَ العمرُ عندي مَيْعَه، وتجمَعَ بيعتَيْنِ بسَعْيِك الناجع بَيعَه، وأدعو لسميع الدعاء الصاعد، المطَّلع على الأعمالِ والعقائد، العليم بإعلانِ المعلَن وعَقدِ العاقد، ليُعينَك بالسعاداتِ المُسْعِدة، ويُمتِعَكَ بمَعْلُوّاتِك المتعدِّدة، ويُسعدَك بعَوارفِه المتعهِّدة، بعِزّتِه وعميم نعمتِه، وتُعانقَ عِرَاصَك متعطِّرةٌ يستعيرُ العبيرُ ضَوْعَها، ويعدَمُ عبقُ العَرْف العليل نوعَها، متعاقبةً تعاقُبَ الأعصار، متتابعةً تتابعَ ساعات الأعمار.
ولمّا وقَفَ الأعلامُ المسَمَّوْنَ في هاتَيْن الرسالتَيْن على الرسالةِ الأولى من رسالتَيْ شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْني، أنشَأَ الكاتبُ الأبرع أبو المُطَرِّف بن عَمِيرةَ رسالةً التزمَ في كلِّ كلمة منها النّون -باعتبار الرُّعَيْني وابنِ الجَنّان- وهي التي استَدعَى شيخُنا أبو الحَسَن بقوله:"بعقيلتِه الرافعة لأشعّتِها العيون" الفَصْلَ من أبي عبد الله ابن الجَنّان، ثم كتَبَ في التماسِها إلى أبي المُطَرِّف الكتابَ الآتيَ بعدَ إثباتِ هذه الرسالةِ النُّونية -إن شاء اللهُ تعالى- فقطَعَ عن بَعْثِها إليه ما طرَأَ في الجزيرة منَ اختلال، وتفرُّقٍ كان لغير اتّصال، ولم يُقْضَ اتّصالُ شيخِنا أبي الحَسَن إلا من قِبَلي، حسبَما تعرَّفتُه منه فيما ذَكَرَ لي، وذلك في سنة خمسٍ وخمسينَ وست مئة.
وهذه الرسالةُ النُّونية من إنشاءِ أبي المُطرِّفِ رحمه الله [الطويل]:
محاسنُ دنيانا تَبينُ لناظرٍ
…
يُنَقِّبُ عنها مُستَبِينًا لِعَيْنِها
نجيبُ الرُّعَيْنيِّينَ مارنُ أنفِها
…
ونَدْبُ بني الجَنّانِ إنسانُ عينِها
(1) هي رسالة أبي المطرف التي التزم فيها حرف النون، وسيوردها المؤلف بعد الانتهاء من هذه الرسالة.
فإنْ أنشأا نَظْمًا ونثرًا فمُزنةٌ
…
تُنمِّقُ أكنافَ الحزونِ بعَينِها
وإنْ نحنُ أسنَدْنا النفائسَ عنهُما
…
رأينا نقودَ الناسِ تعنو لعينِها
البيانُ أنواع، وإن ظُنَّ أنّ يمينَه صَناع، فلِنَسْجِه ناسٌ نعرِفُهم نقلًا وعِيَانًا، ونَعُدُّهم زمانًا فزمانًا، فنجدُ مَناقلَهم نابية، ونِسَبَهم مُتَدانية، ومَنازعَهم عن الإحسان وانية، مَعانٍ عُون، وغِيطانٌ وحزُون، ونُكَتٌ تَنْدُر، ونُبَذٌ عيونُ النقدِ نحوَها تنظُر، وإنّما الصِّناعةُ لناظَمَيْ جُمانِها، ومتناولَيْ عِنانِها، اللذين ينوِّعانِ الإنشاء، ويَضَعانِ (1) أمكِنةَ [105 و] النقبِ الهناءِ (2) نَهْضًا نحوَ المنتهَى، ونَبْذًا بفِتَن النُّهى، ومَن كالأسنى شأنًا، الأدنى منّا مكانًا، نَوْءٌ هَتّان، ونَوْرٌ فَتّان، وحُسنٌ يقارنُه إحسان، نِعمَ النائي قِرْنٌ وقَرين، ومَنْهَلٌ مَعِين، وحَظّان: دُنيا ودين، جنَى جنَّتيْهِما دان، وسَنَا نيِّرْيهِما للعيونِ ثان؛ إنْ نَظَمَا أنْسَيَا فِنْدَ زِمَّان، ونابغةَ بني ذُبْيان، وابنَ الحُسَين عندَ بني حَمْدان، وحُنْدَجان (3) ونَسيبه بالحِسَان، وابنَ القَيْن (4) ونصيبَه من الإحسان، وإنْ نثَرَا فمَن ساكنُ أرَّجان، ونائبُ ديوانِ الإنشاء ببغدان، وأصنافٌ كان من شأنِهم وكان يمينًا بالرّحمن، والمثاني والقرآن، وبالنُّور والسَّكِينة، والنبيِّ ومكانِه من المدينة، وبسَنا جبينِه، ونُبوع المَعِين من يمينِه، وبالسارِينَ بالبُدْن، والسائرينَ بينَ الحُجون والرُّكْن، إنّهما للَبِنَتا بناءِ البيان، وأنجبُ أبناءِ الزمان، نَزَلا منزلةَ الفرقَدَيْن، وتناوَلا أنواعَ المناقبِ بيدَيْن، فمِن نزاهةٍ تُناطِحُ كِيوان، ونَوالٍ يُنسي معنَ بني شَيْبان، وفطانةٍ كبنتِ الزَّنْد، وثناءٍ أنمَّ من نسيم الرُّند، وناهيكَ بقَنًا لسْنَ من الرُّدَيْنيّة، لكنّها أبنَى للمنازلِ السَّنِية، وأنّى للدّان، وإنْ نَهَلت من نَجيع اللِّبان، وأين بناتُ الكنائن، مُنذِرةً بالمنايا الكوامن،
(1) وإنما
…
ويضعان: سقطت من م.
(2)
من المثل: يضع الهناء مواضع النقب، والهناء: القطران، والنقب: الجرب.
(3)
حندجان أو حندج: امرؤ القيس.
(4)
ابن القين: الفرزدق وبذلك كان يعيره جرير.
من الناحلةِ أبدانًا (1)، النُّضاريّةِ ألوانًا، المانعةِ والمانحة أحيانًا وأحيانًا، تنشُرُ حسَناتِ الزمن، وتنمِّقُ نسيجَ صنعاءِ اليمن، فمِن مُنتجع نَبْتِها منوِّرًا، ومن مُعاين منظرِها قنًا وأسِنّةً وسنوّرًا، هنالك يتبيَّنُ الِهنْديُّ والرّدان، والصِّنديدُ والجَبان، ويُستنطَقُ المنخوبُ الجَنَان، فيَجبُنُ عن المنطِق، وتُسَنُّ الموضونةُ فتكونُ كنسيج الخدَرْنق (2)، ومنَ افتنانِها، واندفاقِ بيانِها، أنْ تناوَلا العَيْنَ فغَنِما، ونَبَّها من عيونِهما نَوْمًا، ونَهَباها نَفْضًا لفِنائها، ونَقْضًا لبنائها، فانثنَتْ تُفنِّدُ مصنِّفَ ديوانِها، أنِ اعتنَى بمكانِها، ونوَّه بعُنوانِها، وتَنْآدُ مُستنصِرةً معانيَها المتباينة، وقُرَناءها المُبايِنةَ والمُساكنة، فيسمعَنْها أنّ الإنذارَ بَيَّن، والانتظارَ لنوبتِنا تعَيَّن، وكأنّ بنا ونحن نُسَفُّ للناسِر، ونُعَدُّ بينَ الأنيابِ والمَناسِر، فهنيئًا لهذينِ العَلَمَيْنِ صناعةٌ بيانيّة، ونَصاعةٌ نَيْسانيّة، وتناولٌ لفنونِ الإتقان، وتنقُّلٌ بينَ [105 ظ] الإقناع والبُرهان {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] نزَّها منصبَهما عن الدَّنَس، وزيَّنا بمحاسنِهما جانبيَ الأندَلُس، فلجانبِها: ابنُ الجَنّانِ السَّنيّ، وللثاني نادرةُ الزّمنِ الرُّعَيْنيّ، فتجنَّبَتْهما نوائبُ الزمان، ونامَتْ عنهُما عيونُ الحَدَثان، واكتنفَتْهما نِعَمُ المَنّان.
ونختِمُ بتحيّتَيْنِ عَبِيقتَيْنِ عينيتَيْنِ غَدِقتَيْنِ طيِّبتَيْنِ صَيِّبتَيْنِ، تنتابُ فِناءهما منزلًا، وتنمُّ بناديهما عَنْبرًا ومندِلًا.
وهذه الرِّسالةُ التي كتَبَ بها شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْني يتشَوَّفُ في بعضِها إلى هذه الرِّسالة النُّونية، وخاطَبَ بها أبا المُطَرِّف بنَ عَمِيرة:
التحيّةُ الكريمة، البَهِيّةُ الوسيمة، تُخيِّمُ بنادي المجدِ المؤسَّس بناؤه، ووادي الفضل المقدَّس فِناؤه، حيث أزهارُ الأدبِ نَضِيرة، وزواهرُ الحَسَب مُنيرة، أرى عَلَمَ أعلامِ الجزيرة، ومنِ الذَّخيرةُ دونَ ذكْرِه في عظماءِ عُلمائها ليسَتْ بذَخيرة، الفقيهُ الجليل الرئيسُ الأصيل، أبو المُطَرِّف ابنُ عَمِيرة، أبقاه اللهُ وآياتُ بلاغتِه
(1) يعني الأقلام.
(2)
الخدرنق: ذكر العناكب.
البازغةُ تَسطُع، وآياتُ بَراعتِه بالحِكَم البالغة تصدَع، كتَبَ مقتبِسُ أنوارِ إفادتِه، وملتمِسُ الزُّلفى بأداءِ حقِّ سيادتِه، المؤثَرُ المبتدَر لتمشيةِ إشارتِه وتوفيةِ إرادتِه فلان؛ وقد وافاني أيها العَلَمُ الذي سحَرتْ نفائسُ أنفاسِه، وتفخَرُ الطُّروسُ بلطوخ أنقاسِه، من قِبَلِكم كتابان (1) استبَقَا على نَسَق، بل شِهابانِ ائتلَفا في غَسَق، أمّا أحَدُهما فأشار إلى تقدُّم خطابٍ لم أحظَ لعَدَم البَخْت بتَلاق، وأثار بذكْرِ الرسالة النُّونيّةِ النُّورِيّة كوامنَ أشواق، ومَن لي أن تسمحَ الأيامُ بلقائها، أو تسنَحَ سانحة قَبولٍ من تِلقائها، حتى أتوسَّم مشرقَّ محُيَّاها، وأتنسَّمَ عبَقَ رَيّاها، وأتنعَّمَ بإدالةِ قُربِها من نَواها، وأتعلَّمَ إعجازَ الصدورِ والإعجاز من فَحْواها؛ ليتَها ورَدَت فسَرَدت جوامعَ البيان، وبهَرَت مداركَ السَّمع والعِيَان، فلقد قَضَتْ للنُّون بالشُّفوف، وأحظَتْها بالمَزِيّة على سائرِ الحروف، فطار ذكْرُها في الآفاق، وفاق قَدْرُها في الأعلاق، وترفَّعت عن الميم وهي مُؤاخيتُها في الجَهْرِ والغُنَّة، وادَّعَتْ فما نُوزعتْ أنّ لها في [106 و] ذواتِ الإعجام حَوْزَ الزعامة وقَوَدَ الأعِنّة؛ وبالتفاتِ سيِّدي إياها فازَت بهذا الشَّرف وحُقَّ لها؛ وامتازتْ عن نظائرِها من الأحرُف حين استعمَلَها؛ وأمّا الآخَرُ فإنه جَلا صُوَرًا تُحرزُ الجمالَ والحُسن، وتلا سُوَرًا تُعجِزُ المصافعَ اللُّسْن، وأهدى دُرَرًا يحِقُّ لها الادّخارُ والخَزْن، وكسا حِبْرًا لم يُخلَعْ مثلُها على الرَّوض المُزْن؛ حقًّا! إنّ سيِّدي وله الفَضْلُ والمنّ، ألقَى عليّ حُلى نفاستِه التي بمثلِها يُنْفَسُ ويُضَنّ، وعَزَا إليّ علا رياستهِ التي على غير أعطافِه لا تُسَنّ، فلو حَسُنْتُ بنفسي ظنًّا، وانتَحَلْتُ ما عليّ خَلَعَهُ ممتنًّا، لقيل:"بكَى الخَزُّ من رَوْح"(2)، وشَدَا الحَمامُ في غير دَوْح، ومَنْ لي بمجاراةِ مَنْ حَوى مدى الحَلبةِ متوهِّلًا فلم يُدْرَك، ومساماةِ من تبوَّأ عليَّ الرُّتبةِ متأهلًا فلم يُشرَك؟ أمَا إنّ الفِكرَ دونَ مُداناة أدنى
(1) كتابان: سقطت من م ط.
(2)
اقتباس من قول الشاعرة حميدة بنت النعمان بن بشير:
بكى الخز من روح وأنكر جلده
…
وعجت عجيجًا من جذام المطارف
عَفوهِ لَطليح، وإنّ الاعترافَ بالعجز لَمريح وحَسْبي وقد بلَّحْتُ، وصرَّحتُ من قُصوري بما صَرَّحت، عهدٌ صحيح، ووُدٌّ صريح، وثناءٌ لا أُرِيمُه ما طلَعَتْ شمسٌ وهبَّت ريح، إن شاء اللهُ تعالى؛ وأستنهضُ سيِّدي اقتضاءَ جوابِ المقام الإماريِّ المتوكِّلي -أيَّده اللهُ تعالى- عن كتابَيْه المُوافيَيْنِ بالتهنِيَة، الوافيَيْنِ لشكرِ الله على ما أَوْلى في مُستجلَى صُنعهِ الجميل من التيسيرِ والتَّسنِية، وقد انتهَيْتُ إلى العمل بتلك الإشارة، وأدَّيتُ المعنى وإن قَصَّرتُ في العبارة، وأبدَيْتُ في حقِّه ما يجبُ لدى مَثابةِ الإمارة، والجوابُ واصلٌ إلى سيِّدي صُحبةَ هذا المكتتِب، وقادمٌ من جَنابِه الرَّحْبِ على مَعْلمِ العلم ومُنتْدَى الأدب، بحولِ الله تعالى، وهو سبحانه يَزِينُ السيادةَ بطُولِ بقائه، ويَزيدُ الإفادة بحُسنِ لقائه، بمنِّه وفَضْلِه.
وكتَبَ أبو المُطَرِّف بن عَمِيرةَ، وهو قاضٍ برِباطِ الفَتْح، إلى شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيِّ وهُو بسَبْتةَ [الكامل]:
قلبي على شَرْع الصَّفاءِ أبا الحَسَنْ
…
لكَ طائعًا فَرْضَ الهوى والمدحَ سَنّ
ووحقِّ مَن جمَعَ المحاسنَ فيك ما
…
أبصَرتُ بعدَك ما يقالُ له: حَسَنْ
كتابي إلى شيخي الذي بإسنادِه أعلو، وعِمادي الذي عن ذكْرِه لا أخْلو، وأنا على ما عَلِمَه من حبٍّ فيه، وتعظيم على قَدْر معرفتي بحقِّه أُو فيه [106 ظ] والسؤالُ عنه ديونُ لساني، والشوقُ إليه دَيْدَني وشَاني، وما كنتُ أحسِبُ إلّا أنه وضَعَ عصا التَّسْيار، وأزمَعَ مُكْثًا في تلك الدِّيار، ولكنّي مرةً كنتُ أنسُبُه إلى المَرِيّة، وتارَةً كنت أحسِبُه في الجهةِ الأحمَريّة، وربّما قَدَّرتُ أنّ حِمصَ به استأثَرَتْ، وأشواقَه إليها تكاثَرت، فعاد إليها كما يعودُ إلى الجِيدِ الحُليّ، أو إلى الفقيدِ الوَليّ، إلى أنْ طلَعَ عليَّ خطُّهُ كالصُّبح في الغَسَق، أو السِّحرِ في نُجْلِ الحَدَق، فقلتُ: أفي عينيّ سِنةٌ أم هي يَقْظَى، وهذه رؤيةٌ لم أخَلْها بها تحظَى، ولمّا استبَنْتُ العِيَان، وتأمَّلتُ ذلك البيان، قلت: هذا بزٌّ يشهدُ لليدِ التي نسجَتْه، وبَزْرٌ لا تُجْهَلُ أرضٌ هي أخرجتَه، بل هو سَنَا يُشَهِّرُ كوكَبَه، وتركيبٌ يظهَرُ فيه أثرُ مَنْ ركَّبه، فكان
عندي أحسَنَ من النارِ في عين المقرور، ومنَ الماء في كبدِ المحرور، وأعجَبَ من ضياءِ الصُّبح لاحَ لممنوع الكَرى، ومن سوادِ اللّيل أخفَى كَلِفًا بالسُّرى، وعجَبًا لسيِّدي! ضَنّ برُقعةٍ منه خاصّة، وحِصّةٍ فيه لَجناح الهمِّ حَاصّة، أفَتَرى قلَمَه اكتفَى بما فيه ناب، أم تذكَّر الخَطيئةَ فخَرَّ راكعًا وأناب؟ فللمُعترِض أن يقول: هذه الصُّورة، كما إذا حجَّ عن غيرِه الصَّرورة، فإنّ بعضَ من يحتَجُّ، يقول: إنه يقَعُ الحَجّ، ولكنَّ قلمَه أعرَبُ بالاستدلال، وأغوَصُ على حَلِّ الإشكال، فيدَّعي أنّ الكتابَ يقضي الواجبَيْن، ويقَعُ على الجانبَيْن، قيل لبعض الشافعيّة: أيُعيدُ السجودَ من ظَنَّ سهوًا فسَجَد، ثم تذَكَّر على الأثَر أن السَّهوَ ما وُجِد؟ فقال: أنا للإعادةِ ناف، وذلك السُّجودُ عن نفسِه وعن غيرِه كاف، فسألوهُ الدلّيلَ مُعنِّتِين، فقال: اعتبِروا حالَ الشّاةِ من الأربعين.
إيهِ يا سيِّدي! كيف أنتم بَعدي، وهل عندَكم على النَّأي وَجْدٌ كوَجْدي؟ وما عندَكم في رَسيسِ الحُبّ، وأشواقِ المحبِّينَ بحِسْبِ البُعدِ والقُرب؟ فذلك معنًى تنازعَتْه الشُّعراء، واختَلَفتْ فيه الآراء، وقد دبَّرتُم الأمرَيْن، وذُقتُم الطَّعمَيْنِ المُرَّيْن، وما رأيُكم في المقام هنالك، فإنّ له غُصّة، أو التقدُّم وهل تمُكنُ فيه فُرصة؟ والبَنُونَ والجُملة، كيف حالُهم تفصيلًا؟ فالجُملةُ معلومة، وحياةٌ مطلَقة فإنّ الطِّيبةَ منها معدومة، وما فعَلَتْ أبياتُ ازُمّور؟ [107 و] وهل وَجَدَ نَقْرُها زَمْرًا، أم لقِيَ زَيْدُها عَمْرًا، أم هي بالعراء، تنادي بالوَيْلِ على الشِّعرِ والشُّعراء؟ وقد نَفَثَ الخاطرُ بأبيات، لها صوتٌ لمعناها مُوات، وهي [المنسرح]:
صاحَ بهمْ صائحُ الرحيلِ فما
…
منهمْ على البَيْن واحدٌ سَلِما
وجاشَ بالرَّوْع عُقْرُ دارِهمُ
…
منْ بَعْدِ ما كان سرْ بهمْ حُرِما
فهمْ عباديدُ في البلادِ ولا
…
شَمْلَ لفَلِّ الخطوبِ منتظِما
قد أقسَمَ الدهرُ أن يمزِّقَهُمْ
…
وجَنَّبَ الحِنْثَ ذلك القَسَما
يا سائلي عن بُكايَ بعدَهُمُ
…
بكَيْتُ دمعًا حتى بَكيتُ دَمَا
سيدي، حالُ أخيكم هنا على ما يُرضي كمالَكُمْ عافية، ونعمةً شافية، وأنا إلى جوابِكمْ ناظر، وبه إذا وَقَعَ إلي طائر، واللهُ يُطيلُ بقاءكم، ويحرُسُ إخاءكم.
فأجابَه شيخُنا بهذه الرِّسالة [الكامل]:
وافى الكتابُ وقد تقَلَّد جيدُهُ
…
ما أنت مُحْسِنُ نَظْمِه ومجيدُهُ
من كلِّ معنًى ضِمْنَ لفظٍ في حُلى
…
خطٍّ يَزينُ طُلى الطُّروسِ فريدُهُ
أأبا المُطَرِّف دعوةً من خالصٍ
…
لعُلاكَ غائبُ وُدِّهِ وشهيدُهُ
أنت الوحيدُ بلاغةً وبَراعةً
…
ولك البيانُ طريفُهُ وتَليدُهُ
فالنَّثرُ أنت بديعُهُ وعمادُهُ
…
والنظمُ أنتَ حبيبُه ووليدُهُ (1)
إيه أيها السيد الذي جلَّتْ سيادته، وحلّت صميمَ الفؤادِ ودادته، دامت سعادته، وهامت بما ينفع الناس عادته، أُلقي إليَّ كتاب كريمٌ خَطَّتْه تلك اليُمنى التي اليُمنُ فيها تَخُطُّه، ونُسِقَتْ جواهرُ بيانِه التي راقَ بها سِمْطُه، فلا تسألوا عن ابتهاجي بأعاجيبِه، وانتهاجي لأساليبِه، وشِدّةِ كَلَفي بالتماح وسيمِه، وجِدّةِ شَغَفي باسترواح نسيمِه، فإنهُ قَدِمَ وأُنسُ النفسِ راحلٌ فاستعادَه، وسَجْمُ ورَوْضُ الفِكرِ ماحِلٌ فجادَه، لا جَرَمَ أنه بما حَوى من حُرَق النَّوى، ورَوى من طُرُق الهوى، وبكَى للرَّبع المُحِيل، وشكا من صائح الرَّحيل، هيَّجَ لواعجَ الأشواق وأثارَها، وحرَّك للنفسِ حوارَها، فحَنَّت (2)، واستوهَبَ العَيْنَ مِدرارَها، فما ضَنَّت، فجاشَتْ لوعةٌ استكَنَّت [107 ظ] وتلاشَت سَلْوةٌ عنَّتْ، ووَكَفَ دمعٌ كَفّ، وثَقُلَ عَذْلٌ خَفّ، واشتَدَّ الحنين، وامتدَّ الأنين، وعلا النَّحيبُ، وعَرَا الوَجِيب، والتقَى الصب والحين، ودَرَى المُحبُّ قَدْرَ ما جناه البَيْن، وطالما أعمَلَ في احتمال المشاقِّ عزيمَه، وشدَّ لاجتيابِ الآفاق حيَازيمَه [المنسرح]:
(1) ورّى ببديع الزمان والعماد الأصفهاني وحبيب أبي تمام والوليد أبي عبادة البحتري.
(2)
من المثل: "حرك لها حوارها تحن".
ودعًّ مَثْوى المقامِ معتزِما
…
ألَّا يُرى للغرامِ مُلْتَزما
وأزمَعَ النأْيَ عن أحبَّتِهِ
…
والبينَ عن دارِه التي رَئما
وما دَرى أنه بعزمتهِ
…
أشعَلَ للبينِ في الحشَا ضرَما
وهل جَرى ذاك في تصوُّرِهِ
…
فربّما أحدَثَ الهوى لَمما
إنْ هيَ إلّا نَوًى مُشتِّتةٌ
…
شَمْلًا من العيشِ كان منتظِما
وعاذلٍ قال لي يُعَنِّتُني
…
لا تُبْدِ فيما فعلتَه نَدَما
قلتُ له: هل رأيتَ قَبْليَ مَنْ
…
فارَقَ أوطانَهُ فما نَدِما
لا حيلةٌ في يدِي فأُعمِلَها
…
عَدْلٌ من الله ما بهِ حَكَما
أمَا إنّ القلبَ لو فهِمَ حقيقةَ البَيْن قبِلَ وقوعِه، وعَلِم قَدْرَ ما نفَثَ من الرَّوع في رُوعِه، لَبالغَ في اجتنابِه، واعتَقدَ المُعفَى عنه من قَبِيل المعتنَى به، ولَحا اللهُ الأطماعَ فإنّها تَستدرِجُ المرءَ وتَستجِرُّه، وتَستخرجُ حين تُعرِبُه ما يَسُرُّه، ما زالت تَفتِلُ في الذِّروة والذِّروة، وتختِلُ بالترغيب في الجاهِ والثروة، حتّى أنأَتْ عن الأحبابِ والحبائب، ورَمَتْ بالغريبِ أقصَى المغارب، فيا لَوحشةٍ ألوتْ بإيناسِه، ويا لَغُربَةٍ أحلَّتْه في غيرِ وطنِه وناسِه، ويا عَجَبًا للأيام وإساءتِها، وقُربِ مسَرّتِها من مساءتِها، كأنّها لم تُتحِفْ بوِصَال، ولم تُسعِفْ باتصال، ولم تُمتِّعْ بشباب، ولم تَفتَحْ لقضاءِ أو طارِ النفس كلَّ باب [الخفيف]:
عجَبًا للزّمانِ عَقَّ وعاقا
…
وعَدِمْنا مسَرّةً ووِفاقا
أين أيامُهُ وأين ليالٍ
…
كلآلٍ تلألؤًا واتّساقا
كم نعمْنا بظِلِّها فكأنّا
…
مدَّ منها الصِّبا علينا رُوَاقا
كم بغَرْناطةٍ وحِمصٍ وصلْنا
…
باصطباحٍ من السرورِ اغتباقا
[108 و] في رُبَي نَجْدِ تلك أو نهرِ هذي
…
والأماني تَجري إلينا اشتياقا
في رياضٍ راقَتْ رُواءً ولكنْ
…
حين رَقَّ الحَيا لها فأراقا
رَقَّ فيها النَّسيمُ فهْو نَسيبٌ
…
قد سَبَى رِقّةً نفوسًا رِقاقا
وثَنَى للغُصونِ منها قُدودًا
…
فتلاقَى تصافُحًا واعتناقا
كلَّما هَبّ من صِباهُ عليلٌ
…
وتداوَى بها العليلُ أفاقا
حَكَمَ السَّعدُ بالأحبّةِ فيه
…
بكؤوسِ الوِصالِ أنْ تتساقَى
ثم كرَّتْ للدهرِ عادةُ سَوْءٍ
…
شقَّ فيها خَطْبُ النَّوى حينَ شاقا
شتَّتَ الشمْلَ بعدَ طُولِ اجتماعٍ
…
وسَقَى للفراقِ كأسًا دِهاقا
وأعادَ الأوطانَ قَفْرًا ولكنْ
…
قد أعاد القُطّانَ منها الرِّفاقا
ليتَ شِعري والعِيسُ تَطوي الفَيافي
…
أشَآمًا تَنوي بنا أم عِراقا
يا حُداةَ الحَمُول رِفقًا بصَبٍّ
…
بلَغَتْ نفْسُه السياقَ اشتياقا
آهِ من شجْوهِ وآهٍ لبَيْنٍ
…
ألزمَ النفسَ لوعةً واحتراقا
هذه يا سيِّدي استراحةٌ من فؤاد وَقَذَتْهُ الفُرْقَةُ والقَطيعة، واستباحةٌ لحِمَى الوَقار بما لم تَحْظُرْهُ الشريعة، فقديمًا تُشوكيتِ الأحزان، وتُبوكيتِ الأوطان، وحَنَّ المشتاق، وعنَّ له من الوَجْد ما لا يُطاق، فاستَوقفَ الرَّكبَ لشكوى البلابل، واستوكفَ السُّحبَ لسُقْيا المنازل، وفدَّى الركبَ وإن زادَه كَرْبًا (1)، ومَنْ له أن يُكِبَّ لائمًا له تُربًا، حسبُه دموعٌ تَفيضُ مجاريها، ونجومٌ يُساهرُها ويُساريها [الكامل]:
ألِفَ السُّهادَ فشأنُهُ إدمانُهُ
…
واستَغْرقَتْ أحيانَهُ أَشجانُهُ
وشكا جَفاءَ الطَّيفِ إذْ لم يأتِهِ
…
هل مُمكنٌ مالم ينَمْ إتيانُهُ
واستعبَدتْه صَبابةٌ وكذا الهوى
…
في حُكمِه أحرارُهُ عِبدانُهُ
(1) من قول المتنبي:
فديناك من ربع وإن زدتنا كربا
…
فإنك كنت الشمس للشرق والغربا
كم رامَ كتمانَ المحبَّةِ جَهْدَهُ
…
ودموعُهُ يبدو بها كتمانُهُ
وإذا المُحِبُّ طَوى حديثَ غرامِهِ
…
طيَّ الضلوع وَشَتْ به أجفانُهُ
سيّدي، قد مدَدْتُ أطنابَ الإطالة في غيرِ طائل، واستَمدَدْتُ (1) طبعًا غيرَ معينٍ ولا سائل، ولستُ أمتَري في أنّي أُسْئم سَمْعَكم وأُمِلُّه، وأُقدِمُ [108 ظ] من هذا الهَذْرِ عليه بما أنزِّهُه عنه وأُجِلُّه، وعلى ذلكم فلا بدَّ أن أعودَ إلى ذكْرِ خطابِكم الذي حَلَّأ الخَطْب، وحلّى اللؤلؤَ الرَّطْب؛ وتجَلَّى بينَ سيّئاتِ الزّمان حَسَنة، وتَحلَّى من محَاسنِ البيان ما لا يُوفي في المادحَ ببعضِه ولو أعمَلَ المدحَ سَنة، فقد تضمَّن أصُولًا وجَبَتْ إجابتُها، وإن حَجَبَتْ مَهابتُها، وتعيَّنَ التقصِّي عن عُهَدِها، وإن تبيَّنَ العَجْزُ عن تقصِّي أمَدِها، منها: أنكم عَجِبتُم منِّي حيث ضَنَنْتُ برُقعة أقرِنُها بالمخاطَبة الخَلاصيّة العَلِيّة، وأُودُعها ما تعورِفَ بينَ الأصفياءِ من إنهاءِ المودّةِ وإهداءِ التحيّة، فطَوْرًا خِلتُموني مكتفِيًا بالنِّيابة، ولو ابتَدأتُم بنافلةِ الكتابِ لَقُلتُ بفَرْض الإجابة، وتارةً عَرَضَتِ التأويلاتُ الفِقْهيّة، وفُرِضَتِ المسألتانِ: الحُجِّيةُ والسَّهويّة، فرأيتُم أولًا: أنّ الكتابَ يُجزئُ عن متولِّيهِ من الجانبَيْن، وتوهَّمتُم ثانيًا: أنّي أردتُ قضاءَ الواجبَيْن، وصَيَّرتُه كالعامل يعملُ عمَلَيْن، أو الفاعلِ يتَعدَّى فعلُه إلى اثنَيْن، أو اللّفظِ يقَعُ باشتراك على معنيَيْن، وكلُّ ذلكم -وَصَلَ اللهُ نَفاسةَ كمالِكم- لم يكنْ، وإهمالُ حقِّكم الأكيدِ الوُجوب لم يَسْهُلْ قطُّ عليَّ ولم يَهُنْ، ولكنّي ابتَدرتُ الخِطاب، وآثَرتُ الاقتضاب، فانزَعجَ الرَّقّاصُ (2) قبلَ أن يقتضيَ كتابي في سَيْرِه، وضمِنَتْ هذه الوِزارةُ أن يتوجَّهَ بعدُ معَ غيِره، ولو ذهَبْتُ إلى ما أشَرتُم إليه من الاجتزاءِ والاقتصار، لأثبَتُّ تحيّتي عقِبَ تلك الأسطار، مُقترنةً بالاعتذار، ولكنّكم عجَّلتُم عليَّ بالعَتْب، ونسَبْتُم إليّ ما لم أَجْنِهِ من الذنب، ولا تثريبَ فقد حصَلَ المطلوب، وكل ما يفعلُ المحبوبُ
(1) غير واضحة في النسخ، وفي ح: واستنبذدت، وفوقها علامة خطأ، ولعل ما أثبتناه هو الصواب.
(2)
الرقاص أو الركاض: الذي ينقل البريد.
محبوب؛ وأمّا سؤالُكم -حفِظَكم الله- كيف أنا بعدَكم، وهل وجَدتُ في فُرقةِ الوطنِ والأحبّة وَجْدَكم، فلم تشكُّوا أنّي متحمِّلُ من ذلك ضِعفَيْن، ومُفارِقٌ دونَ الأبوَيْنِ والبنينَ إلفَيْن، أمّا غَرْناطيُّها فقد سَنَّى اللهُ به الاجتماع، وأسألُه تعالى أن لا يجعَلَ موقِفًا منه الوداع، وأمّا إشبيلِيُّها فإنّي أحاولُ انتظامَ الشَّمل به وأَرومُه، وأرجو أن يتكيَّفَ بفضل الله على قربٍ قدومُه، وأمّا استعلامُكم قولي في الحبِّ وأطوارِه، واستفهامُكم عن رأيي في الشوق ومَثارِه، [109 و] وأنّ الشُّعراءَ تنازَعَتْ هذا المعنى فكلٌّ شرَّقَ بغرامِه، ونَطَقَ عن مقامِه، وأخبَرَ عن ذَوْقه، وعبَّرَ عن ما رجَحَ نَأْيًا أو خَفَّ قُربًا من شوقِه، والأشواقُ بحار، والخواطرُ فيها تَحار، وأجرى الأقوالِ عندي في ذلك معَ القَصْد (1) [الطويل]:
بكلٍّ تداوَيْنا فلم يُشْفَ ما بنا
…
على أنَّ قُربَ الدارِ خيرٌ من البُعدِ
وأمّا سؤالُكم عن رأي في المقام بهذه البُقعة، فسأورِدُ الجوابَ عليكم بما يقفُ عليه العَزْمُ في هذه الرُّقعة، واختياري على الجُملة أن آخُذَ عند لَحاقِ الجُملة الإشبيليّة في الرِّحلة ثم لا أدري ما تجيءُ به الأقدار، وربُّك يَخلقُ ما يشاءُ ويختار؛ وأمّا قِطعتُكمُ التي أجَدتُم بأَزمُّورَ تأسيسَها، وأفدتُم مُنعِّمين نفيسَها، فكنتُ وإن لم أدرِكْ شَأْوَها، فقد حَذَوْتُ في الجوابِ حَذْوَهَا، وعلَّقتُه بمقلوبِها، وإن قَصَّر عن أسلوبِها، وكان من أمَلي أن أُجَدِّدَ معَكم في رِباط الفتح عهدًا بالقُرب، وقدَّرتُ أنْ يُتاحَ هنالكم تلاقي السَّفينِ والرَّكْب، فأخْلَفَ التقدير، وأعجَلَ عن اللَّحاق المَسِير، وضاعتِ الرُّقعةُ أثناءَ شواغلِ الأسفار وشغوبِها، وذَهَلتْ عنها النفْسُ بما مسَّها من لُغوبِها، وشاهدي في صدق هذه الدعوى والتي قَبلَها، عِلمُ هذه الوِزارة العَلِيّة التي أفاضَت فضلَها (2)، وأعجَزَت الزّمانَ أن يُوجِدَ مثلَها، فكلُّ هذا كان منها بمرأًى ومَسْمع، وبمحضرٍ من عِيانِها ومطلَع،
(1) البيت ليزيد بن الطثرية (الأغاني 5/ 213).
(2)
"فضلها": سقطت من م ط.
ثم شَرَدتُ عن حِفظي تلك القطعةَ وما قيَّدتُ من جَوابِها، ووجَبَ لتذكيرِكم الآنَ استئنافُ هذه وإن كنتُ لا أرضى بها [الكامل]:
لبيكَ ها أنا للصفاءِ مُديمُ
…
وعلى الوفاءِ مدى الحياةِ مقيمُ
وإليك من خَلَدي صميمَ مودّةٍ
…
ليَ في اعتقادِ خلوصِها تصميمُ
وإذا تنازَعَتِ الحديثَ فمَنزِعي
…
أنّ المنازعَ في عُلاك مُليمُ
اعزِزْ على الخُطَط التي بكَ فَخْرُها
…
أن يَستبدَّ بها عليك لئيمُ
تَعْسًا لأقلام الكتابةِ ليتَها
…
لم يَعتمِدْها البَرْيُ والتقليمُ
لهِجَت بتأخيرِ السَّبوقِ وقدَّمتْ
…
مَن لا يحِقُّ لذاتِه التقديمُ
قعَدتْ وقامت في اغتصابِ حقوقِهمْ
…
ومنَ الحَسادةِ مُقعِدٌ ومُقيمُ
أيفوتُ مثلَ أبي المُطرِّف حظُّهُ
…
وينالُ قومٌ بالفهاهةِ ذيمُ؟!
[109 ظ] ما ضَرَّها أنْ لو توَلَّى أمرَها
…
منه كفيلٌ بالبيانِ زعيمُ
ومحمِّلٌ منها اليمينَ يراعةً
…
تَروي الطُّروسَ بمُزْنِها وتسيمُ
يا سابقَ البُلغاءِ غيرَ مُدَافعٍ
…
لكَ دونَ غيرِك ينبغي التسليمُ
قَسَمًا بمَجْدِك لا يزالُ مُساوِقًا
…
للدّهرِ ما لك في بنيهِ قَسيمُ
أنَّى وأنت وحيدُ عصرِكَ سُؤدَدًا
…
ولك المناقبُ كُلُّهنَّ كريمُ!
ومَآثرٌ سَلَفيّةٌ زكَّى بها
…
شَرَفًا حديثًا من عُلاك قديمُ
أولَيْتَ إذْ والَيْتَ فضلَك كلَّ ما
…
يَقضي بهِ لك في الجلالِ الخِيمُ
وحَبوْتَ إذ ناديتَني وأنلتَني
…
جاهًا وأحداثُ الزمانِ تضيمُ
وخَلعتَها حُللًا عليَّ بمثلِها
…
[.........................](1)
(1) بياض في النسخ.
هذا الزمانُ كما عَلِمتَ حظوظُهُ
…
شتّى وعهدُ بنيهِ فيه سليمُ
قد يُحْرَمُ الليثُ الهصورُ حظوظَهُ
…
منه ويدركُها لديه الريمُ
وإذا عجَزتُ فإنّ حسبيَ واقيًا
…
رَبٌّ بأسرارِ العبادِ عليمُ
لازلتَ محميَّ الجوانبِ ماتلا
…
مِصراعَ بيتٍ في القريض قَسيمُ
سيِّدي، رضي الله عنه، يسمَحُ في ما يَلْمَح، ويُغضي عن ما لا يرتضي، فلم أتعاطَ المعارضةَ ولو سامَنِيها ما نَطَقْت، ولم أَدَّع المُساجَلةَ ولو رامَني عليها ما أطَقْت؛ إنّما أنا قَطرةٌ من سحابِه، وفَلْذةٌ من سِخَابِه، ومُنفقٌ من فضلٍ سخا به، وإن سَخِط والله المعيذ، فماذا يقولُ للأستاذِ التلميذ؟ أسألُ اللهَ له بقاءً سعيدًا، وارتقاءً يُدرِكُ به من العزّةِ القعساءِ شَأْوًا بعيدًا، بمنِّه.
قال المصنِّف عَفَا اللهُ عنه: قد وقَعَتْ إليّ القصيدةُ التي ذكَرَ شيخُنا أبو الحَسَن رحمه الله أنّ الرُّقعةَ التي تضمَّنتها ضاعت له، وهي هذه [الكامل]:
يا صاحبي والدهرُ لولا كرّةٌ
…
منهُ على حفظِ الذِّمام ذميمُ
أمُنازعي أنت الحديثَ فإنهُ
…
ما فيه لا لغوٌ ولا تأثيمُ
ومُروِّضٌ مَرْعى مُنايَ فنبتُهُ
…
من طولِ إخلافِ الغيوم هشيمُ
طالَ اعتباري بالزّمان وإنّما
…
داءُ الزمانِ كما علمتَ قديمُ
[110 و] مَجْفُوُّ حظٍّ لا يُنادى ثم لا
…
ينفَكُّ عنه الحذفُ والترخيمُ
وأرى إمالَتَه تدومُ وقصرَهُ
…
فعَلامَ يُلْغَى المدُّ والتفخيمُ؟
وعَلامَ أدعو والجوابُ كأنّما
…
فيه بنصٍّ قد أتَى التحريمُ؟
لم ألقَ إلامُقْعِدًا، غيرَ الأسى
…
فلديَّ منه مُقْعِدٌ ومُقيمُ
وشرابيَ الهمُّ المعتَّقُ خالصًا
…
فمتى يساعدُني عليه نديمُ؟
غاراتُ أيامي عليّ خَوارجٌ
…
قَعَدِيُّها في طبعِه التحكيمُ (1)
ولواعجٌ يحتاجُ صالي حرِّها
…
أمرًا به قد خُصَّ إبراهيمُ
ولقد أقولُ لصاحبٍ هُوَ بالذي
…
أدركتُ من عِلمِ الزمانِ عليمُ
لا يأسَ من رَوْحِ الإله وإن قَسَتْ
…
يومًا قلوبُ الخَلقِ فهْوَ رحيمُ
ولعلَّ مَيْتَ رجائنا يُحييهِ مَن
…
يُحيي عظامَ المَيْتِ وهْي رميمُ
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: وكلامُ شيخِنا أبي الحَسَن نظمًا ونثرًا بارع، ولضروبِ الإحسان جامع، وقد رأيتُ أن أختِمَ رَسْمَه بقطعةٍ وقصيدة حِجازيتَيْن، وقصيدتَيْنِ رَبّانيتَيْن؛ وهذه القصيدةُ الحِجَازّية أنشدتُها عليه [الطويل]:
حنيني إلى البيتِ العَتيقِ شديدُ
…
وشوقي إلى وادي العقيقِ يزيدُ
فيا ليت شعري هل يُبَاحُ إليهما
…
وصولٌ فيحظى بالوصال عميد؟
ومَنْ ليَ أنْ أُدعى إلى حَرَمَيْ هدًى
…
وهل لي على تلك البقاعِ وفود؟
وهل ناقعٌ لي ماءُ زمزمَ غُلّةً
…
لها بين أحناءِ الضلوعِ وَقود؟
وهل أنثني نحو الرسولِ لِطَيْبَةٍ
…
فيدنو لقلبي مِنْ مُناهُ بعيد؟
وألصقُ خدّي من ضريحِ محمدٍ
…
بحيثُ تلاقتْ في ثراه خدود
وحيث استهلتْ بالدموعِ نواظرٌ
…
لها في سوى تلك الربوع جمود؟
فما ليَ لا أسعى إليها مُبادرًا
…
بقيةَ عُمرٍ تنقضي وتبيد!
تحثّ ركابي نحوها عزمةُ امرئ
…
بمحْياهُ في ذات الإله يجود
يَهُمُّ فيُلقي بين عينَيْهِ عزمةً
…
ويمضي مضاءَ السّهمِ حيث يُريدُ
(1) هامش ح: "من قول أبي نواس:
فكأني وما أزين منها
…
قعدي يزين التحكيما"
فأقضي ذَماءَ النفْسِ في عرصاتِها
…
غريبًا لدَيْها والغريبُ شهيدُ
[110 ظ] وإنّ امرءًا يقضي فريضةَ
…
وزَوْرةَ قبرِ المصطفى لَسعيدُ
وقد فاز بالحُسنى ونال زيادةً
…
سعيدٌ يُواريه هناك صعيدُ
سلامٌ على البيتِ الحرام وطيبةٍ
…
يكُرُّ على رَبْعيهِما ويعودُ
سلامَ محُبٍّ كلّما ذكْرُ [أرضِها](1)
…
تبادَرتِ الأجفانُ منهُ تجودُ
والقطعةُ الحِجَازيّة ختَمَها ببيت من بيتَيْ بلالِ ابن حَمامةَ رضي الله عنه (2)، وقد أنشَدتُها عليه، وهي [الطويل]:
ألا هل إلى البيتِ العَتِيقِ سبيلُ؟
…
وهل ليَ في وادي الأراكِ مَقيلُ؟
وهل لصَدٍ من ماءِ زمزمَ نغبةٌ (3)
…
يُفَلُّ بها بينَ الضلوع غليلُ؟
ومَن لي أتاح اللهُ سُؤليَ أَنْ أرى
…
دُموعيَ في بطن المَسِيل تَسيلُ؟
فيا نجدُ أنجِدْني بهَبَّةِ نَفْحةٍ
…
تمُرُّ بعِطْفِ الروضِ وهْو بَليلُ
ففي نَفَسٍ منها عليلُ عُلالةٍ
…
لقلبي وهل يَشفي العليلَ عليلُ؟
ويا كعبةً رَصَّ الخليلُ بناءَها
…
أمَا مُسعِدي يومًا إليكِ خليلُ؟
ثكِلتُ فؤادي يومَ أنساكِ أو أرى
…
إلى الصبرِ والسُّلوانِ عنكِ سبيلُ
فلا زال بي شوقٌ إليكِ مبرِّحٌ
…
ولا فاتَني وَجْدٌ عليكِ طويلُ
(1) بياض في ح ط، والزيادة من م.
(2)
هو بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان حين هاجر إلى المدينة أصابته الحمى فكان يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
…
بواد وحولي إذخر وجليل؟
وهل أردن يومًا مياه مجنة
…
وهل يبدون لي شامة وطفيل؟
(وينظر العقد لإبن عبد ربه 5/ 282).
(3)
في م ط: "نفثة".
وقَبْلي بلالٌ قال يشكو غرامَهُ
…
وقد شاقَهُ ظلٌّ هناك ظليلُ:
"ألا ليتَ شِعري هل أبيتَنَّ ليلةً
…
بوادٍ وحولي إذْخِرٌ وجَليلُ"
وهذه القصيدةُ الرَّبّانيّة، وأنشَدتُها عليه [الطويل]:
هُياميَ ما بينَ الجوانحِ ثائرُ
…
وداءُ غرامي للفؤادِ مخُامرُ
وطيُّ ضُلوعي بالأَسى ما أَقَلُّهُ
…
تكلُّ القُوى عن حملِهِ والمرائرُ
وقد جدَّ بي وَجْدٌ وبَرَّح بي جوًى (1)
…
وغَصَّتْ بأسرابِ الدموعِ المحاجرُ
سَكِرتُ وما دارتْ عليَّ مُدامةٌ
…
ولا فتَنَتْ عقلي عيونٌ فواترُ
وجاوزتُ أوطارَ الغرام تخَطِّيًا
…
إلى حيثُ لا تُلفَى خَواطٍ خواطرُ
وجاد حيَا دَمْعي رياضَ رياضتي
…
فأزهارُها ممّا سَقاها نواضرُ
فَنائيَ في وَجْدٍ وجودٍ ومِيتَتي
…
حياةٌ وخَوْفي الأمرَ (2) ممّا أُحاذرُ
وكلُّ هوًى لابدَّ من غايةٍ لهُ
…
وغاياتُ حبِّي ما لهنَّ أواخرُ
[111 و] مَرامي مرامي أعجَزَتْ كلَّ عاشقٍ
…
فما رامَها إلّا انثَنى وهْوَ قاصرُ
وقد ذَهَلتْ عن عُروةٍ بي عُذْرَةٌ
…
وقد نَسِيتْ مجنونَها بيَ عامرُ
ورَدَّت وقد حامتْ على الوردِ فانثَنَتْ
…
نفوسٌ صَوادٍ عن ظَماها صوادرُ
تَصرَّفَ بي هذا الهوى تحتَ حُكمِهِ
…
وسُلطانُهُ مذْ كان للخَلْق (3) قاهرُ
ومَلَّكْتُهُ نفسي فَصالَ عليَّ بي
…
وضافَرَه قلبٌ وسَمْعٌ وناظرُ
دَعاني فلبَّيتُ ائتمارًا وإنّني
…
ولو لم يكنْ يدعو مبادٍ مُبادرُ
(1) في م ط: وقد جد بي وبرح به جوى، وهو مضطرب.
(2)
كذا، ولعلها: الأمن.
(3)
في م ط: "للحق".
فمنهُ لقلبي بالصّبابةِ آمِرٌ
…
ومنه عن السُّلوانِ ناهٍ وناهرُ
وما اقتادني إلّا إلى حُبِّ واحدٍ
…
تقدَّسَ أن تُعزَى إليه النظائرُ
فوافَى جَناني وهْوَ بالوَجْدِ عامرٌ
…
وألفَى لساني وهْو بالجُودِ شاكرُ
تبارَكَ مَنْ آياتُهُ تبهرُ الوَرَى
…
وأنوارُه تَعْنو إليها البصائرُ
تَتيهُ عقولُ الخلقِ في مَلَكوتِهِ
…
وترجِعُ أبصارٌ وهُنَّ حَواسرُ
هُو الله هادي مَنْ يشاءُ لسُبْلِهِ
…
إذا جارَ عن مُثْلى الطريقة جائرُ
هُو الله كلٌّ ماخلا اللهَ باطلٌ
…
وكلٌّ سواهُ غائبٌ وهْو حاضرُ
إلى ظلِّ رُحماهُ أوَيْتُ وفَضْلَهُ
…
قصدتُ ومنه لي وليٌّ وناصرُ
رَجَوْتُك ياربِّي لسدِّ مَفاقِري
…
وسترِ هَناتي يومَ تُبْلى السرائرُ
فكنْ لرجائي يا إلهي محقِّقًا
…
إذا غيَّبَتْني في ثَراها المقابرُ
وهذه القصيدةُ الثانية، وأنشَدتُها عليه [الطويل]:
جمالُ حبيبي للغرامِ دَعاني
…
فيا عاذلَيْ قلبي عليه دَعاني
بصُرْتُ بما لم تَبصُرا أنتما بهِ
…
بعينِ فؤادي لا بعينِ عِيَاني
وأدركتُ ما لم تُدرِكا منْ بهائهِ
…
فوَجْدي به غيرُ الذي تَجِدانِ
فإنْ شئتُما أن تَعرِفا ما أُكِنُّهُ
…
وأنْ تعلَما سرَّ الهوى فسَلاني
تجلّى لفِكري نورُ مَن أنا عبدُهُ
…
فوُلِّهَ معقولي وجُنَّ جَنَاني
وأُشرِبَ قلبي هيبةً ومحبةً
…
وصالت عليه شدَّةُ الخَفَقانِ
وحانَ فَنائي في وجودِ جلالِهِ
…
فحَسْبيَ أنّي في المحبّةِ فانِ
حبيبٌ سَقاني مُنْعمًا كأسَ حُبِّهِ
…
فلم أَصْحُ من حُبِّيهِ منذُ سَقاني
وثِقتُ به لا أرتجي لإقالتي
…
سواهُ إذا زلَّتْ بيَ القَدَمانِ
[111 ظ] رضا منى نَفْسي وغايةُ بغيتي
…
ومالي بصَبْرٍ عن رضاهُ يدانِ
وحُبّيَ فيه لاعتزازي [....](1)
…
وكلُّ هوًى في غيرِه لَهواني
مُدامي مُدارٌ من إدامةِ ذكْرِهِ
…
بتنزيهِهِ لا مِنْ مُدام قِيانِ
وراحُ ارتياحي أن تلوحَ لوائحٌ
…
يَغيبُ بها عن فكريَ الثَّقَلانِ
سَماعي لِما يُتْلَى من الوَحْي مُؤْنِسي
…
ومُبهجُ نَفْسي لا سَماعُ قِيَانِ
ولَذّةُ عَيْشي أن أفوزَ بخَلوةٍ
…
أُجاري بها الأشجانَ ملءَ عِنَاني
وأنثُرُ خوفًا من دُموعي وخَشْيةً
…
على الخدِّ من عَيْنيَّ نَظْمَ جُمانِ
وقد راع رَوْعي أن تكونَ محبّتي
…
مُجرَّدَ دعوى غيرِ ذاتِ بيانِ
وإلّا فما بالي على الذنبِ عاكفًا
…
وفي أسرِ إصرارِ اغتراريَ عانِ؟!
علامةُ حُبِّي أن أُطيعَ وأتَّقي
…
وألّا يَراني اللهُ حيث نَهاني
مولدُه بإشبيلِيَةَ في شعبانِ اثنينِ وتسعينَ وخمس مئة، وتوفِّي بمَرّاكُشَ سَحَرَ ليلةِ الأربعاء الرابعةِ والعشرينَ من شهرِ رَمَضانِ ستٍّ وستينَ وست مئة، ودُفنَ عقِبَ ظُهرِه بجَبّانة الشيوخ مُقاربًا مقابلةَ بابِ السادة أحدِ أبوابِ قَصْر مَرّاكُش، وكان الحَفْلُ في جَنازتِه عظيمًا لم يتخلَّفْ عنها كبيرُ أحد.
637 -
عليُّ (2) بن محمد بن عليُّ بن موسى الأنصاريّ، شَرِيشيّ، أبو الحَسَن، ابنُ الغَزّال.
رَوى عن أبي بكر بن عُبَيد وأبي الحَسَن بن لُبَّال.
(1) بياض في النسخ.
(2)
ترجمه ابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 260، وفي هامش ح:"بل ذكر شيخنا أبو جعفر ابن الزبير أنه كان يكنى أبا بكر وأنه روى عن آباء بكر: ابن الجد وابن مالك وابن عيسى وأبي الحسن بن ناصر، وأبي محمد بن حباسة الأزدي؛ أخذ عنه أبو الخطاب بن خليل وكان فقيهًا مشاورًا مقرئًا ببلده، أخذ الناس عنه وتوفي في حدود سنة تسع وست مئة، رحمه الله".
638 -
عليُّ (1) بن محمد بن عليّ بن هُذَيْل، بَلَنْسيٌّ أصِيليُّ الأصل -أصيلا العُدوة- أبو الحَسَن.
تَلا بالقراءات السَّبع وغيرِها على رابِّهِ (2) أبي داود، ونشَأَ في حِجْرِه واختَصّ به وأكثَرَ عنه ولازَمَه أزيَدَ من عشرينَ سنة، وأبي الحُسَين ابن البَيَّاز. ورَوى عن أبي بكرٍ خازِم، وأبي الحَسَن طارقِ بن يَعيشَ، وأبوَيْ عبد الله: ابن سَعادةَ وابن عيسى (3) بن يوسُفَ الكِنَانيِّ الطُلَيْطُلي، وأبوَيْ محمد: الرِّكْليِّ والسَرَقُسْطيِّ الحاجّ، وسَمِعَ "جامعَ التِّرمذي" على الحاجِّ الراوِية أبي عبد الله بن سَعادةَ لعُلوِّ سنَدِه فيه، وأجاز له أبو عليّ الصَّدَفيُّ وأكثرُ شيوخِه المُسَمَّيْنَ قبلُ.
رَوى عنه آباءُ بكر: ابنُه وابنُ خَيْر وابنُ رِزق وأبو جعفرٍ طارقُ بن موسى المَعافِريُّ، وأبَوا الحَسَن: القَسْطَليّ ومحمدُ بن [112 و] أحمدَ بن سَلمونَ، وآباءُ عبد الله: ابنُ أحمدَ بن مَسْعود الشاطِبيُّ والأنْدَرْشيُّ وابن حَمِيد وابن خَلَف وابن نُوح وابن يوسُفَ ابنُ الخَبّاز، وأبو عُمرَ بن عاتٍ، وآباءُ محمد: عبدُ الحقِّ ابنُ الخَرّاط وعبدُ الكبير وعبدُ المُنعِم ابنُ الفَرَس.
وكان صَدْرَ المُقرِئينَ وإمام المجوِّدين، عُمِّرَ فانتَهت إليه رياسةُ الإقراء بشَرْق الأندَلُس في عصرِه، مُتقِنًا ضابطًا مجوِّدًا حَسَنَ الأخْذ على القُرّاء، مشهورَ الفضل والزُّهد والثِّقة والعَدالة، صالحًا متواضِعًا خيِّرًا كثيرَ الحَياءِ صَوّامًا قَوّامًا، واسعَ المعروفِ كثيرَ الصَّدَقة متقلِّلًا من الدُّنيا مُعرِضًا عن أهلِها، وكان متى توَجَّه إلى ضيعتِه لِمَليلةَ -من جُزْءِ الرُّصافة بغَرْبيِّ بَلَنْسِيَةَ- صَحِبَه طلَبةُ العلم إليها
(1) ترجمه الضبي في بغية الملتمس (1200)، وابن الأبار في التكملة (2749)، وفي معجم أصحاب الصدفي (267)، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 211، والذهبي في المستملح (662)، وتاريخ الإسلام 12/ 322، وابن الجزري في غاية النهاية 1/ 573.
(2)
الراب: الذي رباه.
(3)
في ح: "وأبوي عبد الله بن عيسى"، ورجح في الحاشية ما ثبت في المتن في كل من م ط.
للقراءةِ عليه والسَّماع منه، فيَحمِلُ ذلك منهم طَلْقَ الوَجْه مُنشرحَ الصَّدر جميلَ الصَّبر، وينتابونَه ليلًا ونهارًا فلا يَسأَم من ذلك ولا يَضجَرُ على كُبرتِه حسبَما كان عليه أمرُه معَهم قبلَها، وأقرَأَ ببَلَنْسِيَةَ وأسمَعَ أزيَدَ من ستينَ سنة، وكان أثبتَ الناس في "أبي داود"، وإليه صارت أُصولُه العتيقةُ الكثيرةُ في فنونِ العلم بخطِّه، وانفرَدَ بالرِّواية عنهُ بلِقاهُ والسَّماع منه أزيَدَ من عشرينَ سنة.
قال أبو الحَسَن محمدُ بن سَلمون: كان يتَصدَّقُ على الأرامل واليَتامى بمالِه من دقيقٍ وأدم وغيرِ ذلك، فتقولُ له زَوجُه: إنك لتَسعَى بهذا العمل في فقرِ أبنائك، فيقولُ لها: لا والله بل أنا شيخٌ طَمّاعٌ أسعَى في غِناهم. وكنّا نقرَأُ عليه في مرَضِه الذي توفِّي منه، فكان لا يُسمَعُ منه كلامٌ في أيام الثلاثاءِ والأربعاءِ والخميس إلّا أن يُناديَ اللهَ سائلًا منه قَبْضَه يومَ الجمُعة، فإذا جاوَزَه رُؤيَ يومَ السبتِ أسِفًا سَيّئَ الحال نكِدَ البال، فيستمرُّ أمرُه كذلك إلى انقضاءِ يوم الاثنين، فإذا كان يومُ الثلاثاءِ ظهَرَ عليه سرورٌ وابتهاجٌ لطَمَعِه في الموتِ يومَ الجمُعة، وتكرَّر ذلك منه حتى عُرِفَ له ومَنّ اللهُ عليه بمطلوبِه (1) فقُبِضَ يومَ الخميس ودُفنَ يومَ الجمُعة كما كان يَسألُ ويدعو، رحمه الله.
وُلدَ سنةَ إحدى وسبعينَ وأربع مئة، قاله أبو عبد الله الأَنْدَرْشيُّ عنه، وقال أبو الخَطّاب بنُ واجِب عنه: إنّ مولدَه عامَ سبعينَ أو بعدَه بعام (2)، لم يتحقَّقْ [112 ظ] ذلك، وتوفِّي بعد صَلاة ظُهر يوم الخميس لثلاثَ عشْرةَ ليلةً بقِيَتْ من رجَبِ أربع وستينَ وخمس مئة، وصَلّى عليه أبو الحَسَن ابنُ النِّعمة، وحضَرَ جَنازتَه جَمْعٌ عظيمٌ من الناس، وشَهِدها سُلطانُ بَلَنْسِيَةَ يومَئذٍ أبو الحَجّاج بنُ سَعْد، وتزاحَمَ الناسُ على نَعْشِه متبرِّكينَ به باكِينَ فَقْدَه، وأتْبَعوهُ ثناءً حسَنًا وذِكْرًا جميلًا، ورَثاه أبو محمد بنُ واجِب بقصيدة حسَنة منها [البسيط]:
(1)"بمطلوبه": سقطت من م ط.
(2)
"بعام": سقطت من م ط.