الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَسْعوديِّ، وأبي طابٍ أحمدَ بن مُسَلَّم بن رَجاءٍ اللَّخْميّ التَّنُوخيّ، وأبوَي الطاهِر: ابن عَوْف والسِّلَفي، وآباءِ عبد الله: الحَضْرَميِّ والطُّوسيِّ إمامِ المقام شرَّفَه الله، [119 ظ] والقَزْويني والكِرْكنْتي، وأبي القاسم مخلُوفِ بن عليّ بن جارَةَ، وأبي محمد ابن سَعْدِ الله الحنَفيِّ، وأبي يعقوبَ بن الطُّفَيْل الدِّمشقيِّ، وفاطمةَ بنت سَعْدِ الخَيْر.
وآثَرَ أخوه أبو بكرٍ المقامَ هنالك فاستَوطَنَ القاهرة (1)، وقَفَلَ أبو الحَسَن هذا إلى الأندَلُس فاستقَرَّ ببلدِه أُورِيُولةَ، وأسمَعَ بها الحديثَ، فرَوى عنه أبو السُّبَيْل (2) وأبو القاسم بن نَبيل، وأبو محمد بنُ عبد الرّحمن ابن بُرْطُلُّه، وحدَّثنا عنه شَيْخانا: أبو الحَسَن الرُّعَيْني وأبو عليّ ابنُ الناظرِ رحمهما الله، وحَدَّث بالإجارةِ عنه أبو القاسم ابنُ الطَّيْلَسان بإفادةِ شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيّ (3).
وكان شَيْخًا صالحًا، حَسَنَ السَّمتِ، متواضِعًا فاضلًا مَرْضِيَّ الجُملة، راوِيةً عَدْلًا في ما يَنقُلُه، صحيحَ السَّماع، خَطَبَ ببلدِه أُورِيُولةَ زمانًا، وكان صاحبَ الصّلاة بجامعِها، ملتزِمًا إسماعَ الحديثِ به، معروفًا بالخيِر ومَتانةِ الدِّين إلى أن تُوفِّي ببلدِه سنةَ ثلاثينَ وست مئة.
670 - عليُّ بن محمد بن يحيى بن بَسّام القَيْسيُّ، أبو الحَسَن
.
رَوى عن أبي بكرٍ عَيّاش بن فَرَج، وأبي جعفر بن إبراهيمَ الكُونْكِي، وآباءِ الحَسَن: عبد الرّحمن بن عَفِيف وعبد الرّحيم الحِجَاريِّ وعبد الجليل وفَضل الله ويونُس بن مُغِيث، وآباءِ القاسم: ابن بَقِيّ وابن رِضا وعبد الرّحيم بن محمد البَيّاسي، وأبي محمد بن عَتّاب، وأبي الوليد بن طَرِيف. وأجاز له أبو الحَسَن عَبّاد بن سِرْحان، وأبو القاسم عيسى بن جَهْوَر. رَوى عنه أبو محمد وأبو الحَسَن ابنا أحمدَ بن محمد بن عليّ بن عَلُّوش.
(1) في هامش ح: "وتوفي بها في العشرين من ذي قعدة سنة سبع عشرة وست مئة". قلنا: هكذا قال المنذري في التكملة 3/الترجمة 1768 ونقله الذهبي في تاريخ الإسلام 13/ 530 عنه.
(2)
فوقها علامة خطأ في ح.
(3)
في هامش ح: "وروى عنه أيضًا القاضي أبو بكر بن رشيق وأبو العباس أحمد بن علي الأنداري وغيرهما".
671 -
عليُّ (1) بن محمد بن يحيى بن ناصِر الأنصاريُّ، قُرطُبيّ، أبو الحَسَن.
تَلا على أبي بكر (2) بن صَافٍ الجَيّاني، وأبي الحَسَن عبد الجليل. ورَوى عن أبي جعفرٍ البِطْرَوْجيِّ، وأبي داودَ بن يحيى، وأبوَيْ عبد الله: ابن مَعْمَر وابن نَجاح، وآباءِ القاسم: ابن بَقِيّ وابن رِضا وعبد الرّحيم ابن الفَرَس، وأبي مَرْوانَ ابن مَسَرَّة. وأجاز له أبو إسحاقَ بن فَرْقَد وأبو بكرٍ ابنُ الجَدّ، وأبو عبد الله بن مَعْمَر.
رَوى عنه أبو بكر بنُ عليّ ابن الغَزّال، وأبو الحَسَن بن محمد ابن البَلَنْسْي. وكان مُقرِئًا مجوِّدًا نَحْويًّا متقدِّمًا متصَدِّرًا لإقراءِ القرآنِ وتدريس العربيّة (3).
672 -
عليُّ (4) بن محمد بن يَنَيرَ (5) الأنصاريُّ، من ساكني مالَقةَ [120 و] وأصلُه من الثَّغر الشَّرقي.
رَوى عن أبي عليّ الصَّدَفي، وأبي بحرٍ الأسَديِّ، وأبي عبد الله المَوْرُوريِّ، وأبي عِمرانَ بن أبي تَلِيد، وأبي محمد بن أبي جعفر، وكانت له عنايةٌ تامّة بلقاءِ الشيوخ والأخْذِ عنهم، وكتَبَ الكثير.
673 -
عليُّ (6) بن محمد بن يوسُفَ بن خَرُوفٍ القَيْسيُّ، قُرطُبيٌّ، أبو الحَسَن، ابنُ خَرُوف.
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (2775)، والذهبي في المستملح (675)، وتاريخ الإسلام 12/ 656.
(2)
في هامش ح: "أبو عبد الله: كنى ابن الأبار لإبن صاف هذا".
(3)
في هامش ح ترجمة مزيدة وهي: "علي بن محمد بن يزيد الميورقي، أبو الحسن. أخذ عنه أبو بكر بن مسدي وذكره في معجم شيوخه".
(4)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (2713)، وفي معجم أصحاب الصدفي (257).
(5)
في هامش ح: "هو على اسم الشهر العجمي سواء".
(6)
ترجمه التجيبي في زاد المسافر (62)، وابن الشعار في قلائد الجمان 4/ الورقة 409 (سزكين)، وابن خلكان في وفيات الأعيان 7/ 100، وابن سعيد في رايات المبرزين (49)، والمغرب 1/ 136، والغصون اليانعة (138)، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 246، والذهبي في المستملح (698)، وابن فضل الله في مسالك الأبصار 11/ الورقة 480 وغيرهم. وانظر بلا بد تعليقنا على ترجمة ابن خروف النحوي المتقدمة ترجمته.
رَوى عن مَشْيَخةِ بلدِه، ثم رَحَلَ وحَجَّ، وحمَلَ عن أبي الطاهر الخُشُوعيِّ "مقاماتِ الحَرِيري" سَماعًا لثلاثينَ منها وإجازةً لسائرِها، وكتب هنالك الحديث، وجاوَرَ بالقُدس ورَوى فيه عن أبي الحَسَن بن جميل المالَقيّ، وجاوَرَ بغيرِه، واستقَرَّ بمِصرَ (1).
رَوى عنه أبو عَمْرو بنُ سالم. وكان شاعرًا مُجِيدًا بارعَ التشبيهاتِ نبيلَ المقاصِد ولا سيَّما في المُقَطَّعات، فله في نَظْمِها الشَّأوُ الذي لا يُدرَك، ولمّا عُرِفَ بالمشرِق حَظِيَ عندَ أهلِه واحتَفَلوا في بِرِّه والقيام بحقِّه، واعتَرفوا بفَضْلِه؛ وممّا شاع من شعرِه قولُه في وَصْفِ سِنْديّ (2) [الكامل]:
ومُنوَّع الحرَكاتِ يلعَبُ بالنُّهى
…
لبِسَ المحاسنَ عندَ خَلْع لِباسِهِ
متأوِّدٌ كالغُصنِ عند كثيبِهِ
…
متلاعبٌ كالظَّبي عند كِنَاسِهِ
بالعقل يلعَبُ مُقبِلًا أو مُدبِرًا
…
كالدّهرِ يلعَبُ كيف شاء بناسِهِ
ويضُمُّ للقدَمَيْنِ منه رأسَهُ
…
كالسيفِ ضُمَّ ذُبابُهُ لرِيَاسِهِ
وهذا من التشبيهاتِ العُقْم على قلبٍ فيه تُمكِن تسويتُه بوَجْه ما.
ومنه يَستهدي كَبْشًا (3)[المجتث]:
يامَن حوى كلَّ مَجْدٍ
…
بِجِدِّهِ وبجَدِّهْ
أتاك نَجلُ خَروفٍ
…
فامنُنْ عليه بجَدِّهْ
ومنه في قَوْس عربيّة دارت بيدِ شابّ وسيم فأصابَتْ إحدى ثناياه فكسَرَتْها [البسيط]:
بعدًا لناحلةٍ زَوْراءَ مُزْرِيةٍ
…
بالبابليّةِ ذات الغُنْج والحَوَرِ
(1) في هامش ح: "قفل ابن خروف هذا من رحلته الأولى فأقام بقرطبة يسيرًا ثم عاد إلى المشرق".
(2)
الأبيات في صلة الصلة 4/الترجمة 246.
(3)
أوردهما في زاد المسافر.
يَطوي الهلالُ لها كَشْحًا على حَنَقٍ
…
لمّا بَدَتْ مِثلَه في راحتَيْ قمرِ
بابَ اللُّمى قَرَعتْ منه وما كرَعَتْ
…
فنالتِ الذمَّ في وِرْدٍ وفي صَدَرِ
[121 ظ] لم تخشَ نَرْجِستي عينَيْه لا خشيتْ
…
ولم يَبِتْ منهما خَلْقٌ بلا حَذَرِ
لم تَرْعَ سَوْسَنتَيْ كفَّيْهِ لا رُعِيَتْ
…
وللوَرى بهما نَفْعٌ بلا ضَررِ
في أُقحوانتِه الفَلْجاءِ قد عَبَثَتْ
…
وعَطَّلَت بعضَها من حِليةِ الأثرِ
فقال عنها لسانُ الحال مُعتذرًا
…
وربّما قُبِلت أعذارُ مُعتذرِ:
إنّ الغُصونَ إذا مالت معاطفُها
…
بالرَّوض تَنثُرُ ما تلقَى من الزَّهَرِ
وفي المعنى (1)[الكامل]:
لا زُرتِ يا زَوْراءُ كفَّ حُلاحلٍ
…
يومَ الهِيَاج ولا رَمَيْتِ نِبَالا
نازعتِ عندَ الرَّمي مُقلةَ شادنٍ
…
تُصمي القلوبَ وما تُغِبُّ نِصَالا
وقَرَعْتِ ما يُحمَى بها حسَدًا لهُ
…
لمّا غدا بَدْرًا ولُحتِ هلالا
فغَدَتْ جُمانةُ سِنِّهِ مَرْجانةً
…
وغدا قُراحُ رُضابِهِ جِرْيالا
وفي استدعاءِ حبّةِ مِسك [مخلع البسيط]:
يا ماجدًا لا يزالُ يحكي
…
في مجدِهِ عمَّهُ وخالَهُ
وَجِّهْ لوَجْهِ المدادِ منّي
…
حبّةَ مسكٍ تكونُ خالَهْ
وفي معنًى آخَرَ (2)[الطويل]:
تبَلَّجَ صُبحُ الذِّهن منِّيَ واضحًا
…
فغارَتْ من الأهوالِ شُهبٌ عواتمُ
ولو كان ليلُ الجَهْلِ عنديَ حالكًا
…
للاحَتْ به مِثلَ النجومِ الدّراهمُ
(1) الأبيات في زاد المسافر.
(2)
البيتان في زاد المسافر.
وفي مكبولٍ من أبياتٍ لم يَحضُرْني منها عندَ التقييد غيرُ هذا [الطويل]:
وحُجِّلْتَ والطَّرفُ الجَوادُ محُجَّلٌ
…
وقُيِّدتَ والمعنى الغريبُ مُقَيَّدُ
وكان بينَه وبينَ أبي جعفر بن يحيى الخطيبِ تباعُد، وقد قال يخاطبُه:[....](1).
توفِّي بحَلَبَ متردِّيًا في بئرٍ في نحوِ العشرينَ وست مئة.
674 -
عليُّ (2) بن محمد بن يوسُفَ بن عبد الله الفَهْميُّ، قُرطُبيٌّ يابُرِيُّ الأصلِ حديثًا، طُلَيْطُليُّ أصلِ السَّلَفِ قديمًا، سَكَنَ سَلَا ثم مَرّاكُش، أبو الحَسَن الفَهْميُّ.
تَلا في إشبيلِيَةَ بالسَّبع على أبي بكر بن خَيْر، وأبي الحَسَن نَجَبةَ، وبغَرْناطةَ على أبي عبد الله بن عَرُوس، وأبي محمد عبد المُنعِم بن الخَلُوفِ سنةَ [122 و] ثمانٍ وستينَ وخمس مئة، وسَمِع منهم، ومن أبي عبد الله ابن الغاسِل وأبي العبّاس بن مَضَاءٍ وأكثَرَ عنه.
وأجاز له من أهل الأندَلُس: أبو إسحاقَ بن فَرْقَد، وأبو الرَّبيع الخُشَنيّ، وأبو زَيْد السُّهَيْلي، وأبو عبد الله القبَاعي، وأبَوا القاسم: ابنُ بَشْكُوال وابن الحاجّ، وأبو محمد بن عُبَيد الله وسِواهم. ومن أهلِ المشرِق: أبو الطاهر السِّلَفيُّ وابن عَوْف.
رَوى عنه أبَوا عبد الله: ابنُ سَلَمةَ الشاطِبيُّ ابنُ الأديب وابنُ عليّ البَطَلْيَوْسِىُّ المَوْصِليّ.
وكان حافظًا للقرآنِ العظيم مجوِّدًا لهُ عارفًا بالقراءاتِ قائمًا عليها، آيةً من آياتِ الله في حُسنِ الصَّوت، آخِذًا بطَرَف صالح من العربيّة، ذا حَظّ من روايةِ
(1) بياض في النسخ.
(2)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (2817)، والذهبي في المستملح (696)، وتاريخ الإسلام 13/ 510 ثم أعاده في 13/ 551 بسبب الاختلاف في تاريخ الوفاة، والمراكشي في الإعلام 9/ 68.
الحديث، ذَكِيَّا فَهِمًا يَقِظًا ضَريرًا، واجتازَ المنصُورُ من بني عبد المُؤمن به يومًا وهُو يقرأُ بمقبُرةٍ على جاري عادتِه، فأخَذَ بقلبِه طِيبُ نغَمتِه وحُسنُ إيرادَه، فقَرَّبَه واستَخْلَصَه وأمَرَه بتعليم أولادِه وقراءةِ حِزبٍ من التراويح في رَمَضان، فكان يقرأُه بحرفِ عاصم ويؤْثِرُه على غيرِه؛ ثم خَبِرَ أحوالَه وعرَفَ صَوْنَه وعَفافَه، فأمَرَه بتعليم بناتِه فاستَعْفاهُ من ذلك معتذِرًا بأنه يُدرِكُ بعضَ التفرِقة بينَ الألوان، فأحظاهُ ذلك عندَه لِما تحقَّق من صِدقِ نُصحِه، وألزَمَه تعليمَهنّ، وكان ذلك سببَ إثرائه وسَعة حالِه واقتنائه الرِّباعَ الجيِّدةَ الكثيرةَ بمَرّاكُشَ وغيِرها، وانتهى استغلالُه من رِباعِه بمَرّاكُشَ وحدَها خمسَ مئةِ درهم من دراهمِهم في اليوم الواحد؛ وإليه يُنسَبُ الحَمّامُ الذي بالعُدوةِ الشَّرْقيّة من ساقِيَةِ مَرّاكُش على المَحلِّ (1) الأعظم منها والعَقارُ المُجاورُ له. ولمّا توَجَّه المنصورُ إلى سَلَا مُستصحِبًا أولادَه، أمَرَهم بالكَوْنِ معَ أبي الحَسَن هذا وألحَفَ به، فلمّا برَزَ أهلُ سَلَا للقاءِ المنصورِ رأى بعضُهم أبا الحَسَن هذا يحُفُّ به أولادُ المنصورِ ويُعظِّمونَه ويُوَقِّرونَه، فقال: هكذا ينبغي أن يَرجِعَ الغريبُ إلى وطنِه وإلّا فلا.
ولمّا شَرَعَ في بنائه المشارِ إليه -وذلك في أيام الناصِر ابن المنصُور- عَرَضَ له مُلكُ أحدِ جيرانِه ممّا يُصلِحُ بناءه فرام شراءه [122 ظ] منهُ فامتنَعَ من بَيْعِه إلّا بزيادةٍ كثيرة على قَدْرِ قيمتِه، فأجرَى ذلك أبو الحَسَن معَ من أوصَلَه إلى الناصر، فذَكَرَ الناصرُ لأهل مجلسِه هذه القصّةَ في معرِض العَتْب لهم وقال: لقد فرَّطتُم في حقِّ شيخِنا ومعلِّمنا ومعلِّم إخوانِنا وأخَواتِنا أبي الحَسَن الفَهْمي، فقالوا: وما ذلك وأيُّنا يَجهَلُ مكانتَه أو لا يَعرِفُ قدرَه ويُوفي حقَّه؟ فقال لهم: أراد شراءَ مُلكٍ يُحَسِّنُ له ما يريدُ بناءه، فلم تَسْعَوْا له في تملُّكِه، فقالوا: إنّ مالكَه اشتَطَّ في ثمنِه كثيرًا؛ فقال: يُشتَرَى له بما عَزَّ من الثمنِ وهان ويُرضَى صاحبُه وتُقضَى حاجةُ الفَهْميّ؛ فقالوا: إنه لا ينقا (2) إلى شرائه بالثمنِ
(1) في هامش ح: "لعله: المحج".
(2)
كذا في النسخ، ولعلها:"ينقاد".
الذي عَيَّنَه مالكُه، فقال: يا لَلعجَب! أتُحوِجُونُه إلى دَفْع ثمنِه من تِلقاءِ نفسِه وصُلبِ مالِه؟ هلّا دفَعتُم ثمنَه من أموالِكم وتقرَّبتُم بذلك إلى مَرْضاةِ أبي الحَسَن وتَقَمُّن مسَرّتِه، فذلك الذي يَسُرُّنا ويُرضينا؟ فانفَصلوا عن المجلِس وابتاعوا ذلك المالَ من ربِّه بما أرضاهُ وحازه أبو الحَسَن وحَسَّنَ به ما كان قد قَصَدَ إلى تحسينِه من ذلك البناء. وإنّما أراد الناصرُ بهذا كلِّه تبيينَ مكانتِه عندَه والإشادةَ بتمكُّن حُظوتِه لديه، وإلّا فقد كان يكِلُه إلى شرائه لنفسِه أو يأمُرُ له بثمنِه من مالِه؛ وتحصَّلَ له بالِهبة من بني المنصُور وحاشيتِه ووُزرائه وعُمّالِه من الأموال والكُتُب النَّفيسة والذّخائرِ ما لا يُحصَى كثرةً، فإنهُ كان شديدَ الكدية كثيرَ إعمالِ الحِيَل في ذلك، مُصانعًا، لتمكُّنِه من جانبِ أُولي الأمر واختصاصِه بهم. وكان من عادتِه أنه متى بَلَغَه أنّ أحدًا صارت إليه فائدةٌ من جانب السُّلطان أو وَلِيَ ولايةً أو استُعمِلَ في خُطّه قَصَدَ إليه أو بَعَثَ رسُولًا نحوَه يلتمسُ منه إسَهامَه في عِمالتِه أو منافعِها، فلا يَسَعُه إلّا إسعافُه بذلك.
وحَكَى الشّيخُ أبو الحَسَن بن قُطْرال (1)، قال: كانت كُبرى ديارِ أبي الحَسَن الفَهميِّ القريبةِ من حَمّامِه قبلَ تملُّكِه إيّاها لبعض ذوي قَرابةِ أبي الفَضْل ابن مَحْشَرةَ (2) الكاتب، وإنه كان قاعدًا يومًا عند بابِها، فاجتازَ به أبو الحَسَن الفَهْميُّ وتكفَّفَه فلم يُجْرِ اللهُ له على يدِه شيئًا، وانصَرفَ من عندِه خائبًا؛ ثم دارتَ الأحوالُ وتَرِبَ رَبُّ [132 و] تلك الدار واضْطُرَّ إلى بيعِها، فتداوَلَها المُلّاكُ إلى أنْ صارت إلى أبي الحَسَن الفَهْمي؛ وبينَا هو قاعدٌ يومًا بمَدخلِها وبعضُ العَطّارينَ يزِنُ هنالك فُلفُلًا كان قد ابتاعَه أبو الحَسَن منه أو باعَهُ له، فعَرَضَ له ذلك الذي كان رَبَّ الدار بالسؤال، فعَرَفَ أبو الحَسَن صوتَه، فقال: لعلّك فلان! فقال: نعم، فتناوَلَ بيدِه المِلَتَّ الذي يستعملُه العَطّارونَ
(1) في م: "قرطال".
(2)
وقع في بعض النسخ: "محشوة"، والصواب ما أثبتنا، وتنظر ترجمته في عنوان الدراية 30، والبيان المغرب (قسم الموحدين) 163، والشهب اللامعة 213 - 214.