الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
165 -
عبدُ الوهّاب (1) بن عبد الصَمد بن محمد بن غِيَاثٍ الصَّدَفيُّ، لَوْشِيٌّ، استَوْطنَ مالَقةَ بأَخَرة، أبو محمد.
رَوى عن أبي بكر ابن العَرَبيِّ، وأبي عبد الله النَّوَالِشيِّ وأكثَرَ عنه، وأبي الوليد بن بَقْوةَ. وأجاز له أبو بكر بنُ فَنْدِلة، وأبو الحَسَن شُرَيْح وأبو مَروان الباجِيُّ، وأبو الوليد بن حَجّاج وغيرُهم.
رَوى عنه أبو جعفرٍ الجَيّار، وابنا حَوْطِ الله، وأبو الرَّبيع بنُ سالم، وأبو عُمرَ بنُ سالم، وأبو محمد ابنُ القُرطُبيّ. وكان فقيهًا ضعيفَ الخَطّ، واستُقضيَ. وقُتلَ بإشبيلِيَةَ في فتنة الجَزِيريِّ سنةَ ستٍّ وثمانينَ وخمس مئة وصُلِب، أسألُ الله حُسْنَ العاقبة وإسبالَ سَتْر العافية.
166 - عبدُ الوهّاب بن عبد العزيزِ بن عثمانَ العَبْدريُّ، أبو محمد
.
رَوى عن [20 ظ] أبي الطيِّب سَعيد بن فَتْح.
167 - عبدُ الوهّاب بن عبد الملِك بن يَزيدَ الفِهْريُّ، قُرطُبيّ
.
كان من أهل العلم وجِلّةِ المُبرِّزينَ في العدالة، حيًّا في حدودِ الثمانينَ وأربع مئة.
168 -
عبدُ الوهّاب (2) بن عامِر القُرَشيُّ [الفِهْريُّ](3)، مالَقيٌّ، أبو محمد.
رَوى عنه أبو بكر عَتِيىُّ بن محمدٍ المالَقيّ. وكان فقيهًا عاقدًا للشّروط بَصيرًا بها، عارِفًا بالحسابِ وفرائض المَواريث، وَرِعًا مُنقبِضًا عن الناس فاضلًا.
169 - عبدُ الوهّاب بنُ عليّ بن صالح الهمدانيُّ، مالَقيٌّ، أبو محمد، ابنُ سالم
.
له إجازةٌ من أبي الحَسَن شُرَيْح، وأبي الحَكَم عبدِ السلام بن بَرُنْجال.
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (2510)، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 38، والذهبي في المستملح (599)، وتاريخ الإسلام 12/ 819.
(2)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (2507).
(3)
بياض في النسخ، وما أثبتناه من حاشية ح والتكملة.
170 -
عبدُ الوهّاب (1) بن عليّ بن عبد الوهّاب، قُرطُبيّ، أبو محمد.
رَوى عن أبي القاسم ابن بَشْكُوال، ورَحَلَ وحَجَّ، ورَوى بالإسكندَريّة عن أبي الطاهر السِّلَفيّ، رَوى عنه بها أبو الحَسَن بنُ المُفَضَّل وأبو عبد الله التُّجِيبيُّ نزيلُ تِلمْسين. وبمكّةَ شرَّفها اللهُ: نزيلُها أبو عبد الله بنُ أبي الصَّيْف، وعلى ظهرِ السّفينة: أبو مروانَ عبدُ الملِك بن محمد بن الكردبُوس التُّوزَرِي في وِجهتِهما من إفريقيّةَ إلى الإسكندَريّة في محرَّمِ ثلاثٍ وسبعينَ وخمس مئة. وكان راوِيةً عَدلًا خَيِّرًا فاضلًا.
واستُشهدَ غَرَقًا في بحرِ جُدّةَ بعدَ حجِّه ومجُاورته بمكَّةَ شرَّفها اللهُ أوّل سنةَ سبع (2) وسبعينَ وخمس مئة، قالهُ التُّجِيبيُّ، وأُراه واهمًا في ذلك؛ فقد أجاز لأبي محمدٍ عبد الكريم بن مُغِيث في ذي الحجّة سنةَ سبع وتسعينَ وخمس مئة، فابحَث عنه، واللهُ المُرشِد.
171 -
عبدُ الوهّاب (3) بن عليّ بن محمد القَيْسيّ، وقال فيه ابنُ حَوْطِ الله: عبدُ الوهّاب بنُ محمد بن عليّ (4)، مالَقيٌّ، أبو محمد، ابنُ الأصَمّ والمنْشِي (5)، وقال ابنُ الأبّار: المَنْشَرِيّ، وقال: ومَنْشرُ: قريةٌ من قُرى مالَقةَ، وذلك غَلَط (6).
رَوى عن أبي الحُسَين ابن الطَّرَاوة، وأبوَيْ عبد الله: الحِجَاريِّ وابن مَسْوَرة، وأبي العبّاس بن سيِّد، وأبي محمد القاسم بن دَحمانَ و [أبي](7) مَرْوانَ ابن مجُبر.
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (2508)، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 37.
(2)
في حاشية ح والتكملة: "خمس".
(3)
ترجمه ابن خميس في أدباء مالقة (104) ترجمة حافلة، وابن الأبار في التكملة (2511)، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 39، والذهبي في المستملح (600)، وتاريخ الإسلام 12/ 1150، والصفدي في الوافي 19/ 333.
(4)
وكذلك قال ابن الأبار.
(5)
في حاشية ح: "المنشاة: من حصون مالقة الغربية". وكذلك قال ابن الزبير في صلة الصلة.
(6)
ينقل ابن الأبار هذا عن ابن فرتون وابن منداس، فالخطأ عائد إليهما.
(7)
ما بين الحاصرتين زيادة متعينة، فهو أبو مروان عبد الملك بن مجبر، كما في صلة الصلة وغيره.
رَوى عنه ابوا جعفر: الجَيّارُ وابنُ يحيى، وأبو سُليمانَ بن حَوْطِ الله وأبو عَفرو بنُ سالم، وأبَوا محمد ابنَي المحمدَيْن: ابن الكَوّاب وابن المَلِيح. وحدَّث عنه بالإجازة أبو محمدٍ عبدُ الرّحيم ابنُ الشّيخ.
وكان فقيهًا عاقدًا للشّروط، بصيرًا بعِلَلِها، [21 و] نافذًا في العربيّة رَيّانَ من الأدب، مُجِيدًا في النَّظْم والنَّثر ناقدًا، وَرِعًا زاهدًا فاضلًا، منبسِطَ النَّفْس طَريفَ الدُّعابة، متينَ الدِّيانةِ، قليلَ الرِّواية نازلَها، وَليَ الصّلاةَ والخُطبةَ بجامع مالَقةَ بعدَ الخَطيب أبي عبد الله الإسْتِجي. وكان قبلُ قد اثَرَ سُكْنى باديتِه مُعظمَ عُمره راضيًا بخمولِه، عاكفًا على ما يَغنيهِ من شأنِ مَعاشِه ومَعادِه، إلى أن توفِّي الخَطيبُ أبو عبد الله الإستِجيّ، انتَقلَ إلى سُكْنَى مالَقةَ إلى أن توفِّي إمامًا في الفريضة بجامع مالَقةَ وخَطيبًا به فجْرَ يوم السّبت لأربعَ عشْرةَ ليلةً خلَتْ من شوّالِ ثمانٍ وتسعينَ وخمس مئة، ودُفن بعدَ صَلاةِ العصرِ من يومِه، ومَوْلدُه سنةَ إحدى وعشرينَ وخمس مئة.
وكانت بينَه وبينَ أبي القاسم السّهيْليّ وأبي الحَجّاج ابن الشَّيخ وأبي محمد ابن حَوْطِ الله وغيرهم من أُدباءِ عصره مخُاطَباتٌ ظهرَ فيها تبريزُه وحُسنُ تصرُّفِه، وسيأتي بعضُها في رَسْم أبي عبد الله بن غالب وفي رَسْم أبي الحَجّاج ابن الشَّيخ إن شاء الله (1).
وله خُطَبٌ بارِعة وأشعارٌ فائقة ورسائلُ بديعة، وبه خَتَمَ أصبَغُ بنُ أبي العبّاس كتابَه في أعلام مالَقةَ (2). ويؤثَرُ من تنديرِه المُستَطْرَف (3): أنه دَخَلَ يومًا على بعض الوُلاة بمالَقةَ فسَألَ الوالي عنه كاتبَه أبا محمدٍ عطاءَ بنَ غالب الهَمْدانيَّ المعروفَ بابن أُختِ غالب، فقال عطاءٌ: هُو رجُلٌ من أهل البادية، فقال أبو محمد:
(1) السفر الذي يحيل عليه المؤلف مفقود، وتنظر ترجمة أبي الحجاج ابن الشيخ في صلة الصلة 5/ 285.
(2)
ذكره السخاوي في الإعلان (640).
(3)
وردت القصة في صلة الصلة.
نعَم، البادية على وَجْهي بادية، لا أُنكِرُ حالي، ولا أُعرَفُ بخالي؛ فأسكَتَ عطاءً مُفحِمًا وأُعجِب الأميرُ والحاضرونَ بجواب أبي محمد.
قال أبو الحَجّاج ابنُ الشَّيخ: كان الفقيهُ أبو محمد رضي الله عنه قد أنشَدَني لنفسِه هذيْنِ البيتَيْن (1)[الوافر]:
بإحدى هذه الخيماتِ جارَهْ
…
تَرى هجْري وتعذيبي تجارَهْ
وكم نادَيْتُ: يا هذي ارحَمِينا
…
فلَسْنا بالحديدِ ولا الحِجارَهْ
قال: فأنشَدتُّهما ذاتَ يوم جماعةً من الإخوان، من أهل الحَذْقِ والإتقان، فكلٌّ استَمْلَحَهما حينَ لَمَحَهما، ووَمَقَهما إذْ رَمَقَهما، واستَحْلاهُما [21 ظ]، لمّا نُشِرت حُلاهُما، إلى أن قال أحدُهم: هذا السِّحرُ الحلال، والماءُ الزُّلال، لكنْ تعالَوْا نُذيِّلِ البيتَ الأوّل، على ألّا مَطْمعَ لكم في قافيتِه ولا مُعوَّل؛ لأنه التزَمَ فيها خمسةَ أحرُفٍ تِباعًا، وهذا شيءٌ يَقْصُرُ كلُّكم عن الإتْيانِ بمثلِه باعًا، وأمّا قافيةُ الثاني فربّما، على أنّها أبعدُ من السَّما، فقلتُ له: يا هذا، لقد ضَيَّقتَ واسعًا، وأيْأَسْتَ طامعًا، وزَعمتَ أنْ ليس في الحيِّ من حَيّ، ولا في النادي من نادي، ولعلّ مَن تَزْدَريه، يَدْريه، وعسى من تحقِرُه يُجيب، بالأمرِ العجيب، فقال: بسم الله ادْعُ النِّزال بهذا الميدان، وابرُزْ للقتال إن كان لك به يَدان، فقلتُ: لِيُخرِجْ كلُّ واحدٍ منكم ما عندَه، ولْيَجْهد جُهْدَه، ولْيقُلْ على قَدرِ وُسعِه، ورِقّةِ طَبْعِه، ثم لْنبعَثْ به إلى قائلِ البيتَيْن، ولْنُحكّمْهُ فإنه عَدْلٌ ما عندَه مَيْن، يَمِيزُ الطّيِّبَ من الخبيث، والجديدَ من الرَّثيث، فرَضِيَ كلٌّ منا بهذا القول، واستَعنّا بذي القُوّةِ والحَوْل، والمِنّةِ والطَّوْل، وقال كلُّ فصيح منهم ما أمكَن، وزاحمتُهم أنا بلسانيَ الألْكَن، وألقَيْتُ دَلْوي في دِلائهم، وجعَلتُ أمشي خلْفَ أدِلّائهم، ثم جمَعتُ ما نَظَموه، ورفَعتُ ما رَسَموه، وبَعثْتُ به إليه طرائقَ قِدَدًا، ولم أُسمِّ من قائلِه أحدًا؛ بيْدَ أنّي أخَّرتُ شِعري لرِكّتِه، وقَدَّمتُ شِعرَهم لرِقّتِه، وكتَبْتُ بهذه الأبياتِ، التي ذكْرُها
(1) هما في صلة الصلة.
يات، أقمتها مقامَ الرسالةِ، وإن لم تكنْ ذاتَ جَزالة، فإنّكَ تصلُ إلى مفهومِها، من منظومِها، وتقِفُ على المعنى المودَع فيها، من قَوافيها، وهي [الوافر]:
أَتاكَ الشِّعرُ قد حُشِرَتْ جنودُهْ
…
يؤمُّكمُ وقد نُشِرَتْ بُنُودُهْ
بكلِّ مُدجَّج بطلِ كَمِيٍّ
…
جَريءِ القلبِ يَسْتُرُهُ حديدُهْ
مُعَسْكَرُهُ تضِلُّ البُلْقُ فيهِ
…
يَشيبُ لهولِهِ منهُ وليدُهْ
ولكنْ لا تُرع فالكل سَلْمٌ
…
إليكَ مُسَلَّمٌ: يدُهُ وجِيدُهُ
وبعدُ اسمَع أَقُلْ ولرُبَّ قولِ
…
تُسَكِّتُهُ وآخرَ تستعيدُهْ
تُجمِّعُنا نقولُ الشعرَ يومًا
…
وما نَبْغي سوى ما نَسْتَفيدُهْ
فذيَّلْنَا لكم بيتًا كَسَتْهُ
…
عُلاكَ حُلًى وزانَتْهُ بُرودُهْ
وكلٌّ يَدَّعي أنَّ المُعَلَّى
…
لهُ والسَّبقُ أحرَزَهُ قصيدُهْ [22 و]
فقدَّمناكَ للتمييزِ فاحكُم
…
بحُكمِكَ إنَّ حُكمَكَ نستجيدُهْ
فأنتَ إمامُ أهلِ الشِّعرِ طُرًّا
…
بإجماعِ الوَرَى وهمُ عَبيدُهْ
وأنت نَسيجُ وَحدِكَ لا تُبارَى
…
وأنت فريدُ عصرِكَ بل عميدُهْ
وهذي الخيلُ قد عُرِضَتْ فعَرِّبْ
…
وهجِّنْ، لا يُفَنَّدُ ما تريدُهْ
وضَغ وارفع وقُلْ تُسْمع ومَن لم
…
يُطِع يُقْطَع بأمرِكمُ وَريدُهْ
أدام اللهُ لك العافية، لمّا كان الشعرُ المُذَيَّلُ على غير هذه القافية، أردتُ أن تكونَ قافيةُ شعرِ هذه الرسالةِ كتلك، فقلتُ ولله المُلك [الوافر]:
تذاكَرنا القَريضَ وقائليهِ
…
لِنَعلَمَ فرعَهُ ونَرى نِجَارَهْ
فقالوا: الشِّعرُ سهلٌ، قلتُ: كلّا
…
أرُوني مِن صُدورِكُمُ انفجارَهْ
حسِبتمْ أنّ حَوْكَ الشّعرَ مِثلُ الـ
…
ـحِيَاكةِ والخياطةِ والنِّجارهْ
فقالوا: ذاك أسهلُ، قلت: أينَ
…
الشُّجاعُ يَلِجْ على أسَدٍ وِجَارهْ؟
أنا آتيكمُ منهُ ببيتٍ
…
وأُعطي مَنْ يُذَيِّلُهُ الإجارهْ
فقالوا: هاتِ قلتُ لهم: أجيزوا
…
(بإحدى هذه الخَيْمات جارَهْ)
فقالوا لي: وأنت فقُلْ، فقُلنا
…
وكلٌّ يَدّعي أنْ بَذَّ جارَهْ
وطال بنا النِّزاعُ وليسَ منّا امـ
…
ـرُؤٌ مِن ذاك صاحبُهُ أجارَهْ
بفضلِك يا فقيهُ احكُمْ علينا
…
بحُكمِكَ واغتِنم هذي التِّجارهْ
وقلْ حقًّا ولا تَسْتحيِ منّا
…
ومن يَغْضَبْ يَعَضَّ على الحِجارهْ
قال أحدُنا -هو الحاجُّ أبو عبد الله بنُ سَلَمة-[الوافر]:
بإحدى هذهِ الخَيْماتِ جارَهْ .... تَرى هجْري وتعذيبي تجارهْ
وتَبسِمُ عن أقاحِ لُؤَيْلِيَات
…
وقلبِ غَضَنْفرٍ قَدَ اتَى وِجَارَهْ
فلولا أنّ مَرءًا خاف رَبًّا
…
فيَستحيي وَيسترعي نِجارَهْ
لَعضَّ بِصارمٍ عَضْبٍ رُؤوسا
…
تُكاليها بضَرْبٍ كالنِّجارهْ
قال آخَرُ -هو أبو عبد الله ابنُ الحَنَّاط (1) -[الوافر]:
بإحدى هذهِ الخَيْماتِ جارَهْ
…
تَرى هجْري وتعذيبي تجارَهْ
وكم ناديتُ: يا هذي ارحَمينا
…
فلَسْنا بالحديدِ ولا الحِجارَهْ [22 ظ]
فغطَّتْ عندَماسمِعتْ وقالت
…
[...............](2) جارَهْ
أمَا تخشَى إلهكَ يا مُعَنَّى
…
فقد ألبستَني بُرْدَ الإجارَهْ
أغَرَّكَ حِلْمُهُ فنَطَقْتَ زُورًا
…
ولم تَسأَلْهُ مِنْ نارٍ إجارَهْ
(1) له ترجمة في أعلام مالقة 118 (ط. دار الغرب).
(2)
بياض في الأصول.
وقال آخَرُ -هو أبو القاسم ابنُ الكاتب (1) -[الوافر]:
بإحدى هذه الخَيْماتِ جارَهْ
…
تَرى هجْري وتعذيبي تجارَهْ
وكمْ ناديتُ: يا هذي ارحَمينا
…
فلَسْنا بالحديدِ ولا الحِجارَهْ
فمالتْ نحوَ خَيْمتِها وقالتْ:
…
ومن أشراكِنا يرجو انسجارَهْ!
فلا يَكُ طامعًا في النَّيلِ إنّا
…
قَطَعْنا من حبائلِنا هِجارَهْ
وإنّ وِصالَنا بَسْلٌ حرامٌ
…
ورُبَّتَما يُحلَّلُ بالإجارَهْ
وقال آخَرُ -هو أبو علي القُرطُبيّ (2) -[الوافر]:
بإحدى هذه الخَيْمات جارَهْ
…
تَرى هجْري وتعذيبي تجارَهْ
وكمْ ناديتُ: يا هذي ارحَمينا
…
فلَسْنا بالحديدِ ولا الحجارَهْ
أَجيبي هائمًا صَبًّا مَشُوقًا
…
أجِيريهِ منَ الشَّكوى إجارَهْ
فمِثلُكِ قديَرِقُّ لمُستَهامٍ
…
ويرحَمُ في صَبابتِه نِجارَهْ
سلامٌ طيِّبٌ عَبِقٌ على مَنْ
…
أَصار بِحُسْنِهِ قلبي وِجارَهْ
وقال آخَرُ -هو أبو عليّ بنُ كِسرى (3) -[الوافر]:
بإحدى هذه الخَيْمات جارَهْ
…
تَرى هجْري وتعذيبي تجارَهْ
وكمْ ناديتُ: يا هذي ارحَمينا
…
فلَسْنا بالحديدِ ولا الحِجارَهْ
سَلِي في مُلتقَى الخيلَينِ زَحْفًا
…
إذا سألَ الرَّدى منِّي الإجارَهْ
هنالك تعرفينَ خَطيرَ قَدْري
…
وتَسترضِينَ مِن حُرٍّ نِجارَهْ
(1) له ترجمة في أعلام مالقة (269)، وصلة الصلة 3/ 189.
(2)
هو أبو علي الحسن بن أحمد الأنصاري القرطبي نزيل مالقة، وترجمته في التكملة (694).
(3)
هو أبو علي الحسن بن محمد المشهور بابن كسرى (تحفة القادم 130).
وقال آخَرُ -هو أبو عبد الله الحِجَاريّ (1) -[الوافر]:
بإحدى هذه الخَيْماتِ جارَهْ
…
تَرى هجري وتعذيبي تجارَهْ
وكمْ ناديتُ: يا هذي ارحمينا
…
فلَسْنا بالحديدِ ولا الحِجارَهْ
أجيري هائمًا كَلِفًا مُعنًّى
…
فكمْ ظَبْيٍ سِواكمْ قد أجارَهْ
شريفَ الحُبِّ ليس يريدُ وَصلًا
…
سوى لَثْمٍ فَصِلْ فيه نِجارَهْ [23 و]
وقال آخَرُ -هُو القُرَشيُّ ابنُ أحمد (2) -[الوافر]:
وحاشَ الحُسنِ منكِ فُديتِ أنْ لا
…
يُجيرَ من البِعادِ مَن استجارَهْ
فرُحمى منكِ أو عُتْبى إلينا
…
فقلبي مِن هوًى يأبَى ازدجارَهْ
بحُكْمِ الحُبِّ ذابَ جوًى، وطَرفي
…
أبي من دمعِه إلّا انفجارَهْ
ومَنْ تَصِدِ العيونُ لهُ فؤادًا
…
تبِتْ حَوْباؤه للشوقِ جارَهْ
وقال آخَرُ -هُو أبو الحَجّاج ابنُ الشَّيخ-[الوافر]:
بإحدى هذه الخَيْماتِ جارَهْ
…
تَرى هجْري وتعذيبي تجارَهْ
برؤييها تضِنُّ وكلُّ جارٍ
…
عَلِمتُ يَرَى معَ الساعاتِ جارَهْ
فتاةٌ من بني النَّجّار تَأْبَى
…
مِنَ القلبِ الشَّجِيْ إلّا انتجارَهْ
تُعمِّمُ رأسَها بضَفيرِ فَرع
…
وتُحكِمُ يا خليليَّ اعتجارَهْ
فُتِنْتُ بها وقد فَتَنَتْ قديمًا
…
حجيج مِنًى وقد فَتَنَتْ نجارَهْ
وتَشتجرُ العوالي في هواها
…
وكلٌّ يرتضي فيها اشتجارَهْ
وإنّي مُستجيرٌ مِنْ هواها
…
ولكنْ ليس تنفَعُ الاستجارَهْ
(1) مترجم في أعلام مالقة (118).
(2)
ترجمته في أعلام مالقة (320) وفيه: ابن قرشية.
يا سيِّدي [المتقارب]:
لك الفَضلُ بَيِّنْ لنا مَن أصابَ
…
طَريقَ الصّوابِ ومَن أَخْطأَ
ومَن كان في السَّيرِ مستعجِلًا
…
ومَن سارَ قَصْدًا ومَن أَبْطأَ
ومَن نَخْلُ بُستانِه أثمرَتْ
…
ومَن زَرْعُ فَدَّانِهِ أشْطَأَ
فكلٌّ يَرى أنّ أرضَ القَريضِ
…
بِخَيْلِ الإصابةِ قد أَوْطَأَ
أدام اللهُ عرَّك، هذه الأخبارُ لم يزَلْ أهلُ الآدابِ يَستطرفونَها قديمًا وحديثًا، وَيسيرونَ إليها سَيْراً حثيثًا، وأنت -وفَّقَك الله- وإن كنتَ قد ترَكْتَ هذه الطريقة، وسلَكْت سُبُلَ الجِدِّ والحقيقة، فلكَ -والحمدُ لله- بإخوانِكَ اهتمام، ولا سيَّما بمَن بينَك وبينَه أيُّ ذِمام. وأيضًا، فللكِتاب جَواب، وهو في اللِّزام كردِّ السلام، فلا يَثقُلْ عليك -أتمَّ اللهُ نِعمَهُ لديْك- وأجِبْ بما تيسَّرَ وخَفّ، فقد مدَننا إليك كلَّ
مقلةٍ وكفّ، والسلامُ عليكَ ورحمةُ الله وبَركاتُه.
فأجابَه الفقيهُ أبو محمدٍ رضي الله عنه [23 ظ]: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، صَلّى اللهُ على (1) محمدٍ وعلى آلِه وسلَّم تسليمًا [مشطور الرجز]:
إنَّ خليلًا ليَ مِن قُضاعَهْ
…
ذَكَّرني أيّاميَ المُضَاعَهْ
إذِ الهوى واللَّهوُ لي بِضاعَهْ
…
مَهْلًا فذاكَ الدَّرُّ قد أضاعَهْ
خِلُّكَ لم يَستَدِمِ ارتضاعَهْ
أيها الفاضلُ الحَسِيب، إلى متى هذا التغزُّلُ والنَّسيب؟ ألم تَنْفَد أيامُ الجهل؟ ألم يَعُدِ الفتى كالكَهْل؟ أمَا والله، لقد أحاطتْ بالرِّقابِ السلاسل (2)،
(1) في م: صلى الله على سيدنا ومولانا.
(2)
نثر قول أبي خراش الهذلي:
وليس كعهد الدار يا أم مالك
…
ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل
…
سوى العذل شيئًا واستراح العواذل
وآنَ أن يَخافَ من العقابِ المتغزِّلُ المُراسِل، رُوَيْدَك -وأنا المراد - رُوَيْدَك، فقد طالما أوهَنْتَ في تلك الخُزَغبَلاتِ عمُرَكَ وأيْدَك، وعَصَيْتَ في النُّصح عَمرَكَ وزَيْدَك، واتَّبَعتَ الأثرَ وترَكْتَ صَيْدَك، ودَراكِ دَراكِ (1)، سكونَ الحِرَاكِ، وخَلِّ عنك ساجِعاتِ الأَيْك، وقُلْ لها وراءَكِ وإلَيْك، ثم ما أنت وعهدُ ساكناتِ الخِيام، وإن كانت مِن مُبارَكاتِ الأيام! كم تسألُ عن أنباءِ سُعادَ سَعدًا! هلّا قلتَ قولَ الألِبَّاءِ: سُحْقًا للهوى وبُعدًا؛ هذا أوانُ الشَّرّ، يا مَن أرمَى على الأشَرِ، تعالَ فلْنَخْلَعْ تلك الليِّناتِ من الملابس، ولْنَرجع عن التُّرَّهاتِ البَسَابِس، ولْنَذَرِ الدِّيارَ وساكناتِها، ولْنُقِرَّ الأطيارَ على وُكُناتِها، ولْنذهبْ في مِنهاجٍ من صالح العمل، ولْنتأَهَّبْ لانزعاجٍ ليس يَسعَى به الجَمَل، هذا والله هُو الرأيُ السَّديد، عندَ ذَوي الرأيِ الحديد، ومعَ هذا، فلا بدَّ أنْ نَسلُكَ في مسألتِك أدنى سُبُل الإسعاف، ونتمسَّكَ من الجَوازِ بالأحْبُلِ الضعَاف، ونَتذوَّقَ حلاوةَ أخبارِ الاستهتارِ فلها طعمٌ لذيذ، ونُصدِّقَ إزْراءَ مَن أتانا بها صَفْراء يَزعُمُ أنّها نبيذ.
وقد ذكرتَ أن قومًا من الشُّعراء، ذَيَّلوا في بيتًا قد كان عندي منبوذًا بالعراء، وأردتَ أنْ أقفَ على أبياتِهم، وأعرِفَ كيف تفاوتُهم في غاياتِهم، وزَعمتَ أنّ لي بَصَرًا بالتفريق، بينَ مَن سار قَصْدًا أو حاد عن الطريق، فسأقفُ عليها وإن كان الباعُ قصيرًا، ولم يكنِ الناقدُ بصيرًا [الطويل]:
فإنْ لا أكُنْ كلَّ الشُّجاعِ فإنّني
…
[بضربِ الطّلى والهامِ حقُّ عليم](2)
وإلّا أكُنْ كلَّ الجوادِ فإنّني
…
على الزّادِ في الظَّلماءِ غيرُ لئيمِ
قال أحدُهم [الوافر]:
فلولا أنّ مَرْءًا خافَ رَبًّا .... (البيت)
(1) في م: ودارك در السكوت.
(2)
ورد الشطر الثاني من هذا البيت في الأصول كالشطر الثاني من البيت الذي يليه. وهو خطأ لعله سهو من الناسخ، والبيتان لبعض بني أسد وقال التبريزي في شرح الحماسة: إنهما لعبد العزيز ابن زرارة، وانظر شرح المرزوقي 1/ 378 (القطعة: 83).
هذا كلامٌ لا يَصدرُ إلا عن الرَّصِين المُهذَّب، الذي لا تَستفِزّه ذواتُ العيونِ والبَنانِ المُخضَّب، وما أقربَه من منزلةِ الفلاح، مَنْ خاف رَبَّه في مواصلةِ المِلاح، ولَشَدَّ ما أبرَقَ في شِعرِه وأرعَد، وتهدَّد وتوَعَّد، ومَوَّة وشَعْوَذ، واستطالَ على الجَزالةِ واستحوَذ، عَفَا اللهُ عنه، إن لم يكنْ ذا صارمٍ عَضْب، فإنه ذو لسانٍ عَذْب.
وتاليه على أحسنِ هَدْي وأَمّ، وهما في الخَشْيةِ رَضيعا ثَنيِ أُمّ، وصاحبتُه واعظةٌ فصيحة، نصَحتْه و"الدّينُ النَّصيحة"، كرَّرتِ الوَعْظ، وكَسَرتِ النَّعْظ، لله دَرُّها! لقد على في الصالحاتِ قَدْرُها.
والثالثُ غيرُ مَبْخوسِ الكَيْل، وهُو القائل [الوافر]:
فلا تَكُ طامعًا في النَّيْل
وإنه في النَّسيب، لمَوفورُ النَّصيب، وإن حرَمتْه صاحبتُه وصلًا، وجعَلتْه حَرامًا بَتْلًا، فقولُها [الوافر]:
"ورُبَّتَما يُحَلَّلُ بالإجارَهْ"
دليلٌ على أنْ قد لانَ بعضُ الحِجارهْ، وقد أوجَدَتِ السبيلَ إلى التحليل، غيرَ أنّ "رُبَّ" للتقليل.
وليتَني كنتُ جارًا، لمن أصار حُسْنُ الجار قَلبَهُ لها وِجارًا، هذا العاشقُ حقًّا، وسُحْقًا لمن قال (1):"فسُلِّي ثيابي من ثيابِك" سُحقًا، لقد توسَّلَ في شعرِه بلطيفِ سبب، وأشار إلى شريفِ نَسَب، وأجاد الخُضوعَ لمحبوبِه والضّراعَة، حتّى كاد يمُدُّ إلى مطلوبِه ذِراعَه.
ولقد أرسَلَ نهارَه في الحرب وارِدًا وَخفًا، من قال:"سَلِي بي مُلتقَى الخَيْلينِ زَحْفا"؛ فإنْ يَصدُقْ فلستُ في لَبْس، إنه أشجعُ من أخي عَبْس، ألا تَراهُ يقول [الوافر]:
"إذا سألَ الرَّدى منِّي الإجارَهْ"؟
(1) القائل هو امرؤ القيس في معلقته "قفا نبك"، والبيت كاملاً:
وإن تك قد ساءتكِ مني خليقة
…
فسُلي ثيابي من ثيابك تنسُلِ
فهذه بَلِية، زائدةٌ على المَنِيّة، وعنترةُ يقول (1) [الكامل]:
إنَّ المنيةَ لو تُمَثَّلُ مُثِّلَتْ
…
مِثْلي إذا نَزَلوا بِضنْكِ المنزلِ
فهذا يزعُمُ أنه يُشبِهُ الموت، وبينَه وبينَ مَن يستجيرُ منهُ الرَّدى فَوْت، وإن صحَّ دعواه، عندَ مَن يهواه، جَنَتْ يُمناه، ثَمرَ مُناه، ولعلّه -واللهُ يغفرُ له- يُنشِدُ إذا التقَى الصَّفّان، وتَدانَى الصِّنفان، ونَظَرَ إلى سَرَعانِ الخيل، وعاد النهارُ كالليل [السريع]:[24 ظ]
لستُ على القِرنِ بعَطَّافِ
…
ولا لدى الحربِ بوَقّافِ
لكنَّني أهرُبُ مستعجِلًا
…
لو رُبِطَت رِجلي إلى قافِ
[الطويل]:
ويُنشِدُ والحَرْبُ العَوَانُ كأنّها
…
منَ الهوْلِ بحرٌ في تدافُعِه طَمَا:
(وقالوا: تَقَدَّمْ، قلتُ: لستُ بفاعلِ
…
أخافُ على فَخَّارتي أن تَحَطَّما) (2)
ثم حَكَى قَصِيرا حين رَكِبَ العَصَا (3)، وقال: اللهمَّ اغفِر لمَن عصَى.
وحبَّذا القائلُ [الوافر]:
شريفُ الحُبِّ ليس يريدُ وَصْلًا
…
سوى لَثْمٍ فَصِلْ فيه نجارَهْ
هذا رجلٌ يَرجِعُ إلى عَفاف، ويقنَعُ بكَفاف، سَلَكَ في هواهُ أحمدَ طريقِه، وقنِعَ ممّن يَهواهُ بمَجّة رِيقِه، ليس الغِسْل (4)، الطالبِ للنَّسْل، وإذا تمادتِ العلّة،
(1) من ديوانّه: 58 (ط. صادر - بيروت).
(2)
البيت لأي دلامة، قاله حين دعاه أبو مسلم لمبارزة أحد الفرسان. (انظر الأغاني 10/ 280 ط. دار الثقافة).
(3)
قصير هو صاحب جَذيمة المضروب به المثل: "لا يطاع لقصير أمر"، والعصا: فرس جذيمة.
(4)
الغِسْل: الكثير الضراب.
واشتَدّتِ الغُلّة، فلا شاف، كارتشاف، ولا مُطفئَ حريق، كرَشْفةِ رِيق. ولَعَمري! لقد شارَكَ في الصِّفة، من كان عنهُ الضميرُ فاسقَ الشَّفة، أيْؤْمَن (1) هذا الفاضل، وأين من؟ ومثله فلْيُؤتمنْ، غيرَ أنه يَبعُدُ عندي أن يكونَ الجازِرُ ينفُخُ ولا يَسلُخ، وكيف تجتمعُ شفاهُ الأحباب، ثم لا تُقرعُ حَلْقةُ الباب! وهل سمِعتَ بمن رتَعَ حولَ الحِمى وإن كان مُحترِزًا، إلّا صيَّرهُ جُرُزًا (2)؟
وخَبِّزني أمالَقى، مَن سألَ في شعرِه العُتْبى والرُّحمى أم عراقيّ، وقد سكَنَ الحِمى، ينسابُ في توصُّلِه إلى المأرِب انسيابَ الأيْم، ويَلِجُ بلطيف توسُّلِه على الكواكبِ أبوابَ الخَيْم، وكلُّ رفيق فذو توفيق.
وأمّا الذي فتنَتْه إحدى بناتِ النجَّار، فرَوْضُه في الشّعرِ أنفُ اليَنَمَةِ (3) والجَرجار (4)، نَيَّف على إخوانِه في اللُّزوم، وزَحَفَ إلى أقرانِه مشدودَ الحَيْزُوم، غيرَ أنّ في شعره [الوافر]:
فُتِنْتُ بها وقد فَتَنَتْ قديمًا
…
حجيجَ مِنًى وقد فَتَنَتْ نجارَهْ
إنّي أُسائلُهُ (5) عن هذه المرأة: يا أبا الحَجّاج، كيف فَتَنَتْ قديمًا قلوبَ الحُجّاج، ثم لم يُغيِّر القِدَمُ بهجتَها، منذُ قضَتْ حجَّتَها؟! ولم يزَلِ القِدَمُ يُغيِّرُ الحدودَ والرسوم، فكيف الخدودُ والجُسوم؟ وأخبَرَ أنها الآنَ تُعمِّمُ رأسَها بضَفِير فَرْع، وهذا رأسٌ يجب أن يكونَ أرضًا غيرَ ذاتِ زَرْع، وليس هنا شُبْهة، في أنه كلَّه جَبْهة، ومَن أخبَرَكَ من الفَتَياتِ الناسكات أنّها مُسِنَّة، فقُلْ لهنّ: أنْ إنَّ إنَّه، مستحيلٌ غيرُ جائز، أن يَفتَتِنَ هذا الشاعرُ بالعجائز، فإن أزالَ [25 و] لفظةَ قديم، فأنا له أصحبُ من نَديم.
(1) في م ط: "أنؤمن".
(2)
أرض جرز: أُكل نباتها.
(3)
في م ط: "النعمة".
(4)
الينمة والجرجار: نوعان من النبات، والروض الأنف: المحمي الذي لا يرعاه أحد.
(5)
في النسخ: "أسائلها".
ثم نعودُ إلى استغفارِ الملِك الغَفّار، فإنّ رحمتَه واسعة، وعن المُحسِنين غيرُ شاسعة، اللهمَّ اجعَلْنا من عِبادِك المُحسِنين، واغفِز لنا ما أجرَمنا في سالفِ السِّنين، واستعمِلْنا بطاعتِكَ بَقيّةَ أعمارِنا، وأصلِحنا في إعلانِنا وإضمارِنا، إنّك كريمٌ رحيم.
أعزَّك الله، ربّما كان في كلامي بعضُ دُعابة، لم أذهبْ بها إلى مَعَابة، فلك الفَضْلُ في بَسْطِ العُذْرِ لدَيْهم، وإيصالِ التحيّة إليهم، ثم السلامُ الأتَمّ، الأعمُّ الاكرم، على أخي ووَليِّي في الله الفقيه الأجَلِّ أبي الحَجّاج، ورحمةُ الله وبرَكاتُه.
ونَظَمَ أبو الحَجّاج ابنُ الشيخ رحمه الله أربعةَ أبيات التزمَ في كلِّ بيتٍ منها كافًا دون تَكرار، وجعَلَها بخمسةِ القوافي بلفظِ وَكَفَ، وبَعَثَ بالقوافي مسَطَّرةً دونَ الأبيات إلى الخَطيب أبي محمد عبد الوهّاب بن عليّ رحمه الله، وسألَه أن يَبْنيَ على تلك القوافي، وقَدَّمَ بينَ يدَيْ ذلك خمسةَ أبياتٍ أقامَها مقامَ الرسالة ولم يلتزم الكافَ في هذه الأبياتِ الخمسة إلّا في آخِرِ بيتٍ منها حسْبَما تراه، وهي [المتقارب]:
أيا مَنْ له بالمعالي كَلَفْ
…
ومَنْ وَجْهُهُ البدرُ لا بالكَلَفْ
أجِزْ ذا الكلامَ وسُقْ كلَّ لفظٍ
…
بكافٍ وبعدُ احتمِلْ ذي الكُلَفْ
كلامٌ فصيحٌ وخَطْبُ فسيحٌ
…
بنقسٍ كقارٍ وطِرسٍ كَلِفْ
وإياكَ تَكرارَ ما سُقْتُهُ
…
فتُلفَى كحَطَّابةِ النشّوكِ لَفْ
ولكنْ كلامًا كذا كُلُّهُ
…
بكافٍ وكنْ بالكمالِ كَلِفْ
فأجابَه أبو محمدٍ رحمهما الله:
سلامٌ كريمٌ عَميم، على أخي ووَلِيِّي في الله تعالى، الفقيه الحاجِّ أبي الحَجّاج. كتبتُ، وأنا مجِلُّ قَدْرِكم العَليّ، عبد الوهّاب بن عليّ، بعدَ أنْ وافاني كتابُكُم الكريم، وأنا أُحاولُ أنْ يَبْتنيَ على زَوْجِهِ وَلَدي عبدُكُم وَيرُوم، فكتبتُ ما تَسَنَّى، وأرى أنَّا ما أحسنَّا؛ لأنّي رأيتُكَ كثيرَ الفِرَار، ممّن أخَذ في القوافي بالتَّكرار، ولم يَلُكْ كلامَه ذلك اللَّوْك، وكان كحصَّادٍ لَفَّ معَ السُّنْبُلِ الشَّوْك،
وهذا هو دابي، وإلى هذه الغاية بَلغْتُ في (1) آدابي، لكنْ قُلتُ [25 ظ]، لنَفْسي: خُذي المِنجَلَ واحتزِمي، وما التزمَ صاحبُكِ فالتزِمي، ونهضْتُ نحوَ الفِرار مُقلَّصَ الأذيالِ والأردان، واستَنَّ محَلُّك من القوافي في مكوَّنِ عقلي، وقال للشارِدة منها: قِفي عَقْرى حَلْقَى، وأنشَدَ بعدَ أن تمدَّد مستريحًا واستلقَى [متقارب]:
أجدتُ الحصادَ ولم أَنْبُلِ (2)
…
إذا ما حصَدتُ سوى السُّنْبلِ
أَخْيرَ وَليٍّ تَوَلَّيْتُهُ
…
وأزكى وَليٍّ إذا ما بُلي
تصفَّحْ مقالًا له جِدَّةٌ
…
معَ الدّهرِ ما أنْ بُلي بالبَلي
وإنّي لأزحَمُ، إن يَضعُفوا
…
عنَ امثالِهِ، جانبيْ يَذْبُلِ
على أنّني دونَكم والذُّرا
…
مكانُ الحضِيض من الأجبُلِ
* * *
كرُمتَ فكنتَ كغَيثٍ وكَفْ
…
وكامَلْتَ كعبًا فكعَّ وَكَفْ
فشُكرًا كثيرًا لمَلْكٍ كبيرٍ
…
كفاكَ اكتسابَ كنوزِ الوَكَفْ
وكمْ كاشحٍ كاتمٍ كيْدَهُ
…
نكَأْتَ بكَلْمِ كلامٍ وَكَفْ
وكلَّلْتَ بالسَّبكِ كانونَ ذكْرٍ
…
ومثلُكَ بالمِسكِ أذكَى وَكَفْ
واقرَأْ بعدُ مِن سلامي المُعادِ أتمَّه وأعمَّه، وأزكاهُ وأعلاه.
والقطعةُ التي نَظَمَ أبو الحَجّاج ولم يبعَثْها إلى أبي محمدٍ هي [المتقارب]:
ركِبتَ الكبائرَ والمُهلِكاتِ
…
وأمسَكَ كلُّ حكيمٍ وَكَفّ
وذكْرَ المليكِ الشَّكورِ الوكيلِ
…
ترَكْتَ وأكثَرتَ عكمَ الوَكَفْ
(1) في م: "بلغتْ بي".
(2)
في م: "أبقل".
فكيف تَزَكَّى وكم مُنكَرٍ
…
كَسِبتَ بكَيْدِ كلامٍ وَكَفّ
فنَكِّرْ وَكِسْ وادَّكِرْ ولتكُنْ
…
كئيبًا تُبَكِّي كمسكٍ وكَفْ
وقال أيضًا أبو الحَجّاج، ولم يُكرِّر فيها كافَ ضميرٍ ولا كافَ تشبيه ولا كافَ مصدر، ولا اسمَ فاعل [متقارب]:
كتَبْتُ شِكاتي لكَعْبٍ كفيلٍ
…
بكشفِ الكروبِ وكَتْم الكَلَفْ
تدارَكْ بكَنّاتِ بَكْري الكِعابَ
…
فعندَكَ بالمكرُماتِ كَلَفْ
وأكرَهُ تَكرارَ كافاتِها
…
فتُكسَى ذكاءً كثيفَ الكلَفْ
ولكنْ كلامًا كذا كُلُّهُ
…
بكافٍ وكنْ بالكمالِ كَلِفْ (1)[25 و]
وتكفيكَ مكنونةٌ شُكِّلتْ
…
بلكّ كمسكٍ بصَكٍّ كَلِفْ
قال أبو الحَجّاج: لمّا فَرغْتُ من هذا قال لي بعضُ الأصحاب: لم تترُكْ كافًا، فكتَبْتُ إليه في كتِف بهذه الأبيات [المتقارب]:
لكَهْفِ الذَّكاءِ ورُكْنِ الزَّكا
…
ءِ شارِكْ وحرِّكْ كَمِينَ الكتِفْ
فكَبْكِبْ كَمِيَّهُمُ وانكفِئْ
…
بكُلِّهمُ بشِراكِ كتِفْ
وكَنْزَهُمُ اكمَحْ ومَسْكَنَهمْ
…
فذِكْرُك فأْكُلْهُمُ كالكتِفْ
وقال أيضًا والتزَمَ في القافية ما تَراه [المتقارب]:
أتُكرِي وتضحَكُ والناسِكو
…
نَ أكثرُهم راكعٌ مُعتكِفْ
ويَشكُرُ لكنْ بأكبادِهِ
…
كلومٌ كَوَتْهُ كُواها تَكِفُ
فكفِّر كِذَابًا وإفْكًا ونَكْثًا
…
تَكلَّلْتَهُ واستَكِنْ واستَكِفْ
وكأْسُ السُّكُرْكةِ مُسْكِرةٌ
…
وَالَاكوابَ كَسِّرْ لكيما تَكِفْ
(1) تكررت الأبيات: 2 - 4 في النسخ.
وكتَبَ إليه أبو الحَجّاج ابنُ الشَّيخ رضي الله عنهما بمُقَطَّعاتٍ من شعرِه، وفصُول من نَثْرِه، يَستفهمُه فيها، كما جرَتْ بينَهما به العادة، أدام اللهُ لهما السّعادةَ، وسأَلهُ أن يَكتُبَ له بما أمكَنَ من كلامِه وقَدَّم بينَ يدَيْ مطلَبِه ذلك هذه الأبياتَ اللُّزوميّات [الخفيف]:
املإِ الطِّرسَ سِحرَ نظمٍ ونثرٍ
…
ملأَ اللهُ طِرسَكمْ حَسناتِ
إنْ بعثْتُم لنا بما لاحَ منهُ
…
فبما عنَّ لي ولاحَ سِناتِ
والقبيحَ اجتَنِبْهُ في ذاك لا تَأْ
…
تِهِ ما اسْطَعْتَ صاحِ والحُسنَ
فكتَبَ إليه أبو محمدٍ رحمه الله بما حضَرَ من كلامِه نظمًا ونثرًا وكتَبَ معَه [الخفيف]:
قد بعَثْنا إليكَ نظمًا ونثرًا
…
جَلَّ هذا وذا عن السَّقَطاتِ
ولكَمْ جاهلٍ له صوتُ عَيْرٍ
…
وتَراهُ يَعيبُ جَزسَ قَطاةِ
قلَّ إنصافُهُ وصافَى غُواةً
…
كلُّهم قائلٌ له السَّقَطاتِ
ومحاسنُه كثيرةٌ أثيرة، ولاستطابتِها أورَدنا منها ما أورَدْنا، ولولا خوفُ الخروجِ عن مقصدِ الكتاب لأتَيْنا منها بأكثرَ ممّا جئنا به، وفي هذا القَدْر كفايةٌ وشهادَةٌ على مكانِه من هذا الفنّ (1)[26 ظ]
(1) زاد في هامش ح بعد هذه الترجمة ترجمة لم ترد في الأصل وهي: "عبد الوهاب بن قطن العقيلي، قنبيلي أبو محمد، كان فقيفا جليلًا أديبًا شاعرًا ناثرًا خاطب القاضي أبا عبد الله بن حسون أيام قضائه بغرناطة بقصيدة حسنة تظلَّم فيها من جيرانه أهل حصن الحواير في عين ماء لهم بقنبيل وشكر القاضي وأثنى على عدله وفضله، وكانت وفاة هذا القاضي سنة تسع عشرة وخمس مئة، ومن القصيدة المذكورة [الوافر]:
أقاضي المسلمين لنا حقوق
…
ستعلمها وتعلم مقتضاها
لنا عين مقسمة علينا
…
وليس لقا الحيا شيء سواها
لنا خمس من الأثمان منها
…
وسائرها الحواير منتهاها
ورثناها تراثًا من قديم
…
فتروينا بريٍّ من رواها"
قلنا: وهذه الترجمة من صلة الصلة 4/الترجمة 36.
172 -
عبدُ الوهّاب (1) بنُ محمد بن أحمدَ بن غالبِ بن خَلَف بن محمد بن عبد الله التُّجيبيُّ، بَلَنْسِيٌّ، أبو العَرَب البقسانيّ.
سَمِع ببَلَنْسِيَةَ أبا إسحاقَ الخَفَاجيَّ، وأبا بحبر الأسَديَّ، وأبا بكر ابنَ العَرَبي، وأبوَي الحَسَن: خُلَيْصَ بن عبد الله وابنَ واجِب، وأبا زَيْد ين مِنْتَال، وأبا عبد الله المَوْرُوريَّ، واَباءَ محمد: البَطَلْيَوْسيَّ وابنَ خَيْرونَ والوَجْدي.
وكان قد خَرَجَ إثْرَ الفتنة الرُّوميّة من بَلَنْسِيَةَ صُحبةَ أخيه، فتردَّد في بلاد الأندَلُس، ورَوى بشاطبة عن أبي عامر بن حَبِيب، وأبي محمد الرِّكْلِي، وأبي الوليد بن قَبْرون اللارديّ، وبمُرسيةَ عن أبي عليّ الصَّدَفي، وأبي محمد بن أبي جعفرٍ، وبغرناطة عن أبي الحَسَن (2) بن كُرز، وأبي خالد يزيد بن المهلب وتأدَّبَ ببعضِهم. وأجاز له من أهلِ الأندَلُس: أبو جعفر بن جَحْدَر، وأبَوا الحَسَن: شُرَيْح وعبد الرّحمن بن عفيف، وأبو عِمْران بن أبي تليد، وأبَوا محمد: ابن عَتّاب وابن عِطِيّة، وآباء الوليد: أحمد بن طَرِيف ومحمد بن رُشْد وهشام بن بَقْوَة؛ ومن أهل المشرق (3): أبو عليّ ابن العَرْجاء.
رَوى عنه أبو الحَسَن بن سَعْد الخَيْر وأبو عُمر بن عَيَّاد، وأبَوا محمد: ابن سُفيان وعبد الولي بن محمد البَتِّي، وأبو مروان ابن الجَلّاد. قال ابنُ الأبّار: وتركَ الروايةَ عنه شيوخُنا البَلَنْسِيُّونَ ولا بأسَ به فيما قرأ أو سَمِعَ، ولم يكن مَسْمُوعُه من الحديث مُتّسعًا.
وكان عارفًا بالفقه، بصيرًا بعقد الشروط، مشارِكًا في النحو والعَرُوض، حافظًا للآداب واللُّغات، مُمَتَّعَ المُجالسة، ذاكرًا لغرائب الأخبار ومُلَح
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (2506)، وفي معجم أصحاب الصدفي (248)، والذهبي في المستملح (598)، وتاريخ الإسلام 12/ 50.
(2)
بن قبرون
…
أبي الحسن: سقط من م ط.
(3)
في م: "الشرق".