الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه رب الْعَالمين
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مئة
قَالَ الْعِمَاد وَكَانَ شمس الدّين بن الْمُقدم من أكَابِر الْأُمَرَاء وَهُوَ السَّابِق إِلَى مُكَاتبَة السُّلْطَان فِي تصويب رَأْيه فِي الْوُصُول إِلَى الشَّام وتدارك أَمر الْإِسْلَام
وَكَانَ السُّلْطَان عِنْد تسلم بعلبك أنعم بهَا عَلَيْهِ ورد أمورها إِلَيْهِ فَأَقَامَ بهَا مُسْتَقرًّا ولأخلاف أَعمالهَا مستدرا
وَلما وصل السُّلْطَان فِي هَذِه النّوبَة إِلَى الشَّام لم يحضر كَمَا جرت الْعَادة للْخدمَة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ كَانَ نمى إِلَيْهِ أَن الْملك الْمُعظم فَخر الدّين شمس الدولة تورانشاه بن أَيُّوب طلبَهَا من أَخِيه وَأَنه لَا يُمكنهُ الرَّد فخاف من الْحُضُور أَن تتمّ الْأُمُور وروجع فِي ذَلِك مرَارًا سرا وجهارا وَالْتزم لَهُ أَن يعوض عَنْهَا مَا هُوَ أوفى مِنْهَا فَأبى إِلَّا الإباء وشارف السُّلْطَان مِنْهُ وَمن أَخِيه الْحيَاء
وشمس الدولة لَا يقبل عذرا وَلَا يرى عَمَّا طلبه صبرا
ثمَّ اسْتَأْذن أَخَاهُ فِي التَّوَجُّه إِلَيْهَا فَأذن لَهُ وَتوجه عز الدّين فرخشاه إِلَى حوران لحفظ الثغور وَسَار السُّلْطَان إِلَى حمص وَنزل على العَاصِي عَازِمًا على الْجِهَاد
ووردت من الْفَاضِل كتب من بعض فصولها وَأما سور الْقَاهِرَة فعلى
مَا أَمر بِهِ الْمولى شرع فِيهِ وَظهر الْعَمَل وطلع الْبناء وسلكت بِهِ الطَّرِيق المؤدية إِلَى السَّاحِل بالمقسم وَالله يعمر الْمولى إِلَى أَن يرَاهُ نطاقا مستديرا على البلدين وسورا بل سوارا يكون بِهِ الْإِسْلَام محلى الْيَدَيْنِ محلا الضدين
والأمير بهاء الدّين قراقوش ملازم الاستحثاث بِنَفسِهِ وَرِجَاله لَازم لما يعنيه بِخِلَاف أَمْثَاله قَلِيل التثقيل مَعَ حمله لأعباء التَّدْبِير وأثقاله
وَمِنْهَا فِي حق نقل الْقَضَاء من شرف الدّين بن أبي عصرون لما ذهب بَصَره إِلَى وَلَده لن يَخْلُو الْأَمر من قسمَيْنِ وَالله يخْتَار للْمولى خيرة الْأَقْسَام وَلَا ينسى لَهُ هَذَا التحرج الَّذِي لَا يبلغهُ ملك من مُلُوك الْإِسْلَام إِمَّا إبْقَاء الْأَمر باسم الْوَالِد بِحَيْثُ يبْقى رَأْيه ومشاورته وفتياه وبركته ويتولى وَلَده النِّيَابَة وَيشْتَرط عَلَيْهِمَا المجازاة لأوّل زلَّة وَترك الْإِقَالَة لأوّل عَثْرَة فطالما بعث حب المنافسة الراجحة على اكْتِسَاب الْأَخْلَاق الصَّالِحَة
وَإِمَّا أَن يُفَوض الْأَمر إِلَى الإِمَام قطب الدّين فَهُوَ بَقِيَّة الْمَشَايِخ وَصدر الْأَصْحَاب وَلَا يجوز أَن يتَقَدَّم عَلَيْهِ فِي بلد إِلَّا من هُوَ أرفع طبقَة فِي الْعلم مِنْهُ
وَمِنْهَا فِي إِقَامَة عذر التَّأَخُّر عَن الْجِهَاد وَأما تأسف الْمولى على
أَوْقَات تَنْقَضِي عاطلة من الْفَرِيضَة الَّتِي خرج من بَيته لأَجلهَا وتجدد الْعَوَائِق الَّتِي لَا يُوصل إِلَى آخر حبلها فللمولى نِيَّة رشده وأليس الله الْعَالم بِعَبْدِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يسْأَل الْفَاعِل عَن تَمام فعله لِأَنَّهُ غير مَقْدُور لَهُ وَلَكِن عَن النِّيَّة لِأَنَّهَا مَحل تَكْلِيف الطَّاعَة وَعَن مَقْدُور صَاحبهَا من الْفِعْل بِحَسب الِاسْتِطَاعَة
وَإِذا كَانَ الْمولى آخِذا فِي أَسبَاب الْجِهَاد وتنظيف الطّرق إِلَى المُرَاد فَهُوَ فِي طَاعَة قد امتن الله عَلَيْهِ بطول أمدها وَهُوَ مِنْهُ على أمل فِي نجح موعدها وَالثَّوَاب على قدر مشقته وَإِنَّمَا عظم الْحَج لأجل جهده وَبعد شقته وَلَو أَن الْمولى فتح الْفتُوح الْعِظَام فِي أقل الْأَيَّام وَفصل الْقَضِيَّة بَين أهل الْإِسْلَام وأعداء الْإِسْلَام لكَانَتْ تكاليف الْجِهَاد قد قضيت وصحائف الْبر المكتسبة بالمرابطة والانتظار طويت
وَمِنْهَا فِي ذكر أَوْلَاد السُّلْطَان وَقبل الْإِجَابَة عَن الْفُصُول فنبشر بِمَا جرت الْعَادة بِهِ لَا قطع الله تِلْكَ الْعَادة من سَلامَة وَصِحَّة وعافية شملت موالينا أَوْلَاده السَّادة أطاب الله الْخَبَر إِلَيْهِم عَن الْمولى وَإِلَى الْمولى عَنْهُم وَعجل لقاءه لَهُم ولقاءهم لَهُ فَإِنَّهُم من يلق مِنْهُم بل كل مِنْهُم ملك دسته برجه وَفَارِس مهده سَرْجه فهم بِحَمْد الله بهجة الدُّنْيَا وَزينتهَا وَرَيْحَان الْحَيَاة وزهرتها وَإِن فؤادا وسع فراقهم لواسع وَإِن قلبا قنع بأخبارهم لقانع وَإِن طرفا نَام على الْبعد عَنْهُم لهاجع وَإِن ملكا ملك تصبره عَنْهُم لحازم وَإِن نعْمَة الله فيهم لنعمة بهَا الْعَيْش ناعم أما يشتاق
جيد الْمولى أَن يتطوق بدررهم أما تظمأ عينه إِلَى أَن تتروى بنظرهم أما يحن قلبه على قلبه أما يلتقط هَذَا الطَّائِر بتقبيلهم مَا خرج من حبه وللمولى أبقاه الله تَعَالَى أَن يَقُول
(وَمَا مثل هَذَا الشوق تحمل مُضْغَة
…
وَلَكِن قلبِي فِي الْهوى بقلوب)
وَفِي أُخْرَى والملوك الْأَوْلَاد فِي كَفَالَة الْعَافِيَة لَا رفعت عَنْهُم كفالتها وَعَلَيْهِم جلالة السلطنة لَا فَارَقْتهمْ جلالتها وكل من الموَالِي السَّادة الْأُمَرَاء الْأَوْلَاد والقلادة كلهَا جَوْهَر وَكلهمْ الْمُقدم وَلَيْسَ فيهم بِحَمْد الله من يُؤَخر على مَا عود الله من صِحَة وسلامة وكفاية ووقاية وَلُزُوم المستقل مِنْهُم لمشهد الْكتاب ولموقف الأماج ومخايل الخفر فيهم من تَحت ليل الصِّبَا أنور دلَالَة من ضوء السراج وَالله تَعَالَى يمد فِي عمر الْمولى إِلَى أَن يرى من ظُهُورهمْ مَا رأى جدهم رحمه الله فِي أهل بَيته من الْبَطن الرَّابِع فوارس الْحَرْب الرائعة وملوك الْإِسْلَام الَّتِي مِنْهُم لِلْإِسْلَامِ أكاسرة وتبابعة
(مَا فيهم عِنْد الْعَلَاء صَغِير
…
وصغار أَبنَاء الْكِبَار كبار)
نُجُوم الأَرْض وذرية بَعْضهَا من بعض وَالْخلف الصَّالح الْمَحْض وهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فرسَان الْقُوَّة والتقى يَوْم الْحَرْب وَيَوْم الْعرض