الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأسر الْملك وَأَخُوهُ وبارونيته ومقدموه وَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا القومص وَهُوَ مسلوب وَلَا بُد ان ندركه فَهُوَ مَطْلُوب
وَقد كُنَّا نذرنا ضرب رَقَبَة الإبرنس صَاحب الكرك الغدار كَافِر الْكفَّار ونشيدة النَّار فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ ضربنا عُنُقه سَرِيعا وسرنا إِلَى عكا وَهِي بَيْضَة ملكهم وواسطة سلكهم ومركز دَائِرَة كفرهم وَمجمع جمع برهم وبحرهم فتسلمناها بالأمان والصخرة المقدسة الْآن بِنَا تصرخ وتستغيث وَعباد الله الصالحون قد وصلت إِلَيْهِم بوعد الله الصَّادِق الْمَوَارِيث والبشارة بِفَتْح الْقُدس لَا تتأخر والهمم بعد هَذَا الْفَتْح السّني على ذَلِك تتوفر وَالْحَمْد لله الَّذِي تتمّ الصَّالِحَات بِحَمْدِهِ {مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده}
فصل فِي فتح نابلس وَجُمْلَة من الْبِلَاد الساحلية بعد فتح عكا وطبرية وَذكر بعض كتب البشائر الشاهدة لذَلِك
قَالَ الْعِمَاد أَقَامَ السُّلْطَان أَيَّامًا بِبَاب عكا بعد فتح عكا على التل مخيما وعَلى فتح سَائِر بِلَاد السَّاحِل مصمما
وَكَانَ قد كتب إِلَى أَخِيه الْعَادِل بِمصْر بِمَا فَتحه الله عَلَيْهِ فوصل بعسكره وَفتح فِي طَرِيقه حصن
مجدل يابا ومدينة يافا عنْوَة فقصده من عسكرنا القصاد ووفد إِلَيْهِ الوفاد وَأمره السُّلْطَان أَن يُقيم فِي ذَلِك الْجَانِب جَامعا للكتائب ليجتمع بِهِ الواصلون من مصر الآملون مَعَه النَّصْر
قَالَ وَتوجه عدَّة من الْأُمَرَاء والعسكرية إِلَى الناصرة وقيسارية والبلاد الْمُجَاورَة لعكا وطبرية وَمضى كل فريق فِي صوب وآبوا بِالْغَنِيمَةِ والسبي خير أَوب
قَالَ فَأَما الفولة فَهِيَ قلعة للداوية حَصِينَة وفيهَا ذخائرهم فَلَمَّا خرج الداوية مِنْهَا وَقتلُوا لم يبْق فِيهَا إِلَّا أَتبَاع وغلمان فسلموها وَجَمِيع مَا يجاورها كدبورية وجينين وزرعين وَالطور
وَزَاد فِي كتاب الْفَتْح واللجون وبيسان والقيمون وَجَمِيع مَا لعكا وطبرية من الولايات والزيب ومعليا والبعنة وإسكندرونة ومنواث
قَالَ وَتوجه مظفر الدّين كوكبري إِلَى الناصرة فاستباحها وصفرت صفورية من سكانها وَتوجه بدر الدّين دلدرم وغرس الدّين قليج وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى قيسارية فافتتحوها بِالسَّيْفِ وتسلمت بعْدهَا حيفا وأرسوف وَاسْتولى على تِلْكَ الشموس والأقمار الْكُسُوف والخسوف وحيفا بَين عكا وقيسارية على الْبَحْر
قَالَ وَأما نابلس فَإِن أهل ضياعها ومعظم أَهلهَا كَانُوا مُسلمين وَفِي سلك الرّعية مَعَ الفرنج منتظمين وهم يجبونَ كل عَام مِنْهُم قرارا
وَلَا يغيرون لَهُم شرعا وَلَا شعارا فَلَمَّا عرفُوا كسرتهم وَأَنَّهُمْ لَا يرجون جبرهم خَافُوا من مساكنة الْمُسلمين فَتَفَرَّقُوا وكبسهم أهل الضّيَاع فِي الدّور والرباع وغنموا مَا وجدوه من الذَّخَائِر وَالْمَتَاع وأوقعوا بضعفائهم وضايقوا الْحُصُون على أقويائهم وطلبها من السُّلْطَان ابْن أُخْته حسام الدّين عمر بن مُحَمَّد بن لاجين وَهُوَ عَزِيز عِنْد خَاله مَلِيء بفضله وأفضاله فأقطعة السُّلْطَان نابلس وأعمالها وضياعها ونواحيها وقلاعها فَتوجه إِلَيْهَا بعسكره فَأول مَا أَنَاخَ على سبسطية وَبهَا مشْهد زَكَرِيَّا عليه السلام قد اتَّخذهُ الأقساء كَنِيسَة مُنْذُ فَارقه الْإِسْلَام وَهُوَ متعبدهم الْمُعظم والمشهد المكرم وَقد حجبوه بالأستار وحلوه بِالْفِضَّةِ والنضار وعينوا لَهُ مواسم الزوار وقومته من الرهابين فِيهِ مُقِيمَة وَلَا يُؤذن فِي الزِّيَارَة إِلَّا لمن مَعَه هَدِيَّة لَهَا قيمَة فدخله وحوى مَا فِيهِ وَأبقى مَا لَا يحسن أَن يَخْلُو من مثله الْمَسْجِد وَفتح للْمُسلمين أبوابه وَأظْهر للمصلين محرابه
ثمَّ سَار إِلَى نابلس فَفَتحهَا بالأمان واستمال من سكانها من صرف عَلَيْهِ الْجِزْيَة بعد زمَان وأجراهم على مَالهم من الْعِمَارَة والبنيان وَبقيت بِيَدِهِ إِلَى آخر عَهده وعمرت بعدله ورفده
قَالَ الْعِمَاد وأنشدته يَوْم فتح الْقُدس قصيدة أَولهَا
(استوحش الْقلب مذ غبتم فَمَا أنسا
…
وأظلم الْيَوْم مذ بنتم فَمَا شمسا)
(مَا طبت نفسا وَلَا استحسنت بعدكم
…
شَيْئا نفيسا وَلَا استعذبت لي نفسا)
(قلبِي وصبري وغمضي والشباب وَمَا
…
ألفتم من نشاطي كُله خلسا)
(وَكَيف يصبح أَو يُمْسِي محبكم
…
وشوقكم يَتَوَلَّاهُ صباح مسا)
(عَادَتْ معاهدكم بالجزع دارسة
…
وَإِن معهدكم فِي الْقلب مَا درسا)
(وَكنت أحدس مِنْكُم كل داهية
…
وَمَا دهانا من الهجران مَا حدسا)
(لما هدت نَار شوقي ضيف طيفكم
…
قريته بالكرى إِذْ زار مقتبسا)
(ورمت تأنيسه حَتَّى وهبت لَهُ
…
إِنْسَان عَيْني أفديه فَمَا أنسا)
(أَنا الخيال نحولا فالخيال إِذا
…
مَا زارني كَيفَ يلقى من بِهِ التبسا)
(لهفي على زمن قَضيته طَربا
…
إِذْ لم أكن من صروف الدَّهْر محترسا)
(عَسى يعود شَبَابِي ناضرا وَمَتى
…
أَرْجُو نضارة عود للشباب عَسى)
(وشادن يفرس الآساد ناظره
…
فديته شادنا للأسد مفترسا)
(فِي الْعَطف لين وَفِي أخلاقه شوس
…
يَا لين عطفيه جنب خلقه الشوسا)
وَمِنْهَا
(إِن نَاب لبس مضينا لاجئين إِلَى الْفَتى
…
الحسام ابْن لاجين بنابلسا)
(يُمِيت أعداءه بَأْسا ونائله
…
يحيي رَجَاء الَّذِي من نجحه أيسا)
(ممزق المازق المنسوج عثيره
…
وَقد محا الْيَوْم ليل النَّقْع فانطمسا)
(لَا زلت مستويا فَوق الحصان وَفِي
…
حصن الْحفاظ وَمن عاداك منتكسا)
وَهِي طَوِيلَة وَقد تقدّمت مِنْهَا أَبْيَات فِي وصف كسرة حطين وَسَيَأْتِي مِنْهَا أَيْضا أَبْيَات عِنْد فتح الْقُدس فِي مدح السُّلْطَان صَلَاح الدّين رحمه الله
وَمن كتاب عَن السُّلْطَان إِلَى سيف الْإِسْلَام أَخِيه كاتبنا أخانا الْعَادِل
أَن يدْخل بالعسكر الْمصْرِيّ من ذَلِك الْجَانِب فَلَمَّا بشر بِكَسْر الفرنج وَفتح عكا وطبرية كَانَ قد وصل إِلَى السوَاد فَجَاز الْعَريش وزار الداروم وأجفلت قدامه الْبِلَاد وَوصل إِلَى يافا فَفَتحهَا عنْوَة ثمَّ حصر مجدل يابا فطلبت مِنْهُ الْأمان
وَقد اشْتَمَل الْفَتْح على الْبِلَاد الْمعينَة وَهِي طبرية عكا الزيب معليا إسكندرونه تبنين هونين الناصرة الطّور صفورية الفولة جينين زرعين دبورية عفربلا بيسان سبسطية نابلس اللجون أرِيحَا سنجل البيرة يافا أرسوف قيسارية حيفا وصرفند صيدا بيروت قلعة أبي الْحسن جبيل مجدل يابا جبل الْجَلِيل مجد حباب الداروم غَزَّة عسقلان تل الصافية التل الْأَحْمَر الأطرون بَيت جِبْرِيل جبل الْخَلِيل بَيت لحم لد الرملة قرتيا الْقُدس صوبا هُرْمُز سلع عفرى الشقيف
قَالَ وَلم نذْكر مَا تخللها من الْقرى والضياع والأبراج الحصينة الْجَارِيَة مجْرى الْحُصُون والقلاع وَلكُل وَاحِدَة من الْبِلَاد الَّتِي ذَكرنَاهَا أَعمال وقرى ومزارع وأماكن ومواضع قد جاس الْمُسلمُونَ خلالها واستوعبوا ثمارها وغلالها
قَالَ الْعِمَاد وَمِمَّا أنشأته فِي هَذَا التَّارِيخ من شرح الْفتُوح وكتبت بِهِ إِلَى الدِّيوَان وبدأت بقوله تَعَالَى {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} الْحَمد لله على مَا أنْجز من هَذَا
الْوَعْد وعَلى نصرته لهَذَا الدّين الحنيف من قبل وَمن بعد وَجعل بعد عسر يسرا وَقد أحدث الله بعد ذَلِك أمرا وهون الْأَمر الَّذِي مَا كَانَ الْإِسْلَام يَسْتَطِيع عَلَيْهِ صبرا وخوطب الدّين بقوله {وَلَقَد مننا عَلَيْك مرّة أُخْرَى} فَالْأولى فِي عصر النَّبِي صلى اله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وَالْأُخْرَى هَذِه الَّتِي عتق فِيهَا من رق الكآبة فَهُوَ قد أصبح حرا رَيَّان الكبد الحرى وَالزَّمَان كَهَيْئَته اسْتَدَارَ وَالْحق ببهجته قد استنار وَالْكفْر قد رد مَا كَانَ عِنْده من الْمُسْتَعَار فَالْحَمْد لله الَّذِي أعَاد الْإِسْلَام جَدِيدا ثَوْبه بعد أَن كَانَ جذيذا حبله مبيضا نَصره مخضرا نصله متسعا فَضله مجتمعا شَمله
وَالْخَادِم يشْرَح من نبأ هَذَا الْفَتْح الْعَظِيم والنصر الْكَرِيم مَا يشْرَح صُدُور الْمُؤمنِينَ ويمنح الحبور لكافة الْمُسلمين ويورد الْبُشْرَى بِمَا أنعم الله بِهِ من يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر إِلَى يَوْم الْخَمِيس منسلخه وَتلك سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما سخرها الله على الْكفَّار {فترى الْقَوْم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية} وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت الْبِلَاد على عروشها خاوية ورأيتها إِلَى الْإِسْلَام ضاحكة كَمَا كَانَت من الْكفْر باكية فَيوم الْخَمِيس الأول فتحت طبرية وَيَوْم الْجُمُعَة والسبت نوزل الفرنج فكسروا الكسرة الَّتِي مَا لَهُم بعْدهَا قَائِمَة وَأخذ الله
أعدائه بأيدي أوليائه أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة
وَفِي يَوْم الْخَمِيس منسلخ الشَّهْر فتحت عكا بالأمان وَرفعت بهَا أَعْلَام الْإِيمَان وَهِي أم الْبِلَاد وَأُخْت إرم ذَات الْعِمَاد
وَقد اصدر هَذِه المطالعة وصليب الصلبوت مأسور وقلب ملك الْكفْر الْأَسير بجيشه المكسور مكسور وَالْحَدِيد الْكَافِر الَّذِي كَانَ فِي يَد الْكفْر يضْرب وَجه الْإِسْلَام قد صَار حديدا مُسلما يعوق خطوَات الْكفْر عَن الْإِقْدَام وأنصار الصَّلِيب وكباره وكل من المعمودية عمدته والدير دَاره قد أحاطت بِهِ يَد القبضة وغلق رَهنه فَلَا يقبل فِيهِ القناطير المقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وطبرية قد رفعت أَعْلَام الْإِسْلَام عَلَيْهَا وَنَكَصت من عكا مِلَّة الْكفْر على عقبيها وعمرت إِلَى أَن شهِدت يَوْم الْإِسْلَام وَهُوَ خير يوميها
وَقد صَارَت البيع مَسَاجِد يعمرها من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَصَارَت المذابح مَوَاقِف لخطباء المنابر واهتزت أرْضهَا لموقف الْمُسلم فِيهَا وطالما ارتجت لموقف الْكَافِر
فَأَما الْقَتْلَى والأسرى فَإِنَّهَا تزيد على ثَلَاثِينَ ألفا وَأما فرسَان الداوية والاسبتار فقد أمضى حكم الله فيهم وَقطع بهم سوق نَار الْجَحِيم ورحل الراحل مِنْهُم إِلَى الشَّقَاء الْمُقِيم وَقتل الإبرنس الْكفَّار ونشيدة النَّار من يَده فِي الْإِسْلَام كَمَا كَانَت يَد الكليم
والبلاد والمعاقل الَّتِي فتحت طبرية عكا الناصرة صفورية قيسارية نابلس حيفا معليا الفولة الطّور الشقيف وقلاع بَين هَذِه كَثِيرَة
وَالْملك المظفر تَقِيّ الدّين ظفره الله مضايق لصور