الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ فِي كِتَابه قبل حُدُوثه وَلَيْسَ ذَلِك بمأخوذ من الْحُرُوف وَلَا هُوَ من قبيل الكرامات أَيْضا فَإِن الْكَرَامَة لَا تكتسب بِحِسَاب وَلَا تفْتَقر إِلَى تَارِيخ وَلذَلِك لم يُوَافق الصَّوَاب لما أدَار الْحساب على الْقِرَاءَة الْأُخْرَى الشاذة الَّتِي هِيَ بِفَتْح الْغَيْن من {غلبت الرّوم} ويوضح ذَلِك أَنه قَالَ فِي سُورَة الْقدر لَو علم الْوَقْت الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن لعلم الْوَقْت الَّذِي يرفع فِيهِ
فصل
قَالَ الْعِمَاد وَأما الصَّخْرَة المقدسة فَإِن الفرنج كَانُوا بنوا عَلَيْهَا كَنِيسَة وأعادوا رسومها الْقَدِيمَة دريسة وستروها بالأبنية وعوجوا أوضاعها بزعم التَّسْوِيَة وكسوها صورا هِيَ أشنع من التعرية وملؤوها بتصاريف التصاوير ونبتوا فِي ترخيمها أشباه الْخَنَازِير وَجعلُوا المذبح لَهَا مذبحا وَلم يتْركُوا فِيهَا للأيدي المتبركة وَلَا للعيون المدركة ملمسا وَلَا مطمحا وَقد زينوها بالصور والتماثيل وعينوا بهَا مَوَاضِع الرهبان ومحط الْإِنْجِيل وكملوا بهَا
أَسبَاب التَّعْظِيم والتبجيل وأفردوا فِيهَا لموْضِع الْقدَم قبَّة صَغِيرَة مذهبَة بأعمدة الرخام منصبة وَقَالُوا مَحل قدم الْمَسِيح وَهُوَ مقَام التَّقْدِيس وَالتَّسْبِيح وَكَانَ فِيهَا صور الْأَنْعَام منبتة فِي الرخام والصخرة الْمَقْصُودَة المزورة بِمَا عَلَيْهَا من الْأَبْنِيَة مستورة وبتلك الْكَنِيسَة المعمورة مغمورة
فَأمر السُّلْطَان بكشف نقابها وَرفع حجابها وحسر لثامها وقشر رخامها ومحي صورها ورحض وضرها وَنقض أبنيتها وَنقل حجرها وإبرازها للزائرين وإظهارها للناظرين فَبَانَت من الشين وَبَانَتْ للعين وحبيت بالقبل وفديت بالمقل فَعَادَت كَمَا كَانَت فِي الزَّمن الْقَدِيم وَشهِدت حِين شوهدت بحسبها الْكَرِيم وَمَا كَانَ يظْهر مِنْهَا قبل الْفَتْح إِلَّا قِطْعَة من تحتهَا وَقد أَسَاءَ الْكفْر فِي نحتها وَظَهَرت الْآن احسن ظُهُور وسفرت أَيمن سفور وأشرقت الْقَنَادِيل من فَوْقهَا نورا على نور وعملت عَلَيْهَا حَظِيرَة من شبابيك حَدِيد والاعتناء بهَا إِلَى كل يَوْم فِي مزِيد
قَالَ وَكَانَ الفرنج قد قطعُوا من الصَّخْرَة قطعا وحملوا مِنْهَا إِلَى قسطنطينية ونقلوا مِنْهَا إِلَى صقلية وَقيل باعوها بوزنها ذَهَبا وَاتَّخذُوا ذَلِك مكسبا
وَلما طهرت ظَهرت موَاضعهَا وَقطعت الْقُلُوب لما بَانَتْ مقاطعها فَهِيَ الْآن مبرزة للعيون بحزها بَاقِيَة على الْأَيَّام بعزها مصونة لِلْإِسْلَامِ فِي خدرها وحرزها
وَقَالَ فِي الْبَرْق وَلما ظَهرت الصَّخْرَة وجدناها وَقد أبقت لَهَا
النوائب حزوزا وأودعت ضميرها من شَرّ أهل الشّرك سرا مرموزا فَإِن الفرنج نقلوا إِلَى بِلَادهمْ قطعا وأبدعوا فِيهَا بدعا حَتَّى قيل إِنَّهَا بِيعَتْ بوزنها ذَهَبا وأفضى الْأَمر بهَا أَن يكون حجرها منتهبا فغطاها بعض مُلُوكهمْ إشفاقا عَلَيْهَا لِئَلَّا تمتد يَد ضيم إِلَيْهَا فأبقت حزوزها فِي الْقلب حزازات وَسَار حَدِيث حادثها فِي الْآفَاق بروايات وإجازات وتولاها بعد ذَلِك الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى فصانها بشبابيك من حَدِيد وَثَبت أَرْكَانهَا بِكُل تسديد
وَقَالَ فِي الْفَتْح ورتب السُّلْطَان فِي قبَّة الصَّخْرَة إِمَامًا حسنا ووقف عَلَيْهِ دَارا وأرضا وبستانا وَحمل إِلَيْهَا وَإِلَى محراب الْمَسْجِد الْأَقْصَى مصاحف وختمات وربعات معظمات لَا تزَال بَين أَيدي الزائرين على كراسيها مَرْفُوعَة وعَلى أسرتها مَوْضُوعَة ورتب لهَذِهِ الْقبَّة خَاصَّة وللبيت الْمُقَدّس عَامَّة قومه من العارفين العاكفين القائمين بِالْعبَادَة الواقفين فَمَا أبهج لَيْلهَا وَقد حضرت الجموع وزهرت الشموع وَبَان الْخُشُوع ودان الخضوع وَدرت من الْمُتَّقِينَ الدُّمُوع واقشعرت من العارفين الضلوع
فهناك كل ولي يعبد ربه ويؤمل بره وكل أَشْعَث اغبر لَا يؤبه لَهُ لَو أقسم على الله لَأَبَره وَهُنَاكَ كل من يحيي اللَّيْل ويقومه ويسمو بِالْحَقِّ ويسومه وَهُنَاكَ كل من يخْتم الْقُرْآن ويرتله ويطرد الشَّيْطَان ويبطله وَمن عَرفته لمعرفته الأسحار وَمن ألفته لتهجده الأوراد والأذكار وَمَا أسعد نَهَارهَا
حِين تسْتَقْبل الْمَلَائِكَة زوارها وتلحق الشَّمْس أنوارها وَتحمل الْقُلُوب إِلَيْهَا أسرارها
قَالَ وتنافس مُلُوك بني أَيُّوب فِيمَا يؤثرونه فِيهَا من الْآثَار الْحَسَنَة وَفِيمَا يجمع لَهُم ود الْقُلُوب وشكر الْأَلْسِنَة فَمَا مِنْهُم إِلَّا من أجمل وَأحسن وَفعل مَا أمكن وجلى وَبَين وحلى وزين وأتى الْعَادِل أَبُو بكر بِكُل صنع بكر وتقي الدّين عمر بِكُل مَا عَم وغمر وَمن جملَة أَفعاله المشكورة ومكرماته الْمَشْهُورَة أَنه حضر يَوْمًا فِي قبَّة الصَّخْرَة وَمَعَهُ من مَاء الْورْد أحمال وَلأَجل الصَّدَقَة والرفد مَال فانتهز فرْصَة هَذِه الْفَضِيلَة الَّتِي ابتكرها وَتَوَلَّى بِيَدِهِ كنس تِلْكَ الساحات والعراص ثمَّ غسلهَا بِالْمَاءِ مرَارًا حَتَّى تطهرت ثمَّ أتبع المَاء بِمَاء الْورْد صبا حَتَّى تعطرت وَكَذَلِكَ طهر حيطانها وَغسل جدرانها ثمَّ أَتَى بمجامر الطّيب فتبخرت وتضوعت ثمَّ فرق ذَلِك المَال فِيهَا على ذَوي الِاسْتِحْقَاق وافتخر بِأَن فاق الْكِرَام بِالْإِنْفَاقِ
وَجَاء الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ بِكُل نور جلي وكرم ملي وَبسط بهَا الصنيعة وفرش فِيهَا الْبسط الرفيعة وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك مَا اعْتَمدهُ من بِنَاء أسوار الْقُدس وحفر خنادقه وأعجز بِمَا أعجب من سوابق معروفه ولواحقه
وَأما الْملك الْعَزِيز عُثْمَان فَإِنَّهُ لما عَاد إِلَى مصر ترك خزانَة سلاحه بالقدس كلهَا وَلم ير بعد حُصُولهَا بِهِ نقلهَا وَكَانَت أحمالا بأموال وأثقالا كجبال وذخائر وافية وعددا واقية وَكَانَ من جملَة مَا شَرط على الفرنج أَن يتْركُوا لنا خيلهم وعدتهم فتوفر بذلك عدد الْبَلَد وَاسْتغْنى بِهِ عَمَّا يصل من المدد