الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(يضوع مهب الْحَمد من عرف عرفه
…
وتأرج أرجاء الرَّجَاء بنشره)
(فَقلت لَهُم هَذَا الَّذِي تصفونه
…
أَبُو الْيمن تَاج الدّين أوحد عصره)
قلت وَبَلغنِي أَن أول معرفَة فرخشاه بِهِ أَنه كَانَ فِي مجْلِس القَاضِي الْفَاضِل بِالْقَاهِرَةِ فجَاء فرخشاه إِلَى الْفَاضِل فَجرى ذكر بَيت من شعر أبي الطّيب المتنبي فَتكلم فِيهِ تَاج الدّين بِمَا يَلِيق بِهِ فأعجب فرخشاه وَسَأَلَ القَاضِي الْفَاضِل عَنهُ فَقَالَ هَذَا فلَان
وعرفه بفضله فَلَمَّا قَامَ فرخشاه من مجْلِس الْفَاضِل أَخذ بيد الشَّيْخ تَاج الدّين وَخرج بِهِ وَلَزِمَه إِلَى أَن توفّي رحمهم الله أَجْمَعِينَ
فصل فِي أَخذ السالكين الْبَحْر لقصد الْحجاز
قَالَ الْعِمَاد وَفِي شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين كَانَت نصْرَة الأسطول المتوجه إِلَى بَحر القلزم والمقدم فِيهِ الْحَاجِب حسام الدّين لُؤْلُؤ
لطلب الفرنج السالكين بَحر الْحجاز وَذَلِكَ أَن الإبرنس صَاحب الكرك لما صَعب عَلَيْهِ مَا توالى عَلَيْهِ من نكاية أَصْحَابنَا المقيمين بقلعة أَيْلَة وَهِي فِي وسط الْبَحْر لَا سَبِيل عَلَيْهَا لأهل الْكفْر أفكر فِي أَسبَاب احتياله وَفتح أَبْوَاب اغتياله فَبنى سفنا وَنقل أخشابها على الْجمال إِلَى السَّاحِل ثمَّ ركب المراكب وشحنها بِالرِّجَالِ وآلات الْقِتَال ووقف مِنْهَا مركبين على جَزِيرَة القلعة فَمنع أَهلهَا من استقاء المَاء وَمضى الْبَاقُونَ فِي مراكب نَحْو عيذاب فَقطعُوا طَرِيق التُّجَّار وشرعوا فِي الْقَتْل والنهب والإسار ثمَّ توجهوا إِلَى أَرض الْحجاز فَتعذر على النَّاس وَجه الِاحْتِرَاز فَعظم الْبلَاء وأعضل الدَّاء وأشرف أهل الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مِنْهُم على خطر وَوصل الْخَبَر إِلَى مصر وَبهَا الْعَادِل أَخُو السُّلْطَان فَأمر الْحَاجِب حسام الدّين لُؤْلُؤ فعمر فِي بَحر القلزم مراكب بِالرِّجَالِ البحرية ذَوي التجربة من أهل النخوة للدّين وَالْحمية وَسَار إِلَى أَيْلَة فظفر بالمركب الفرنجي عِنْدهَا فخرق السَّفِينَة وَأخذ جندها ثمَّ عدى إِلَى عيذاب وَشَاهد بِأَهْلِهَا الْعَذَاب وَدلّ على مراكب الْعَدو فتبعها فَوَقع بهَا بعد أَيَّام فأوقع بهَا وواقعها وَأطلق المأسورين من التُّجَّار ورد عَلَيْهِم كل مَا أَخذ لَهُم ثمَّ صعد إِلَى الْبر فَوجدَ أعرابا قد نزلُوا مِنْهُ شعابا فَركب خيلهم وَرَاء الهاربين وَكَانُوا فِي أَرض تِلْكَ الطّرق ضاربين فحصرهم فِي شعب لَا مَاء فِيهِ فأسرهم بأسرهم وَكَانَ ذَلِك فِي أشهر الْحَج فساق مِنْهُم أسيرين إِلَى منى
كَمَا يساق الْهَدْي وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ الْأُسَارَى فَكتب السُّلْطَان إِلَيْهِ بِضَرْب رقابهم وَقطع أسبابهم بِحَيْثُ لَا تبقى مِنْهُم عين تطرف وَلَا أحد يخبر طَرِيق ذَلِك الْبَحْر أَو يعرف
قلت وَلأبي الْحسن بن الذروي فِي الْحَاجِب لُؤْلُؤ بِسَبَب هَذِه الْوَقْعَة أشعار مِنْهَا
(مر يَوْم من الزَّمَان عَجِيب
…
كَاد يُبْدِي فِيهِ السرُور الجماد)
(إِذا أَتَى الْحَاجِب الْأَجَل بأسرى
…
قرنتهم فِي طيها الأصفاد)
(بِجَمَال كأنهن جبال
…
وعلوج كَأَنَّهُمْ أطواد)
(قلت بعد التَّكْبِير لما تبدى
…
هَكَذَا هَكَذَا يكون الْجِهَاد)
(حبذا لُؤْلُؤ يصيد الأعادي
…
وسواه من اللآلي يصاد)
وَمِنْهَا
(قلت وَقد سَافَرت يَا من غَدا
…
جهاده يعضد من حجه)
(إِذْ قيل سَار الْحَاجِب المرتجى
…
فِي الْبَحْر يَا رب السما نجه)
(الْبَحْر لَا يعدو على لُؤْلُؤ
…
لِأَنَّهُ كَون من لجه)
وَمِنْهَا
(يَا حَاجِب الْمجد الَّذِي مَاله
…
لَيْسَ عَلَيْهِ فِي الندى حجبه)
(وَمن دَعوه لؤلؤا عِنْدَمَا
…
صحت من الْبَحْر لَهُ نسبه)
(لله مَا تعْمل من صَالح
…
فِيهِ وَمَا تظهر من حَسبه)
(كفيت أهل الْحَرَمَيْنِ العدى
…
وذدت عَن أَحْمد والكعبة)
وَمِنْهَا
(لَئِن كنت من ذَا الْبَحْر يَا لُؤْلُؤ الْعلَا
…
نتجت فَإِن الْجُود فِيك وَفِيه)
(وَإِن لم تكن مِنْهُ لأجل مذاقه
…
فَإنَّك من بَحر السماح أَخِيه)
وَمِنْهَا
(إِنَّمَا أَنْت لُؤْلُؤ للمعالي
…
جَاءَ من أبحر السماح الْعَذَاب)
وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْعَادِل من كَلَام الْفَاضِل وصل كِتَابه المؤرخ بخامس ذِي الْقعدَة المسفر عَن المسفر من الْأَخْبَار المتبسم عَن المتبسم من الْآثَار وَهِي نعْمَة تَضَمَّنت نعما ونصرة جعلت الْحرم حرما وكفاية مَا كَانَ الله ليؤخر معْجزَة نبيه صلى الله عليه وسلم بتأخيرها وعجيبة من عجائب الْبَحْر الَّتِي تحدث عَن تسييرها وتسخيرها وَمَا كَانَ الْحَاجِب لُؤْلُؤ فِيهَا إِلَّا سَهْما أصَاب وَحمد مسدده وسيفا قطع وشكر مجرده ورسولا عَلَيْهِ الْبَلَاغ وَإِن لم يجهل مَا أثرته يَده وَقد غبطناه بِأَجْر جهاده ونجح اجْتِهَاده
ركب السَّبِيلَيْنِ برا
وبحرا وامتطى السَّابِقين مركبا وظهرا وخطا فأوسع الخطو وغزا فأنجح الْغَزْو وحبذا الْعَنَان الَّذِي فِي هَذِه الْغَزْوَة أطلق وَالْمَال الَّذِي فِي هَذِه الكرة أنْفق وَهَؤُلَاء الْأُسَارَى فقد ظَهَرُوا على عَورَة الْإِسْلَام وكشفوها وتطرقوا بِلَاد الْقبْلَة وتطوفوها وَلَو جرى فِي ذَلِك سَبَب وَالْعِيَاذ بِاللَّه لضاقت الْأَعْذَار إِلَى الله والخلق وَانْطَلَقت الألسن بالمذمة فِي الغرب والشرق وَلَا بُد من تَطْهِير الأَرْض من أرجاسهم والهواء من أنفاسهم بِحَيْثُ لَا يعود مِنْهُم مخبر يدل الْكفَّار على عورات الْمُسلمين وَإِن هَذَا الْعدَد الْقَلِيل قد نَالَ ذَلِك المنال الْجَلِيل وَهَذَا مقَام إِن روعي فِيهِ حراسة الظَّاهِر وَالْوَفَاء للْكَافِرِ حدث الفتق الَّذِي لَا يُمكن فِي كل الْأَوْقَات سَده ورتقه ولدغ الْمُؤمن مرَّتَيْنِ وَالْأولَى تَكْفِي لمن لَهُ فِي النّظر تفقه
وَفِي كتاب آخر إِلَى الْعَادِل أَيْضا وَنحن نهنئ الْمجْلس السَّامِي بظفره وَلم لَا نكمله وبنصره وَلم لَا نشكره شكرا نعجله وَلَيْسَ فِي قتل هَؤُلَاءِ الْكفَّار مُرَاجعَة وللشرع فِي إبقائهم فسحة وَلَا فِي اسْتِبْقَاء وَاحِد مِنْهُم مصلحَة وَلَا فِي التغاضي عَنْهُم عِنْد الله عذر مَقْبُول وَلَا حكم الله فِي أمثالهم عِنْد أهل الْعلم بمشكل وَلَا مَجْهُول فليمض الْعَزْم فِي قَتلهمْ ليتناهى أمثالهم عَن فعلهم وَقد كَانَت عَظِيمَة مَا طرق الْإِسْلَام بِمِثْلِهَا وَقد أَتَى الله بعْدهَا بلطيفة أجراها على يَد من رَآهُ من أَهلهَا
وَفِي كتاب آخر إِلَى الْعَادِل وَقد تكَرر القَوْل فِي معنى أُسَارَى بَحر الْحجاز فَلَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا وَلَا توردهم بعد
مَاء الْبَحْر إِلَّا نَارا فأقلهم إِذا بَقِي جنى الْأَمر الأصعب وَمَتى لم تعجل الرَّاحَة مِنْهُم وعدت الْعَاقِبَة بالأشق الأتعب
وَمن كتاب آخر إِلَى بَغْدَاد وسارت المراكب الإسلامية طالبة شَوْكَة المراكب الحربية المتعرضة للمراكب الحجازية واليمنية
وَكَانَت مراكب الْعَدو قد أوغلت فِي الْبَحْر ودلها على عورات الساحلين من الْعَرَب من أشبه ركابهَا فِي الْكفْر فوصلت إِلَى عيذاب فَلم تنَلْ مِنْهَا مرَادا غير أَن مَا وجدته فِي طريقها أَو فِي فرضة عيذاب نَالَتْ مِنْهُ وشعثت وأفسدت فِيهِ وعتت وتمادت فِي السَّاحِل الْحِجَازِي إِلَى رابغ إِلَى سواحل الْحَوْرَاء وَهُنَاكَ وَقع عَلَيْهَا أَصْحَابنَا وأوقعوا بهَا أَشد إِيقَاع وَأخذُوا المراكب الفرنجية على حكم البدار والإسراع وفر فرنجها إِلَى السَّاحِل فَركب أَصْحَابنَا وَرَاءَهُمْ خُيُول العربان الَّتِي وجدوها وَأخذُوا الْكفَّار من شعاب وجبال اعتصموا بهَا وقصدوها وكفي الْمُسلمُونَ أَشد فَسَاد فِي أَرضهم وأقطع قَاطع لفرضهم وانبسطت أمالهم بقبضهم وعميت على الْكفَّار هَذِه الطَّرِيق الَّتِي لَو كشف لَهُم غطاؤها قدما وَلَو أحاطوا بهَا علما لاشتطت نكايتهم واشتدت جنايتهم وَعز على قدماء مُلُوك مصر أَن يصرعوا هَذِه الأقران ويطفؤوا هَذِه النيرَان ويركبوا غوارب اللجج
ويرخصوا غوالي المهج ويقتنصوا هَذَا الطَّائِر من جوه الَّذِي لَا يُدْرِكهُ لوحه ويدركوا هَذَا الْعَدو الَّذِي لَا يدْرك إِلَّا أَن ينجد عَلَيْهِ مَلَائِكَة الله وروحه
وَفِي كتاب آخر إِلَى بَغْدَاد كَانَ الفرنج قد ركبُوا من الْأَمر نكرا وافتضوا من الْبَحْر بكرا وعمروا مراكب حربية شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والأزواد وضربوا بهَا سواحل الْيمن والحجاز وأثختوا وأوغلوا فِي الْبِلَاد واشتدت مَخَافَة أهل تِلْكَ الجوانب بل أهل الْقبْلَة لما أومض إِلَيْهِم من خلل العواقب وَمَا ظن الْمُسلمُونَ إِلَّا أَنَّهَا السَّاعَة وَقد نشر مطوي أشراطها وَالدُّنْيَا قد طوي منشور بساطها وانتظر غضب الله لفناء بَيته الْمحرم ومقام خَلِيله الأكرم وتراث أنبيائه الأقدم وضريح نبيه الْأَعْظَم صلى الله عليه وسلم ورجوا أَن تشحذ البصائر آيَة كآية هَذَا الْبَيْت إِذْ قَصده أَصْحَاب الْفِيل ووكلوا إِلَى الله الْأَمر وَكَانَ حسبهم وَنعم الْوَكِيل
وَكَانَ للفرنج مقصدان أَحدهمَا قلعة أَيْلَة الَّتِي هِيَ على فوهة بَحر الْحجاز ومداخله وَالْآخر الْخَوْض فِي هَذَا الْبَحْر الَّذِي تجاوره بِلَادهمْ من ساحله وانقسموا فريقين وسلكوا طَرِيقين فَأَما الْفَرِيق الَّذِي قصد قلعة أَيْلَة فَإِنَّهُ قدر أَن يمْنَع أَهلهَا من مورد المَاء الَّذِي بِهِ قوام الْحَيَاة ويقاتلهم بِنَار الْعَطش المشبوب الشباة وَأما الْفَرِيق القاصد سواحل الْحجاز واليمن فَقدر أَن يمْنَع طَرِيق الْحَاج عَن حجه ويحول بَينه وَبَين فجه وَيَأْخُذ تجار الْيمن وأكارم عدن ويلم بسواحل الْحجاز فيستبيح وَالْعِيَاذ بِاللَّه
الْمَحَارِم ويهيج جَزِيرَة الْعَرَب بعظيمة دونهَا العظائم
وَكَانَ الْأَخ سيف الدّين بِمصْر قد عمر مراكب وفرقها على الْفَرِيقَيْنِ وأمرها بِأَن تطوي وَرَاءَهُمْ الشقتَيْنِ فَأَما السائرة إِلَى قلعة أَيْلَة فَإِنَّهَا انْقَضتْ على مرابطي المَاء انقضاض الْجَوَارِح على بَنَات المَاء وقذفتها قذف شهب السَّمَاء مسترقي سمع الظلماء فَأخذت مراكب الْعَدو برمتها وَقتلت أَكثر مقاتلتها إِلَّا من تعلق بهضبة وَمَا كَاد أَو دخل فِي شعب وَمَا عَاد فَإِن العربان اقتصوا آثَارهم والتزموا إحضارهم فَلم ينج مِنْهُم إِلَّا من ينْهَى عَن المعاودة وَمن قد علم أَن أَمر السَّاعَة وَاحِدَة
وَأما السائرة إِلَى بَحر الْحجاز فتمادت فِي السَّاحِل الْحِجَازِي إِلَى رابغ إِلَى سواحل الْحَوْرَاء فَأخذت تجارًا وأخافت رفاقا ودلها على عورات الْبِلَاد من الْأَعْرَاب من هُوَ أَشد كفرا ونفاقا وَهُنَاكَ وَقع عَلَيْهَا أَصْحَابنَا وَأخذت المراكب بأسرها وفر فرنجها بعد إِسْلَام المراكب وسلكوا فِي الْجبَال مهاوي المهالك ومعاطن المعاطب وَركب أَصْحَابنَا وَرَاءَهُمْ خيل الْعَرَب يشلونهم شلا ويقتنصونهم أسرا وقتلا وَمَا زَالُوا يتبعونهم خَمْسَة أَيَّام خيلا ورجلا وَنَهَارًا وليلا حَتَّى لم يتْركُوا عَنْهُم مخبرا وَلم يبقوا لَهُم أثرا {وسيق الَّذين كفرُوا إِلَى جَهَنَّم زمرا} وَقيد