الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِسْلَام يَد مغيثه وَلم ينفع الْخَادِم حِينَئِذٍ تَصْحِيح حسابه وتصديق حَدِيثه وَمَا يُرِيد الْخَادِم إِلَّا من تكون يَد الله عَلَيْهِ وَهِي الْجَمَاعَة وَلَا يُؤثر إِلَّا مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَيْهِ وَهُوَ الطَّاعَة وَلَا يتوخى إِلَّا مَا تقوم بِهِ الْحجَّة الْيَوْم وَيَوْم تقوم السَّاعَة
وَمن كتاب آخر قد أحَاط الْعلم بِمَا طالع بِهِ أَولا عِنْد وَفَاة ولد نور الدّين رحمه الله أَن التَّقْلِيد الشريف المستضيء لما وَصله بالبلاد وَكَانَ قد فتح أَكْثَرهَا قلاعا وأمصارا وحصونا وديارا وَلم يبْق إِلَّا قَصَبَة حلب وَهُوَ على أَخذهَا عدل ولد نور الدّين عَن الْقِتَال إِلَى النوال وَعَن النزال إِلَى الإستنزال وَقصد الْقَصْد الَّذِي مَا أوجبت الْمُحَافظَة أَن يتلَقَّى بِالرَّدِّ فأقره على الْولَايَة فرعا لَا أصلا ونائبا لَا مُسْتقِلّا وَسلم إِلَيْهِ الْبِلَاد وَيَده الْغَالِبَة لَا المغلوبة وسيوفه السالبة لَا المسلوبة وَمَشى الْأَمر مَعَه مُسْتَقِيمًا ومائلا وجائرا وعادلا إِلَى أَن قضى نحبه وَلَقي ربه فَبَدَا من المواصلة نقض الْأَيْمَان والابتداء بالعدوان والتعرض للبلاد وَالتَّصَرُّف فِيهَا بِغَيْر حجَّة يكون عَلَيْهَا الِاعْتِمَاد
فطالع الدِّيوَان بالقضية وَاسْتشْهدَ بدلالات قوانينه الجلية فِي هَذَا التَّقْلِيد الَّذِي تهادته المحاضر وأشاعته المنابر وسيرت إِلَى الشرق والغرب نسخه وغلت الْأَيْدِي الَّتِي تحدث أَنْفسهَا أَنَّهَا تفسخه
فصل
قَالَ الْعِمَاد وَتوجه السُّلْطَان بعد شهر رَمَضَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة على
طَرِيق الْبحيرَة وخيم عِنْد السَّوَارِي وَشَاهد الأسوار الَّتِي جددها والعمارات الَّتِي مهدها وَأمر بالإتمام والاهتمام
وَقَالَ السُّلْطَان نغتنم حَيَاة الشَّيْخ الإِمَام أبي طَاهِر بن عَوْف
فحضرنا عِنْده وَسَمعنَا عَلَيْهِ موطأ مَالك رضي الله عنه بروايته عَن الطرطوشي فِي الْعشْر الْأَخير من شَوَّال وَتمّ لَهُ ولأولاده وَلنَا بِهِ السماع والوالي يَوْمئِذٍ بهَا فَخر الدّين قراجا
قلت وَوجدت للْقَاضِي الْفَاضِل كتابا كتبه إِلَى السُّلْطَان تهنئة بِهَذَا السماع يَقُول فِيهِ أدام الله دولة الْمولى الْملك النَّاصِر صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين محيي دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ وأسعده برحلته للْعلم وأثابه عَلَيْهَا وأوصل ذخائر الْخَيْر إِلَيْهِ وأوصله إِلَيْهَا وأوزع الْخلق شكرا لنعمته فِيهِ فَإِنَّهَا نعْمَة لَا يُوصل إِلَى شكرها إِلَّا بإيزاعه وأودع قلبه نور الْيَقِين فَإِنَّهُ مُسْتَقر لَا يودع فِيهِ إِلَّا مَا كَانَ مُسْتَندا إِلَى إيداعه وَللَّه
فِي الله رحلتاه وَفِي سَبِيل الله يوماه وَمَا مِنْهُمَا إِلَّا أغر محجل وَالْحَمْد لله الَّذِي جعله ذَا يَوْمَيْنِ يَوْم يسفك دم المحابر تَحت قلمه وَيَوْم يسفك دم الْكَافِر تَحت علمه فَفِي الأول يطْلب حَدِيث الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم فَيجْعَل أَثَره عينا لَا تستر وَفِي الثَّانِي يَجْعَل لنصره شَرِيعَته هداه على الضلال فَيجْعَل عينه أثرا لَا يظْهر وَقد اسْتغْرب النَّاس همم الْعلمَاء فِي رحلتهم لنقل الحَدِيث وسماعه والموالاة فِي طلب ثقته وانتجاعه وصنفوا فِي ذَلِك تصانيف قصدُوا بهَا التحريض للهمم والتنبيه وَالرَّفْع من أقدار أَهله والتنويه فَقَالُوا رَحل فلَان لسَمَاع مُسْند فلَان وَسَار زيد إِلَى عَمْرو على بعد الْمَكَان هَذَا وَصَاحب الرحلة قد نصب نَفسه للْعلم وشغل بِهِ دهره ووقف عَلَيْهِ فكره فَلَا تتجاذب عنان همته الْكَبَائِر فَمَا القَوْل فِي ملك خواطره كأبوابه مطروقة وَأُمُور خلق الله كأمور دينه بِهِ معذوقة إِذْ هَاجر إِلَى بَقِيَّة الْخَيْر فِي أضيق أوقاته وَترك للْعلم أَشد ضروراته ووهب لَهُ أَيَّامًا مَعَ أَنه فِي الْغُزَاة يُحَاسب لَهَا نَفسه على لحظاته وساعاته وَمَا يحْسب الْمَمْلُوك أَن كَاتب الْيَمين كتب لملك قطّ رحْلَة فِي طلب الْعلم إِلَّا للرشيد هَارُون رَحْمَة الله عَلَيْهِ على أَنه خلط زِيَارَة نبوية بِطَلَب ورحل بولديه إِلَى مَالك رَحْمَة الله عَلَيْهِ لسَمَاع هَذَا الْمُوَطَّأ الَّذِي اتّفقت الهمتان الرشيدية والناصرية على الرَّغْبَة فِي سَمَاعه والرحلة لانتجاعه
وَقد كَانَ الرشيد سَام مَالِكًا رحمه الله أَن يَجْعَل لَهُ ولولديه الْأمين والمأمون مَجْلِسا خَاصّا لإسماع مُصَنفه فَقَالَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ إِنَّهَا سنة ابْن عمك صلى الله عليه وسلم وَغَيْرك من سترهَا وَمثلك من نشرها
فَهَذِهِ رحْلَة ثَانِيَة فِي الزَّمَان وَأولى فِي الْإِيمَان يَكْتُبهَا الله للْمولى بقلم كَاتب الْيَمين
وَيقوم فِيهَا مقَام الرشيد وَيقوم عَلَيْهِ وعثمانه مقَام ولديه الْمَأْمُون والأمين
وَكَانَ أصل الْمُوَطَّأ بِسَمَاع الرشيد على مَالك رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي خزانَة الْكتب المصرية فَإِن كَانَ قد حصل بالخزانة الناصرية فَهُوَ بركَة عَظِيمَة ومنقبة كَرِيمَة وذخيرة قديمَة وَإِلَّا فليلتمس وَكَذَلِكَ خطّ مُوسَى بن جَعْفَر فِي فتيا الْمَأْمُون رحمهمَا الله كَانَ أَيْضا فِيهَا وَهُوَ مِمَّا يتبرك بِمثلِهِ وَيعلم بِهِ فضل الْعلم لَا خلا الْمولى أبقاه الله من فَضله
وقف الْمَمْلُوك على مَا بشر بِهِ من صنع الْمولى وتوفيقه وَصِحَّة مزاجه فِي طَرِيقه وَانْقِطَاع مَا كَانَ من دم واسترواح الْقلب من كل هم وَقد استفتحت هَذِه الطَّرِيق بِكُل فأل مباركة الْبكر والفأل مأثورة عَن سيد الْبشر فَمن ذَلِك صِحَة جِسْمه فلتهنه الصِّحَّة وفسحة قلبه دَامَت لَهُ الفسحة وَانْقِطَاع الدَّم وَطَرِيقه إِلَى الشَّام يَنْقَطِع بهَا الدَّم ويتصل النَّصْر لَهُ وينتظم السّلم
وَأُخْرَى أَنه رَحل إِلَى الْمُوَطَّأ رحم الله مَالِكه ويرحل فِيمَا يطْلب من الشَّام إِلَى الْمُوَطَّأ أسعد الله بِهِ ممالكه الله تَعَالَى يُحَقّق الْخَيْر وَيصرف الضير ويبارك لمولانا فِي الْمقَام وَالسير إِن شَاءَ الله
قلت هَكَذَا يَقع فِي كتب الْفَاضِل رحمه الله كثيرا وَهُوَ أَنه يختمها بالأدعية مُتَّصِلَة بقوله إِن شَاءَ الله
وَالتَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ غير لَائِق بالأدعية فَفِي الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ