الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تشكى إِلَيْك الغرب جور ملوكه
…
فأشكيته والجور بِالْعَدْلِ يعكس)
(سيهدى إِلَى المهدية النَّصْر وَالْهدى
…
بهديكم فِيهَا وتونس تؤنس)
(رددت كراديس الفرنج وَكلهمْ
…
لَدَى الْأسر فِي غل الصغار مكردس)
(وبيضت وَجه الدّين يَوْم لقيتهم
…
وأبيضكم من أسود الْقصر أشوس)
(أَفَادَ دم الأنجاس طهر سُيُوفكُمْ
…
وَمَا تستفيد الطُّهْر لَوْلَا التنجس)
(شموس ظبى تَغْدُو لَهَا الْهَام سجدا
…
فَللَّه نَصْرَانِيَّة تتمجس)
(وَكم كفي الْإِسْلَام سوءا بملككم
…
كفيتم على رغم المعادين كل سو)
(وَلَا يفتح الْبَيْت الْمُقَدّس غَيْركُمْ
…
وبيتكم من كل عَابَ مقدس)
(لَهُم كل يَوْم فِي جِهَاد مثلث
…
إِذا نصروا التَّوْحِيد فَيْء مخمس)
(إِذا مَا تَقِيّ الدّين صال تساقطت
…
لأقدامه من عصبَة الشّرك أرؤس)
(وَمَا عمر إِلَّا شَبيه سميه
…
شَدِيد على اللأواء ثَبت عمرس)
فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة
قَالَ الْعِمَاد كَانَ المنجمون فِي جَمِيع الْبِلَاد يحكمون بخراب الْعَالم فِي هَذِه السّنة فِي شعْبَان عِنْد اجْتِمَاع الْكَوَاكِب السِّتَّة فِي الْمِيزَان بطوفان الرّيح فِي سَائِر الْبلدَانِ وخوفوا من ذَلِك من لَا وثوق لَهُ بِالْيَقِينِ وَلَا إحكام لَهُ فِي الدّين من مُلُوك الْأَعَاجِم وَالروم وأشعروهم من تأثيرات النُّجُوم فشرعوا فِي حفر مغارات فِي التخوم وتعميق بيُوت فِي الأسراب
وتوثيقها وسد منافسها على الرّيح وَقطع طريقها ونقلوا إِلَيْهَا المَاء والأزواد وانتقلوا إِلَيْهَا وَانْتَظرُوا الميعاد وَكلما سمعنَا بأخبارهم استغربنا فِي الضحك من عُقُولهمْ وسلطاننا متنمر من أباطيل المنجمين موقن أَن قَوْلهم مَبْنِيّ على الْكَذِب والتخمين فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي عينهَا المنجمون لمثل ريح عَاد وَقد شارفنا الميعاد وَنحن جُلُوس عِنْد السُّلْطَان فِي فضاء وَاسع وناد للشموع الزاهرات جَامع وَمَا يَتَحَرَّك لنا نسيم وَلَا لسرح الْهَوَاء فِي رعي منابت الْأَنْوَار مسيم وَمَا رَأينَا لَيْلَة مثلهَا فِي ركودها وركونها وهدوها وهدونها
قَالَ ابْن القادسي وَحكم أَصْحَاب النُّجُوم أَن فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة من هَذِه السّنة تقترن الْكَوَاكِب السيارة الْخَمْسَة وَالشَّمْس وَالْقَمَر فِي برج الْمِيزَان ويؤثر ذَلِك هَوَاء عَظِيما وخيما سموميا
وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين تهْلك الْبِلَاد وَيحمل الرمل ونسبوا ذَلِك إِلَى الخازمي وَقَالُوا يكون أَشد ذَلِك من لَيْلَة الثُّلَاثَاء إِلَى نصف لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فاستعد لذَلِك أَقوام فِي الْبِلَاد وجمعوا الكعك وحفروا السراديب فَأهل رَجَب وَمَا جرى مِمَّا قَالُوا شَيْء فخزي أهل التنجيم لذَلِك وَلم يهب فِي ذَلِك الْيَوْم هَوَاء الْبَتَّةَ وَكَانَ الزَّمَان حارا وَاشْتَدَّ الْحر
فِي ذَلِك الْيَوْم وَبعده وَلم يظْهر مِمَّا قَالُوا شَيْء
وَعمل الشُّعَرَاء فِي ذَلِك شعرًا يزرون عَلَيْهِم فِي حكمهم مِنْهُم أَبُو الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَليّ بن الْمعلم الهرثي وفخر الدّين عِيسَى بن مودود دزدار قلعة تكريت وَأَبُو الْفَتْح سبط ابْن التعاويذي
قَالَ أَبُو الْغَنَائِم بن الْمعلم
(قل لأبي الْفضل قَول معترف
…
مضى جُمَادَى وجاءنا رَجَب)
(وَمَا جرت زعزعا كَمَا حكمُوا
…
وَلَا بدا كَوْكَب لَهُ ذَنْب)
(كلا وَلَا أظلمت ذكاء وَلَا
…
أبدت أَذَى فِي قرانها الشهب)
(يقْضِي عَلَيْهَا من لَيْسَ يعلم مَا
…
يقْضى عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْعجب)
(فارم بتقويمك الْفُرَات والإصطرلاب
…
خير من صفره الْخشب)
(قد بَان كذب المنجمين وَفِي
…
أَي مقَال قَالُوا فَمَا كذبُوا)
(مُدبر الْأَمر وَاحِد لَيْسَ للسبعة
…
فِي كل حَادث سَبَب)
(لَا المُشْتَرِي سَالم وَلَا زحل
…
بَاقٍ وَلَا زهرَة وَلَا قطب)
(تبَارك الله حصحص الْحق وانجاب
…
التَّمَادِي وزالت الريب)
(فليبطل المدعون مَا وضعُوا
…
فِي كتبهمْ ولتخرق الْكتب)
وَقَالَ عِيسَى بن مودود
(مزق التَّقْوِيم والزيج
…
فقد بَان الخفاء)
(إِنَّمَا التَّقْوِيم والزيج
…
هباء وهواء)
(قلت للسبعة إبرام
…
وَمنع وَعَطَاء)
(وَمَتى ينزلن فِي الْمِيزَان
…
يستولي الْهَوَاء)
(وتثير الرمل حَتَّى
…
يمتلي مِنْهُ الفضاء)
(ويعم الأَرْض خسف
…
وخراب وبلاء)
(وَيصير القاع كالقف
…
وكالطود العراء)
(وحكمتم فَأبى الْحَاكِم
…
إِلَّا مَا يَشَاء)
(مَا أَتَى الشَّرْع وَلَا جَاءَت
…
بِهَذَا الْأَنْبِيَاء)
(فبقيتم ضحكة تضحك
…
مِنْهَا الْعلمَاء)
(حسبكم خزيا وعارا
…
مَا يَقُول الشُّعَرَاء)
(ثمَّ مَا أطمعكم فِي الحكم
…
إِلَّا الْأُمَرَاء)
(لَيْت إِذْ لم يحسنوا فِي الدّين
…
ظنا مَا أساؤوا)
(فعلى اصطرلاب بطليموس
…
والزيج العفاء)
(وَعَلِيهِ الخزي مَا جَادَتْ
…
على الأَرْض السَّمَاء)
وَلم يذكر شعر سبط ابْن التعاويذي
قَالَ وَفِي السَّابِع وَالْعِشْرين من شَوَّال توفّي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن بري بن عبد الْجَبَّار النَّحْوِيّ وَكَانَ آيَة فِي النَّحْو ثِقَة عَالما صَالحا وَكَانَ مبلدا فِي أَمر دُنْيَاهُ حدث عَن ابْن الْحطاب ومرشد أبي صَادِق وَغَيرهمَا
قَالَ الْعِمَاد وَفِي هَذِه السّنة جَاءَ نعي أتابك شمس الدّين مُحَمَّد بن أتابك الدكز الْمَعْرُوف بالبهلوان وَهُوَ الَّذِي كَانَ نزل على خلاط فِي الْعَام الْمَاضِي وَكَانَت حَيَاته مُتَّصِلَة الْجد والجدا واضطربت من بعده تِلْكَ الممالك واحتربت أصفهان وَإِلَى الْيَوْم من سنة أَربع وَتِسْعين مَا وضعت أَوزَارهَا وَتَوَلَّى بعده أَخُوهُ قزل أرسلان فأزال مهابة الْملك السلجقي وسلك السعيد نهج الشقي إِلَى أَن ذهب فاتضع الْملك وَانْقطع السلك واتسع الهلك وطمعت خُرَاسَان فِي الْعرَاق وعدمت الْإِفَاقَة من الْآفَاق وأظلمت مطالع الْإِشْرَاق
قَالَ واشتغل السُّلْطَان فِي بَقِيَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ بِدِمَشْق بالصيد والقنص والانتهاز فِيهِ لبوادر الفرص وَكَانَ يركب إِلَى تل راهط للصَّيْد بالبزاة والشواهين مَعَ مماليكه الْخَواص الميامين وَله شاهين بحري كَأَنَّهُ بَحر إِذا حلق فشرار وَإِن أحرق فجمر فكم صَاد ليوسف يعقوبا وعقر بإنجاز وعد صَيْده عرقوبا فطلبته من السُّلْطَان فَقَالَ أَنْت للقلم والدواوين فَمَا لَك وللبزاة والشواهين فَقلت يكون فِي ملكي وكل مَا يقنصه يَأْمر لي
بِهِ الْمولى وَهَذَا أربح لي وأنفع وَأولى
فَقَالَ نعم
فَلَمَّا أصبح سير لي سبع عشرَة قِطْعَة من طير وحجل وَقَالَ هَذَا صيد شاهينك فِي طلق وَاحِد على عجل
فملكت ذَلِك الشاهين خمس سِتّ سِنِين وَالسُّلْطَان يصطاد بِهِ ولي قنصه لَهُ مطلعه ولي مخلصه فَمَا زَالَ لي على هَذَا الْحق محافظا ولهذه النُّكْتَة ملاحظا إِلَى أَن أودى الْجَارِح وانقطعت تِلْكَ المنايح فيالله دره من سُلْطَان لم ينس ذكر هَذِه الْقَضِيَّة الَّتِي أعَاد مزحها جدا واعتده لي حَقًا معدا فدون حَقه على مثله أَن يؤسف وَمن حَقنا بعده أَن نتلو {يَا أسفى على يُوسُف}
قَالَ وَلما دخل شهر رَمَضَان نوع أَقسَام الإنعام وَاتفقَ أَن بعض التُّجَّار كَانَت بضاعته بقايير رفيعة وَمَا لَهَا نفاق وَهِي أَكثر من مئة قِطْعَة فحملها إِلَى الخزانة السُّلْطَانِيَّة فِي بضاعات وَقَالَ خذوها واكتبوا لي بأثمانها فِي مصر على بعض الْجِهَات
فاشتريت مِنْهُ بِمَا كَانَ يرجوه من الرِّبْح
وَكَانَ من كرم شيم السُّلْطَان إِذا عرف فِي خزانته مَوْجُودا أَنه لَا يَسْتَطِيب تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى يفرقه جودا
فَقَالَ لي قد اجْتمعت لنا بقايير وعمائم وَقد تقاضتني بخلعها على أهل الْفضل المكارم فنبدأ بِأَهْل الدّين وَالتَّقوى ونجعل لَهُم أوفر حَظّ من الجدوى
وَكَانَ فِي الوافدين وَمن أهل الْبَلَد وعاظ وعلماء وحفاظ فَيكون كل يَوْم بكرَة نوبَة لمن يتَكَلَّم
على الْمِنْبَر ويذكرنا بالحلال وَالْحرَام والبعث والمحشر ثمَّ يخلع عَلَيْهِم وعَلى الْقُرَّاء
فاشتغل مُدَّة أسبوعين بالمواعظ وَوضع الْمِنْبَر فِي إيوَان القلعة فَقلت بَقِي إِحْضَار الْفُقَهَاء فِي الْمدَّة الْبَاقِيَة من الشَّهْر فَقَالَ إِنَّهُم يُفْضِي بهم الْخلاف إِلَى التشاحن والتضاغن
فَقلت أَنا أضمنهم وَلَا يحضر إِلَّا أوقرهم وأوزنهم
فاستدل أول يَوْم برهَان الدّين مَسْعُود مدرس الْحَنَفِيَّة فِي الْمدرسَة المعمورة النورية وَاعْترض عَلَيْهِ الْعِمَاد الْكَاتِب وَفِي الْيَوْم الثَّانِي اسْتدلَّ أكبر مَشَايِخ الْحَنَفِيَّة بدر الدّين عَسْكَر وَاعْترض عَلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين بن الزكي فَكَانَ السُّلْطَان يجلس فِي كل يَوْم لطائفة فَلَمَّا دنا الْعِيد أَمر بابتياع العمائم وَغَيرهَا وصرفها إِلَيْهِم
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَفِي شهر ربيع الأول من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَقعت وقعات كَثِيرَة بَين التركمان والأكراد بِأَرْض نَصِيبين وَغَيرهَا وَقتل من الفئتين خلق عَظِيم
وَبلغ السُّلْطَان أَن معِين الدّين بن معِين الدّين قد عصى بالراوندان فَكتب إِلَى عَسْكَر حلب أَن حاصروه
وَكَانَ نزولهم عَلَيْهِ فِي الْعشْر الأول من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأعْطى برج الرصاص لتميرك فِي
بَقِيَّة ذَلِك الشَّهْر وَفِي ثامن جُمَادَى الأولى وصل معِين الدّين من الراوندان وَقد سلمهَا إِلَى علم الدّين سُلَيْمَان ثمَّ مضى إِلَى خدمَة السُّلْطَان
قَالَ ابْن القادسي وَقدم الْحَاج فِي عَاشر صفر فَأخْبرُوا أَن سيف الْإِسْلَام أَخا صَلَاح الدّين ملك مَكَّة وَضرب الدَّنَانِير فِيهَا باسم أَخِيه وَمنع من قَوْلهم حَيّ على خير الْعَمَل وَشرط على العبيد أَن لَا يؤذوا الْحَاج
وَأخْبر الْحَاج أَن قفل بَاب الْكَعْبَة تعسر حَتَّى فتح وَلما فتح مَاتَ فِي الدوسة أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ شخصا من بَين رجل وَامْرَأَة
قَالَ وَوصل الْخَبَر أَن ريحًا هبت بِالْبَصْرَةِ فَكسرت نخيلا كثيرا وَمَاتَتْ بهائم كَثِيرَة وَوصل الْخَبَر إِلَى بَغْدَاد بقتل البهلوان وَأَن الْقِتَال وَقع هُنَاكَ وأحرقت الْمحَال ونهبت الْأَمْوَال واقتتل أهل الْمذَاهب واحترقت مدارس وَبَقِي الْأَمر على ذَلِك من سَابِع محرم إِلَى ربيع الآخر فأحصوا من الْقَتْلَى أَرْبَعَة آلَاف رجل وَسبع عشرَة امْرَأَة بعد أَن أحترق أَطْفَال فِي المهود بِاللَّيْلِ وَقَامَ قزل أَخُو البهلوان فَكف النَّاس وَكَانَ قزل قد رتب شحنة فِي أصفهان بعد الْفِتْنَة الَّتِي وَقعت بهَا وَمَعَهُ ألف فَارس فَمَا زَالَ يهذب الْبَلَد والرساتيق بِالْقَتْلِ والصلب وصادرهم وأشير على قزل بِأَن يلْزم أهل الْبَلَد سبعين ألف دِينَار فَقَالَ لَهُ الشّحْنَة أهل الْبَلَد فُقَرَاء
فَقَالَ بعض الْمُصَالحَة لقزل مَا نَأْخُذ إِلَّا من الْأَغْنِيَاء
فَوَثَبَ عيار فَقتل المصلحي وَكَانَ الْعيار مُتَعَلقا على قَاضِي الْبَلَد فَوكل الشّحْنَة بدار القَاضِي فجَاء ابْن الخجندي إِلَى دَار القَاضِي فَحسن لَهُ إِخْرَاج الموكلين بهَا وتحالفا على إِخْرَاج الشّحْنَة من الْبَلَد وَأَن يقطعوا خطْبَة السُّلْطَان الَّذِي نَصبه قزل
فَفعل ذَلِك