الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك فَلم يفعل وَطلب أَن يملكهُ السُّلْطَان مِنْهُم صَغِيرا فعوض عَنهُ
ثمَّ رَحل السُّلْطَان على طَرِيق الزِّرَاعَة إِلَى بعلبك فنازلها محاصرا من غير قتال فطال أمرهَا وَلم يسمح بهَا صَاحبهَا وَدخل فصل الشتَاء فَرَحل السُّلْطَان عَنْهَا إِلَى دمشق ووكل بهَا من يحصرها بِالْمَنْعِ من الْخُرُوج وَالدُّخُول من غير تال وهم جمَاعَة مَعَ طغرل الجاندار وَدخل إِلَى دمشق فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَجَب وَتَمَادَى الْأَمر إِلَى أَن رَضِي ابْن الْمُقدم بحصن بعرين وأعماله وببلد كفرطاب وأعيان نواح وقرى من بلد المعرة وَسلم بِتَسْلِيم بعلبك من الْمضرَّة والمعرة
وَكَانَ الَّذِي أَخذه أَكثر وأنفع من الَّذِي خلاه وَمَا خطر بِبَالِهِ مَا حصل لَهُ وَلَا ترجاه وَلَا تمناه
فصل كَالَّذي قبله فِي حوادث مُتَفَرِّقَة
قَالَ الْعِمَاد وَكتب النواب بِدِمَشْق إِلَى السُّلْطَان أَن الْأَمْوَال ضائعة وَأَن الأطماع فِيهَا راتعة وَأَن فِي أَرْبَاب الصَّدقَات أَغْنِيَاء لَا يستحقونها وَمَا لَهُم رَقَبَة من الله يتقونها وَأَن أَرْبَاب العنايات استوعبوها وَمَا استوجبوها وان الْمصلحَة تَقْتَضِي إِفْرَاد جِهَات لما يسنح من مهمات
وَكَانَت الصَّدقَات مبلغ أحد عشر ألف دِينَار فَقَالَ لي اكْتُبْ عَلَيْهَا جَمِيعهَا بالإمضاء وَلَا تكدر على ذَوي الآمال موارد الْعَطاء
فَقلت أما أتلو عَلَيْك الْأَسْمَاء فَقَالَ لَا بل نزهني عَن هَذِه الْأَشْيَاء
فَبَقيت تِلْكَ الرسوم
دارة والآمال بهَا سارة
قَالَ وَفِي شعْبَان من هَذِه السّنة توفّي مُتَوَلِّي المقياس بِمصْر ففوض السُّلْطَان منصبه إِلَى أَخِيه
قَالَ وَهَذَا المقياس مَوضِع مَبْنِيّ من عهد خلفاء بني الْعَبَّاس لتعرف زِيَادَة المَاء ونقصانه بِالْقِيَاسِ وَهُنَاكَ عَمُود فِي المَاء مقسوم بالأذرع والأذرع مقسومة بالأصابع فِي مَسْجِد يَنُوب فِي الجزيرة عَن الْجَامِع تصلى فِيهِ الْجَمَاعَات وَالْجمع ويتولاه من الْعَهْد الْقَدِيم متول من بني أبي الرداد مِمَّن هُوَ مَعْرُوف بالنزاهة وَالْعلم والسداد وَله راتب دَار ورسم وقرار
قلت بَلغنِي أَن أَبَا الرداد هَذَا كَانَ معلما من أهل الصدْق وَالصَّلَاح رتبه جَعْفَر المتَوَكل على الله فِي ولَايَة المقياس وَبَقِي من بعده على وَلَده وقرأت فِي تَارِيخ الغرباء الَّذين قدمُوا مصر لأبي سعيد بن يُونُس قَالَ عبد الله بن عبد السَّلَام بن الرداد الْعمي بَصرِي قدم مصر وَحدث بهَا
وَكَانَ قد جعل على قياسة النّيل توفّي بِمصْر لسبع بَقينَ من رَجَب سنة سِتّ وَسِتِّينَ ومئتين
وَذكره أَبُو سعيد فِي أهل مصر أَيْضا وَقَالَ فِيهِ ولد هُوَ وَأَبوهُ بِمصْر
قَالَ ابْن الْأَثِير وَفِي سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مئة اشْتَدَّ الغلاء وَعم أَكثر الْبِلَاد الْعرَاق ومصر وديار بكر وديار الجزيرة وَالشَّام وَغير ذَلِك من الْبِلَاد ودام إِلَى أَن انْقَضى أَكثر سنة خمس وَسبعين وَخرج النَّاس فِي الْبِلَاد يستسقون فَلم يسقوا ثمَّ إِن الله تَعَالَى رحم عباده ولطف بهم وَأنزل عَلَيْهِم الْغَيْث وأرخص الأسعار
وَمن عَجِيب مَا رَأَيْت تِلْكَ السّنة أنني كنت فِي الجزيرة فَأقبل إِنْسَان تركماني قد أثر فِيهِ الْجُوع وَكَأَنَّهُ قد أخرج من قبر فَبكى وشكا الْجُوع فَأرْسلت من اشْترى لَهُ خبْزًا فَتَأَخر إِحْضَاره لعدمه وَهُوَ يبكي ويتمرغ على الأَرْض فتغيمت السَّمَاء وَجَاءَت نقط مطر مُتَفَرِّقَة وضج النَّاس ثمَّ جَاءَ الْخبز فَأكل التركماني وَأخذ الْبَاقِي مَعَه وَمَشى وَاشْتَدَّ الْمَطَر ودام من تِلْكَ السَّاعَة فرخصت الأسعار وَوجدت الأقوات بعد أَن كَانَت مَعْدُومَة
ثمَّ تعقب الغلاء وباء شَدِيد كثير وَكَانَ مرض النَّاس شَيْئا وَاحِدًا هُوَ سرسام فَمَاتَ فِيهِ من كل بلد أُمَم لَا يُحصونَ كَثْرَة وَلَقي النَّاس مِنْهُ مَا أعجزهم حمله ثمَّ إِن الله تَعَالَى رَفعه