الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تزاحم أَفْوَاجًا تدب على الْبَحْر عقاربها وتخب كَقطع اللَّيْل سحائبها والحاجب لُؤْلُؤ مقدمها ومقدامها وضرغام غابها وهمامها فَطَفِقَ يكسر ويكسب ويسل ويسلب وَيقطع الطَّرِيق على سفن الْعَدو ومراكبه وَيقف لَهُ فِي جزائر الْبَحْر على مذاهبه وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فتح الْبَيْت الْمُقَدّس شرفه الله تَعَالَى
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد لما تسلم السُّلْطَان عسقلان والأماكن الَّتِي هِيَ مُحِيطَة بالقدس شمر عَن سَاق الْجد وَالِاجْتِهَاد فِي قَصده وَاجْتمعت إِلَيْهِ العساكر الَّتِي كَانَت مُتَفَرِّقَة فِي السَّاحِل بعد قَضَاء لبانتها من النهب والغارة فَسَار نَحوه مُعْتَمدًا على الله مفوضا أمره إِلَى الله منتهزا فرْصَة فتح بَاب الْخَيْر الَّذِي حث على انتهازه إِذا فتح بقوله عليه السلام من فتح لَهُ بَاب خير فلينتهزه فَإِنَّهُ لَا يعلم مَتى يغلق دونه وَكَانَ نُزُوله عَلَيْهِ قدس الله روحه يَوْم الْأَحَد الْخَامِس عشر من رَجَب فَنزل بالجانب الغربي وَكَانَ مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة وَلَقَد تحازر أهل الْخِبْرَة عدَّة من كَانَ فِيهِ من الْمُقَاتلَة بِمَا يزِيد على سِتِّينَ ألفا مَا عدا النِّسَاء وَالصبيان
ثمَّ انْتقل رحمه الله لمصْلحَة رَآهَا إِلَى الْجَانِب الشمالي وَكَانَ انْتِقَاله يَوْم الْجُمُعَة الْعشْرين من رَجَب وَنصب عَلَيْهِ المنجنيقات وضايقه بالزحف والقتال
وَكَثْرَة الرُّمَاة حَتَّى أَخذ النقب فِي السُّور مِمَّا يَلِي وَادي جَهَنَّم فِي قرنة شمالية
وَلما رأى أَعدَاء الله مَا نزل بهم من الْأَمر الَّذِي لَا ينْدَفع وَظَهَرت لَهُم أَمَارَات نصْرَة الْحق على الْبَاطِل وَكَانَ الله قد ألْقى فِي قُلُوبهم الرعب بِمَا جرى على أبطالهم ورجالهم من السَّبي وَالْقَتْل والأسر وَمَا جرى على حصونهم من الِاسْتِيلَاء وَالْأَخْذ علمُوا أَنهم إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ صائرون وبالسيف الَّذِي قتل بِهِ إخْوَانهمْ يقتلُون فاستكانوا وأخلدوا إِلَى طلب الْأمان واستقرت الْقَاعِدَة بالمراسلة بَين الطَّائِفَتَيْنِ وَكَانَ تسلمه لَهُ يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب وَلَيْلَته كَانَت لَيْلَة الْمِعْرَاج الْمَنْصُوص عَلَيْهَا فِي الْقُرْآن الْمجِيد فَانْظُر إِلَى هَذَا الِاتِّفَاق العجيب كَيفَ يسر الله عوده إِلَى أَيدي الْمُسلمين فِي مثل زمَان الْإِسْرَاء بِنَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم وَهَذِه عَلامَة قبُول هَذِه الطَّاعَة من الله تَعَالَى
قلت هَذَا أحد الْأَقْوَال فِي لَيْلَة الْمِعْرَاج وَفِي ذَلِك اخْتِلَاف كثير ذَكرْنَاهُ فِي مَوَاضِع غير هَذَا وَالله أعلم
ثمَّ قَالَ القَاضِي وَكَانَ فتوحا عَظِيما شهده من أهل الْعلم خلق عَظِيم وَمن أَرْبَاب الْخرق والحرق وَذَلِكَ أَن النَّاس لما بَلغهُمْ مَا من الله بِهِ
على يَده من فتوح السَّاحِل شاع قَصده للقدس فقصده الْعلمَاء من مصر وَالشَّام بِحَيْثُ لم يتَخَلَّف مَعْرُوف عَن الْحُضُور وَارْتَفَعت الْأَصْوَات بالضجيج وَالدُّعَاء والتهليل وَالتَّكْبِير وخطب فِيهِ وَصليت فِيهِ الْجُمُعَة يَوْم فَتحه وَحط الصَّلِيب الَّذِي كَانَ على قبَّة الصَّخْرَة وَكَانَ شكلا عَظِيما وَنصر الله الْإِسْلَام نصر عَزِيز مقتدر
وَكَانَ قَاعِدَة الصُّلْح أَنهم قطعُوا على أنفسهم عَن كل رجل عشرَة دَنَانِير وَعَن كل امْرَأَة خَمْسَة دَنَانِير وَعَن كل صَغِير ذكر اَوْ أُنْثَى دِينَارا وَاحِدًا
قلت كَذَا قَالَ وَسَيَأْتِي فِي كتاب الْعِمَاد أَن على كل صَغِير دينارين وَكَذَا قَالَ أَن الْجُمُعَة صليت بِبَيْت الْمُقَدّس يَوْم فَتحه وَسَيَأْتِي فِي كتاب الْعِمَاد التَّصْرِيح بِأَن يَوْم الْفَتْح ضَاقَ عَن ذَلِك فَصليت فِي يَوْم الْجُمُعَة الْآتِي
ثمَّ قَالَ القَاضِي فَمن أحضر القطيعة سلم بِنَفسِهِ وَإِلَّا أَخذ أَسِيرًا وَفرج الله عَمَّن كَانَ فِيهِ من أسرى الْمُسلمين وَكَانُوا خلقا عَظِيما زهاء ثَلَاثَة آلَاف أَسِير وَأقَام عَلَيْهِ رَحْمَة الله يجمع الْأَمْوَال ويفرقها على الْأُمَرَاء وَالْعُلَمَاء ويوصل من دفع قطيعته مِنْهُم إِلَى مأمنه وَهُوَ صور
قَالَ وَلَقَد بَلغنِي انه رحمه الله رَحل عَنهُ وَلم يبْق مَعَه من ذَلِك المَال شَيْء وَكَانَ مئتي الف دِينَار وَعشْرين ألفا وَكَانَ رحيله عَنهُ يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة