الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَمَا سَيَأْتِي
فصل
هَذَا الَّذِي ذكره القَاضِي فِي أَمر فتح بَيت الْمُقَدّس مُخْتَصر مُجمل وَقد بَسطه الْعِمَاد فَقَالَ رَحل السُّلْطَان من عسقلان للقدس طَالبا وبالعزم غَالِبا وللنصر مصاحبا ولذيل الْعِزّ ساحبا وَالْإِسْلَام يخْطب من الْقُدس عروسا ويبذل لَهَا فِي الْمهْر نفوسا وَيحمل إِلَيْهَا نعمى ليحمل عَنْهَا بوسى وَيهْدِي بشرا ليذْهب عبوسا وَيسمع صرخة الصَّخْرَة المستدعية المستعدية لإعدائها على أعدائها وَإجَابَة دعائها وتلبية ندائها وإطلاع زهر المصابيح فِي سمائها وإعادة الْإِيمَان الْغَرِيب مِنْهَا إِلَى وَطنه ورده إِلَى سكونه وسكنه وإقصاء الَّذين أَقْصَاهُم الله تَعَالَى بلعنته من الْأَقْصَى وجذب قياد فَتحه الَّذِي استعصى وإسكات الناقوس مِنْهُ بإنطاق الْأَذَان وكف كف الْكفْر عَنهُ بأيمان الْإِيمَان وتطهيره من أنجاس تِلْكَ الْأَجْنَاس وأدناس أدنى النَّاس
وطار الْخَبَر إِلَى الْقُدس فطارت قُلُوب من بِهِ رعْبًا وطاشت وخفقت أفئدتهم خوفًا من جَيش الْإِسْلَام وجاشت وتمنت الفرنج لما شاعت الْأَخْبَار أَنَّهَا مَا عاشت وَكَانَ بِهِ من مقدمي الفرنج باليان بن بارزان وَهُوَ وملكهم فِي التسلط سيان والبطرك الْأَعْظَم وَهُوَ الشاني الْعَظِيم الشان وَالَّذين أغفلتهم حياطة حطين من الفرسان الداوية والاسبتارية والبارونية من ذَوي الْكفْر والشنان وَقد حشروا وحشدوا ونشروا ونشدوا وحميت
حميتهم وأبت الضيم أبيتهم وحارت غيرتهم وَغَارَتْ خيرتهم وتبلدوا وتلددوا وَقَامُوا وقعدوا وصوبوا وصعدوا فاشتغل بَال باليان واشتعل بالنيران وخمدت نَار بطر البطرك وَضَاقَتْ بالقوم مَنَازِلهمْ فَكَأَن كل دَار مِنْهَا شرك للمشرك وَقَامُوا للتدبير فِي مقَام الأدبار وتقسمت أفكار الْكفَّار وأيس الفرنج من الْفرج وَأَجْمعُوا على بذل المهج وَقَالُوا هَاهُنَا نطرح الرؤوس ونسبك النُّفُوس ونسفك الدِّمَاء ونهلك الدهماء وَنَصْبِر على اقتراح القروح واجتراح الجروح ونسمح بالأرواح شحا بِمحل الرّوح فَهَذِهِ قمامتنا فِيهَا مقامتنا وَمِنْهَا تقوم قيامتنا وتصيح هامتنا وَتَصِح ندامتنا وتسيح علامتنا وتسح غمامتنا وَبهَا غرامنا وَعَلَيْهَا غرامتنا وبإكرامها كرامتنا وبسلامتها سلامتنا وباستقامتها استقامتنا وَفِي استدامتها استدامتنا وَإِن تخلينا عَنْهَا لَزِمت لآمتنا وَوَجَبَت ملامتنا فَفِيهَا المصلب وَالْمطلب والمذبح والمقرب وَالْمجْمَع والمعبد والمهبط والمصعد والمرقى والمرقب وَالْمشْرَب والملعب والمموه وَالْمذهب والمطلع والمقطع والمربى والمربع والمرخم والمخرم والمحلل وَالْمحرم والصور والأشكال والأنظار والأمثال والأشباه والأشباح والأعمدة والألواح والأجسام والأرواح وفيهَا صور الحواريين فِي حوارهم والأحبار فِي أخبارهم والرهابين فِي صوامعهم والأقساء فِي مجامعهم والسحرة وحبالها والكهنة وخيالها وَمِثَال السيدة وَالسَّيِّد والهيكل والمولد والمائدة والحوت والمنعوت والمنحوت والتلميذ
والمعلم والمهد وَالصَّبِيّ الْمُتَكَلّم وَصُورَة الْكَبْش وَالْحمار وَالْجنَّة وَالنَّار والنواقيس والنواميس
قَالُوا وفيهَا صلب الْمَسِيح وَقرب الذَّبِيح وتجسد اللاهوت وتأله الناسوت واستقام التَّرْكِيب وَقَامَ الصَّلِيب وَنزل النُّور وَزَالَ الديجور وازدوجت الطبيعة بالأقنوم وامتزج الْمَوْجُود بالمعدوم وعمدت معمودية المعبود ومخضت البتول بالمولود وأضافوا إِلَى متعبدهم من هَذِه الضلالات مَا ضلوا فِيهِ بالشبه عَن نهج الدلالات وَقَالُوا دون مَقْبرَة رَبنَا نموت وعَلى خوف فَوتهَا منا نفوت وعنها ندافع وَعَلَيْهَا نقارع ومالنا أَلا نُقَاتِل وَكَيف لَا ننازع وَلَا ننازل ولأي معنى نتركهم حَتَّى يَأْخُذُوا وندعهم حَتَّى يستخلصوا مَا استخلصناه مِنْهُم ويستنقذوا وتأهبوا وتباهوا وَمَا انْتَهوا بل تناهوا ونصبوا المجانيق على الأسوار وستروا بظلمات الستائر وُجُوه الْأَنْوَار واستشاطت شياطينهم وسرحت سراحينهم وطغت طواغيتهم وأصليت مصاليتهم وهاج هائجهم وماج مائجهم وحضتهم قسوسهم وحرضتهم رؤوسهم وحركتهم نُفُوسهم وجاءتهم بجوى السوء جواسيسهم
ونصبوا على كل نيق منجنيقا وحفروا فِي الخَنْدَق حفرا عميقا وشادوا فِي كل جَانب ركنا وثيقا وَفرقُوا على كل برج فريقا وَجعلُوا إِلَى كل طَارق بالردى للرَّدّ طَرِيقا وأعادوا كل نهج وَاسع بِمَا وعروه وعوروه بِهِ مضيقا وَتحمل كل مِنْهُم مَا لم يكن لَهُ من قبل مطيقا وَخرج جمَاعَة مِنْهُم
على سَبِيل اليزك فأدلجوا لَيْلًا واعترضوا عدَّة من أَصْحَابنَا غَارة على طَرِيق السَّلامَة مارة وَكَانَ قد شَذَّ من الْمُقدمَة المنصورة أَمِير تقدم وَمَا تحرز وَلَا تحزم وَمَا ظن أَن قدامه من لَهُ جرْأَة الْإِقْدَام وَمن يعْتَقد أَن ربح كفره خسارة الْإِسْلَام وَهُوَ الْأَمِير جمال الدّين شروين بن حسن الزرزاري فوقعوا عَلَيْهِ فِي مَوضِع يعرف بالقبيبات فاستشهد رحمه الله
وَلما بلغ السُّلْطَان خَبره سَاءَهُ وغمه
ثمَّ أقبل بإقبال سُلْطَانه وأبطال شجعانه وأقيال أَوْلَاده وإخوانه وأشبال مماليكه وغلمانه وكبار أمرائه وَعِظَام أوليائه وَأصْبح يسْأَل عَن الْأَقْصَى وَطَرِيقه الْأَدْنَى وفريقه الْأَسْنَى وَيذكر مَا يفتح الله عَلَيْهِ بِحسن فَتحه من الْحسنى وَقَالَ إِن أسعدنا من الله على إِخْرَاج أعدائه من بَيته الْمُقَدّس فَمَا أسعدنا وَأي يَد لَهُ عندنَا إِذا أيدنا وَإنَّهُ مكث فِي أَيدي الْكفْر إِحْدَى وَتِسْعين سنة لم يتَقَبَّل الله فِيهِ من عَابِد حَسَنَة ودامت همم الْمُلُوك دونه متوسنة وخلت الْقُرُون عَنهُ متخلية وخلت الفرنج بِهِ متولية فَمَا ادخر الله فَضِيلَة فَتحه إِلَّا لآل أَيُّوب ليجمع لَهُم بِالْقبُولِ الْقُلُوب
وَكَيف لَا يهتم بافتتاح الْبَيْت الْمُقَدّس وَالْمَسْجِد الاقصى المؤسس على التَّقْوَى وَهُوَ مقَام الْأَنْبِيَاء وموقف الْأَوْلِيَاء ومعبد الأتقياء ومزار أبدال الأَرْض وملائكة السَّمَاء وَمِنْه الْمَحْشَر والمنشر ويتوافد إِلَيْهِ من أَوْلِيَاء الله بعد المعشر المعشر وَفِيه الصَّخْرَة الَّتِي صينت جدة أبهاجها من
الإنهاج وَمِنْهَا منهاج الْمِعْرَاج وَلها الْقبَّة الشماء الَّتِي هِيَ على رَأسهَا كالتاج وَفِيه ومض البارق وَمضى الْبراق وأضاءت لَيْلَة الْإِسْرَاء بحلول السراج الْمُنِير فِيهِ الْآفَاق
وَمن أبوابه بَاب الرَّحْمَة الَّذِي يسْتَوْجب دَاخله إِلَى الْجنَّة بِالدُّخُولِ الخلود وَفِيه كرْسِي سُلَيْمَان ومحراب دَاوُد وَفِيه عين سلوان الَّتِي تمثل لواردها من الْكَوْثَر الْحَوْض المورود وَهُوَ أول الْقبْلَتَيْنِ وَثَانِي البنيتين وثالث الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ أحد الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة الَّتِي جَاءَ فِي الْخَبَر النَّبَوِيّ انها تشد إِلَيْهَا الرّحال وتعقد الرَّجَاء بهَا الرِّجَال
وَلَعَلَّ الله يُعِيدهُ بِنَا إِلَى أحسن صُورَة كَمَا شرفه بِذكرِهِ مَعَ أشرف خلقه فِي أول سُورَة فَقَالَ عز من قَائِل {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} وَله فَضَائِل ومناقب لَا تحصى وَمِنْه كَانَ الْإِسْرَاء ولأرضه فتحت السَّمَاء وَعنهُ تُؤثر أنباء الْأَنْبِيَاء وآلاء الْأَوْلِيَاء ومشاهد الشُّهَدَاء وكرامات الكرماء وعلامات الْعلمَاء وَفِيه مبارك المبار ومسارح المسار وصخرتها الطُّولى الْقبْلَة الأولى وَمِنْهَا تعالت الْقدَم النَّبَوِيَّة وتوالت الْبركَة العلوية وَعِنْدهَا صلى نَبينَا صلى الله عليه وسلم بالنبيين وَصَحب الرّوح الْأمين وَصعد مِنْهَا إِلَى أَعلَى عليين وَفِيه محراب مَرْيَم عليها السلام الَّذِي قَالَ الله فِيهِ {كلما دخل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب} ولنهاره التَّعَبُّد ولليله الْمحيا وَهُوَ