الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَلَا تدع يهدم شَيْطَانه
…
مَا أحكم التَّقْوَى من الأس)
(فَوَقع الْيَوْم بمطلوبه
…
مِمَّا سبى الأسطول بالْأَمْس)
(لَا زلت وهابا لما حازه
…
سَيْفك من حور وَمن لعس)
(وإنني آمل من بعْدهَا
…
كرائم السَّبي من الْقُدس)
قَالَ فجَاء الْأَمر على وفْق الأمل فوهب لي عَام الْقُدس مَا أملت
فصل فِيمَا جرى بعد فتح حلب
قَالَ ابْن أبي طي كَاتب الْوَالِي بحارم الفرنج واستدعاهم إِلَيْهِ مطمعا لَهُم فِي الِاسْتِيلَاء على حارم بِشَرْط أَن يعصموه من الْملك النَّاصِر وَعلم الأجناد بقلعة حارم بِمَا عزم عَلَيْهِ فتآمروا بَينهم فِي الْقَبْض عَلَيْهِ
وَكَانَ هَذَا الْوَالِي ينزل من القلعة ويصعد إِلَيْهَا فِي أُمُوره ولذاته فاتفق أَنه نزل مِنْهَا لبَعض شَأْنه فَوَثَبَ أهل القلعة لما خرج وَأَغْلقُوا بَابهَا وَنَادَوْا بشعار السُّلْطَان
وَكَانَ السُّلْطَان راسل وَالِي حارم وبذل لَهُ فِي تَسْلِيم حارم إِلَيْهِ أَشْيَاء كَثِيرَة مِنْهَا ولَايَة بصرى وضيعة فِي دمشق يملكهُ إِيَّاهَا وَدَار العقيقي الَّتِي كَانَ نجم الدّين أَيُّوب وَالِد السُّلْطَان يسكنهَا وحمام العقيقي بِدِمَشْق وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار عينا ولأخيه عشرَة آلَاف دِينَار
فاشتط فِي السّوم وتغالى فِي الْعِوَض فأنفذ إِلَيْهِ السُّلْطَان وتوعده وتهدده فكاتب الفرنج يطْلب نجدتهم وَقيل إِن نقيب القلعة أَرَادَ أَن تنْفق سوقه عِنْد السُّلْطَان وَيحصل مِنْهُ شَيْئا فكاتب السُّلْطَان بِالْعَمَلِ على الْوَالِي فَكتب
إِلَيْهِ السُّلْطَان بتتميم ذَلِك ووعده بأَشْيَاء سكن إِلَيْهَا وَجرى الْأَمر على مَا ذَكرْنَاهُ من إغلاق الْبَاب فِي وَجه الْوَالِي
وَقيل إِن النَّقِيب وَأهل القلعة لما أغلقوا الْبَاب فِي وَجهه شنعوا عَلَيْهِ بمكاتبة الفرنج وَلم يكن فعل ذَلِك إِقَامَة لعذرهم وقذفوه بِالْحِجَارَةِ وَنَادَوْا بشعار السُّلْطَان
وَلما اتَّصل بالسلطان هَذِه الْأَحْوَال أنفد تَقِيّ الدّين إِلَى حارم ليتسلمها فَامْتنعَ النَّقِيب وَأهل القلعة من تَسْلِيمهَا إِلَيْهِ فَرَحل السُّلْطَان إِلَيْهَا بِنَفسِهِ جَرِيدَة فَلَمَّا أشرف عَلَيْهَا نزل إِلَيْهِ النَّقِيب ووجوه القلعيين وسلموها إِلَيْهِ فِي تَاسِع عشر صفر
وَلما حَضَرُوا عِنْد السُّلْطَان حدثوه بكيفية الْحَال وَكَانَ بدر الدّين حسن ابْن الداية حَاضرا فَقَالَ للسُّلْطَان يَا مَوْلَانَا لَا تلْتَفت إِلَى هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُم آذوا هَذَا الْوَالِي وكذبوا عَلَيْهِ حَتَّى فوتوه مَا كَانَ السُّلْطَان وعده بِهِ وَمَا قلت هَذَا إِلَّا عَن تجربة فإنني لما كنت مُتَوَلِّيًا لهَذِهِ القلعة جرى عَليّ من كذبهمْ فِي حَقي وتخرصهم عَليّ أمورا كدت بهَا أهلك مَعَ نور الدّين وهم كَانُوا سَبَب خروجي من هَذِه القلعة وَأَنا أرى أَن السُّلْطَان يقرهم فِي القلعة على هَذِه التجربة فَضَحِك السُّلْطَان وَأمر لَهُم بِمَا كَانَ وعدهم بِهِ وَأفضل عَلَيْهِم وَولى القلعة غَيرهم وَقَالَ لِابْنِ الداية إِن بَين أَيْدِينَا أمكنة نُرِيد أَخذهَا وَمَتى لم نف بِمَا نعد ونجزل الْعَطاء لم يَثِق بِنَا أحد
وَبَات السُّلْطَان بقلعة حارم لَيْلَتَيْنِ وَعَاد إِلَى حلب فِي ثَالِث ربيع الأول فرتبها وَقرر وَلَده الظَّاهِر سُلْطَانا بهَا وَقرر لَهُ فِي كل شهر أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَعشْرين كمة وقباء وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الطَّعَام وَغَيره وَجعل
مَعَه واليا سيف الدّين أزكش الْأَسدي وَولى حسام الدّين تميرك الخليفتي شحنة حلب وَولى الدِّيوَان نَاصح الدّين إِسْمَاعِيل بن العميد الدِّمَشْقِي وَدَار الضَّرْب فَضرب الدِّرْهَم الناصري الَّذِي سكته خَاتم سُلَيْمَان وَنقل الخطابة من بني العديم إِلَى أبي البركات بن الْخَطِيب هَاشم بسفارة القَاضِي الْفَاضِل وَولى الْقَضَاء لمحيي الدّين بن زكي الدّين الدِّمَشْقِي فاستناب فِيهِ ابْن عمته أَبَا الْبَيَان نبأ بن البانياسي وَولى الْجَامِع وَالْوُقُوف لأبي عَليّ بن العجمي
وَقَالَ الْعِمَاد كَانَ فِي قلعة صارم مَمْلُوك من مماليك نور الدّين رحمه الله فعصى وتأبى عَن تَسْلِيمهَا فَأخْرجهُ مِنْهَا أَهلهَا لما اتَّهَمُوهُ بمكاتبة الفرنج وَأَرْسلُوا إِلَى السُّلْطَان فتسلمها ودبر أمرهَا وأحكمها
وَقَالَ ابْن شَدَّاد أنفذ إِلَى حَازِم من يتسلمها ودافعهم الْوَالِي فأنفذ الأجناد الَّذين بهَا يستحلفونه فوصل خبرهم إِلَيْهِ يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشري صفر فَحلف لَهُم وَسَار من وقته إِلَى حارم فوصلها تَاسِع عشري صفر فتسلمها وَبَات بهَا لَيْلَتَيْنِ وَقرر قواعدها وَولى فِيهَا إِبْرَاهِيم بن شروه وَعَاد إِلَى حلب فَدَخلَهَا ثَالِث ربيع الأول
ثمَّ أعْطى العساكر دستورا فَسَار
كل مِنْهُم إِلَى بَلَده وَأقَام يُقرر قَوَاعِد حلب وَيُدبر أمورها
قَالَ الْعِمَاد ورجفت أنطاكية بعد ذَلِك رعْبًا فَأرْسل صَاحبهَا جمَاعَة من أُسَارَى الْمُسلمين وانقاد وسارع إِلَى أَمَان السُّلْطَان
وَولى السُّلْطَان الْقَضَاء بحلب محيي الدّين بن الزكي فاستناب فِيهَا زين الدّين نبأ بن الْفضل بن سُلَيْمَان الْمَعْرُوف بِابْن البانياسي وكشف السُّلْطَان عَن حلب الْمَظَالِم وأزال المكوس وَولى قلعتها سيف الدّين يازكوج وَولى الدِّيوَان نَاصح الدّين إِسْمَاعِيل بن العميد وَجعل حلب باسم وَلَده الْملك الظَّاهِر غَازِي وَكَانَ استصحبه من مصر عِنْد وُصُوله إِلَى الشَّام وَأقر عين تَابَ على صَاحبهَا وَأعْطى تل خَالِد وتل بَاشر بدر الدّين دلدرم بن بهاء الدولة بن ياروق وَأعْطى قلعة عزاز علم الدّين سُلَيْمَان بن جندر
قلت وَفِي توقيع إِسْقَاط المكوس عَن حلب من كَلَام الْفَاضِل عَن السُّلْطَان وانْتهى إِلَيْنَا أَن بِمَدِينَة حلب رسوما استمرت الْأَيْدِي على تنَاولهَا والألسنة على تداولها وفيهَا بالرعاة إرفاق وبالرعايا إِضْرَار وَلها مِقْدَار إِلَّا عِنْد من كل شَيْء عِنْده بِمِقْدَار مِنْهَا مَا هُوَ على الأثواب المجلوبة وَمِنْهَا مَا هُوَ على الدَّوَابّ المركوبة وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي المعايش الْمَطْلُوبَة
وَقد رَأينَا بِنِعْمَة الله علينا أَن نبطلها ونضعها ونعطلها وندعها ونضرب عَنْهَا فِي أيامنا ونضرب عَلَيْهَا بأقلامنا ونسلك مَا هُوَ
أهْدى سبلا ونقول مَا هُوَ أقوم قيلا ونكره مَا كرهه الله ونحظر مَا حظره الله ونتاجره سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ من ترك لله شَيْئا عوضه الله أَمْثَاله وأربح متجره فِي الرّعية الْيَوْم بِمَا يوضع عَنْهُم من إصرها وَلنَا غَدا بِمَشِيئَة الله بِمَا يرفع من أجرهَا
فعلى كَافَّة أوليائنا وولاتنا وأمرائنا والمتصرفين من قبلنَا أَلا يهووا إِلَيْهَا يدا وَلَا يردوا وَلَو بلغ الظمأ مِنْهَا موردا وَلَا يثقلوا بهَا ميزَان المَال فيخف ميزَان الْأَعْمَال وَلَا يَرْغَبُوا فِي كثير الْحَرَام فَإِن الله يُغني عَنهُ بِقَلِيل الْحَلَال وليعلم أَن ذَلِك من الْأَمر الْمُحكم وَالْقَضَاء المبرم والعزم المتمم
وَفِي منشور أهل الرقة بِمثل ذَلِك أَشْقَى الْأُمَرَاء من سمن كيسه وأهزل الْخلق وأبعدهم من الْحق من أَخذ الْبَاطِل من النَّاس وَسَماهُ الْحق وَمن ترك شَيْئا عوضه الله وَمن أقْرض الله قرضا حسنا وفاه مَا أقْرضهُ
وَلما انْتهى أمرنَا إِلَى فتح الرقة أَشْرَفنَا مِنْهَا على سحت يُؤْكَل وظلم مِمَّا أَمر الله بِهِ أَن يقطع وَأمر الظَّالِمُونَ أَن يُوصل فأوجبنا على أَنْفُسنَا وعَلى كَافَّة الْوُلَاة من قبلنَا أَن يضعوا هَذِه الرسوم بأسرها ويلقوا الرعايا من بشائر أَيَّام ملكنا بأسرها ونعتق بلد الرقة من رقها وَنثْبت أَحْكَام المعدلة فِيهَا بمحو هَذِه الرسوم ومحقها
وَقد أمرنَا بِأَن تسد هَذِه الْأَبْوَاب وتعطل وتنسخ هَذِه الْأَسْبَاب وَتبطل وتستمطر سحائب الخصب بِالْعَدْلِ وتستنزل ويعفى خبر هَذِه الضرائب من الدَّوَاوِين ويسامح بهَا جَمِيعهَا جَمِيع الْأَغْنِيَاء وَالْمَسَاكِين مُسَامَحَة مَاضِيَة الْأَحْكَام مستمرة الْأَيَّام دائمة الخلود خالدة
الدَّوَام تَامَّة الْبَلَاغ بَالِغَة التَّمام مَوْصُولَة على الأحقاب مسنونة فِي الأعقاب ملعونا من يطمح إِلَيْهَا ناظره وتتناولها يَده أَو يمسك عَنْهَا الْيَوْم على طمع لَا يوصله إِلَيْهِ غده
قَالَ الْعِمَاد وَورد على السُّلْطَان وَهُوَ نَازل على حلب بشارتان إحدهما أَن الأسطول الْمصْرِيّ غزا فِي خَامِس عشر محرم وَرجع بعد تِسْعَة أَيَّام وَقد ظفر ببطسة مقلعة من الشَّام فِيهَا ثَلَاث مئة وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ علجا من خيالة وتجار وَالثَّانيَِة أَن فرنج الداروم نهضوا فَنَذر بهم وَالِي الشرقية فَخرج إِلَيْهِم فَالْتَقوا على مَاء يعرف بالعسيلة فاستولى عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ بعد أَن كَادُوا يهْلكُونَ عطشا لِأَن الفرنج كَانُوا قد ملكوا المَاء فأرواهم الله بِمَاء السَّمَاء
قلت وَكتب الْفَاضِل عَن السُّلْطَان إِلَى بَغْدَاد بِهَاتَيْنِ البشارتين بِفَتْح حلب وحارم كتابا شافيا أَوله أدام الله أَيَّام الدِّيوَان الْعَزِيز وَلَا زَالَت منَازِل مَمْلَكَته منَازِل التَّقْدِيس والتطهير وَالْوُقُوف بأقصى المطارح من أبوابه مُوجبا للتقديم وَالتَّقْدِير وَالْأمة مَجْمُوعَة الشمل بإمامته جمع السَّلامَة لَا جمع التكسير
الْخَادِم يُنْهِي أَن الَّذِي يفتتحه من الْبِلَاد ويتسلمه إِمَّا بِسُكُون التغمد أَو بحركة مَا فِي الأغماد إِنَّمَا يعده طَرِيقا إِلَى الاستنفار إِلَى بِلَاد الْكفَّار ويحسبه جنَاحا يُمكنهُ بِهِ المطار إِلَى مَا يلابسه الْكفَّار من الأقطار
وعَلى هَذِه الْمُقدمَة فَهُوَ يستفتح بِذكر ظفرين لِلْإِسْلَامِ بري وبحري
شَامي ومصري أَحدهمَا وَهُوَ البحري عود أحد الأسطولين اللَّذين أغزاهما أَخُو الْخَادِم
أَبُو بكر بِمصْر وَكَانَت مُدَّة غيبته من حِين خُرُوجه إِلَى وَقت عوده إِلَى دمياط تِسْعَة أَيَّام فظفر ببطسة مقلعة من الشَّام فِيهَا ثَلَاث مئة وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ علجا مِنْهُم خيالة ذَوُو شكة وازعة وتجار ذَوُو ثروة وَاسِعَة
وَالثَّانِي وَهُوَ الْبري نهوض فرنج الداروم إِلَى أَطْرَاف بعيدَة فَنَذر بهم وَالِي الشرقية فَركب إِلَيْهِم اللَّيْل فرسا كَمَا ركبوه جملا وسروا ثقيلا وسرى رملا فتوافى الْفَرِيقَانِ إِلَى مَاء يعرف بالعسيلة سبق الفرنج إِلَى موردته وَالسَّابِق إِلَى المَاء محاصر للمسبوق ووردوا أزرقه فتغضب لأزرقهم فَظن الْمُؤمن أَن الْكَافِر مَرْزُوق
وَاشْتَدَّ بِالْمُسْلِمين الْعَطش ثمَّ ثابوا إِلَى الفرنج بِقُوَّة إنجاد السَّمَاء بِالْمَاءِ فَلم ينج من الفرنج إِلَّا رجلَانِ أَحدهمَا الدَّلِيل وَالثَّانِي الذَّلِيل وَعَاد الْمُسلمُونَ برؤوس عدوهم فِي رُؤُوس القنا وَقد اجتنوا ثمراتها وبأرواحهم فِي رُؤُوس الظبى وَقد أطفؤوا بِمَائِهَا جمراتها
ثمَّ قَالَ ويثني الْخَادِم بِذكر مَا امتثله من الْأَوَامِر الْعلية فِي إغماد سيف مجرده من استدعى تجريده ومورده من عرض لَهُ وريده ثمَّ ذكر تسلمه حلب وَأَنه لَا يُؤثر إِلَّا أَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا لَا غير وثغور الْمُسلمين لَهَا الرعايا وَلَا ضير وَلَا يخْتَار إِلَّا أَن تغدوا جيوش الْمُسلمين متحاشدة على عدوها لَا متحاسدة بعتوها
وَلَو أَن أُمُور الْحَرْب تصلحها الشّركَة لما عز عَلَيْهِ أَن يكون كثير المشاركين وَلَا سَاءَهُ أَن تكون الدُّنْيَا كَثِيرَة
المالكين وَإِنَّمَا أُمُور الْحَرْب لَا تحْتَمل فِي التَّدْبِير إِلَّا الْوحدَة فَإِذا صَحَّ التَّدْبِير لم يحْتَمل فِي اللِّقَاء إِلَّا الْعدة فعوض عماد الدّين من بِلَاد الجزيرة سنجار وخابورها ونصيبين والرقة وسروج على أَن الْمَظَالِم تَمُوت فَلَا ينشر مقبورها والعساكر تنشر راية غزوها فَلَا يطوى منشورها
وَأجَاب الْخَادِم عماد الدّين إِلَى مَا سَأَلَ فِيهِ من أَن يُصَالح المواصلة مهما استقاموا لعماد الدّين لِأَنَّهُ لم يَثِق بهم وَإِن كَانَ لَهُم أَخا وَلم يطمئن إِلَى مجاورتهم إِلَى أَن يضْرب بَينه وَبينهمْ من عنايته برزخا فليلح الْآن عذر الْأَجْنَبِيّ إِذا لم يَثِق ولتكن هَذِه مصحية من عوتب فِي سكره حسن الظَّن فَلم يفق وَمن شَرطه على المواصلة المعونة بعسكرهم فِي غَزَوَاته وَالْخُرُوج عَن الْمَظَالِم فَمَا زَاد على أَن قَالَ سالموا مُسلما وحاربوا كَافِرًا واسكنوا لتَكون الرّعية سَاكِنة وأظهروا ليَكُون حزب الله ظَاهرا
وَهَذِه الْمَقَاصِد الثَّلَاثَة الْجِهَاد فِي سَبِيل الله والكف عَن مظالم عباد الله وَالطَّاعَة لخليفة الله هِيَ مُرَاد الْخَادِم من الْبِلَاد إِذا فتحهَا ومغنمه من الدُّنْيَا إِذا منحها وَالله الْعَالم أَنه لَا يُقَاتل لعيش أَلين من عَيْش وَلَا لغضب يمْلَأ الْعَنَان من نزق وطيش وَلَا يُرِيد إِلَّا هَذِه الْأُمُور الَّتِي قد توسم أَنَّهَا تلْزم وَلَا يَنْوِي إِلَّا هَذِه النِّيَّة الَّتِي هِيَ خير مَا يسطر فِي الصَّحِيفَة ويرقم
وَكتب الْخَادِم هَذِه الْخدمَة بعد أَن بَات بحلب لَيْلَة وَخرج مِنْهَا إِلَى حارم وَكَانَت استحفظت مَمْلُوكا لَا يملكهُ دين وَلَا عقل غرا مَا هذبته نفس وَلَا أهل فَاعْتقد أَن يُسَلِّمهَا إِلَى صَاحب أنطاكية يسر الله فتحهَا اعتقادا صرح بِفِعْلِهِ وشهره بكتبه وَرُسُله وواطأ على ذَلِك نَفرا من رجال يعْرفُونَ بالشمسية لَا يعْرفُونَ خَالِقًا إِلَّا من عرفوه رازقا وَلَا يَسْجُدُونَ إِلَّا لمن يرونه فِي نهر النَّهَار سابحا وَفِي بَحر الظلام غارقا فشعر بِهِ من فِيهَا
من الأجناد الْمُسلمين فشردوه وَمن تَابعه على فعله وظفر بِهِ الْمَمْلُوك عمر ابْن أَخِيه فِي ضواحي الْبَلَد فَأَخذه وأرسله إِلَى قلعة حلب وَسَار الْخَادِم إِلَيْهَا فتسلمها ورتب بهَا حامية ورابطة وَلم يعْمل على أَنَّهَا للْعَمَل طرف بل أَنَّهَا للْعقد وَاسِطَة وَالْخَادِم كَمَا طالع بماضيه الَّذِي حازه الأمس الْمَذْكُور يطالع بمستقبله الَّذِي يُنجزهُ بِمَشِيئَة الله الْغَد المشكور فَهُوَ متأهب لِلْخُرُوجِ نَحْو الْكفَّار لَا تسأم رايته النصب وَلَا جِهَة سيره الرّفْع وَلَا جَيْشه الْجَرّ وَلَا يصغي إِلَى قَول خاطر الرَّاحَة المفند لَا تنفرُوا فِي الْحر وَلَا يُجيب دَعْوَة الْفراش الممهد وَلَا يعرج على الظَّن الْمَمْدُود وَلَا دمية الطراف الممدد وَلَا يعْطف على رَيْحَانَة فؤاد يُفَارِقهُ حولا ويلقاه يَوْمًا وَلَا يُقيم على زهرَة ولد اسْتهلّ فَمَتَى ذكره الْفطر على رَاحَته قَالَ {إِنِّي نذرت للرحمن صوما}
وَمن كتاب آخر أنفذه من نَصِيبين سنة ثَمَان وَسبعين إِلَى بَغْدَاد سَبِيل الْخَادِم أَن يبْنى وَلَا يهدم ويوفر جَانِبه وَلَا يثلم وَأَن يفرق بَينه وَبَين من يمسكون أَعِنَّة الْجِيَاد المسومة وَلَا يطلقونها ويكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة
وَلَا يُنْفِقُونَهَا فقد علم أَن الْخَادِم بيُوت أَمْوَاله فِي بيُوت رِجَاله وَأَن مَوَاطِن نُزُوله فِي مَوَاقِف نزاله ومضارب خيامه لَا أكنة ظلاله
وَأَنه لَا يدّخر من الدُّنْيَا إِلَّا شكته وَلَا ينَال من الْعَيْش إِلَّا مسكته وعدو الْإِسْلَام شَدِيد على الْإِسْلَام كَلْبه مضطرم على أَهله لهبه زجل إِذا أصغت أسماع التَّأَمُّل لجبه
وَلَو أَن أحد من يَدعِي الْملك مِيرَاثا ويعد الْبِلَاد لَهُ تراثا دفع إِلَى مدافعة هَذَا الْعَدو الْكَافِر وَإِلَى منافرة هَذَا الْفَرِيق النافر لعرفته الْأَيَّام مَا هُوَ جاهله ولقلدته الْحَرْب مَا هُوَ قَاتله ولحملته الْأَهْوَال مَا تخور تَحْتَهُ محامله
وَفِي كتاب آخر وَإِذا ولاه أَمِير الْمُؤمنِينَ ثغرا لم يبت فِي وَسطه وَأصْبح فِي طرفه وَإِذا سوغه بَلَدا هجر فِي ظلّ خيمه وَلم يقم فِي ظلّ غرفه وَإِذا بَات بَات السَّيْف لَهُ ضجيعا وَإِذا أصبح أصبح ومعترك الْقِتَال لَهُ ربيعا لَا كَالَّذِين يغبون أَبْوَاب الْخلَافَة إغباب الاستبداد وَلَا يؤامرونها فِي تصرفاتهم مُؤَامَرَة الاستعباد وَكَأن الدُّنْيَا لَهُم إقطاع لَا إِيدَاع وَكَأن الْإِمَارَة لَهُم تخليد لَا تَقْلِيد وَكَأن السِّلَاح عِنْدهم زِينَة لحامله ولابسه وَكَأن مَال الْخلق عِنْدهم وَدِيعَة فَلَا عذر عِنْدهم لمانعه وَلَا لحابسه وَكَأَنَّهُم فِي الْبيُوت دمى مصورة فِي لُزُوم جدرها لَا فِي مستحسنات صورها راضين من
الدّين بالغزوة اللقبية وَمن إعلاء كَلمته بِمَا يسمعونه على الدَّرَجَات الخشبية وَمن جِهَاد الخارجين على الدولة باستحسان الْأَخْبَار المهلبية وَمن قتال الْكفَّار بِأَنَّهُ فرض كِفَايَة تقوم بِهِ طَائِفَة فَيسْقط عَن الْأُخْرَى فِي أخراها وَمن طَاعَة الْخلَافَة بِذكر اسْمهَا وَالْخُرُوج عَن سيماها فَلَا يقنعون بِأَنَّهُم لَا يجاهدون إِلَى أَن يمنعوا من يُجَاهد عَنْهُم ويثاغر وبأنهم لَا يساعدون الْمُسلمين إِلَى أَن يساعدوا عَلَيْهِم عدوهم الْكَافِر فقد توالوا الشَّيْطَان تليدا وطريفا ووطئوا الْإِسْلَام وَأَهله وطأ عنيفا فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة جَاءَ الله بهم فِي زمرة الشَّيْطَان لفيفا
وَقَالَ فِي هَذَا الْكتاب إِن المواصلة مَا فزعوا إِلَى دَار الْخلَافَة إِلَّا بعد أَن فزعوا وَإِلَّا فطالما طمع أَوَّلهمْ كَمَا طمعوا وقديما دعوا إِلَى طاعتها فَمَا سمعُوا وسمعوا فَمَا اتبعُوا حَتَّى إِن الْأَوَّلين مِنْهُم علمُوا أَوْلِيَاء الدولة من الأتراك ضد مَا جبلت أَخْلَاقهم عَلَيْهِ من عقوقها وسنوا لَهُم إِضَاعَة حُقُوق الله بإضاعة حُقُوقهَا فَأَيْنَ كَانَ التَّعَلُّق بِالدَّار العزيزة وهم يحاصرون دَار السَّلَام بأحزابهم ويرامون التَّاج الشريف بنشابهم ويمدون محاصريها بالأسلحة والمنجنيقات والأزواد والإقامات ويصافون الْخُلَفَاء مصافة المواقف ويكاشفونهم مكاشفة الْمُخَالف ويغرون دزدار تكريت وَهِي من أَهْون بِلَاد الله بجور الْجوَار ويجعلونها سجنا
لمماليك الْخلَافَة ذَوي الأقدار وَلَو تحرّك الْيَوْم متحرك لكانوا لَهُ كنَانَة ولكانت بِلَادهمْ لَهُ خزانَة ويرجو الْخَادِم بالموصل أَن تكون الْموصل إِلَى الْقُدس وسواحله ومستقر الْكفْر فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة على بعد مراحله وبلاد الكرج فَلَو أَن لَهُم من الْإِسْلَام جارا لاستباح الدَّار وبلاد أَوْلَاد عبد الْمُؤمن فَلَو أَن لَهَا مَاء سيف لأطفأ مَا فِيهَا من النَّار إِلَى أَن تعلو كلمة الله الْعليا وتملأ الْولَايَة العباسية الدُّنْيَا وتعود الْكَنَائِس مَسَاجِد والمذابح المستعبدة معابد والصليب الْمَرْفُوع حطبا فِي المواقد والناقوس الصهل أخرس اللهجة فِي الْمشَاهد
ويضيف إِلَى الدِّيوَان بِمَشِيئَة الله مَا يُجَاوز أكنافه ويمد أَطْرَافه مثل تكريت ودقوقا والبوازيج وخوزستان وكيش وعمان وَالَّذِي وَقع أعظم من الَّذِي يتَوَقَّع وَالَّذِي طلع أَكثر من الَّذِي يتطلع وَالَّذِي رئي أمس أكبر من الَّذِي يسمع
قلت يَعْنِي أَن مَا فَتحه من الْبِلَاد أعظم من هَذِه الَّتِي يرجوها
وَأَشَارَ بِفعل أول المواصلة إِلَى مَا سبق من فعل زنكي فِي حِصَار بَغْدَاد ومساعدته للسلجوقية على الْعَادة فِي ذَلِك الزَّمَان وَالله أعلم
وَفِي آخر كتاب فاضلي إِلَى حطَّان بن منقذ بِالْيمن عَن السُّلْطَان فتح الله علينا ممالك وأضافها وبلادا آمنها بِنَا مِمَّا أخافها وبلغنا غرائب صنع لَا نبلغ أوصافها مِنْهَا بِلَاد الشَّام بأسرها ومملكة حلب بجملتها وَالْمَدينَة بقلعتها وبلاد الجزيرة إِلَى دجلتها
فَمِنْهَا مَا أُعِيد على من اشْترط عَلَيْهِ اسْتِخْدَام عسكره فِي بيكارنا وَمِنْهَا مَا اسْتمرّ فِي الْيَد وولاته من