الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُم إِلَى مصر مئة وَسَبْعُونَ أسرا
وَمن كتاب آخر وَمن جملَة البشائر الْوَاصِلَة من مصر عود الأسطول مرّة ثَانِيَة كاسرا كاسبا غانما غَالِبا بعد نكايته فِي أهل الجزائر وإخراب مَا وجده فِيهَا من الْأَعْمَال والعمائر وَمن جملَة مَا ظفر بِهِ فِي طَرِيقه بطسة من مراكب الفرنج تحمل أخشابا منجورة إِلَى عكا وَمَعَهَا نجارون ليبنوا مِنْهَا شواني فَأسر النجارون وَمن مَعَهم وهم نَيف وَسَبْعُونَ
وَأما الأخشاب فقد انْتفع بهَا المجاهدون وكفي شَرها الْمُؤْمِنُونَ وللخادم فِي الْمغرب عَسْكَر قد بلغت أقْصَى أفريقية فتوحه وعاود بِهِ شخص الدّين فِي تِلْكَ الْبِلَاد روحه
فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة
قَالَ الْعِمَاد وَفِي هَذِه السّنة وَهِي سنة ثَمَان وَسبعين أنعم السُّلْطَان على نور الدّين مُحَمَّد بن قرا أرسلان بأعمال الْهَيْثَم وَكَانَت جَارِيَة فِي عمل الْموصل فَلَمَّا تسلمها جعلهَا من نصِيبه
وَقد كَانَ الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي رحمه الله حِين توجه إِلَى الْموصل فِي أَوَائِل سنة سِتّ وَسِتِّينَ عِنْد وَفَاة أَخِيه مودود وعد ابْن قَرَأَ أرسلان بقلعة الْهَيْثَم ثمَّ
سلمهَا إِلَيْهِ دون أَعمالهَا تَحِلَّة ليمينه ووفاء بوعده الْكَرِيم وَدينه وَلما جَاءَ لمساعدتنا فِي هَذَا الْعَام خصّه السُّلْطَان عَاجلا بِهَذَا الإنعام ثمَّ وهب لَهُ قلعة الجديدة وَهِي قريبَة من نَصِيبين ووعده بِفَتْح آمد لَهُ فوفى بوعده كَمَا سَيَأْتِي
قَالَ وَكَانَ شاه أرمن صَاحب خلاط ظهير الدّين سكمان وَهُوَ خَال صَاحب ماردين إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش وَصَاحب ماردين هَذَا هُوَ ابْن خَال صَاحب الْموصل عز الدّين مَسْعُود بن مودود بن زنكي فنفذ شاه أرمن يشفع إِلَى السُّلْطَان فِي الْموصل وسنجار وَهُوَ على سنجار وَأرْسل إِلَيْهِ سيف الدّين بكتمر وَهُوَ من أعز أَصْحَابه عَلَيْهِ فَلم يسمع السُّلْطَان شَفَاعَته فَاجْتمع هُوَ وَصَاحب ماردين وَصَاحب الْموصل وَصَاحب أرزن وبدليس وَغَيرهم من عَسْكَر حلب وجمعوا جموعا وعزموا على لِقَاء السُّلْطَان ونزلوا ضَيْعَة من أَعمال ماردين يُقَال لَهَا حرزم فَجمع السُّلْطَان عساكره وجاءه تَقِيّ الدّين من حماة إِلَى حران فِي خمس لَيَال فَسَارُوا إِلَيْهِم بعد الْعِيد الْأَكْبَر فَلَمَّا وصل السُّلْطَان رَأس عين وسمعوا بمجيئه تفَرقُوا وافترقوا وَعَاد الخلاطي إِلَى خلاطه
باختلاطه وَرجع الْموصِلِي إِلَى موصله لمواصلة احتياطه واعتصم الماردي بحصنه المارد وهتكوا حرز حرزم للصادر والوارد وهاب عَسْكَر حلب الْعود إِلَيْهَا وَنحن على طَرِيقه فآذن جمعه بتفريقه وَمضى معظمهم إِلَى الْموصل فَعبر الْفُرَات عِنْد عانة وَلم يَجدوا إِعَانَة ونسفتهم ريحنا وهم جبال وذهبوا بقلوب النِّسَاء وَقد جاؤوا وهم رجال ثمَّ نزل السُّلْطَان منزلَة الْقَوْم بحرزم وفيهَا قصر لصَاحب ماردين كَانَ يتنزه فِيهِ فَأَقَامَ فِيهِ تَاج الْمُلُوك أَخُو السُّلْطَان
قَالَ ابْن أَبى طي وَفِي هَذِه السّنة نزل قراقوش على بلد زالوت وقاتله إِلَى أَن ملكه وَانْهَزَمَ مِنْهُ أَهله وَدخل الْمَدِينَة ليقضي بهَا أَيَّام الشتَاء فَأصْبح يَوْمًا فَإِذا حول الْمَدِينَة عَسْكَر مِقْدَاره خَمْسَة آلَاف رجل فَقَامَ وافتقد أَصْحَابه فَلم يجد إِلَّا جمَاعَة من البوابين والركابدارية وَبَاقِي النَّاس سكارى وَرَأى أحد البوقيه فَأمره أَن يضْرب بالبوق وَفتح الْبَاب وَخرج فَظن الْعَسْكَر أَن قراقوش وَعَسْكَره قد شعروا بهم فَانْهَزَمُوا
قَالَ ثمَّ إِنَّه قصد طرابلس فحاصرها وضيق عَلَيْهَا وَكَانَ شيخها عبد الْمجِيد بن مطروح قد راسل قراقوش وَطلب مِنْهُ الْأمان وَسَأَلَهُ أَن ينفذ إِلَيْهِ قوما يُقرر مَعَهم أَمر التَّسْلِيم
فأنفذ إِلَيْهِ وزيره وَثَلَاثَة من وُجُوه أَصْحَابه فَأَخذهُم عبد الْمجِيد وأنزلهم فِي دَار أخلاها لَهُم وَأمر لَهُم بِجَمِيعِ مَا
يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فَلَمَّا خلا لَهُم اللَّيْل أخذُوا المخاد وتصافعوا بهَا حَتَّى قطعوها وَقَامَ بَعضهم إِلَى صهريج مَمْلُوء مَاء للشُّرْب فأحدث فِيهِ فَأخْبرت الرقباء عبد الْمجِيد بِمَا كَانَ مِنْهُم فأحضر وُجُوه الْبَلَد وقص عَلَيْهِم مَا كَانَ مِنْهُم وَقَالَ إِذا كَانَ هَؤُلَاءِ خيارهم فَمَا ظنكم بشرارهم وَكَانَ أهل الْبَلَد قد أشاروا على عبد الْمجِيد بِتَسْلِيم الْبَلَد فامتنعوا حِينَئِذٍ
وَحضر ابْن مطروح من الْغَد إِلَيْهِم إِلَى الدَّار وَمَعَهُ وُجُوه الْبَلَد فَقَالَ لصَاحب ضيافته لم أحضرت لهَؤُلَاء السَّادة مخاد مقطعَة فَقَالَ مَا أحضرت لَهُم إِلَّا مخاد جددا وَلَكِن الْقَوْم أكلُوا طَعَام الصُّوفِيَّة الَّذِي لَا نعرفه فِي بِلَادنَا
فاستحيا الْقَوْم وَعَلمُوا أَنهم قد فطنوا بحالهم وَنزل رجل إِلَى الصهريج فَرَأى الْعذرَة على وَجه المَاء فَقَالَ من فعل هَذَا فَلم يرد وَاحِد مِنْهُم جَوَابا فَقَالَ ابْن مطروح يَا قوم مَا أدخلناكم إِلَيْنَا إِلَّا عازمين على تَسْلِيم الْبَلَد إِلَيْكُم وَأَن نَكُون لكم رعايا وَقد شاهدنا مِنْكُم أفعالا مَا نرضاها فَإِن قُلْتُمْ إِن هَذِه الفعلة من غلماننا وعبيدنا فَمَا أقبح هَذِه الأحدوثة عَن خِيَار أَصْحَاب هَذَا الرجل وَإِن كَانَ عِنْده من هُوَ خير مِنْكُم فَلم بعثكم إِلَيْنَا هَذَا طعن فِي عقله
ثمَّ أَمر بإخراجهم فأخرجوا من الْمَدِينَة فَلَمَّا صَارُوا إِلَى قراقوش وَعلم الْقِصَّة عظم عَلَيْهِ الْأَمر وَأَرَادَ الفتك بهم وَعلم أَنهم قد فتقوا عَلَيْهِ فتقا لَا يُمكنهُ رتقه أبدا وتيقن أَنه لَا يملك الْبَلَد أبدا
وأنفذ عبد الْمجِيد إِلَى قراقوش إِنَّك لست بِقَادِر على أَخذ هَذَا الْبَلَد لأجل مَا نفر بِهِ أَصْحَابك قُلُوب أَهله فَإِن رَأَيْت أَن نجْعَل