الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وأريتهم لما التقى الْجَمْعَانِ
…
بِالْبَيْتِ الْمُقَدّس هول يَوْم الْمَحْشَر)
(ورددت دين الله بعد قطوبه
…
بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِوَجْه مُسْفِر)
(وأعدت مَا أبداه قبلك فاتحا
…
عَمْرو فَأَنت شَرِيكه فِي المتجر)
(حَتَّى جمعت لمعشر الْإِسْلَام
…
بَين الصَّخْرَة الْعُظْمَى وَبَين الْمشعر)
(فلصخرة الْبَيْت الْمُقَدّس كفؤها
…
الْحجر الْمفضل عِنْد أفضل معشر)
(فَكَأَنَّهُ إِنْسَان عين صُورَة
…
يلقاك أسوده بِمَعْنى أنور)
فصل فِي حِصَار صور وَفتح هونين وَغير ذَلِك
قَالَ الْعِمَاد ثمَّ إِن السُّلْطَان مَا زَالَ مُقيما بِظَاهِر الْقُدس يُحَقّق الآمال وَيفرق الْأَمْوَال حَتَّى وَردت كتب سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد المشطوب وَكَانَ نَائِب السُّلْطَان لصيدا وبيروت وهما مجاورتان لصور فَكتب يحرض السُّلْطَان على حِصَار صور فَرَحل السُّلْطَان عَن الْقُدس يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شعْبَان وَأخذ صوب عكا وَسَبقه إِلَيْهَا الْأَفْضَل وتقي الدّين وودع السُّلْطَان وَلَده الْعَزِيز ورده إِلَى مصر فَكَانَ آخر عَهده بِهِ
واستصحب السُّلْطَان أَخَاهُ الْعَادِل فوصلا إِلَى عكا مستهل رَمَضَان فَأصْلح من شَأْنهَا ثمَّ رَحل فَنزل على صور يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع رَمَضَان وخيم بِإِزَاءِ السُّور بَعيدا مِنْهُ على النَّهر ومعظم الْبَلَد فِي الْبَحْر وَهِي مَدِينَة حَصِينَة متوسطة فِي الْبَحْر كَأَنَّهَا سفينة وَكَانَ المركيس الَّذِي فِي صور قد حفر لَهَا خَنْدَقًا من الْبَحْر إِلَى الْبَحْر وَبنى بواشيره وَأحكم فِي التَّعْمِير تَدْبيره وَاسْتظْهر بتكثير الْعدَد
وَالْعدَد واغتنم اشْتِغَال السُّلْطَان بِفَتْح الْقُدس
فَأَقَامَ السُّلْطَان بِتِلْكَ الْمنزلَة على صور ثَلَاثَة عشر يَوْمًا حَتَّى تلاحقت الأمداد وَكَثُرت الْعدَد وآلات الْجِهَاد ورتبت المنجنيقات ثمَّ حول السُّلْطَان مضاربه إِلَى تل قريب من السُّور يشرف مِنْهُ ثمَّ حَاصَرَهُمْ وَقبل كلا من الْمُلُوك بِجَانِب يَكْفِيهِ مِنْهُم الْأَفْضَل والعادل وتقي الدّين فحاصروهم وضايقوهم
وَوصل فِي تِلْكَ الْأَيَّام من حلب الْملك الظَّاهِر غَازِي ولد السُّلْطَان بعسكره الْحلَبِي فاستظهر السُّلْطَان بِهِ واستدعى الأسطول الْمصْرِيّ وَكَانَ بعكا فجَاء مِنْهُ عشرَة شواني وَكَانَ للفرنج فِي الْبَحْر مراكب وحراريق وفيهَا رُمَاة الجروخ والزنبوركات يرْمونَ من دنا من الْبَحْر فَلَمَّا جَاءَ أسطول السُّلْطَان استطال عَلَيْهَا وأبعدها فأحاط بهم الْمُسلمُونَ وقاتلوهم برا وبحرا فَبَيْنَمَا هم فِي أحلى ظفر وأهنأ ورد وَصدر إِذْ ملك الفرنج خَمْسَة من شواني الْمُسلمين وأسروا مقدميها ورئيسها عبد السَّلَام المغربي ومتوليه بدران الْفَارِس وَألقى جمَاعَة أنفسهم فِي الْبَحْر فَمن نَاجٍ وهالك وَذَلِكَ أَنهم سهروا تِلْكَ اللَّيْلَة بِإِزَاءِ ميناء صور إِلَى السحر ثمَّ غلبهم النّوم فَمَا انتبهوا إِلَّا والفرنج قد ركبتهم ونكبتهم فَأصْبح الْمُسلمُونَ وَقد وجموا وأتاهم من الْأَمر مَا لم يعلمُوا وَنفذ السُّلْطَان إِلَى المراكب الْبَاقِيَة أَن يَسِيرُوا إِلَى بيروت وَخَافَ عَلَيْهَا لقلتهَا أَن يستولي عَلَيْهَا عَبدة الطاغوت فنجا مِنْهَا شيني رَئِيس جبيل وَالْبَاقُونَ نظرُوا إِلَى الفرنج وَرَاءَهُمْ فَألْقوا أنفسهم فِي المَاء وَخَرجُوا إِلَى الْبر على وُجُوههم
ثمَّ إِن الفرنج بعد هَذَا طمعت فَخرجت يَوْمًا وَقت الْعَصْر مستعدة لِلْقِتَالِ فالتقاهم الْمُسلمُونَ فَكَانَت الدائرة على الْكَافرين واسر مقدم كَبِير
لَهُم وَظن أَنه المركيس فسلمه السُّلْطَان إِلَى وَلَده الظَّاهِر ليحفظه فَضرب عُنُقه وَكَانَ اللَّيْل قد دخل فَلَمَّا أَصْبحُوا تبين لَهُم ان المركيس بعد فِي الْحَيَاة فطال حصاره حَتَّى ضجر كثير من أُمَرَاء الْمُسلمين لأَنهم رَأَوْا مَا لم يألفوه من تعسر الْفَتْح عَلَيْهِم فأشاروا على السُّلْطَان بالرحيل لِئَلَّا تفنى الرِّجَال وتقل الْأَمْوَال وَكَانَ الْبرد قد اشْتَدَّ عَلَيْهِم وَكَانَ رَأْي السُّلْطَان والأتقياء من الْأُمَرَاء كالفقيه عِيسَى وحسام الدّين طمان وَعز الدّين جرديك النوري الثَّبَات إِلَى الْفَتْح لِئَلَّا يضيع مَا تقدم من الْأَعْمَال وإنفاق الْأَمْوَال وَقَالَ السُّلْطَان قد هدمنا السُّور وقاربنا الْأُمُور فَاصْبِرُوا تُفْلِحُوا وَصَابِرُوا تفتحوا وَلَا تعجلوا
فأظهروا الْمُوَافقَة وَفِي انفسهم مَا فِيهَا فَلم يصدقُوا الْقِتَال وتعللوا بِأَن الرِّجَال جرحى والعلوفات قد قلت فَلم يسع السُّلْطَان بعد ذَلِك إِلَّا الرحيل فَأمر بِنَقْل الأثقال فَحمل بَعْضهَا إِلَى صيدا وبيروت وأحرق الْبَاقِي لِئَلَّا يَنَالهُ الْعَدو ورحل فِي أخر شَوَّال وَهُوَ أول يَوْم من كانون الأول وَسَار تَقِيّ الدّين إِلَى دمشق على طَرِيق هونين واستصحب مَعَه عَسَاكِر الشرق وديار بكر والموصل والجزيرة وسنجار وماردين ورحل السُّلْطَان إِلَى عكا فوصلها فِي ثَلَاث مراحل لِأَنَّهُ سلك طَرِيق الناقورة وَهِي طَرِيق ضيقَة مطلة على الْبَحْر بهَا يضْرب الْمثل لَا يعبر بهَا إِلَّا جمل جمل فعبرت بهَا الأثقال والأحمال فِي أُسْبُوع
وَكَانَ عين يَوْم رحيله من صور أُمَرَاء يُقِيمُونَ عَلَيْهَا إِلَى أَن يعرفوا عبور الثّقل
وخيم السُّلْطَان عِنْد التل وَسَار الْعَادِل إِلَى مصر وَالظَّاهِر إِلَى حلب وَبدر الدّين دلدرم الياروقي إِلَى بِلَاده
قَالَ وَفِي مُدَّة رحيل السُّلْطَان عَن صور جَاءَهُ خبر سيف الدّين مَحْمُود أخي عز الدّين جاولي أَنه اسْتشْهد فِي عفربلا تَحت حصن كَوْكَب كبسه
الفرنج فِيهَا لَيْلًا وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد بَقِي على السُّلْطَان بَعْدَمَا فتح من بِلَاد الْعَدو من جملَة أَعمال طبرية والغور حصنا صفد وكوكب وَكَانَ فِي صفد جَمْرَة الداوية وَفِي كَوْكَب جَمْرَة الاسبتارية فَاحْتَاجَ السُّلْطَان فِي فتحهما إِلَى المطاولة فَوكل بصفد جمَاعَة يعْرفُونَ بالناصرية مقدمهم مَسْعُود الصلتي ووكل بكوكب هَذَا الْأَمِير سيف الدّين مَحْمُودًا فَأَقَامَ فِي حصن عفربلا وَهُوَ قريب من حصن كَوْكَب ونغص على المقيمين فِيهِ الْمطعم وَالْمشْرَب وضيق عَلَيْهِم الْمَذْهَب إِلَى أَن دخل الشتَاء فاختلت الحراسة واعتلت السياسة فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة آخر شَوَّال وَكَانَت بَارِدَة ماطرة حرس أَصْحَاب سيف الدّين حَتَّى ضجروا فَغَلَبَهُمْ النعاس فَمَا استيقظوا إِلَّا وفرنج كَوْكَب عَلَيْهِم باركة فدافعوا عَن أنفسهم حَتَّى اسْتشْهدُوا واخذ الفرنج غنيمَة الْمُسلمين ودخلوا بهَا كَوْكَب
وَكَانَ هَذَا الْأَمِير مَحْمُود ذَا دين متين وَمَكَان من النّسك مكين وَهُوَ يسهر اكثر ليله متهجدا وَقد جعل منزله مَسْجِدا فَجمع بَين التَّهَجُّد وَالْجهَاد وَكَانَ كثير الِاجْتِهَاد فَاغْتَمَّ السُّلْطَان بمصابه وَزَاد تألما إِلَى مابه وَتقدم إِلَى صارم الدّين قايماز النجمي أَن يرابط كَوْكَب فِي خمس مئة فَارس فَفعل وَلم يزل بهَا إِلَى ان فتحت كَمَا سياتي
قَالَ وَفتحت هونين وَالسُّلْطَان محاصر صور وَكَانَ لما فتح تبنين قد امْتنعت عَلَيْهِ هونين فَوكل بهَا من رابطها وضايقها حَتَّى طلبُوا الْأمان وَجَاء خَبَرهَا إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ على صور فنفذ الْأَمِير بدر الدّين دلدرم فَفَتحهَا وَخرج الفرنج مِنْهَا سَالِمين آمِنين
وَكَانَ قد بَقِي أَيْضا من عمل صيدا قلعة أبي الْحسن وشقيف أرنون وَأقَام السُّلْطَان بِظَاهِر عكا نَاظرا