الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَحَاب إِحْسَان كَانَ بَعيدا عَلَيْهَا هطله فقد كفيت الخواطر الشَّرِيفَة مَا كَانَت بِهِ على اهتمامها كَمَا يجب للْأمة على إمامها وَإِلَيْهِ بتفويض الله يرجع أمرهَا وَبِيَدِهِ يجلب نَفعهَا ويجلى ضرها وَقد تَجَدَّدَتْ للدولة الشَّرِيفَة قُوَّة واستظهار وبسطة واقتدار وَسيف بِهِ يناضل من يسيء الْجوَار ولسان يُجَادِل بِهِ من يُرِيد الدَّار
وَكَانَ الْخَادِم طالع بوصول الأسطول الْمصْرِيّ إِلَى الشَّام الفرنجي وَمَا فعله فِي موانيه وسواحله وَمَا غنمه من مراكبه وقوافله وَورد كتاب من مصر بِأَنَّهُ كسب بطسة فرنجية خرج من فِيهَا هَارِبا من الْقُسْطَنْطِينِيَّة لفتنة وَقعت فِيهَا بَين رومها وفرنجها فَقتل مِنْهُم خَمْسُونَ ألف فرنجي وأفلتت مِنْهُم بطس مِنْهَا هَذِه البطسة وفيهَا رجال أكَابِر ومقدمون لَهُم فِيهَا ذكر سَائِر وغنم المجاهدون مِنْهُم مَا مَلأ أَيْديهم من سبي وذخائر وانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل وحازت القبضة من الْأُسَارَى مَا يزِيد على أَربع مئة بعد من درج بِالْقَتْلِ
فصل
قَالَ الْعِمَاد ثمَّ كَاتب السُّلْطَان الْمُلُوك بالوفود للاتفاق فَمن جَاءَ مستسلما سلمت بِلَاده على أَن يكون من أجناد السُّلْطَان وَأَتْبَاعه فِي جِهَاد الْكفَّار فجَاء رَسُول صَاحب حصن كيفا بالإذعان وَهُوَ نور الدّين
مُحَمَّد بن قرا أرسلان
ثمَّ رَحل السُّلْطَان من البيرة وَنزل على الرها وَكَانَ فِيهَا فَخر الدّين مَسْعُود بن الزّعفراني فأذعن وانقاد وتسلمها مظفر الدّين مُضَافَة لَهُ إِلَى حران
ثمَّ وصل السُّلْطَان إِلَى حران فرتبها وانفصل مِنْهَا إِلَى الرقة وفيهَا الْأَمِير قطب الدّين ينَال بن حسان فأذعن أَيْضا وَسلم وَلم يُوَافق مُرَاعَاة لصَاحبه فأصلحها السُّلْطَان
ورحل مِنْهَا إِلَى مشْهد الرُّمَّان ثمَّ إِلَى عرابان فتسلمها وَأصْلح من شَأْنهَا
وتواصلت أَخْبَار وُصُول السُّلْطَان الخابور وَمَا نشر من الْعدْل فِي الْبِلَاد الَّتِي فتحهَا ففتحت رَأس الْعين ودورين وماكسين والشمسانية والفدين والمجدل وَالْحصين
قَالَ وقطعنا نهر الخابور على قنطرة التنينير إِلَى نَصِيبين فاستعصت قلعتها أَيَّامًا ثمَّ فتحت استسلاما وولاها السُّلْطَان حسام الدّين أَبَا الهيجاء السمين وَولى الخابور جمال الدّين خوشترين
ثمَّ سرنا إِلَى الْموصل وقطعنا أَعمال بَين النهرين ثمَّ أَعمال الْبقْعَة ثمَّ سرنا إِلَى بلد وأشرفنا على دجلة وَكُنَّا أوردنا خَيْلنَا فِي أشهر من تِلْكَ السّنة نيل
مصر والفرات ودجلة ثمَّ صممنا على قصد الْموصل فَلَمَّا قربنا من الْوُصُول كبرنا تَكْبِير من ظفر بالسول وَتقدم السُّلْطَان فِي الْأُمَرَاء ذَوي الآراء وَدَار حول السُّور وَعين لكل مقدم مقَاما فَنزل هُوَ وَرَاء الْبَلَد وتقي الدّين من شرقيه وَأَخُوهُ تَاج الْمُلُوك بوري عِنْد بَاب الْعمادِيَّة فحصلت المحاصرة والمضايقة وَتَوَلَّى مُجَاهِد الدّين قايماز حفظ الْبَلَد بِأَحْسَن تَدْبِير وَكَاتب الدِّيوَان الْعَزِيز فِي أَن يشفع لَهُم إِلَى السُّلْطَان فَقدم فِي ذَلِك صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ وشهاب الدّين بشير فِي الشَّفَاعَة فَرَحل السُّلْطَان عَنْهَا فِي شعْبَان وَقصد سنجار وَقدم أَمَامه تَقِيّ الدّين
وَقَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد كَانَ نزُول السُّلْطَان على الْموصل فِي هَذِه الدفعة يَوْم الْخَمِيس حادي عشر رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وَكنت إِذْ ذَاك بالموصل فسيرت رَسُولا إِلَى بَغْدَاد قبيل نُزُوله بأيام قَلَائِل فسرت مسرعا فِي دجلة وأتيت بَغْدَاد فِي يَوْمَيْنِ وساعتين من الْيَوْم الثَّالِث مستنجدا بهم فَلم يحصل مِنْهُم سوى الإنفاذ إِلَى شيخ الشُّيُوخ وَكَانَ فِي صحبته رَسُولا من جانبهم يأمرونه بِالْحَدِيثِ مَعَه وتلطف الْحَال مَعَه وسير إِلَى بهلوان رَسُول من الْموصل يستنجده فَلم يحصل من جَانِبه
سوى تشرط كَانَ الدُّخُول تَحْتَهُ أخطر من حَرْب السُّلْطَان
ثمَّ أَقَامَ السُّلْطَان على الْموصل أَيَّامًا وَعلم أَنه بلد عَظِيم لَا يتَحَصَّل مِنْهُ شَيْء بالمحاصرة على هَذَا الْوَجْه وَرَأى أَن طَرِيق أَخذه أَخذ قلاعه وَمَا حوله من الْبِلَاد وإضعافه بطول الزَّمَان فَرَحل عَنهُ وَنزل على سنجار فِي سادس عشر شعْبَان فَأَقَامَ يحاصرها وفيهَا شرف الدّين بن قطب الدّين وَجَمَاعَة وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَمر حَتَّى كَانَ ثَانِي شهر رَمَضَان فَأَخذهَا عنْوَة وَخرج شرف الدّين وجماعته محترمين محفوظين إِلَى الْموصل وَأَعْطَاهَا السُّلْطَان ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين ورحل عَنْهَا إِلَى نَصِيبين
وَقَالَ الْعِمَاد لما قصد السُّلْطَان سنجار نزل بارنجان فَوجدَ بهَا عسكرا من الْموصل سائرا إِلَيْهَا فأحاط بِهِ وَأخذ خيلهم وعددهم وردهم إِلَى الْموصل رجالة وَوصل إِلَى سنجار وَمَعَهُ رسل دَار الْخلَافَة وَنور الدّين صَاحب حصن كيفا وَكَانَ فِي سنجار شرف الدّين أَخُو صَاحب الْموصل فَامْتنعَ من تَسْلِيمهَا فحوصر ورميت القلعة بالمنجنيق فانهدم مِنْهَا ثلمة من السُّور فَوكل بهَا من يحفظها وَدخل شهر رَمَضَان فَكف السُّلْطَان عَن الْقِتَال ثمَّ جَاءَهُ الْخَبَر لَيْلَة أَن الموكلين بِحِفْظ تِلْكَ الثلمة نيام فَأرْسل إِلَيْهِم من أوثقهم وَحَملهمْ إِلَيْهِ وَكَانَ فيهم جمَاعَة من المقدمين والأعيان فَلَمَّا أصبح صَاحب سنجار أذعن وَسلم ورحل بأَهْله وَمَاله وَدخل السُّلْطَان