الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِيمَا فعل السُّلْطَان فِي أَمر خلاط وميافارقين وَغَيرهمَا من الْبِلَاد
قَالَ الْعِمَاد ثمَّ وصل خبر وَفَاة شاه أرمن صَاحب خلاط فتحول إِلَيْهَا الْعَزْم وترجح بهَا الحزم
وَكَانَ وُرُود مَوته فِي الْعشْرين من ربيع الآخر وَكَانَ مَوته فِي التَّاسِع مِنْهُ وَلم يخلف ولدا ولاذا قرَابَة يكون خلفا لَهُ فِيهَا ووردت كتب الْأَوْلِيَاء من أهل بدليس وَغَيرهَا إِلَى السُّلْطَان يخطبونه لَهَا وهم خائفون من الْعَجم أَن يتولوها فَاخْتلف النَّاس على السُّلْطَان فَمن مشير بِالْإِقَامَةِ إِلَى انْفِصَال أَمر الْموصل وَمن مشير بِالْمَسِيرِ إِلَى بِلَاد الأرمن فَإِن الْموصل غير فَائِتَة وَمن قَائِل بانقسام الْعَسْكَر فِي الْجِهَتَيْنِ فترجح رَأْي السُّلْطَان على الْمسير إِلَيْهَا فَكتب إِلَى الْخَلِيفَة يطْلب مِنْهُ كتاب تَقْلِيد بِبِلَاد الأرمن وديار بكر والموصل فَجَاءَهُ بعد فتح ميافارقين مِثَال شرِيف بتقليده النّظر فِي أَمر ديار بكر وَالنَّظَر فِي مصَالح أَيْتَام مُلُوكهَا
ثمَّ رَحل السُّلْطَان عَن الْموصل فِي أَوَاخِر شهر ربيع الآخر وَقدم فِي مقدمته نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شيركوه ابْن عَمه ومظفر الدّين صَاحب حران وَأَمرهمَا أَن يَسِيرا إِلَى خلاط من أقرب الطّرق فَلَمَّا وصلا وجدا سيف الدّين بكتمر من مماليك شاه أرمن قد دَخلهَا وحماها وتغلب عَلَيْهَا وَجَاء بهلوان فِي عَسَاكِر الشرق وَهُوَ شمس الدّين أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن إيلدكز مُتَوَلِّي تِلْكَ الْبِلَاد فَنزل من الْجَانِب الآخر وَكَانَ وَزِير خلاط مجد الدّين بن الْمُوفق بن رَشِيق يظْهر للسُّلْطَان الْمَوَدَّة والمناصحة وَهُوَ على خلاف ذَلِك وَكتب إِلَى نَاصِر الدّين أَن يُقيم على الْقرب فَهُوَ أَشد للإرهاب والرعب فَفعل وَلَو خلاه لسبق إِلَيْهَا
وَقيل إِن هَذَا الْوَزير أنفذ إِلَى بهلوان وَأمره بالإتيان وَأظْهر لَهُ الْمَوَدَّة وَالْإِحْسَان وَلما تَمَادى الزَّمَان وَقرب مِنْهَا البهلوان راسله بكتمر وَحمل إِلَيْهِ مَعَ ابْنَته زَوْجَة شاه أرمن من الْأَمْوَال الَّتِي أودعت المخزن وَندب السُّلْطَان إِلَيْهَا الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى فَدَخلَهَا وتخللها وتأملها وَتكلم مَعَ الْوَزير وشاوره فأحال الْحَال على البهلوان وَأَنه جَاءَ ليتملك الْمَكَان وَلَو استعجلتم لسهل الْأَمر مَا صَعب الْآن وَهَان
ثمَّ جرت مراسلة بَين السُّلْطَان والبهلوان وانفصل الْأَمر كَأَنَّهُ مَا كَانَ
وَقَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَفِي ربيع الآخر توفّي صَاحب خلاط وَولي بعده غُلَام لَهُ يدعى بكتمر وَهُوَ الَّذِي كَانَ وصل رَسُولا إِلَى خدمَة السُّلْطَان بسنجار فَعدل وَأحسن إِلَى أهل خلاط وَكَانَ متصونا فِي طَرِيقَته فأطاعه النَّاس ومالوا إِلَيْهِ
وَلما ملك خلاط امتدت نَحوه الأطماع فَسَار نَحوه البهلوان بن الدكز فَلَمَّا بلغه ذَلِك سير إِلَى خدمَة السُّلْطَان من يُقرر مَعَه تَسْلِيم خلاط إِلَيْهِ واندراجه فِي جملَته فطمع السُّلْطَان بخلاط وارتحل عَن الْموصل مُتَوَجها نَحْوهَا وسير إِلَيْهِ الْفَقِيه عِيسَى وغرس الدّين قليج لتقرير الْقَاعِدَة وتحريرها فوصلت الرُّسُل وبهلوان وَقد قَارب الْبِلَاد جدا فخوف بهلوان من السُّلْطَان وَأَشْعرهُ أَنه إِن قَصده سلم الْبِلَاد إِلَى السُّلْطَان
فَطلب بهلوان إِصْلَاحه وزوجه ببنت لَهُم وولاه وَأعَاد الْبِلَاد إِلَيْهِ وَاعْتذر إِلَى رسل السُّلْطَان وعادوا من غير زبدة
وَكَانَ السُّلْطَان قد
نزل على ميافارقين فحاصرها وقاتلها قتالا عَظِيما وَنصب عَلَيْهَا مجانيق وملكها فِي آخر جُمَادَى الأولى
قَالَ الْعِمَاد واستشعر مُلُوك ديار بكر من حَرَكَة السُّلْطَان وَكَانَ قد مَاتَ صَاحب ماردين كَمَا تقدم وَبقيت الْولَايَة لوَلَده الْكَبِير وَله عشر سِنِين وَكَانَ الْقَائِم بتدبير ملكه نظام الدّين بن البقش
وَمَات أَيْضا صَاحب آمد نور الدّين مُحَمَّد بن قرا أرسلان رَابِع عشر ربيع الأول من هَذِه السّنة وَتَوَلَّى ابْنه قطب الدّين سكمان فاحترزوا من السُّلْطَان وخافوا أَن يسْتَردّ بِلَاد آمد مِنْهُم فنفذ السُّلْطَان إِلَيْهِم شمس الدّين بن الْفراش ليختبر حَالهم فِي الْمُحَاربَة والمسالمة فَوَجَدَهُمْ على الطَّاعَة مقيمين وَإِلَيْهِ راغبين وَمِنْه راهبين
وَوصل السُّلْطَان فِي جُمَادَى الأولى إِلَى ميافارقين وَكَانَ قد دَخلهَا من أُمَرَاء صَاحب ماردين أَسد الدّين يرنقش واستعصى فِيهَا على السُّلْطَان فحاصره وقاتله ثمَّ رأى أَن الْقِتَال يطول فراسل أميرها الْأسد ورغبه فِي الْمُوَادَعَة وَنَهَاهُ عَن المقاطعة وَكَانَ فِي الْمَدِينَة خاتون ابْنة قرا أرسلان وَهِي زَوْجَة قطب الدّين صَاحب ماردين الَّذِي توفّي فأحال الْأسد الْأَمر على الخاتون فراسلها السُّلْطَان ورغبها وَضمن لَهَا كل مَا تطلبه مِنْهُ ووعدها أَن يصاهر إِلَيْهَا فَمَا زَالَ بهَا وبالأسد حَتَّى لانا فقرر السُّلْطَان لَهَا كل مَا كَانَ باسمها وَاسم خدامها وَطلبت حصن الهتاخ
ليَكُون لَهَا عشا للأفراخ وَزوج السُّلْطَان ابْنه معز الدّين إِسْحَاق بِإِحْدَى كرائمها وأبرم الْعَهْد وَأحكم العقد وسارع السُّلْطَان إِلَى بذل كل مَا اقترحوه وَفتحت ميافارقين
وَأَقْبل صَاحب آمد قطب الدّين سكمان بن نور الدّين على صغر سنه إِلَى خدمَة السُّلْطَان فَأكْرمه وَأَعَادَهُ إِلَى منصبه وَكَانَ مَعَه وزيره قوام الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن سماقة وَقتل غيلَة فِي رَمَضَان من هَذِه السّنة كَمَا سَيَأْتِي
ثمَّ سَار السُّلْطَان لقصد الْموصل وَولى تِلْكَ الديار مَمْلُوكه حسام الدّين سنقر الخلاطي فَنزل السُّلْطَان على دجلة بِكفْر زمار بِقرب الْموصل فِي شعْبَان وعزم على أَن يشتي فِي ذَلِك الْمَكَان فَخرجت من الْموصل نسَاء أتابكيات معرضات للشفاعة فأكرمهن السُّلْطَان ووعدهن بِالْإِحْسَانِ وَقَالَ قد قبلت شفاعتكن لَكِن لَا بُد من مصلحَة تتمّ وَمُصَالَحَة نَفعهَا يعم
وَاسْتقر الْأَمر على أَن يكون عماد الدّين زنكي صَاحب سنجار أَخُو صَاحب الْموصل وَسِيطًا فِي الْبَين وَحكما فِيمَا يعود بمصلحة الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَت شَفَاعَته سَابِقَة وَرَأى بِهَذَا الرَّأْي قَضَاء الْحَقَّيْنِ وَتعطف وتلطف لأجلهن وإجلالهن وأتى من الْكَرَامَة بِمَا يَلِيق بأمثالهن
وَكن ظنن أَنه لَا يُقيم لحُرْمَة قصدهن وَيصدق ظنونهن وَأَنه يعرف حقوقهن وَيَقْضِي بمكارمه ديونهن وَلَا يشْتَغل بِأَمْر لَا يُؤذن بمرادهن دونهن
فدخلن الْبَلَد متلومات متذممات وبلطف الله لائذات معتصمات