الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي فتح عسقلان وغزة والداروم وَغَيرهَا
قَالَ الْعِمَاد لما فرغ السُّلْطَان من فتح بيروت وجبيل ثنى عنانه عَائِدًا على صيدا وصرفند وَجَاء إِلَى صور نَاظرا إِلَيْهَا وعابرا عَلَيْهَا غير مكترث بأمرها وَلَا متحدث فِي حصرها ودلته الفراسة على أَن محاولتها تصعب ومزاولتها تتعب وَلَيْسَ بالسَّاحل بلد مِنْهَا أحصن فعطف الأعنة إِلَى مَا هُوَ مِنْهَا أَهْون
وَكَانَ قد استحضر ملك الفرنج ومقدم الداوية فِي قيودهما وَشرط مَعَهُمَا واستوثق مِنْهُمَا أَن يطلقهما من الْأسر والبلية مَتى تمكن بإعانتهما من الْبِلَاد الْبَقِيَّة وَعبر والعيون صور إِلَى صور وَمَا شكّ المركيس أَنه بهَا محسور مَحْصُور فَلَمَّا أرْخى من وثَاقه واتسع ضيق خناقه حلق فِي مطار أوطاره وحرك لغواته أوتار أوتاره
وَاجْتمعَ السُّلْطَان بأَخيه الْعَادِل واتفقا على طي المراحل وَنشر القساطل فَنزل على عسقلان يَوْم الْأَحَد سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة وشديدها قد لَان فتجلد من بهَا على الْحصار وتربصوا وتصبروا فنصب السُّلْطَان عَلَيْهَا مجانيق وَرَمَاهُمْ بهَا وجسر النقاب فحسر الثقاب وباشر الباشورة فَرفع الْحجاب وَاشْتَدَّ الْقِتَال واحتد المصال
وراسلهم عِنْد ذَلِك الْملك المأسور وَقَالَ قد بَان عذركم حِين نقب السُّور
وَجَرت حالات وتكررت حوالالت وترددت رسالات وَقَالَ لَهُم الْملك الْأَسير لَا تخالفوا مَا بِهِ أُشير واحفظوا رَأْسِي فَهُوَ رَأس مالكم وَلَا تخطروا غَيْرِي ببالكم فَإِنِّي إِذا تخلصت خلصت وَإِذا استنقذت استنقذت وَخرج مقدمون وشاوروا الْملك ونهجوا فِي التَّسْلِيم نهجا سلك وسلموا عسقلان على خُرُوجهمْ بِأَمْوَالِهِمْ سَالِمين واستوفوا بذلك الْمِيثَاق وَالْيَمِين وَذَلِكَ يَوْم السبت
لانسلاخ جُمَادَى الْآخِرَة وَخَرجُوا بنسائهم وَأَمْوَالهمْ
وَمِمَّنْ اسْتشْهد على عسقلان من الْأُمَرَاء الكبراء حسام الدّين إِبْرَاهِيم بن حُسَيْن المهراني وَهُوَ أول أَمِير افْتتح بِالشَّهَادَةِ واختتم بالسعادة
وَكَانَ السُّلْطَان قد أَخذ فِي طَرِيقه إِلَيْهَا الرملة ويبنى وَبَيت لحم والخليل وَأقَام بهَا حَتَّى تسلم حصون الداوية غَزَّة والنطرون وَبَيت جِبْرِيل وَكَانَ قد استصحب مَعَه مقدم الداوية وَشرط مَعَه أَنه مَتى سلم معاقلهم أطلقهُ فَسلم هَذِه الْمَوَاضِع الْوَثِيقَة لما اخذ موثقه كَذَا قَالَ الْعِمَاد فِي كتاب الْفَتْح
وَقَالَ فِي كتاب الْبَرْق وَمَا برح السُّلْطَان مُقيما بِظَاهِر عسقلان حَتَّى تسلم المعاقل الْمُجَاورَة لَهَا والبلاد
فَذكر الداروم وغزة والرملة ويبنى وَبَيت لحم ومشهد الْخَلِيل عليه السلام ولد وَبَيت جِبْرِيل والنطرون
قَالَ ابْن شَدَّاد وَلما فرغ بَال السُّلْطَان من هَذَا الْجَانِب يَعْنِي نَاحيَة بيروت رأى قصد عسقلان وَلم ير الِاشْتِغَال بصور بعد أَن نزل عَلَيْهَا ومارسها لِأَن الْعَسْكَر كَانَ قد تفرق فِي السَّاحِل وَذهب كل إِنْسَان يَأْخُذ لنَفسِهِ شَيْئا وَكَانُوا قد ضرسوا من الْقِتَال وملازمة الْحَرْب وَكَانَ قد اجْتمع فِي صور يسر الله فتحهَا كل فرنجي بَقِي فِي السَّاحِل فَرَأى قصد عسقلان لِأَن أمرهَا كَانَ أيسر وتسلم فِي طَرِيقه مَوَاضِع كَثِيرَة كالرملة ويبنى
والداروم فَأَقَامَ عَلَيْهَا المنجنيقات وقاتلها قتالا شَدِيدا وتسلمها سلخ جُمَادَى الْآخِرَة وَأقَام عَلَيْهَا إِلَى أَن تسلم أَصْحَابه غَزَّة وَبَيت جبرين والنطرون بعد قتال
قَالَ وَكَانَ بَين فتح عسقلان وَأخذ الفرنج لَهَا من الْمُسلمين خمس وَثَلَاثُونَ سنة فَإِن الْعَدو ملكهَا فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس مئة
وَذكر ابْن القادسي نُسْخَة كتاب كتبه السُّلْطَان إِلَى بعض أَهله وَفِيه انتقلنا إِلَى الْجَانِب الَّذِي فِيهِ الْقُدس وعسقلان ففتحنا قلاعه كلهَا وحصونه جَمِيعهَا ومعاقله بجملتها ومدنه بأسرها حيفا وقيسارية وأرسوف ويافا والرملة ولد وتل الصافية وَبَيت جِبْرِيل والدير والخليل ونازلنا عسقلان وَهِي المعقل المنيع والحصن الْحصين والتل الرفيع وَفِيهِمْ من الْقُوَّة وَالْعدة وَالْعدَد مَا تتقاصر الآمال عَن نيل مثلهَا فافتتحناها سلما لتَمام أَرْبَعَة عشر يَوْمًا من يَوْم نزولنا عَلَيْهَا ونصبت أَعْلَام التَّوْحِيد على أبراجها وأسوارها وعمرت بِالْمُسْلِمين وخلت من مشركيها وكفارها وَكبر المؤذنون فِي أقطارها وَلم يبْق فِي السَّاحِل من جبيل إِلَى أَوَائِل حُدُود مصر سوى الْقُدس وصور والعزم مصمم على قصد الْقُدس فَالله يسهله ويعجله فَإِذا يسر الله تَعَالَى فتح الْقُدس ملنا إِلَى صور وَالسَّلَام
وَفِي كتاب آخر تقدم ذكر بعضه قَالَ وَقد تفرق الْعَسْكَر قوم إِلَى
الْقُدس وَابْن زين الدّين وتقي الدّين نازلان على صور وَفتحت هونين بِالسَّيْفِ وتبنين بِالسَّيْفِ وإسكندرونة بِالسَّيْفِ
وَفِي كتاب آخر ونزلوا على صور وكاتبهم ملك بَيت الْمُقَدّس يطْلب الْأمان فَقَالَ لَهُ صَلَاح الدّين أَنا أجيء إِلَيْكُم فَقَالَ لَهُ المنجمون على نجمك أَن تدخل بَيت الْمُقَدّس وَتذهب عين وَاحِدَة مِنْك فَقَالَ قد رضيت بِأَن أعمى وآخذ الْبَلَد
قَالَ وَلم يمنعهُ من ذَلِك إِلَّا فتح صور وَمَا هِيَ شَيْء يقف عَلَيْهِ
وَقد خطب لأمير الْمُؤمنِينَ النَّاصِر لدين الله على ثَلَاثِينَ منبرا من بِلَاد الفرنج
قَالَ الْعِمَاد وفوض السُّلْطَان الْقَضَاء وَالْحكم والخطابة وَجَمِيع الْأُمُور الدِّينِيَّة بِمَدِينَة عسقلان وأعمالها إِلَى جمال الدّين أبي مُحَمَّد عبد الله بن عمر الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بقاضي الْيمن
قَالَ وَوصل إِلَى السُّلْطَان من مصر وَلَده الْملك الْعَزِيز عُثْمَان وَاجْتمعَ بِهِ على عسقلان فقرت عينه بولده واعتضد بعضده وَوضع يَده بتأييد الله فِي يَده
وَكَانَ قد استدعى بالأساطيل المنصورة فوافت كالفتخ الكواسر بالفلك المواخر وَجَاءَت كَأَنَّهَا أمواج تلاطم أمواجا وأفواج